سيناريوهات الدولة ونظام الحُكم في سوريا ما بعد الأسد
تُسلط الأضواء والعديد من التحليلات على مستقبل سوريا ونظام الحُكم فيها بعد تغيير نظام الرئيس بشار الأسد، وتُطرح تساؤلات عدة حول مستقبل البلاد السياسي والاجتماعي، وحول الشكل القادم لسوريا ونظام الحُكم فيها، والكيفية التي يُمكن بها إعادة تدوير السياسة بعيداً عن المنافسات الداخلية على السلطة والتدخلات الخارجية، وبالرغم من التوافق الإقليمي والدولي على ضرورة إرساء الاستقرار في سوريا، إلا أن المخاطر المرتبطة بالمسار الانتقالي قد يترتب عنها تداعيات عدة، خاصة فيما يتعلق بالتوافقات التكتيكية بين القوى المسلحة والسياسية السورية.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ١٩/١٢/٢٠٢٤
تدخل سوريا مرحلة انتقالية وسط حالة من عدم اليقين، بعد سيطرة المعارضة المسلحة على العاصمة دمشق في 8 ديسمبر 2024، وتغيير نظام الرئيس بشار الأسد، في مشهد مُتسارع منذ أن بدأت "فصائل المعارضة السورية المسلحة" عملية أطلقت عليها "ردع العدوان" في 27 نوفمبر بقيادة غرفة عمليات "الفتح المبين" المتمركزة في إدلب، سيطرت خلالها على مدن سوريا الرئيسة تباعاً وعلى طول الطريق الدولي M5. وقد أعلنت "هيئة تحرير الشام" عن فترة انتقالية تقودها حكومة تصريف أعمال برئاسة رئيس وزراء النظام السابق محمد غازي الجلالي، لتسيير الإدارات والمؤسسات السورية، لتُغلق البلاد ستة عقود من سيطرة حزب البعث، وربع قرن من حكم بشار الأسد، وأكثر من عشر سنوات من الأزمة المندلعة في البلاد منذ عام 2011.
في الواقع تطرح تلك التطورات تساؤلات عدة حول مستقبل البلاد السياسي والاجتماعي، وحول الشكل القادم لسوريا ونظام الحُكم فيها، في ضوء تعدد الفاعلين المحليين السوريين والاختلاف الواسع بين توجهاتهم وخلفياتهم، ومتطلبات المواطنين السوريين في الداخل والخارج، والكيفية التي يُمكن بها إعادة تدوير السياسة بعيداً عن المنافسات الداخلية على السلطة والتدخلات الخارجية.
متطلبات المستقبل في سوريا القادمة
تُسلط الأضواء والعديد من التحليلات على مستقبل سوريا ونظام الحُكم فيها بعد تغيير نظام الرئيس بشار الأسد، في عملية انتقال سلمية إلى حد ما للسلطة، مُقارنة بحدة الاقتتال الداخلي وتعدد الفاعلين في مشهد الأزمة السورية منذ عام 2011. فمن جهة حافظت البلاد على استمرارية مؤسساتها، ومن جهة أخرى استثنت الأحداث إثنين من أهم اللاعبين في البلاد، وهُما روسيا وإيران ومن خلفهما جمعٌ من الفصائل والمليشيات المسلحة أبرزهم حزب الله اللبناني. وجاءت أنباء تغيير النظام لتُلبي نظرياً تطلعات الشعب السوري الذي كان يُحكم بنظام مًصنف باعتباره "استبدادي للغاية"، ويُتهم بتهميش غالبية الشعب، وينظر بعدائية للأيديولوجيات الإسلامية والليبرالية ولا يأخذ بعين الاعتبار حقوق الأقليات غير العربية، كحظر اللّغة الكردية من التداول والطباعة عام 2019، ترسيخاً لقرار سابق بمنع استخدامها في دوائر الدولة عام 1986.
مع ذلك؛ فإن مستقبل سوريا لا يقتصر على الشأن المحلي السياسي فحسب، ولا يُمكن حصره بالمشاهد اللاحقة لإسقاط النظام والتوافق الأولي بين المكونات المجتمعية على تحقيقهم ذلك الهدف، بقدر ما يرتبط نجاح اليوم التالي بعد بشار بمجموعة من المتطلبات والاعتبارات التي يجب أخذها بعين الاعتبار في ضوء المرحلة الانتقالية وما تؤسس له لاحقاً، ومن أهم تلك الاعتبارات:
أولاً: التوافق الدولي
سعت جميع دول المنطقة والعالم إلى توجيه فكرة مفادها أن عملية "ردع العدوان" جاءت لتُمثّل شأناً محلياً وداخلياً، وأن العديد من الدول باستثناء تركيا والولايات المتحدة تكتفي بُمشاهدة التحولات في البلاد، لكن بعد اتضاح المشهد وسيطرة "هيئة تحرير الشام" على دمشق زادت الدول من انخراطها المباشر وغير المباشر في الشأن السوري، وبدأت بصياغة مطالبها ومتطلباتها من الإدارة المؤقتة للبلاد، وتقدير مستقبل علاقاتها معها، كما يتضح في الزيارات الدبلوماسية الأممية والأوروبية إلى دمشق، والاجتماعات الأمنية في مدينة العقبة الأردنية، والتي اتفقت جميعها على دعم عملية سياسية جامعة. وبذلك لا يُمكن فصل مستقبل سوريا دون النظر إلى الاعتبارات الدولية، وتحديداً في ثلاث مقاربات رئيسة كالآتي: 1) التواجد العسكري الأجنبي على الأرض السورية، 2) والحاجة إلى توافق دولي لإعادة الإعمار، 3) والحاجة إلى التخلص من العقوبات الدولية على النظام السابق والحكومة الانتقالية.
فمن حيث التواجد العسكري، تنتشر القوات التركية والأمريكية بكثافة في مناطق حيوية واستراتيجية من البلاد، حيث تُسيطر القوات الأمريكية وقوات الحماية الكردية على نحو ثلث مساحة البلاد في الشمال الشرقي، وتنتشر في المنطقة الممتدة من شمال شرق البلاد عند نهر الفرات إلى الجنوب الشرقي عند معبرِ التنف الحدودي، حيث تتواجد القاعدة العسكرية الأمريكية الضامنة لأمن المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، وتضم تلك المنطقة أغلب الثروات النفطية والزراعية والمائية، في حين ينتشر الجيش التركي في محافظات إدلب وحلب والرقة والحسكة، وقدم دعماً لوجستياً وتسليحياً لغرفتي "إدارة العمليات العسكرية" و"فجر الحرية" في القتال ضد النظام سابقاً، وضد قوات سورية الديمقراطية راهناً. فيما تحتفظ روسيا بقاعدتين بحريتين على الساحل السوري وهما (طرطوس وحميميم). وبذلك؛ فإن ذلك الانتشار للقوات الأجنبية على الأرض السورية يُبقي من دولها فاعلة في المشهد السياسي، لا سيما أن الدول الثلاثة (الولايات المتحدة وتركيا وروسيا) تدعم ثلاثة مكونات من المجتمع السوري، حيث تقدم القوات الأمريكية الدعم للأكراد، فيما تدعم القوات التركية الإسلاميين السنّة، أما القوات الروسية فتتواجد في بيئة من الأكثرية العلوية، ومن المُرجح أن تتزاحم هذه القوى الثلاثة على عكس تمثيل مؤيديها في السلطة السياسية والعسكرية المُقبلة، أو التلويح والمطالبة بإدارة ذاتية على غرار أكراد العراق بالنسبة لواشنطن، أو قوات حفتر في ليبيا بالنسبة لروسيا.
أما من حيث الحاجة إلى المجتمع الدولي في عمليات إدارة الإعمار، والتي تُقدر كُلفها بنحو 200-300 مليار دولار، مُوزعة على مختلف مدن ومحافظات سوريا، فمثلا تُقدر المباني المدمرة في مدينة حلب بنحو 36 ألف مبنى، وفي الغوطة الشرقية بنحو 35 ألف مبنى، ثم في حمص حوالي 13 ألف بناء، والرقة 12 ألف وحماة 64 ألف. وفي الواقع من غير المحتمل أن تستطيع سوريا القيام بعمليات إعادة الإعمار بشكل منفرد ودون مساعدة دولية وعربية واسعة، وذلك ما يضع مستقبل العملية السياسية وسط مجموعة واسعة من المتطلبات الدولية العربية أو الأوروبية أو الأمريكية من أجل المشاركة في تمويل إعادة الإعمار، وهو ما يُعزز ملفات على حساب أخرى وفقاً لمتطلبات الجهة المانحة، ما يُعرّض العملية برمتها لمخاطر تقاطع المصالح أو تصادمها، فمثلاً تركز دول مثل ألمانيا وفرنسا والسويد على دعم الأقليات وفي مقدمتهم الأكراد، فيما تُعارض دول مثل تركيا وروسيا منح الأكراد مزيداً من المزايا السياسية أو الجغرافية. ويمتد نفوذ تلك الدول في ملفات أخرى غير إعادة الإعمار، وتحديداً في العقوبات المفروضة على النظام السابق أو على "هيئة تحرير الشام" وزعيمها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، من بينها قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين في الولايات المتحدة عام 2019، وقانون الكبتاغون الأول والثاني عام 2022، وكذلك تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية لقائد "إدارة العمليات العسكرية" أحمد الشرع إرهابياً منذ مايو 2013، ورصد مكافأة 10 ملايين دولار لمن يقدم معلومات تساعد في القبض عليه منذ عام 2017، ويبقى قرار رفع الشرع والهيئة عن قوائم الإرهاب سلاحاً فعالاً بيد واشنطن لوضع متطلباتها على جدول أعمال "إدارة العمليات العسكرية" مستقبلاً.
ثانياً: حصر السلاح بيد الدولة
إن أبرز متطلبات المرحلة الانتقالية وأهم معالم نجاحها يتمثل في حصر السلاح بيد الجهات الشرعية النظامية، حيث تنتشر مظاهر التسلح على نطاق واسع في البلاد، وتتعدد مظاهر ذلك الانتشار وفق الجهة الحاملة له، ومناطق الانتشار، وغايات استخدامه. فمن ناحية أولى: تُسيطر "غرفة عمليات الفتح المُبين" أو ما أصبح يطلق عليها "إدارة العمليات العسكرية" بعد تغيير النظام، على أغلب المدن السورية الرئيسة، على طول الطريق الدولي M5، فيما تنتشر غرفة عمليات "فجر الحرية" على امتداد الطريق الدولي M4 بموازاة انتشار وحدات الحماية الكردية وتقاطع مناطقها مع غرفة "فجر الحرية". ولكن كلا الغرفتين (إدارة العمليات العسكرية وفجر الحرية) تضمان مجموعة واسعة من الفصائل والكتائب المسلحة، ففي الأولى تعدّ "هيئة تحرير الشام"، جبهة النصرة سابقاً، أكبر تلك الفصائل بالشراكة مع كل من "فيلق الشام"، و "جيش الأحرار"، و "حركة أحرار الشام"، و "جيش العزة"، و "الجبهة الشامية"، وحركة نور الدين الزنكي التركستانية، وفصائل "الجبهة الوطنية للتحرير". فيما الثانية؛ تمثّل تحالفاً من مجموعة فصائل وحدتها تركيا عام 2017، وتضم "الجيش الوطني السوري" المكوّن من مجموعة فصائل كانت تشكل الجيش السوري الحر سابقاً، و"فرقة السلطان مراد"، و"فرقة السلطان سليمان شاه"، و"فرقة الحمزة"، و"جيش الإسلام" وفصائل "الجبهة الشامية".
من ناحية ثانية؛ تواجه البلاد انتشاراً عمودياً للسلاح بين الأقليات الإثنية من جهة، والفصائل الإيديولوجية من جهة ثانية، فمثلاً يملك الأكراد قوات الحماية الكردية، في حين أن مناطق انتشار الطائفة الدرزية في السويداء شهدت تأسيس فصائل عدة من بينها حركة "رجال الكرامة" و "رجال الشيخ وحيد البلعوس"، ومُهمتها حماية أبناء الطائفة من قوات النظام والدفاع عن المتظاهرين. أما من ناحية ثالثة؛ فينتشر السلاح أفقياً على امتداد الجغرافيا السورية، ففي حين تنتشر أغلب الفصائل المعارضة في كل أراضي البلاد إلا أنها مقسمة بأصولها ومناطق نفوذها جغرافياً، ففي الشمال هناك هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري وفصائل مثل جيش الإسلام وغيرها، وجزء كبير منهم من أبناء المنطقة (يشمل ذلك حلب وحماة وإدلب)، وفي الجنوب هناك فصيل "عمليات المنطقة الجنوبية" و"لواء العمري" وكتيبة "سلطان باشا الأطرش" وجميعها تم تشكيلها من قبل ضباط منشقين عن الجيش السوري النظامي، وفي الغرب هناك جيش سوريا الحرة الذي تدعمه الولايات المتحدة وينشط في البادية السورية عند الحدود العراقية السورية، وفي الشرق قوات الحماية الكردية.
لذلك يعتبر متطلب حصر وجود السلاح بيد جهة الدولة فقط أولوية أساسية للمرحلة المقبلة في ضوء تعدد التنظيمات والفصائل السورية المسلّحة وحالة الفوضى والفراغ السياسي الذي أعقب انهيار النظام، وهو ما يتطلب بشكل أساس تسليم السلاح لمؤسسة الجيش أو لمجلس عسكري بعد تشكيله، مع دمج بعض مقاتلي الفصائل والتنظيمات فيها في الجيش الوطني بعد تأهيلهم، إذ إن إحدى عوامل الحفاظ على عملية الاستقرار في عملية التهيئة هو الحفاظ على البنية الهيكلية للجيش ولو تم تغيير قياداته، مع تعزيز قدرة الأجهزة الأمنية التابعة للدولة لضمان الأمن، وفي الواقع يعتبر هذا واحداً من أكثر المتطلبات تعقيداً لا سيما مع تنوع وتعدد الفصائل المسلحة واختلاف أهدافها وغاياتها، وبشكل يُهدد باحتمالية انفصالها أو اقتتالها بحثاً عن مكتسبات أوسع، وقد سبق أن اشتبكت تلك الفصائل في صراعات مُسلحة، من بينها هيئة تحرير الشام ضد فصائل أخرى تتبع الجيش الحر عام 2017.
ثالثاً: مركزية السلطة
قبل عملية "ردع العدوان" كانت سوريا مُقسمة بين ثلاث سلطات، النظام والحكومة في دمشق، و"حكومة الإنقاذ" في مواقع سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب، والإدارة الذاتية بقيادة مجلس سوريا الديمقراطي في الشمال الشرقي من البلاد. وبعد انهيار نظام الرئيس بشار الأسد، أصبح رئيس "حكومة الإنقاذ" محمد البشير رئيساً لحكومة انتقالية حتى مطلع مارس، ما يعني أن البلاد أصبحت تضمن سلطتين، تُسيطر الأولى -الحكومة المؤقتة- على أغلب الجغرافيا السورية، فيما تُحافظ الثانية على مناطق إدارتها في الحسكة والرقة ومحيط دير الزور، بعد أن انسحبت من حلب إثر عملية "فجر الحرية" التي أطلقها الجيش الوطني السوري المعارض. من جهة أخرى؛ فإن مركزية السلطة السياسية ليست رسمية أو هيكلية في عموم البلاد، إذ تتبع العديد من مناطق الأقليات سلطات محلية يقودها الشيوخ ووجهاء القبائل، ومن أبرز الأمثلة على ذلك؛ الحالة الدرزية في محافظة السويداء، إذ ظلت مسرحاً للمظاهرات ضد النظام السابق بدفع ذاتي من وجهاء وزعماء الطائفة الدرزية. وتلك الحالة قد تكون نموذجاً مستقبلياً لمناطق الساحل السورية التي تضم حضوراً علوياً كبيراً، فبالرغم من أن فصائل "ردع العدوان" دخلت مناطق الساحل السوري، وتبرأ مشايخ الطائفة من الأسد، إلا أن مؤشرات عدم الاستقرار لا تزال ماثلة، من بينها أن معظم قادة المؤسسة العسكرية والمليشيات اتجهوا إلى الساحل بعد تغيير النظام، وهناك مخاوف كامنة لدى العلويين بشأن وجودهم خاصة لارتباط النظام السابق بهم. وبذلك تجعل هذه المسائل مستقبل سوريا منوطاً بمدى قدرة السلطة الانتقالية على توحيد البلاد تحت قيادة مركزية واحدة، وهو ما يتطلب مُراقبة مدى تنوّع القوى الناظمة للمرحلة الانتقالية، وكيفية إشراك جميع المكونات الوطنية وفئات المجتمع المختلفة في الداخل والخارج في العملية السياسية. وبخلاف ذلك، وكُلما سعت هيئة تحرير الشام لاحتكار القرار والتمثيل لطائفة أو أيديولوجية ومنطقة كلما ارتفعت مخاطر نشوب الصراعات والذهاب لسيناريو الدولة الفيدرالية أو التقسيم أو الفوضى.
رابعاً: الإدارة الانتقالية
تواجه سوريا اليوم مشهدًا معقدًا في جوانب متعددة، فمن ناحية سياسية، تعاني البلاد من فراغ سياسي مع غياب السلطة والقيادة المركزية، الذي يعد تحديًا مركزيًا بعد إسقاط نظام بشار الأسد، ارتباطاً بمخاوف دخول البلاد في حالة فوضى إذا لم تتم إدارة مرحلة ما بعد النظام بشكل منظّم وتوافقي ووفق آلية انتقالية شاملة وجامعة، ورؤية وطنية موحدة تضمن الحفاظ على بقاء مؤسسات الدولة واستمرار تشغيلها وتنفيذ مهامها الخدماتية دون أن تتعرض للانهيار، خاصة في ظل اعتماد هذه المؤسسات بنيويًا على حزب البعث الحاكم مسبقاً. فمع اسقاط النظام وتداعيات غياب الاستقرار السياسي تبرز مخاوف بشأن احتمالية اندلاع صراعات على السلطة والحكم بين القوى السياسية والعسكرية المعارضة، لا سيما مع وجود تجارب سابقة أحدث انهيار الحكم فيها نزاعات داخلية بعد ما أعقبه انهيار مؤسسات الدولة الحكومية، وتفكك المؤسسات الرئيسة منها كالجيش والأجهزة الأمنية نتج عنه الفوضى وغياب القانون، وفي مقدمتها المشهد العراقي بعد العام 2003، والحالة الليبية بعد أحداث الربيع العربي.
بالتالي فإن المرحلة القادمة تتطلب توافقاً سورياً وطنياً ضمن رؤية موحدة لإدارة المرحلة بشكل توافقي إلى حين إحداث التغيرات الجديدة، بما يمكّن الدولة من إنشاء حكومة أو مجلس ومؤسسات انتقالية قادرة على حفظ الأمن والاستقرار حرصاً على تهيئة البلاد لانتقال سياسي ديمقراطي؛ إذ أن الفشل في إدارة المرحلة الانتقالية قد يؤدي إلى فوضى طويلة الأمد، خاصة إذا لم تُعالج جذور الأزمة السورية وتُحقق العدالة للجميع، وهو ما يتطلب من الفصائل والتنظيمات القدرة على التوافق السياسي حول رؤية موحدة لإدارة المرحلة الانتقالية باستقرار، خاصة مع اختلاف توجهاتها الأيديولوجية ومصالحها الإقليمية.
من جانب آخر، تحتاج المرحلة الانتقالية للنظام السياسي لدعم داخلي وخارجي (دولي وإقليمي)، حتى تكون الكيانات الفاعلة في المشهد قادرة على تشكيل مجلس انتقالي يضم ممثلين عن جميع أطرافها، بمراعاة التنوع ودون هيمنة لمكون عرقي أو ديني لتحقيق التوافق الوطني والتمثيلي. لكن هذا يتطلب منها إدراك حاجتها لبناء سلطة مركزية دون تدخل الأطراف الداعمة في الشأن الداخلي لخدمة مصالحها الاستراتيجية التي لا تتوافق مع احترام السيادة السورية على البلاد، وذلك يتطلب تشكيل هيئات تمثيلية لها، تضم مختلف الكيانات على تنوعاتها السياسية والاجتماعية وتحظى بدعم دولي وشعبي، مع الحرص على ضمان استقلالية هذه الهيئات عن التدخلات الخارجية أو محاولات السيطرة الحزبية حتى تكون مسؤولة عن قيادة المرحلة وصولاً للاستقرار وصياغة دستور جديد والتحضير للانتخابات بطريقة حرّة وديمقراطية.
كما تعدّ الهيئات الانتقالية أدوات تنظيم أساسية للمرحلة الانتقالية، بما يشمل تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات واضحة وتمثيل عادل يجمع مختلف المكونات السورية، وبما يجنّب المرحلة الانزلاق في نزاعات محلية جديدة، ثم وضع دستور جديد مبني على توافق وطني حول أسسه، ويلبي تطلعات الشعب السوري ويتوافق مع ما تتطلبه المرحلة من تغييرات في شكل النظام السياسي بما يعكس الديمقراطية التي تطلبها، مع مراعاة أنّ ضعف هيكلة الهيئات والمؤسسات الانتقالية يعيق مسارها ويحدّ من قدرتها على إدارة مؤسسات الدولة والإشراف على خدماتها وصولاً إلى إعاقة التقدم في تحقيق عملية الانتقال السياسي الناجح كما حدث في التجربة الليبية، والتي أدى فيها غياب هذه الهيئات وأدوارها إلى إنتاج حالة الفوضى، بينما تمكنت تونس مثلاً من إنشاء هيئات تمكنت من إدارة الانتخابات الرئاسية.
خامسًا: تحقيق الاندماج الاجتماعي
تتطلب المرحلة المقبلة تحقيق اندماج اجتماعي يعزز الوحدة الوطنية ويعيد ترميم النسيج الاجتماعي الذي تعرض للتفكك خلال سنوات الأزمة السورية، لضمان استقرار البلاد خاصةً في ظل تنوع الثقافات والهويات الناتجة عن النزوح الداخلي واللجوء إلى دول متعددة، مما أوجد حالة من التباين الثقافي والاجتماعي بين السوريين؛ حيث تعرّض ملايين منهم لظروف حياتية وثقافية مختلفة، سواء داخل البلاد أو في الخارج، كما أدى التوزع الجغرافي للسوريين في دول مضيفة ذات ثقافات وأنظمة اجتماعية متنوعة إلى خلق اختلافات في العادات والتقاليد والرؤى السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
فمن جهة؛ أوجدت الأزمة عام 2011 بُعداً اجتماعياً جديداً، يتمثل بالتعددية الثقافية -غير المتجانسة-للشعب السوري، وهي تعددية عابرة للحدود وليست تنوعاً ثقافياً شعبياً، إذ تعامل سًكان مناطق شمال شرق سوريا، ومن ضمنهم النازحين، مع ثقافة أقرب إلى التركية، فقد كانت الليرة التركية العملة المتداولة في السوق، وتشرف هيئات إغاثية تركية على توزيع المساعدات الإنسانية، وكذلك تداخلت نظم التعليم واللغة التركية مع سكان وقاطني تلك المناطق، في المٌقابل يعيش الكثير من اللاجئين وسط ظروف صعبة في مخيمات اللجوء داخل البلاد وخارجها، وقد نشأ فيها جيل جديد من السوريين الذين لا يمتلكون تجارب حضارية أو معرفة العيش وسط المُدن، ولديهم محدودية في الموارد والمهارات التي يُمكن أن تؤهلهم مستقبلاً لسوق العمل أو المساهمة في إعادة الإعمار، في المقابل؛ حصلت فئة من السوريين على مهارات نوعية وثقافة غربية ليبرالية، خاصة اللاجئين في الدول الصناعية المتقدمة (أوروبا والولايات المتحدة وكندا واليابان وغيرها)، ومن المؤكد أن هؤلاء سيكون لهم مساهمات نوعية في مستقبل سوريا وإعادة الإعمار، إلا أن عودتهم مشروطة بمستوى ثقافي ومالي موازي لأماكن تواجدهم الحالية، لا سيما أنّ منهم من يشغل مناصب في منظمات ومؤسسات دولية أو يعملون مع حكومات غربية، ومن يمتلك شبكة من العلاقات الاقتصادية الدولية التي يمكن توظيفها في إعادة إعمار سوريا مستقبلاً؛ بالتالي فإن هؤلاء قد يمتلكون القدرة على تقديم خطط إعادة الإعمار وبناء المؤسسات (الإصلاح المؤسسي) وإدارة الدولة من خلال مؤسسات دولية إذا حصلوا على دعم شعبي وسياسي محلي.
ومن جهة أخرى، فإنّ عودة اللاجئين إلى وطنهم تعتبر شرطًا أساسيًا لإعادة إعمار سوريا على أسس شاملة ومستدامة، لكن ذلك يتطلب بيئة مستقرة وآمنة؛ إذ ترتبط عودة اللاجئين بجميع المتطلبات سابقة الذكر، ويجب أن تمثل عودة حوالي عشرة ملايين لاجئ أولوية أساسية في المرحلة المقبلة، وهو ما يتطلب إعادة الإعمار وتهيئة ظروف معيشية وأمنية واقتصادية وخدماتية مناسبة، مع توفير ضمانات أمنية وقانونية لهم؛ تبعاً لأهمية مشاركة اللاجئين والمغتربين في تأسيس المستقبل الاجتماعي والاقتصادي للدولة وإعادة بناء النسيج الاجتماعي فيها، بوصفهم يمثلون قوة اقتصادية وبشرية هامة لإعادة الإعمار وتحسين الأوضاع المعيشية وتطوير الاستثمارات وتحقيق التنمية. وهناك اللاجئين في الدولة العربية من أصحاب الدخل المتدني التي تتطلب عودتهم برامج توظيف، وإعادة بناء البنية التحتية في المناطق المدمرة، وتقديم مساعدات اقتصادية، وهو ما يتطلب وجود توافق دولي على دعمهم عبر منظمات المجتمع المدني وتنشيط الوضع الاقتصادي وتشجيع الاستثمار عبر برامج إعادة الإعمار لتعزيز فرص الوحدة والتضامن بين شرائح المجتمع المختلفة.
سيناريوهات نظام الحُكم في سوريا
يبدو المستقبل في سوريا مفتوحاً على سيناريوهات عدة، ترتبط جميعها بجُملة من التحديات والفاعلين والمتطلبات، التي يُشكل تفاعلها مُحصلة نموذج وشكل النظام السياسي مستقبلاً في البلاد، والتي يُمكن حصرها فيما يلي:
السيناريو الأول: نموذج حُكم طالبان في أفغانستان
يفترض هذا السيناريو أن تتبع هيئة تحرير الشام، التي أسست على منهاج "السلفية الجهادية" حينما كانت تسمى "جبهة النصرة"، مسار الحُكم المُتبع في أفغانستان، حيث تتشابه سياقات السيطرة ومعالم الفكر في الحالتين، فمن جهة تقدمت حركة طالبان بشكل مفاجئ ومتسارع عام 2021، في عموم البلاد واستطاعت في حدود الشهر الوصول إلى كابول والسيطرة على السلطة، لتُعلن بعد ذلك عن دولة إسلامية تقودها الحركة، وقد جاء ذلك المسار بمصالحة وتوافق مع الولايات المتحدة التي سحبت قواتها بالتزامن مع وصول مقاتلي الحركة إلى العاصمة. بالنسبة لسوريا؛ تبدو التفاهمات الأمريكية-التركية مع هيئة تحرير الشام جلية، إذ فضلت واشنطن تحميل النظام السابق مسؤولية عملية "ردع العدوان"، وحذرت العراق وإيران من التدخل في الشأن السوري، فيما يتضح الدعم التركي للهيئة وقيادتها حيث تُفضل أنقرة العمل مع حكومة إسلامية شريكة على جوارها، تتبع مواقفها لا سيما في قضايا أمنها القومي مثل المسألة الكردية، وكان لافتاً دخول قطر على خط المستجدات بعد زيارة رئيس جهاز أمن الدولة القطري، خلفان الكعبي إلى دمشق في 15 ديسمبر، بالتزامن مع تواجد رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم كالين هناك، وبعد ساعات من زيارة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى أنقرة والدوحة أثناء جولة له في المنطقة شملت الأردن، وقد عقد الطرفان اجتماعات مع قائد هيئة التحرير الشام أحمد الشرع ورئيس الحكومة المؤقت محمد البشير لبحث مستقبل البلاد في المرحلة المقبلة. وبذلك تُصبح الزيارات من تركيا وقطر أولى الزيارات الدولية الرسمية إلى سوريا بعد تغيير النظام.
ويتعزز ذلك السيناريو؛ كُلما اتجهت هيئة تحرير الشام لرسم مستقبل البلاد بشكل منفرد ومركزي، وبما يقود الشرع ليُصبح رئيساً قادماً للبلاد، ولعناصر الهيئة أن يصبحوا نواة الجيش السوري مستقبلاً، وإقامة نظام حكم يعتمد على الشريعة كمرجعية قانونية وسيطرة قوى ذات توجهات إسلامية مع صياغة دستور ذات قيم إسلامية، بالتركيز على تطبيق قيم العدل والمساواة من منظور إسلامي، ويتطلب فرض الهيئة سيطرتها على مناطق الأقليات لا سيما المناطق العلوية والمناطق التي يُسيطر عليها الأكراد.
السيناريو الثاني: نموذج نظام الحُكم في العراق
يفترض هذا النموذج تشكيل حكومتين في سوريا، إحداهما هي الحكومة المركزية في دمشق، والأخرى حكومة الإدارة الذاتية للأكراد في الشمال الشرقي، بحيث تكون الأولى مسؤولة عن الدفاع والسياسة الخارجية والمالية، والثانية مسؤولة عن إدارة المناطق التي يُسيطر عليها الأكراد في سوريا، والتي تضمن كما في حالة العراق؛ أغلب الموارد من النفط والغاز في البلاد. وفي ضوء هذا السيناريو يُحتمل أن يحتفظ الأكراد بقواتهم المُسلحة على غرار البيشمركة وأن يتم دمجها في الجيش السوري المستقبلي كما طالب قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، ويتعزز ذلك في ظل التشدد الأمريكي في منع توسع عمليات "فجر الحرية" نحو مناطق سيطرة الأكراد في الرقة والحسكة حيث تتواجد القوات الأمريكية، وقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي في 11 ديسمبر 2024 عن العمل مع القوات الكردية لمواجهة الفصائل المدعومة من تركيا، ولكنه يُواجه تحدياً في معارضة تركيا الداعم الرئيس لهيئة تحرير الشام والفصائل المقاتلة في غرفة عمليات "فجر الحرية"، ومن المُحتمل أن تنظر دول مثل إيران والعراق إلى مخاطر ترسيخ الإدارة الذاتية للأكراد، لكنه يحظى بموافقة أمريكية وإسرائيلية ورُبما روسية.
وفي هذا السيناريو فإن نموذج الحُكم في سوريا مستقبلاً سيكون فيدرالياً يحقق التوازن بين حكومة دمشق والإقليم الكردي، ويشمل على انتخابات محلية واتحادية، إذ يتيح هذا الشكل تقسيم الدولة إلى أقاليم تتمتع بدرجة من الحكم الذاتي عبر صلاحيات لإدارة شؤونها، لكن مع الحفاظ على سلطة الحكومة المركزية لتكون هي المسؤولة عن القضايا السيادية، وذلك يضمن مشاركة الأقليات في إدارة مناطقهم الجغرافية بما يقوض النزاعات الداخلية بينها ويراعي الخصوصيات الإثنية ويحافظ في الوقت نفسه على الوحدة الجغرافية السورية.
السيناريو الثالث: النموذج الكونفدرالي الأمني
يفترض هذا السيناريو ذهاب نموذج الحُكم في البلاد نحو تقسيمها على أسس جغرافية أمنية وطائفية وإثنية، إذ لا تزال هناك حالة من عدم اليقين لدى الأقليات من علويين ودروز وأكراد بالاتجاه الذي ترسمه القوى الإسلامية المُسيطرة على المشهد، لا سيما أن كُل من تلك الأقليات تمتلك فصائل مسلحة خاصة بها، ويُضاف إلى ذلك ذهاب الضباط والقادة العلويين في النظام السابق لإطلاق تمرد واسع ضد السلطة الانتقالية، بهدف عرقلة تقدمها أو تعظيم التحديات الأمنية والسياسية أمامها، فمثلاً أدى كمين نصبه مسلحون موالون للنظام السابق، إلى مقتل 15 عنصراً من فصيل "فيلق الشام" الإسلامي في محافظة اللاذقية معقل العلويين. ويعتبر هذا الهجوم المضاد الأول لعناصر النظام السابق منذ انهياره، ويُشير في الوقت ذاته إلى نوايا ومخططات لشن هجمات مماثلة مستقبلاً، ما يعني أنّ أمام هيئة تحرير الشام تحديات جدّية لتطبيق حُكم مركزي في عموم سوريا، والذي إن حصل سيبقى عُرضة للصدمات والحوادث الأمنية المُرهقة والمكلفة. وما يُعزز هذا السيناريو أن التوزيع الجغرافي للأقليات مدعوم من قوى خارجية، ففي حين تدعم تركيا الحكومة الانتقالية بقيادة الإسلاميين، فإن الولايات المتحدة تدعم الإدارة الذاتية للأكراد في شمال شرق البلاد، فيما تدعم روسيا العلويين وبقايا النظام السابق إلى جانب إيران وحزب الله والعراق، أما إسرائيل فتسعى لفتح قنوات تواصل مع الطائفة الدرزية في سوريا، وقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مطالب وجهاء بلدة حضر السورية من إسرائيل ضمنهم إلى الجولان المحتل، ووفقاً للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، فقد التقى رئيس هيئة الاستخبارات الإسرائيلية شلومي بيندر في 11 ديسمبر بزعيم الطائفة الدرزية الشيخ موفق طريف، في وقت كان الجيش الإسرائيلي يُشن فيه حملة جوية وبحرية لتدمير السلاح الثقيل الذي كان لدى الجيش السوري، ووسط توغل عسكري إسرائيلي في الجولان المحتل سيطر خلاله على جبل الشيخ.
السيناريو الرابع: نموذج الدولة المدنية الديمقراطية
يفترض هذا السيناريو نجاح السلطة الانتقالية في إنشاء نموذج حُكم مدني ديمقراطي، من خلال جيش وطني شامل، ومؤسسات قوية ونظام انتخابي تمثيلي، يأخذ بعين الاعتبار سلبيات التوزيع الطائفي للسلطات مثل العراق ولبنان. وتشي بعض التصريحات الصادرة عن قادة هيئة تحرير الشام والحكومة الانتقالية عن رؤية مستقبلية لشكل مدني للدولة ونظام الحكم فيها، اعتماداً على الهوية الوطنية السورية بعيداً عن الهويات الطائفية الموجودة، وبناء العلاقة بين الدولة والشعب على أساس المواطنة فقط دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب أو الطائفة، حيث تكون الهوية السياسية للدولة هي المواطنة، ومصدر التشريع هو القوانين الوضعية، في ظل وجود هيكل إداري مركزي، مع تحقّق الفصل بين السلطات، وفعالية مؤسسات الدولة وتكاملها مع مؤسسات المجتمع المدني التي تعتمد على الكفاءة لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والتعايش السلمي للجميع. وعلى هذا الأساس غيرت العديد من الدول مواقفها تجاه السلطة الانتقالية بالرغم من تصنيف قائدها أحمد الشرع على قوائم الإرهاب الأمريكية، إذ لم تستبعد واشنطن إزالة هذا التصنيف، وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن إجراء اتصالات مُباشرة مع الهيئة، فيما تنتظر دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وفرنسا موقف السلطة الانتقالية من حقوق وتمثيل الأقليات. وفي الواقع فإن أدوات الضغط الأمريكية عبر الوجود العسكري في سوريا والعقوبات الاقتصادية عليها، ومن ثم حاجة سوريا بعد تغيير النظام لتدفق الاستثمارات والأموال الأوروبية والعربية لإعادة الإعمار والاستثمار في البلاد، يفرض على السلطة الانتقالية أن تأخذ بعين الاعتبار متطلبات تلك الدول كافة لدى تأسيسها نموذج الحُكم المستقبلي، لا سيما وأن عودة اللاجئين من عدمه قد يبقى ورقة ضغط أخرى على السلطة، من حيث منع الكفاءات من العودة، أو دفعهم للعودة لزيادة الأعباء السكانية والاقتصادية على السلطة الجديدة.
وأخيراً؛ تطرح تلك السيناريوهات مستقبل النظام السياسي السوري القادم وأشكاله الممكنة، ومع ذلك فإن تلك السيناريوهات تتطلب حالة مُستدامة من الاستقرار، والذي يعتبر الحفاظ عليه مسألة معقدة وتحد رئيس للسلطة الانتقالية، إذ تتسم إدارة المشهد القادم بالكثير من الحساسيات التي قد تدفع في أي وقت إلى دخول البلاد في حالة من الفوضى وفراغ السلطة والانقسام الجغرافي والإثني والطائفي.
وبالرغم من التوافق الإقليمي والدولي على ضرورة إرساء الاستقرار في سوريا، إلا أن المخاطر المرتبطة بالمسار الانتقالي قد يترتب عنها تداعيات ونُذر عدة، خاصة فيما يتعلق بالتوافقات التكتيكية بين القوى المسلحة والسياسية السورية، والتي لم ترق بعد لمستوى الاندماج الاستراتيجي في الرؤية والهدف والكيان، وبذلك، كما ذكر مقال لرئيس مجلس أمناء معهد ستراتيجيكس، حسن إسميك، في عام 2018، فإنّ من شأن أي اتفاق سلام يتم التفاوض عليه أن يشكل ضمادة، على الأقل مؤقتا، على هدنة غير مستقرة، ومن المرجح أن يبقى الأمر كذلك حتى تبدأ الندبات والمظالم المتصورة بالتضاؤل، ومن ثمّ، فإن العقبة الرئيسة أمام السلام هي معرفة كيفية إعادة بناء الخطاب المدني الجماعي.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات