الحدود السورية العراقية: وإعادة تشكيل المجال الجيوسياسي في الشرق الأوسط

تشهد الحدود السورية-العراقية مرحلة جديدة تتسم بالتنافس الاستراتيجي والتباين الأيديولوجي، وتتجاوز أهميتها كونها مجرد حدود ثنائية لتتحول إلى بؤرة توتر جيوسياسي مرشحة للتأثير في المشهد الإقليمي المستقبلي. ورغم الهدوء النسبي الحالي، يبقى هذا الاستقرار ظرفيا، فيما تظل احتمالات التوتر أو التصعيد—وفق التطورات الداخلية في البلدين أو التحولات الإقليمية والدولية—مرتفعة بصورة واضحة.

الكاتب ستراتيجيكس
  • تاريخ النشر – ٠٢‏/١٢‏/٢٠٢٥

دخلت الحدود السورية العراقية مرحلة جديدة في تاريخها الحديث، إذ أفضت التحولات في المشهد السوري، عقب تغيير النظام السابق وصعود هيئة تحرير الشام إلى واجهة السلطة، إلى واقع حدودي جديد تتقابل فيه قوى متعددة الاتجاهات ومتناقضة الأيديولوجيات. ويأتي هذا التحول على نحو مغاير لما عرفته الحدود لعقود، حين اتسمت بالاستقرار النسبي في ظل نظامين بعثيين حتى عام 2003، قبل أن تنتقل تدريجيًا إلى دائرة النفوذ الإيراني بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011. ورغم أن هذه الحدود، حتى اللحظة، تحتفظ بقدر من الهدوء والاستقرار الهش، فإن ملامح التوتر الكامن فيها تُثير مؤشرات لاحتمالات التصعيد في أي لحظة، بما يجعلها نقطة اختبار حساسة للمشهد الجيوسياسي القادم في الشرق الأوسط.

الحدود الحرجة وجذور الهشاشة

تُعزى هشاشة الحدود وعدم استقرارها إلى النزاعات المُشكلة خلال الألفية الجديدة، إلا أنها في الواقع مُتأصلة ومتجذرة خلال مرحلة حُكم البعث للدولتين، والتي ساهمت فيها المؤسسات الحكومية في إطار محاولاتها التحايل على العقوبات المفروضة عليها، خاصة بعد تسعينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، عندما اشتدت الأزمة الاقتصادية في العراق، وزادت عزلته الدولية، ما دفع النظامين العراقي والسوري إلى التساهل مع شبكات التهريب، التي مورست على نطاق واسع، وفي حالات مُعينة كانت الدولة ترعى النشاط التجاري غير الشرعي، لا سيما في التجارة التي تشمل الماشية والنفط والإلكترونيات والتبغ والوقود.

وهذا الدور للحدود برعاية الدولة شكّل عاملًا حاسمًا في عدم استقرارها مستقبلًا، بل وفي تطور وتكيّف تلك الشبكات، فقد وفرت الحكومات البعثية البنية التحتية اللازمة والراسخة للتهريب، والعلاقات العابرة للحدود، واللوجستيات اللازمة لنشاط غير مشروع مستمر. وهذه البنية استُخدمت لاحقًا بعد الحرب الأمريكية على العراق عام 2003، لتسهيل عبور المقاتلين وعناصر المنظمات الإرهابية من سوريا إلى العراق، التي انتشرت بشكل ملحوظ في مناطق من حزام بغداد والأنبار، وسرعان ما وُظفت واستُخدمت تلك الحدود لأغراضها في تهريب السلاح والعناصر، واستمر ذلك عندما تجاوز تنظيم "داعش" الحدود وربط أراضي من سوريا والعراق ضمن ما أُطلق عليه "الخلافة".

وبعد اندلاع الأزمة السورية، وتشديد العقوبات على النظام، فقد استفاد الأخير من هشاشة الحدود السورية العراقية ووظّفها في المقام الأول لضمان البقاء الاقتصادي للنظام، وبشكل مُشابه لعمليات التهريب خلال فترة التسعينيات وما قبلها، مع فارق رئيسي؛ بارتكاز التهريب خلال هذه المرحلة على المواد المخدّرة وحبوب الكبتاغون، فأصبحت سوريا مركزًا إقليميًا للمخدرات، إذ تطورت عمليات الإنتاج وطرق التهريب، لتبلغ قيمة هذه الصناعة حوالي مليار دولار، وتوفر موردًا ماليًا أساسيًا، مكّن الموالين للنظام من تجاوز العقوبات، وتمويل الميليشيات، والحفاظ على قبضتهم على السلطة.

وبذلك، شكّل ذلك التاريخ الأساس الذي ازدهرت فيه أدوار المنظمات والجهات الفاعلة غير الحكومية، إلا أن الأزمة السورية عام 2011، ثم تدخل إيران ووكلائها عام 2012، قد فاقم من هشاشة الحدود، ولم تعد الجهات الفاعلة نشطة بين جانبيها فحسب، بل وتُسيطر على العقد الحيوية والمناطق الاستراتيجية منها.

الحدود-السورية-العراقية-وإعادة-تشكيل-المجال-الجيوسياسي-في-الشرق-الأوسط-in-1.jpg

العُقد الحيوية والمناطق الاستراتيجية

مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وتدخل إيران ووكلائها بشكل مباشر ومكثف، تحوّل مشهد الحدود العراقية-السورية، وتحوّلت وظائفها كذلك، مع تزايد نفوذ إيران في الساحة السورية، واتخاذها من الجغرافيا السورية محورًا رئيسيًا في عمليات الإمداد العسكري واللوجستي إلى حزب الله في لبنان، فقد كثّفت طهران من عمليات تمرير وتهريب السلاح عبر العراق إلى سوريا وصولًا إلى لبنان، وهو ما ينطبق على وكلائها؛ الذين بدأوا مع اندلاع الأزمة السورية بممارسة أدوار وأنشطة عابرة للحدود، مع تدخل حزب الله والفصائل المسلحة العراقية في القتال بسوريا.

وبهذه الكثافة، اتخذ النشاط العابر للحدود بعدًا استراتيجيًا جيوسياسيًا، فلم يعد مقتصرًا على عمليات تهريب للسلاح أو العناصر، بل اعتُبرت الحدود قطاعًا رئيسيًا من الممر البري الاستراتيجي الإيراني، والذي وفّر خط إمداد موثوقًا به للأصول العسكرية والمالية الإيرانية في جميع أنحاء العراق وسوريا وحتى لبنان، ودعم وكلاء مثل حزب الله بشكل مباشر.

وقد شهد ذلك الممر تحولات عدة، إذ كان يُمثل ثلاثة مسارات في بدايته، بطريق يربط شمال العراق بشمال سوريا عبر معبر ربيعة الواقع بين محافظتي نينوى والحسكة، قبل أن تقطعه الولايات المتحدة بنشر قواتها في مناطق شرق شمال سوريا، وطريقٍ ثانٍ من جنوب العراق إلى جنوب سوريا عبر معبر التنف، وقطعته الولايات المتحدة كذلك بتأسيس "حامية التنف" عام 2014، ليستقر على الممر الوسطي، عبر معبر القائم/البوكمال، الواقع على الطريق السريع الرئيسي الذي يربط دمشق وبغداد.

ولعبت الفصائل العراقية المدعومة من إيران دورًا محوريًا في تأمين هذا الممر، إذ عززت حضورها بشكل ملحوظ في شمال غرب العراق، ودفعت وحداتها نحو مواقع رئيسية مثل مطار تلعفر، وهي مدينة استراتيجية تقع على الطريق المؤدي من الموصل إلى سنجار. وكان طريق الإمداد يمر عبر جنوب جبل سنجار إلى سوريا، باتجاه مدينتي دير الزور والميادين.

حالة الحدود ما بعد تغيير النظام

أدى تغيير النظام السوري إلى فترة من عدم اليقين، إذ تزايدت المخاوف الأمنية العراقية من الفراغ الناتج في شرق سوريا، ومن كُلف وعبء حماية الحدود من جانب واحد، خاصة وأن تلك المخاوف ترافقت مع صعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة، ونشاط زعيمها سابقًا في العراق ضمن صفوف تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، ما أعاد التذكير بأحداث 2014، عندما سيطر "داعش" على مساحات واسعة من البلدين حتى 2018.

ولذلك شكّل هذا التغيير مصدر قلق للقادة العراقيين، وللقوى السياسية الشيعية على وجه التحديد، ما دفع بغداد للتركيز على الأبعاد الأمنية الداخلية في استجابتها للتغير في سوريا، فقد عملت الحكومة في أواخر نوفمبر 2024 على تكثيف نشر الجيش العراقي على طول الحدود، وتسريع عملية بناء الجدار الخرساني على طول 400 كيلومتر من الحدود، والذي اكتمل في يونيو 2025. أما في مقاربتها تجاه السلطة المؤقتة في دمشق، فقد سارعت بغداد إلى تبنّي نهج أمني استباقي، تجسّد في زيارات الوفود الأمنية العراقية رفيعة المستوى إلى دمشق، والتي بدأها بزيارة رئيس جهاز المخابرات العراقية حميد الشطري ولقائه أحمد شرع في 26 ديسمبر 2024، ثم الزيارة الثانية له في 25 أبريل 2025، وركّزت تلك الزيارات على ملفات تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب.

مع ذلك، شهدت الحدود تطورات منذ تغيير النظام، فبعد إغلاق معبر القائم/البوكمال الحدودي في أواخر ديسمبر 2024، أُعيد افتتاحه منتصف يونيو 2025، وقد كانت الأهداف المباشرة إنسانية: لتسهيل عودة العراقيين العالقين في سوريا واللاجئين السوريين إلى العراق، ثم اقتصادية، لدور الحدود الحيوي في الحركة التجارية التي تحتاجها الأسواق المحلية في الدولتين، وقد تأخّر افتتاح الحدود منذ إعلان بغداد نيتها تحقيق ذلك في يناير 2025، لضمان قدرة الحكومة السورية الانتقالية على إدارة هذا المعبر بفعالية.

الحدود-السورية-العراقية-وإعادة-تشكيل-المجال-الجيوسياسي-في-الشرق-الأوسط-in-2.jpg

ديناميكيات السيطرة واستراتيجيات الجهات الفاعلة

تنقسم الحدود السورية العراقية حاليًا إلى قطاعات سيطرة منفصلة، تتقاسمها خمس أطراف ذات أهداف متضاربة وأجندات متعددة، وتتمثل تلك الأطراف الرسمية في كل من الحكومة السورية المؤقتة والعراق، إلى جانب جهتين من الفاعلين ما دون الدول، وهما: الفصائل المسلحة العراقية وقوات سوريا الديمقراطية.

فمن جهة الأطراف الرسمية، تُواجه الحكومة السورية المؤقتة مهمةً معقدة داخليًا، تتمثل في ترسيخ شرعيتها الداخلية وسلطتها المركزية، وترتبط الحدود بشكل مباشر بسلطتها وسيطرتها على الموارد، من بينها الموارد الجمركية والضريبية، ما يستلزم تحويل المعابر الحدودية إلى محركات للنمو الاقتصادي، إلى جانب إظهار السيادة على كامل الجغرافيا السورية. علاوة على ذلك، ترتبط الحدود بقدرة الحكومة على إثبات كفاءتها الإقليمية، من حيث ضبطها والحد من عمليات تهريب المخدرات والسلاح العابرة للحدود، وقد نفذت قوات الأمن والجيش السوريين حملاتٍ ضد تهريب المخدرات، فداهمت منشآت الإنتاج، وصادرت كمياتٍ كبيرةً منها. مع ذلك، تُواجه الحكومة المؤقتة تحديات معقدة، إذ لا تزال السيطرة الفعلية للحكومة على كامل الحدود العراقية محدودة. فبينما تسيطر على منطقة القائم/البوكمال المركزية، فإن الشمال الشرقي خارج نطاق سيطرة الحكومة المؤقتة كليًا، كما تحدّ شبكات التهريب المتجذرة منذ عقود من إمكانية تحقيق أمن كلي على المناطق التي تسيطر عليها من الحدود.

في المقابل، يُركّز العراق على البُعد الأمني المتمثل في مكافحة تنظيم "داعش"، فرغم هزيمة التنظيم، فإن تهديده لا يزال قائمًا، خاصة بعدما استعاد جزءًا من نشاطه في سوريا مع تغيير النظام، مستغلًا الفراغ الأمني وعلاقاته السابقة بعناصر وقادة من "هيئة تحرير الشام". من جهة أخرى، تُحاول بغداد الموازنة بين المخاوف الأمنية والضغوط الأمريكية بعدم إقرار قانون قوات الحشد الشعبي وفرض عقوبات على فصائل منضوية في الحشد ومطالبتها بحل الفصائل المُشكلة له، وحيث تأتي هذه الضغوط في وقت ينتشر فيه الحشد في مواقع من الحدود، فإن بغداد تخشى من تداعيات أي قرارات أو إجراءات أمريكية على أمن الحدود.

علاوة على ذلك، تنشط العديد من الفصائل المسلحة العراقية في مواقع من الحدود، وتُشير التقارير إلى أن تلك الفصائل لا تزال تُحاول استخدام الممرات غير الشرعية بهدف تهريب الأسلحة والعناصر إلى داخل سوريا لصالح إيران. وقد أشارت تقارير صحفية، نقلًا عن مسؤولين سوريين، أن دمشق نشرت حوالي 3 آلاف جندي على طول الحدود، لردع محاولات التسلل من العراق، خاصة في أعقاب العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد القُدرات الإيرانية في يونيو 2025. ويُشكّل ذلك النشر مصلحة عراقية، للحفاظ على قنوات تواصل تُسهم في تفادي أي تصعيد أو تحركات مشبوهة من جانبي الحدود.

ومن جانب آخر، تُسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على أقصى شمال الحدود من الجانب السوري، وتُدير معبر سيمالكا/فيشخابور الواقع في محافظة روج آفا الشمالية الشرقية، وتُديره حكومة إقليم كردستان من الجانب العراقي. وقد توصلت، في 10 مارس 2025، إلى اتفاق مبدئي، بدعم أمريكي، مع الحكومة السورية المؤقتة، ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية، بما في ذلك المعابر الحدودية وحقول النفط. مع ذلك، تُحافظ قسد حتى اللحظة على سيطرتها على المعبر، الذي يُعتبر الطريق الوحيد لمناطق الإدارة الذاتية مع الخارج.

ويرتبط مستقبل إدارة معبر سيمالكا بمسار المفاوضات بين الحكومة المؤقتة وقسد، فمن شأن انهيارها أن يُبقي الجزء الشمالي من الحدود السورية العراقية منفصلًا بشكل دائم عن سيطرة الحكومة، بما يعنيه ذلك من الحفاظ على وظائفه كمعبر إنساني واقتصادي، والذي يُشكّل طريق إمداد رئيسي للموارد والسلع التي تحتاجها الإدارة الذاتية في مناطق سيطرتها.

الحدود-السورية-العراقية-وإعادة-تشكيل-المجال-الجيوسياسي-في-الشرق-الأوسط-in-3.jpg

المشهد الجيوسياسي على جانبي الحدود

أظهر الجانبان العراقي والسوري قدرة على إدارة الحدود بفعالية، مع سياسة بغداد البراغماتية التي ركزت على تجاوز مخاوفها وشكوكها تجاه جذور وخلفية الحكومة السورية المؤقتة، والتركيز على الجوانب الأمنية، وخاصة في منع تنظيم "داعش" من استغلال الفراغ على الجانب السوري، بتعزيز نشاطه على الحدود وفي المناطق المحاذية لها، وكذلك في منع الفصائل المسلحة المدعومة من قبل إيران من الحفاظ على نشاطها على جانبي الحدود، على غرار الوضع الذي كان قائمًا قبل تغيير النظام.

مع ذلك، فإن الوضع الناشئ حاليًا على الحدود قابل لأن يُشكّل أحد أهم التوترات الجيوسياسية المستقبلية في الإقليم. فانتشار الجيش السوري، الذي تُشكّل "هيئة تحرير الشام" نواته الأساسية، على الحدود، مقابل انتشار الحشد الشعبي على الجانب الآخر، وإن كان بشكل محدود مع تعزيز الجيش العراقي انتشاره، يعني أن الأمن والاستقرار على الحدود يبقى خاضعًا للتباين الأيديولوجي الجوهري بين الطرفين، والقابل للتوتر وبلوغ التصعيد مع أي تغيّر أو مؤثر محتمل.

فمن جهة، تأسست "جبهة النصرة"، والتي تحوّلت لاحقًا إلى هيئة تحرير الشام، بهدف رئيسي يتمثل في القتال ضد الجيش السوري السابق وداعميه الإيرانيين ووكلائهم، ومن المشكوك فيه أن يُفضي وصولهم إلى السلطة إلى تغيير مرجعياتهم وأفكارهم المتطرفة وأسباب تشكيلهم، بحيث تسعى الحكومة لإظهار انفتاح إقليمي ودولي غير مسبوق، لا سيما تجاه إسرائيل، التي يُحتمل توقيعها معها اتفاقية أمنية قريبًا، وكذلك تجاه روسيا التي شاركت بشكل رئيسي عبر الضربات الجوية في حملة النظام السابق ضد المعارضة المسلحة، من بينها "هيئة تحرير الشام"، حيث زارها الرئيس السوري أحمد الشرع والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 15 أكتوبر 2025. إلا أن الحكومة المؤقتة لا تزال تتخذ موقفًا معارضًا من إيران ووكلائها، باعتبارهم العدو الأصيل لها، وتُحمّلهم مسؤولية ما تصفه بالتمرد الداخلي في الساحل، وخاصة دور حزب الله في أحداث (6-10) مارس 2025.

في المقابل، تشكّل الحشد الشعبي في أعقاب صعود تنظيم "داعش" وسيطرته على جغرافيا واسعة من العراق، وجاء تشكيله بموجب فتوى شرعية أصدرها المرجع الديني علي السيستاني في 13 يونيو 2014. وحيث ترتبط السلطة الجديدة في سوريا بالسياقات التي أوجبت الفتوى، لا سيما الشرع نفسه الذي كان معتقلًا سابقًا في أربعة سجون عراقية، من بينها أبو غريب و"معسكر بوكا" الأمريكي في العراق، باعتباره عضوًا في تنظيم القاعدة، قبل أن ينتقل إلى سوريا لتأسيس فرع للتنظيم هناك بأمر من "أبو بكر البغدادي". وهذه الخلفية، التي أعلن الانفصال عنها، تبقى حاضرة في الذهنية العراقية، وحيث التزم الحشد الشعبي بقرار الحكومة عدم التدخل في الاشتباكات التي سبقت تغيير النظام في سوريا، إلا أن العراق، وفقًا لرئيس الحشد فالح الفياض، لا يمكنه "غض الطرف عندما تتحكم بسوريا الجماعات الإرهابية".

وبذلك، فإن الحدود العراقية السورية مرشّحة للانجرار إلى توترات طويلة الأمد، قد تتصاعد إلى حالة من الصراع بتغير الظروف المحلية للدولتين أو الإقليمية، خاصة وأنها، على المدى القريب والمتوسط، تُمثّل الأرضية الأكثر ترجيحًا للمواجهة غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة وشركائها، مدفوعةً بحاجة إيران إلى خلق اضطراب يُعيد لها نفوذها الذي فقدته بعد الحرب في قطاع غزة، وكذلك في ظل تشديد الولايات المتحدة الإجراءات الهادفة إلى احتواء وكلاء إيران في المنطقة، لا سيما في العراق.

وأخيراً؛ يمكن القول إن الحدود السورية العراقية دخلت مرحلة جديدة تتسم بالتنافس الاستراتيجي والتناقض الأيديولوجي، وباتت تتجاوز أهميتها باعتبارها حدودًا ثنائية، بقدر ما تُعتبر بؤرة توتر جيوسياسية جديدة في المشهد الإقليمي المستقبلي، فالحفاظ على هدوئها الحالي واستقرارها مسألة موضعية، وقابليتها للتوتر وربما للتصعيد، وفق التغيرات المحلية في الدولتين أو التحولات الإقليمية والدولية، مسألة واردة بشكل مرتفع.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات