كيف غيرت الـ B2 في طريقة التفاوض الأمريكي الإيراني؟

شكّل الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية في يونيو 2025، ضمن عملية "مطرقة منتصف الليل"، نقطة تحوّل جوهرية في مسار التفاوض بين واشنطن وطهران، حيث انتقلت الولايات المتحدة من استراتيجية الضغط الاقتصادي والدبلوماسية متعددة الأطراف إلى استخدام القوة العسكرية المباشرة، بالتوازي مع تقاطع غير مسبوق مع المقاربة الإسرائيلية. وتبدو إيران اليوم أمام مفترق حاسم: إما القبول بإملاءات أمريكية–إسرائيلية، أو المجازفة باستئناف البرنامج ومواجهة تصعيد عسكري جديد.

الكاتب ستراتيجيكس
  • تاريخ النشر – ٢٢‏/٠٧‏/٢٠٢٥

يُشكّل الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية تحولًا في طبيعة الملف النووي الإيراني، وفي المسار التفاوضي الذي خاضته الدولتان منذ عام 2011، والذي شهد تحوّله الأول خلال المفاوضات المنعقدة في الفترة بين أبريل ويونيو 2025، وجاء في سياق تداعيات وتطورات الحرب في قطاع غزة. ويُحتمل أن تشهد أي مفاوضات قادمة تحولًا ثانيًا أكثر وضوحًا، لا سيّما بعد نتائج الضربة الأمريكية في يونيو 2025. ويتعدّى ذلك أطر التفاوض من حيث الشكل والطبيعة والأطراف والأهداف والمدّة الزمنية، إذ تترتب على الأطراف الفاعلة في المشهد، وتحديدًا إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، أولويات وخيارات محلية وخارجية تتقاطع وتتداخل مع رؤية كلٍّ منها للملف النووي الإيراني ومستقبله.

لحظة تقاطع المقاربتين الأمريكية-الإسرائيلية

شكلت عملية "مطرقة منتصف الليل التي استهدفت بها الولايات المتحدة المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية: نطنز، أصفهان، وفوردو، في 22 يونيو 2025، نقطة تحوّل استراتيجية، ولحظةً فارقةً تقاطعت فيها المقاربتان الإسرائيلية والأمريكية بشأن الاستجابة المثلى للملف النووي الإيراني. ففيما سبق، اتبعت كلٌّ من الدولتين تكتيكها الخاص، وربما المتناقض أحيانًا؛ إذ ركّزت الولايات المتحدة على المسار التفاوضي متعدّد الأطراف، الذي بدأته منذ عام 2013، ثم الاتفاق النووي لعام 2015، ثم مفاوضات فيينا لعام 2021 في ظلّ إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وصولًا إلى مفاوضات الطرفين "شبه المباشرة" عام 2025. وباستثناء الجولات الأخيرة، التي استمرّت بين أبريل ويونيو، كان الإطار التفاوضي غير متكافئ؛ إذ امتلكت فيه الولايات المتحدة الورقة الاقتصادية كأداة ضغط، وطرحت رفع العقوبات المفروضة على إيران منذ عام 2006، مقابل التزام الأخيرة بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزي، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالرقابة على المنشآت النووية الإيرانية. وقد قابلت إيران ذلك بامتلاكها مجموعة معقّدة ومركّبة من الأوراق التفاوضية، من بينها أنشطة وكلائها الإقليميين وسلوكهم المزعزع للاستقرار، إضافةً إلى برنامجها الصاروخي.

على النقيض، عارضت إسرائيل المسار التفاوضي ونتائجه المتحصّلة في اتفاق مجموعة العمل المشتركة لعام 2015، واستمرّت في تأدية دور المُعرقل لتلك المفاوضات بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأولى (2017–2021) من الاتفاق السابق، وهو انسحاب كانت إسرائيل قد رحّبت به. واتبعت إسرائيل نهجها الخاص، المُستند إلى العمليات السرية والاستخباراتية؛ ففي عام 2010، اتُّهمت بتنفيذ عملية قرصنة باستخدام برمجيات عُرفت باسم "ستاكسنت"، والتي عطّلت آلاف أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز. وفي عام 2018، استولت الاستخبارات الإسرائيلية على الأرشيف النووي الإيراني، الذي يحتوي على نصف طن من الوثائق، من مستودع محصّن جنوب طهران. وفي يوليو 2020، اتُّهمت بانفجارات طالت منشأة نطنز وأدّت إلى تضرّر أجهزة الطرد المركزي. وفي الشهر نفسه، وقعت سلسلة من الحرائق والانفجارات المجهولة في مواقع صناعية متعددة الأغراض، من بينها مواقع نووية. وفي نوفمبر من العام ذاته، اتُّهمت إسرائيل بعملية معقّدة اغتيل خلالها العالم الإيراني محسن فخري زاده. ثم في أبريل 2021، اتُّهمت إسرائيل بحادثة تخريب في محطة نطنز أدّت إلى تضرّر عدد من أجهزة الطرد المركزي المتقدّمة.

استمر ذلك حتى إطلاق إسرائيل عملية "الأسد الصاعد" في 13 يونيو 2025، التي استهدفت بشكل مباشر أهدافًا داخل إيران، من بينها مراكز الأبحاث العلمية، والمنشآت النووية، والصناعات العسكرية، بالإضافة إلى تدمير النسخة الاحتياطية من الأرشيف النووي، واغتيال أبرز العلماء النوويين الإيرانيين. وقد هيّأت هذه العملية، بشكل تراكمي منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، الطريق والظروف الإقليمية المناسبة لتدخل الولايات المتحدة وتنفيذ عملية "مطرقة منتصف الليل"، التي يُمكن القول بأنها شكّلت اللحظة التي توحدت خلالها مقاربتا الدولتين نحو استخدام القُوة العسكرية المباشرة والضاربة ضد البرنامج النووي الإيراني، وهو الهدف الذي لطالما سعت إليه إسرائيل وطالبت به الولايات المتحدة، التي ظلّت ملتزمة بالمسار التفاوضي، بل وسعت إلى فرضه على إسرائيل، في ضوء عدم امتلاك الأخيرة للقدرات اللوجستية والتسليحية اللازمة لتدمير المنشآت النووية أو ضربها بشكل عميق. وفي الواقع، لا يُعدّ هذا التحوّل مؤقتًا أو عابرًا؛ إذ ترتّب عليه استخدام فعلي للقوة الصلبة، وذلك للمرة الأولى منذ إنشاء إيران برنامجها النووي. كما ترتّبت على نتائجه التزامات أمريكية مستمرة تقضي بعدم السماح بعودة إيران إلى الوضع الذي سبق الضربة، أو العودة إلى اعتبار المفاوضات الأداة الاستراتيجية الوحيدة والخيار الأمثل للحدّ من قدرات إيران النووية، لا سيما أن العمل العسكري جاء دون عواقب أو تداعيات تُذكر، بل كان حاسمًا في وقف التصعيد بين الطرفين (إسرائيل وإيران).

كيف-غيرت-الـ-b2-في-طريقة-التفاوض-الأمريكي-الإيراني-in-1.jpg

واقع المفاوضات بعد "مطرقة منتصف الليل"

استندت أغلب المفاوضات الأمريكية–الإيرانية متعددة الأطراف في السابق، وكذلك العمليات السرّية الإسرائيلية، إلى هدف رئيس يتمثّل في تأخير أو تعطيل التطوّر النووي الإيراني، وتجميد عمليات التخصيب.

لكنّ هذا الهدف شهد توسعًا ملحوظًا نحو السعي لتدمير كامل البرنامج، تحت تأثير النتائج والتداعيات التي نجمت عن الحرب في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، والتي طالت، جزئيًا، أوراق القوة الإيرانية الفعلية والتفاوضية، بعد أن ألحقت أضرارًا كبيرة بشبكة وكلائها، وعلى رأسهم حزب الله اللبناني، وما تلا ذلك من انهيار عملي لمقوّمات استراتيجيتها المسماة "وحدة الساحات"، وتفكك ما يُعرف بمحور "المقاومة". وقد جاءت التداعيات السلبية على الموقع التفاوضي الإيراني في ضوء هذا الواقع، في مرحلة سبقت الهجمات الإسرائيلية–الأمريكية، إذ شكّلت جولات التفاوض الأمريكية–الإيرانية الخمس، المنعقدة في الفترة بين أبريل ويونيو 2025، استثناءً عن جميع الجولات السابقة، وعلى أكثر من صعيد.

ففي السابق، اتسمت المفاوضات بعدة خصائص، من أبرزها طول فترة التفاوض وتعقّد مراحلها، وتوازن الأوراق التفاوضية بين الطرفين، وتعدد الأطراف المُيسّرة أو الوسيطة للمفاوضات، وكذلك عدم قابلية إيران لتقديم تنازلات تتجاوز الأطر التكتيكية في برنامجها النووي. فعلى سبيل المثال، استمرت المفاوضات بين إيران ومجموعة (5+1)، التي تضم الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وروسيا، والصين، لما يقارب ثلاث سنوات، منذ انطلاقها في إسطنبول عام 2012، وصولًا إلى التوقيع على اتفاق أولي عُرف باسم "إطار التعاون المشترك" في نوفمبر 2013، والذي شهد وقفًا مؤقتًا لبعض الأنشطة النووية، مقابل تخفيف الولايات المتحدة بعض العقوبات. ثم تواصلت المفاوضات إلى أن تمّ التوصل إلى الاتفاق النووي المعروف بـ "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) عام 2015، والذي وافقت إيران بموجبه على تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي إلى الثلث، والحدّ من نسبة التخصيب إلى ما لا يتجاوز 3.67%، وخفض مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى أقل من 300 كغ، مع إخضاع منشآتها لمراقبة دولية لمدة 15 عامًا.

في المقابل، جاء الإطار التفاوضي لعام 2025، ليشهد اختلافات جوهرية، من أبرزها: أن الرغبة الأمريكية في عقد تلك المفاوضات جاءت باعتبارها فُرصة أخيرة، لتوظيف حالة الضعف التي لحقت بإيران جراء الحرب، بهدف فرض الإملاءات ودفع إيران إلى تقديم تنازلات استراتيجية، وليس فقط تأخير أو تجميد أنشطتها النووية على غرار أطر التفاوض السابقة. بالإضافة إلى ذلك، استبعدت واشنطن الأطراف الوسيطة، الأوروبية منها والروسية والصينية، وعقدت المفاوضات بطريقة "شبه مباشرة". أما الأهم، فكان تحديد مدة زمنية لتحصيل نتائج ملموسة، قدّرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بستين يومًا، وهي المهلة التي أعقب انتهاؤها تنفيذ الخيار العسكري، دون انتظار لعقد الجولة السادسة التي كانت مقرّرة في 14 يونيو 2025.

يُشير هذا التحوّل إلى أن جولات المفاوضات القادمة ستأخذ بعين الاعتبار المتغير الأهم، وهو تدمير المنشآت النووية الرئيسية، وفقدان إيران القدرة على تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجته، بدءًا من تحويله إلى "الكعكة الصفراء"، وصولًا إلى إنتاج اليورانيوم المعدني (المخصب). ما يعني أن الأصول النووية التي نجت من الهجمات ستبقى، من الناحية العملية، مُجرّدة من فعاليتها، إلى حين إعادة ترميم الأجزاء المتضررة من المنشآت.

النووي الإيراني وخيارات الأطراف الفاعلة

أدّت الضربة الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية إلى إلحاق أضرار بالغة بها، لكن حتى اللحظة، لا يزال هناك خلاف وتباين عميق بين تقديرات الأجهزة الاستخباراتية وتلك العسكرية؛ إذ يشير الجيش الأمريكي إلى أن منشأة "فوردو" قد دُمّرت كليًا، في حين تُشكّك التقارير الاستخباراتية في ذلك، وتُشير بدرجات متفاوتة إلى أن الضرر الذي لحق بالمنشآت محدود، وقد يُعطّلها لعدة أشهر أو سنوات معدودة، قبل أن تتمكن إيران من إعادة تأهيل أدواتها ومعدّاتها، وقوّتها التشغيلية البديلة عن الخبراء والعلماء الذين جرى اغتيالهم. يُضاف إلى ما سبق أن التقديرات الأوروبية والإسرائيلية والأمريكية تُشير إلى امتلاك إيران نحو 400 كغ من اليورانيوم عالي التخصيب، القابل – نظريًا، وفقًا لآراء الخبراء – للتحويل إلى قنبلة نووية، إذا ما توفرت المعرفة والأدوات اللازمة لذلك في المستقبل.

في الواقع، تُعدّ حالة البرنامج النووي الإيراني أكثر تعقيدًا مقارنةً بالبرامج النووية التي سبق أن دمّرتها الولايات المتحدة أو إسرائيل، مثل برنامجي العراق وسوريا، أو برنامج ليبيا الذي تمّ تفكيكه. ففي حالة إيران، يُعتبر برنامجها النووي متقدّمًا، ويعتمد إلى حدّ كبير على المعرفة المحلية، ويزيد عمره عن ثلاثين عامًا، كما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعقيدة النظام السياسي ومرتكزاته. وتُعدّ هذه الخصوصية من بين العوامل التي تجعل من الصعب الحديث عن إنهاء البرنامج بشكل كامل، أو تخلي طهران عن ترميمه واستكمال العمل فيه. ويُشير ذلك، في الوقت نفسه، إلى أن هذا البرنامج سيظل موضوعًا دائمًا على طاولة القرار في كل من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. وعلى الرغم من تدمير الأدوات وربما تصفية بعض الخبرات، فإن إيران لا تزال تمتلك التجربة، والإرادة، والقدرة – كما أظهرت على مدى العقود الماضية – وهي عوامل كفيلة بترجيح أن تسعى كلٌّ من الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الدفع نحو مفاوضات سريعة وحاسمة، أو الرد بعمل عسكري آخر، حيث إن التأخير في استكمال الأهداف قد يعيد الدولتين إلى نقطة الصفر.

كيف-غيرت-الـ-b2-في-طريقة-التفاوض-الأمريكي-الإيراني-in-2.jpg

حتى الآن، يبدو أن الولايات المتحدة ترغب في منح الإطار التفاوضي فرصة لتحويل النتائج العسكرية – بغض النظر عن تباين تقييمها – إلى مكاسب سياسية أكثر رسوخًا. ومن المفترض أن إيران أيضًا معنية بهذا المسار، لا سيّما أن التهديدات بالعمل العسكري ضدها باتت أكثر معقولية وصدقية. كما أن قدرة إيران على إدارة أي أنشطة نووية سرّية مستقبلًا تبدو محدودة، في ظلّ الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي الواسع، وربما نتيجة معرفته المسبقة بأماكن تخزين كميات اليورانيوم المُخصّب التي نُقلت من منشأة "فوردو" قبل الضربة الأمريكية. ويُعزّز هذا الاحتمال تصريح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في 8 يوليو 2025، بأن إيران مهتمة بالمسار الدبلوماسي، وهو تصريح جاء عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن واشنطن وطهران تخططان لإجراء مناقشات. ومع ذلك، يمكن القول إن الإطار التفاوضي المرتقب سيشهد تحولًا جوهريًا جديدًا، ربما أكثر عمقًا من ذلك الذي انعقد خلال الفترة بين أبريل ويونيو 2025. وفي هذا الإطار، يمكن ترجيح خيارين أساسيين، هما: 

أولاً: الدفع بمسار تفاوضي يتجاوز أنماط الاتفاق المرحلي أو التفاهم المؤقت، ويُفضي إلى تفكيك شامل للقدرات النووية الإيرانية داخل أراضيها، مقابل منحها حقًا جزئيًا في الاستخدام السلمي خارج حدودها. وهو ما تضغط إسرائيل لتحقيقه؛ إذ شدّدت، في أعقاب الضربة الأمريكية، على أن المسار التفاوضي يجب أن يُفضي إلى نتيجة واحدة: التفكيك الشامل والنهائي للبرنامج النووي الإيراني، ونقل مخزون اليورانيوم المخصّب إلى دولةٍ طرفٍ ثالث، تحت إشرافٍ دوليٍ كامل.

ثانياً: تجميد أنشطة تخصيب اليورانيوم في إيران عند مستويات منخفضة، مع الإبقاء على قدرة محدودة لأغراض سلمية ضمن نسبة 3.76%، تحت مراقبة دولية موسّعة. وتتضمن هذه المراقبة آليات تفتيش أكثر صرامة من تلك التي نصّ عليها اتفاق عام 2015، وذلك من خلال الدفع بطرفٍ ثالث للإشراف على الممتلكات النووية الإيرانية، وضمان وصولٍ غير مشروط إليها. وقد يُمثّل هذا الطرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بينما قد يُسمح – في نطاقٍ أوسع – بإعادة تشغيل المنشآت النووية المُعلنة، مثل نطنز، تحت إدارة دولةٍ محايدة ذات خبرة نووية متقدّمة، مثل فرنسا أو كوريا الجنوبية، لا سيّما أن الدولتين تربطهما علاقات تعاون نووي واسعة النطاق مع دولٍ أخرى في الشرق الأوسط.

وأخيرًا؛ وأخيرًا، يمكن القول إن إيران، في سياق ما بعد الضربة الأمريكية، باتت أمام خيارين أساسيين: إما التقيد بالشروط والإملاءات الأمريكية–الإسرائيلية، أو رفض التفاوض ضمن تلك الشروط، والعودة إلى بناء قدراتها النووية، وهو ما قد يعني استئناف الخيار العسكري ضدها. فمن جهة، قد تجد طهران نفسها مضطرة إلى التفاوض كخيار اضطراري مدفوع بالضغط العسكري، لا انطلاقًا من موقع امتلاك أوراق قوة، كما كان عليه الحال في أنماط التفاوض السابقة. إذ إن المخاوف من تداعيات الحرب مع إسرائيل على الداخل الإيراني وانعكاساتها على شرعية النظام، إلى جانب الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، تدفع طهران إلى قبول الخيارات التفاوضية المتوقعة، بهدف احتواء الضغوط الدولية، وتفادي الانقسامات السياسية والتصعيد الداخلي المحتمل. ومن جهة أخرى، قد يتعثر المسار التفاوضي نتيجة تمسّك النظام الإيراني بحق التخصيب النووي داخل أراضيه، باعتباره مشروعًا سياديًا لا يمكن التنازل عنه أو مشاركته مع أطراف خارجية، لا سيما في ظلّ ضغوط التيار المتشدد الرافض للقبول بأي شروط أمريكية–إسرائيلية إملائية. ما قد يؤدي في النهاية إلى فشل المسار التفاوضي، وإعادة تفعيل الخيارين العسكري والاستخباراتي ضد المنشآت النووية، في محاولة لإنهاء البرنامج بالكامل بالقوة.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات