المشهد الجيوسياسي السوري في ظل التنافس الإسرائيلي-التركي

تشهد الساحة السورية تصاعداً في التنافس التركي–الإسرائيلي، في ظل اختلاف رؤيتهما لبنية السلطة الجديدة بعد تغيير النظام في ديسمبر2024؛ فبينما سارعت تركيا لدعم الحكومة الانتقالية وتثبيت نفوذها، رأت إسرائيل في صعود الفصائل السلفية المدعومة تركيًا تهديدًا لأمنها القومي وترتيب موازين القوى. وهو ما يعكس تحوّل سوريا إلى ساحة مركزية في رسم توازنات الشرق الأوسط الجديد، لكنه يُبقي التنافس ضمن نمط "مُدار".

الكاتب ستراتيجيكس
  • تاريخ النشر – ٠٦‏/٠٧‏/٢٠٢٥

تشهد العلاقات الإسرائيلية–التركية تحولاً واضحاً نحو التنافس في الساحة السورية منذ تغيير النظام في 8 ديسمبر 2024، بعد أن كان موقفهما المشترك المناهض للنظام السابق يشكّل أرضية لتقارب تكتيكي ومصلحة مؤقتة. إلا أن التباين العميق في مقاربات الطرفين تجاه بنية السلطة الجديدة، والنموذج المرغوب لنظام الحكم في سوريا، فضلاً عن رؤيتهما المختلفتين لدور الجغرافيا السورية في التوازنات الإقليمية المتغيرة، أدى إلى تصاعد التوتر بينهما. وبهذا، تتحول سوريا إلى ساحة منافسة جيو-استراتيجية بين قوتين تسعيان لتثبيت نفوذهما، في تنافس قد تكون له تداعيات مباشرة على مستقبل البلاد السياسي، والأمني، وحتى الاجتماعي.

الجغرافيا السورية: تحول الدور وتغير الفاعلين

شكّل تغير النظام السابق وصعود قُوى المُعارضة المسلحة، تحولاً جوهرياً في مشهد الفاعلين في الشأن السوري، وأنتج مصفوفة مُتغيرة من المصالح والتنافس، ومن المكاسب والفرص إلى التحديات والمخاوف. وقد بدأت هذه التحولات منذ أن أطلقت "هيئة تحرير الشام" والفصائل الأخرى المُتحالفة معها، عملية "ردع العدوان" في 27 نوفمبر 2024، ونجاحها في تغيير النظام في 8 ديسمبر من العام نفسه، بعد أن ساهمت عوامل مُتضافرة ومُترابطة في تحريك الجمود الذي ساد النزاع منذ عام 2018، وكان من أبرز هذه العوامل الدعم والتنسيق التركي مع قُوى المعارضة، والذي وفر زخماً حاسماً للهجوم، ورُبما أثناء مرحلة التحضير له، بالنظر إلى مؤشرات مثل تعزيز تركيا تواجد قواتها منذ أكتوبر 2024 بأرتال تضم آليات عسكرية وناقلات جند وتعزيزات لوجستية وأنظمة دفاع جوي ورادارات، بالتزامن مع الزيارة التي أجراها قادتها العسكريون مطلع أكتوبر، ومن بينهم قائد القوات البرية إلى القواعد العسكرية التركية شمالي سوريا.

وقد جاء ذلك، بعد أن ساهمت تطورات الحرب في قطاع غزة، في تهيئة الميدان لتحرك المُعارضة بشكل غير مُباشر، بعدما توسعت إسرائيل في عملياتها لتشمل تدمير قُدرات حزب الله في لبنان وسوريا، وضرب هيكله القيادي، بالإضافة إلى استهداف البُنية العسكرية والقيادية للحرس الثوري الإيراني في سوريا، وخاصة من القادة الإيرانيين المسؤولين عن التواصل والدعم اللوجستي والاستخباراتي في سوريا ولبنان، ما أفقد النظام السابق ركائز استمراريته ومقومات سيطرته، خاصةً مع تغير أولويات روسيا وتوجيه ثقلها الاستراتيجي بشكل مُتزايد نحو الحرب في أوكرانيا منذ عام 2022، بعد أن ساهمت مشاركتها منذ عام 2015 في تشكيل المشهد السوري عبر عملياتها العسكرية ومشاركتها في التسويات السياسية.

وقد كانت النتيجة المُباشرة والأكثر تأثيراً في تلك التطورات أن خلق تغيير النظام فراغاً كبيراً، ليس في السُلطة فحسب، بل في تموضع الجغرافيا السورية وتوظيفاتها، بعد تراجع أدوار كُلٍّ من روسيا وإيران، اللتين لعبتا أدوارًا فاعلة في تشكيل العُلاقة بين القُوى المحلية، وفي ضبط وتوازناتها، وفي توظيف الساحة السورية، سواء كجزء من المصالح الاستراتيجية لروسيا، أو كطرف في "محور المقاومة" التابع لإيران. وبذلك سعت كلٌّ من تركيا وإسرائيل باعتبارهما الطرفين المساهمين بشكل مباشر أو غير مباشر في ذلك التغيير ـ إلى توجيه الاتجاه المستقبلي للجغرافيا السورية إما لتحقيق مصالح جيوسياسية، أو لمنع ظهور تهديدات ناشئة.

المصفوفة المتغيرة من المصالح والتحديات

أحدثت التحولات الجارية في سوريا تناقضاً متعدد الأبعاد بين تركيا وإسرائيل، انعكس في مواقفهما المتباينة من السلطة الجديدة، وحول نموذج الحكم المستقبلي، وفي طبيعة علاقاتهما مع الفاعلين المحليين، فضلاً عن اختلاف مقارباتهما للمصالح والتحديات الناشئة؛ فما اعتبر فرصة للطرف الأول، أُعتُبر تهديداً مباشراً للطرف الآخر.

فمن جانبها، سارعت تركيا إلى إعلان دعمها للحكومة الانتقالية والتحالف معها، مُرسلةً وفوداً سياسية وأمنية رفيعة إلى دمشق، ومُبديةً رغبة في تطوير شراكات دفاعية تشمل تمركز قوات برية وجوية، ونشر منظومات دفاع جوي على الأراضي السورية. كما حدّدت مجموعة من المبادئ الحاكمة لسياستها، في مقدمتها رفض أي صيغة من صيغ اللامركزية التي قد تتيح للأكراد حكماً ذاتياً. كما أدّت دوراً محورياً إلى جانب السعودية والأردن في تثبيت التحول السياسي السوري على المستوى الدولي، من خلال تسهيل انفتاح الحكومة المؤقتة على المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة. وقد حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، خلال زيارة ترامب إلى الرياض في 14 مارس 2025. وضمن هذا الإطار، ساهمت تركيا كذلك في الجهود متعددة الأطراف لرفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على سوريا.

المشهد-الجيوسياسي-السوري-في-ظل-التنافس-الإسرائيلي-التركي-in-1.jpg

على النقيض، اعتبرت إسرائيل التغير في سوريا تحولاً في شكل التهديد، من جماعات مُسلحة شيعية مدعومة من إيران، إلى جماعات مُسلحة سلفية مدعومة من تركيا، وسارعت منذ الساعات الأولى من تغيير النظام، إلى تنفيذ حملة جوية ضد قُدرات الجيش السوري السابق البرية والجوية والبحرية ومستودعات الأسلحة في جميع أنحاء سوريا، دمرت خلالها 80% من القدرات العسكرية بحسب الجيش الإسرائيلي. بالإضافة إلى سيطرتها على كامل مرتفعات الجولان وجبل الشيخ وتوغلها في ريف درعا الغربي، بعد إعلانها انهيار اتفاقية فك الاشتباك مع سوريا لعام 1974. وفي الواقع، تسعى إسرائيل إلى ترسيخ عمقها الأمني في الجنوب السوري، ومنع أي طرف من امتلاك وسائل قتالية قد تُشكل تهديدًا لها على المدى القريب والبعيد. وتمارس ضغوطاً نشطة ضد عودة سلطة مركزية قوية في سوريا، حيث أعلنت حمايتها للمكون الدرزي في الجنوب، ونظرت للأكراد باعتبارهم شركاء محتملين، وتفضل الاحتفاظ ببعض الحكم الذاتي للأكراد والدروز كحاجز استراتيجي ضد الجماعات المسلحة وبقايا النفوذ الإيراني أيضاً.

ويدخل في إطار ذلك التنافس والتحركات المتناقضة نقاط خلاف رئيسية، من بينها الصدع الأيديولوجي بين الدولتين، خاصة من جهة ربط إسرائيل للدعم التركي للفصائل الإسلامية التي تقودها هيئة تحرير الشام، والتي أصبحت لاحقاً جزء من السلطة، باعتباره جزء لا يتجزأ من المشهد الأوسع للتقارب بين تركيا والحركات الإسلامية عموماً، لا سيما حركة حماس. وهو ما يُثير المخاوف الإسرائيلية من تموضع الجيش السوري المشكل حديثاً من تلك الفصائل على حدودها، وقد حذرت لجنة ناجل الإسرائيلية من أن "سوريا ذات التوجه التركي والتي يحكمها الإسلاميون قد تشكل تهديداً أكبر من سوريا المتحالفة مع إيران". إلى جانب ذلك، تسهم المنافسة الاقتصادية في توسيع الهُوة بين الدولتين، حيث تُمثل طموحات تركيا الاقتصادية الأوسع -بما في ذلك رغبتها في السيطرة على حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، وربما عرقلة مشاريع إسرائيل لبناء خطوط أنابيب الغاز تحت الماء مثل خط أنابيب إيست ميد- عاملاً إضافيًا للتوتر، خاصةً وأن أنقرة قد وقعت سابقاً اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع الحكومة الليبية في طرابلس في 27 نوفمبر 2019، ثُم اتفاقاً آخر في أكتوبر 2022 يتيح لها التنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية الليبية.

من بوادر الصراع إلى آليات خفض التصعيد

دخل التنافس التركي/الإسرائيلي منعطفاً خطيراً، بعد أن وجهت إسرائيل سلسلة من الضربات التي استهدفت مطار حماة العسكري وقاعدة T4 الجوية في مارس 2025، واللتين كانت تدرس تركيا نشر قوات جوية وأنظمة دفاع جوي و رادارات فيهما، مما يهدد أحد أهم الأهداف الإسرائيلية في الجغرافيا السورية، والمتمثل في حُرية طيرانها في المجال الجوي السوري، والذي تبين أنه يتعدى أبعاد الشأن السوري ويتصل كذلك بحُرية العمل والوصول إلى الأجواء الإيرانية عبر سوريا والعراق، ما يعني أن التوسع العسكري التركي، وخاصة ما يتعلق منه بالأنشطة المؤثرة على المجال الجوي أو الكاشفة له أو المُهددة له، يدخل في تصادم مُباشر مع التحركات الإسرائيلية الأوسع في المنطقة.

شكلت تلك الحادثة، التصعيد العسكري الأول غير المٌباشر بين الدولتين، والذي استدعى تدخلاً أمريكياً لضبطه، إذ توسط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين الدولتين، ما أفضى إلى إنشاء خط اتصال مباشر بينهما في مايو 2025، لحل أي سوء تفاهم عسكري عرضي بين قواتهما العاملة في أجزاء مختلفة من سوريا بسرعة. وهي سمة من سمات التنسيق بين الدول النشطة عسكرياً في الساحة السورية، فقد سبق لروسيا وإسرائيل أن أنشأتا خطًا ساخنًا عام 2015 لمنع الاشتباك بين قُواتهما الجوية، وفي العام نفسه أنشأت الولايات المتحدة وروسيا خطاً مُشابهاً، كما اتفقت روسيا وتركيا على آلية "تفادي الاشتباك" عام 2019. مع ذلك، لا يُعدّ الخط الساخن بين الطرفين سوى آلية تنسيق تهدف إلى منع الاشتباك العسكري المباشر، ما يُضعف من دوره كقناة لتبادل الآراء. وهو بذلك يُعبّر عن نمط من 'التنافس المُدار' أكثر منه وسيلة لإبرام التفاهمات. ورغم محدودية تأثيره، فإن إنشاؤه يعكس تنامي المخاوف من انزلاق التنافس إلى مواجهة عسكرية غير مقصودة، في سياق عمليات ميدانية معقّدة ومزدحمة. كما يُعد مؤشراً على عُمق التنافس بين الدولتين واحتمالية توسعه إلى صراع في أي لحظة.

في الواقع، إن عُمق التنافس بين الدولتين، مُتعدد الطبقات، ولا يقتصر على متطلباتهما المُباشرة في الساحة السورية، التي ترتبط بشكل أوسع في متطلبات الأمن القومي لديهما، وفي تصوراتهما تجاه توازن القوى الإقليمي مستقبلاً. فمن جهة نظرت تركيا بقلق تجاه التحركات الإسرائيلية في سوريا حتى قبل تغيير النظام، إذ حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكتوبر 2024، من مخاطر تحرك إسرائيلي نحو العاصمة 

دمشق، والذي قد يتمدد وصولاً إلى الشمال السوري، وبالتالي تهديد الحدود الجنوبية لتركيا، فيما ترى إسرائيل أن التحرك التركي يُعد تموضعاً في الفراغات التي خلفها التراجع الإيراني، وأن الجيش التركي سيكون قادرًا على إنشاء مسار لوجستي وعسكري وصولاً إلى الحدود الإسرائيلية، وأن نيرانه البرية والجوية ستصبح قادرة على تهديد حدودها ومجال طيرانها العسكري النشط، خاصة وأن ذلك التنافس في سوريا جاء بعد تراجع حاد في علاقات الدولتين، إثر الحرب في قطاع غزة، وإعلان أنقرة وقف الصادرات والواردات وتجارة الترانزيت بينهما في 2 مايو 2024، ثُم قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في 13 نوفمبر 2024، ووقف الرحلات الجوية إلى مطار بن غوريون منذ أكتوبر 2023، وانضمام تركيا إلى جنوب أفريقيا في دعوى محكمة العدل الدولية في أغسطس 2024.

الساحة السورية كفاعل في رسم المشهد الجيوسياسي 

ترتبط العوامل الأوسع للتنافس التركي/الإسرائيلي في سوريا، بما تمثله الأخيرة من ساحة رئيسية لتحديد معالم المشهد الجيوسياسي المستقبلي في الشرق الأوسط، والتي ترغب إسرائيل في أن تكون الطرف المُهندس له، والقُوة الفاعلة والمركزية فيه، فيما تُحاول تركيا الحفاظ على الإقليم ببيئة مُتعددة الأقطاب. إذ تشعر إسرائيل بأن تطورات الحرب في قطاع غزة والتي أضرت بشكل بالغ في المحور التابع لإيران، كفيلة بترتيب المنطقة بما يتناسب مع مصالحها، وقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك في سبتمبر 2024، معلنًا العمل على "تغيير الواقع الاستراتيجي في كامل الشرق الأوسط"، وهو المضمون الذي كرره في أكثر من مُناسبة، من بينها تلك التي جاءت في إطار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية الإيرانية، والتي قال خلالها "سنرى شرق أوسط مختلف لم نره من قبل". وقد دفع ذلك تركيا إلى اتخاذ موقف مُعارض من العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، وتقديم الدعم المعنوي لطهران خلالها، بالرغم من سمة التنافس الإقليمي بينهما.

المشهد-الجيوسياسي-السوري-في-ظل-التنافس-الإسرائيلي-التركي-in-2.jpg

وفيما يبرز من تنافس الدولتين في الساحة السورية، التحركات العسكرية دون غيرها، إلا أن كليهما يتبع مسارات مُتنوعة لتقويض تحركات الآخر ونفوذه، فمن جهة إسرائيل؛ تعمل على تطوير أدوات أكثر تعقيداً من مجرد دعمها للأقليات، خاصة تجاه إبدائها المرونة لاستكشاف الحكومة المؤقتة الجديدة، وهو المسار الذي تطور من التحفظ تجاه السلطة الجديدة بعد أيام من صعودها، نحو العداء لها واعتبارها خطراً محتملاً، وصولاً إلى الانفتاح على بحث العُلاقات معها،  فمنذ مارس 2025 غيرت إسرائيل تدريجياً من خطابها تجاه سوريا، ففي 12 من الشهر ذاته ذكر وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر أن إسرائيل مهتمة "بعلاقات جيدة مع النظام السوري الجديد"، ليتطور ذلك الخطاب، بإعلان ساعر في 30 يونيو 2025 أن تل أبيب مهتمة بتطبيع علاقاتها مع سوريا ولبنان. وأمام هذا التحول، تُجري الدوليتان مُفاوضات غير مباشرة عبر وُسطاء، كشف عنها رسمياً الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع خلال زيارته إلى فرنسا في مايو 2025. وقد يشهد ذلك المسار اختراقاً بعد انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، التي استخدمت فيها الأجواء السورية كممر عبور رئيسي آمن.

ومن الناحية النظرية، تُدرك إسرائيل أن التطبيع مع سوريا، أو توقيع اتفاقيات أمنية معها بالحد الأدنى، سيقلل من اعتمادها على تركيا، لا سيما في المجالات التي قد تُقدم فيها إسرائيل ضمانات أمنية أو مزايا اقتصادية بديلة. وهذا من شأنه أن يُقوّض بشكل كبير من الطموح التركي في تشكيل المشهد الجيوسياسي السوري بصورة مُنفردة.

في المُقابل، لا تعمل تركيا في الساحة السورية بصورة منفردة، بل ضمن نشاط متعدد الأطراف ومُتوافق في الأهداف مع الدول العربية، فقد دفع تغيير النظام إلى إقامة أطر من التعاون العربي/التركي متعدد الأطراف في الساحة السورية، وقد أدانت الدول العربية الأعمال العسكرية الإسرائيلية في سوريا، باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي ولسيادة سوريا، وتتجلى أهمية هذا التعاون، في تشكيل إطار عمل جماعي ضاغط على الولايات المتحدة وموجه لسياساتها تجاه سوريا، وهو ما أثمر في إعلان ترامب عن رفع العقوبات عن سوريا في مايو 2025.

ومن جهة أخرى، تحاول تركيا تقويض الأُطر اللامركزية التي تسعى إسرائيل لتثبيتها في سوريا، من خلال تحجيم أدوار قوات سوريا الديمقراطية، وتهديداتها عقب تغيير النظام بتنفيذ عمليات عسكرية ضدها، قبل أن تقدم الولايات المتحدة خطوات لتهدئة مخاوف أنقرة، ففي ديسمبر 2024، توسطت واشنطن بتمديد اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا و "قسد" حول مدينة منبج شمال سوريا، كما يبرز التوافق التركي - الأمريكي حول ملف الأكراد وتهدئة المخاوف التركية، في الرعاية الأمريكية لاتفاق قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مع الحكومة السورية المؤقتة في مارس 2025 لتحقيق اندماج "قسد" في مؤسسات الدولة.

وأخيراً، يبقى من المستبعد تحول التنافس التركي/الإسرائيلي إلى حالة من الصراع، أو حتى وصوله إلى عتبة التصعيد العسكري؛ إذ إنه وعلى المدى القريب، قد يبدو احتفاظ الدولتين بمناطق نفوذهما أمرًا واردًا، وهو ما سيشهد تحولًا في حال تغيرت طبيعة العلاقات ما بين سوريا وإسرائيل أو بين إسرائيل وتركيا إلى ما كانت عليه قبل الحرب على غزة، ويضاف إلى ذلك الانخراط الأمريكي المكثف في الشأن السوري، والذي سيحول دون أي تجاوز من قِبل الطرفين، خاصة وأن التاريخ يشير إلى أن الدول الحائزة على السلاح الأمريكي لا تتحارب أو تشتبك فيما بينها.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات