روسيا وإعادة الحضور الاستراتيجي في المشهد السوري المتغير
شهدت سوريا منذ ديسمبر 2024 تحولات جذرية أعادت رسم المشهد الجيوسياسي، حيث أدى تغيير النظام إلى خسارة روسيا لحليفها الأوثق، لكنه لم يُنهِ نفوذها، إذ حافظت موسكو على وجودها العسكري في حميميم وطرطوس. في المقابل، تسعى الحكومة المؤقتة إلى موازنة علاقاتها بين روسيا والغرب، لكن انتهاكاتها في الساحل وفي السويداء أثارت شكوكًا دولية. وبينما يربط الغرب دعمه بإصلاحات سياسية، تعرض روسيا تعاونًا أمنيًا بلا شروط، ما يجعلها شريكًا محتملاً للسلطة الجديدة.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ٢٢/٠٩/٢٠٢٥

ورقة ضمن سلسلة: سوريا.. التحولات والمتغيرات ومستقبل حالة عدم اليقين
أدى تغيير النظام الذي شهدته سوريا في ديسمبر 2024 إلى إعادة ترتيب جذرية –وفوضوية أيضًا– للمشهد الجيوسياسي السوري، وأبرز الأسئلة التي طُرحت حينها كان حول قبول روسيا بالسيناريو الحاصل، وتخليها عن النظام السابق الحليف لها، ومواجهة احتمالية خسارتها لقواعدها الاستراتيجية والحيوية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، والتي طالما حافظت عليها. وفي أعقاب تغيير النظام السابق، ساد إجماع شبه كامل يرى أن ذلك التغيير لم يكن ممكنًا دون وجود قبول روسي ضمني، مقابل رأي آخر لا يستبعد أن يكون موقف موسكو تنازلًا استراتيجيًا، لا سيما في ضوء توجيه زخمها الاستراتيجي لمواجهة الغرب في أوكرانيا. مع ذلك، من الموضوعي القول إن الدور الروسي في إرساء الترتيبات المستقبلية للمشهد السوري لن ينتهي. فصحيح أن روسيا فقدت حليفها الأكثر موثوقية وامتيازاتها الاقتصادية المضمونة، كما يتضح من إنهاء عقد ميناء طرطوس، إلا أنها تحتفظ بنفوذها الاستراتيجي الأساسي من خلال وجودها العسكري المستمر في قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية في طرطوس، وهما أصلان حيويان للحفاظ على نفوذها العالمي. ولا يزال المشهد الجيوسياسي السوري قيد التشكل وقابلًا للتحول بين حين وآخر.
الديناميكيات المعقدة للقوى الدولية في سوريا
لقد كشفت المرحلة الجديدة في سوريا عن إعادة تقييم معقدة لديناميات القوة داخل سوريا وفي انخراطها الدولي. ويمكن القول إن أحد أبرز التطورات التي شهدتها سوريا في الفترة الأخيرة الماضية هو التحول في العلاقة "الدقيقة" ما بين روسيا والسلطة الانتقالية في دمشق بقيادة أحمد الشرع. ويعكس هذا التحول حسابات استراتيجية أوسع نطاقًا لموسكو، توازن بين مصالحها ونفوذها الإقليمي وأهدافها بعيدة المدى في معاقلها القائمة في الساحل السوري.
فرغم ارتفاع سقف التوقعات الذي أظهرته الدول الغربية تجاه علاقاتها مع الحكومة المؤقتة، إلا أنه من غير الواضح أن البلاد تسير بما يُلبي تطلعات النمط الغربي، بقدر ما تُظهر الحكومة المؤقتة جانبًا براغماتيًا يسعى إلى تحقيق التوازن بين أصحاب النفوذين الخارجيين المتنافسين. فمنذ ديسمبر الماضي، تحركت القوى الإقليمية –ولا سيما إسرائيل وتركيا ودول الخليج– بسرعة لملء الفراغ في سوريا، كلٌّ على طريقته: إذ وسّعت إسرائيل عملياتها العسكرية لنزع السلاح في جنوب سوريا، وتدمير السلاح الثقيل الذي كان بحوزة الجيش السابق، بينما وقّعت تركيا اتفاقية تعاون دفاعي شاملة مع الحكومة المؤقتة تهدف إلى تأمين حدودها. وبدأت دول الخليج إعادة انخراط اقتصادي واسع النطاق، معتبرةً استثماراتها وسيلة لدعم الحكومة المؤقتة، في مواجهة المنافسين الإقليميين والدوليين الآخرين.
أما الغرب، فيرى أنه يواجه واقعًا من الفوضى الأمنية الداخلية وانتهاكات حقوق الإنسان، ما خلق مأزقًا استراتيجيًا يحدّ من مشاركته. فاعتماد الحكومة المؤقتة على منطق القوة، وعجزها عن ضبط الفصائل المسلحة ضمن أطر ومؤسسات الدولة، وعدم قدرتها على تطبيق خطابها الإصلاحي على أرض الواقع، يشير إلى أن هذه الحكومة ليست تحولًا جذريًا عن الماضي، بل هي تكرار جديد لنظام مركزي تحرّكه فقط دوافع البقاء في السلطة. ويمكن اعتبار إعادة إحياء العلاقة مع روسيا جزءًا من هذا الأسلوب، فزيارة وفد سوري رفيع المستوى إلى موسكو أواخر يوليو 2025، تشير إلى نية دمشق استخدام العلاقة مع روسيا، سواء كحاجز عسكري في وجه الضربات الإسرائيلية أو كحليف بديل عن أوروبا والولايات المتحدة، حال وصلت العلاقات مع الغرب إلى طريق مسدود، ليتكرر سيناريو النظام السابق نفسه.
مصلحة روسيا في سوريا: إعادة تنظيم استراتيجي
كان التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 حاسمًا في صمود النظام السوري، ومنقذًا له حينذاك من الانهيار الوشيك. وكانت أهداف موسكو المعلنة هي "ترسيخ السلطة الشرعية في سوريا" وتهيئة الظروف "للتسوية السياسية". مع ذلك، شكّلت الأهداف الجيوسياسية طويلة الأمد لروسيا، توظيف مشاركتها في توسيع نفوذها في الشرق الأوسط وتحدي النظام أحادي القطبية، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. وقد نجح التدخل في تأمين الأصول العسكرية الاستراتيجية الرئيسة، بما في ذلك قاعدة حميميم الجوية والمنشأة البحرية في طرطوس، والتي تشكّل المواقع العسكرية الرسمية الوحيدة لروسيا خارج الاتحاد السوفييتي السابق، وفي وضع روسيا كفاعل رئيسي ونشط في الملف السوري إقليميًا ودوليًا.
مع ذلك، يُشير انهيار الجيش السوري وتسليم النظام للسلطة في البلاد دون مقاومة تُذكر، ومحدودية التدخل الروسي في مواجهة عملية "ردع العدوان"، إلى أن موسكو على الأرجح تنازلت عن سياساتها السابقة في حماية النظام، وقدّمت أولوياتها في حماية مصالحها ووجودها العسكري في سوريا، مع إبقاء الباب مشرعًا أمام ترسيخ مكانتها كشريك محتمل للحكومة المؤقتة، لا سيما وأنها ارتبطت سابقًا باتصالات مع قوى المعارضة في إطار تأديتها دور الوسيط في تسويات عدة بين النظام السابق والمعارضة.
وتُعد زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو مثالًا واضحًا على السياسة الروسية، إذ تُعد هذه الزيارة الرسمية الأولى للحكومة المؤقتة في دمشق، وخلالها صرّح الشيباني بوضوح بأن سوريا تريد روسيا "إلى جانبها"، رغم التاريخ المعقّد بين موسكو وقوى المعارضة التي تحكم سوريا حاليًا. وقد ردّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على هذه النبرة الإيجابية، مؤكدًا استعداد روسيا لتقديم "كل مساعدة ممكنة" في إعادة الإعمار بعد الصراع، مع إعادة تأكيد دعمها لوحدة أراضي سوريا.
وتضمنت زيارة الشيباني إطلاق مراجعة للاتفاقيات الثنائية القائمة الموقعة في عهد الأسد لتحديد ما إذا كانت "تخدم مصالح الشعب السوري"، ما يُشير إلى أن كلا الطرفين يتفاوضان على شروط علاقتهما المتجددة بدلًا من مجرد العودة إلى الترتيبات السابقة. وهذا لا يُشير إلى انفراج دبلوماسي فحسب، بل يُرسي أيضًا أساسًا لتعاون أمني وسياسي واقتصادي أعمق.
ويبدو أن التقارب الناشئ مبني على أساس المصالح المشتركة بدلًا من التوافق الأيديولوجي. بالنسبة لروسيا، يبقى الحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا المسألة الأهم، إذ تُمثّل هذه المرافق موطئ قدمها الاستراتيجي الوحيد في البحر الأبيض المتوسط، وموردًا رئيسيًا لبسط نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط والقارة الأفريقية. أما بالنسبة للحكومة السورية المؤقتة، فيُمثّل اكتساب الشرعية الدولية وتأمين الدعم لإعادة الإعمار أولوية عاجلة، بينما تُمثّل مواجهة العمليات العسكرية الإسرائيلية هاجسًا أمنيًا أكثر إلحاحًا.
الوجود الروسي: أداء للضغط والنفوذ
قدّم الرئيس المؤقت أحمد الشرع، الزعيم السابق لهيئة تحرير الشام، صورة عامة لزعيم "براغماتي"، ذو توجه إصلاحي. وقد استخدم خطابًا نظريًا حول "التحديث والشفافية والإدماج" وإدماج الأقليات، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والعدالة الانتقالية. وقد تشكّل هذا الخطاب بشكل رئيسي في مسعى لإظهار التمايز بين السلطة الجديدة والنظام السابق من جهة، ومحاولة لتحفيز الدول الغربية على استكشاف السلطة الجديدة، خاصة وأن الولايات المتحدة وأوروبا قد وضعت ضمن اشتراطاتها للتعامل مع الحكومة المؤقتة ورفع العقوبات، مجموعة من المتطلبات المعنية بحقوق الإنسان والأقليات والمرأة.
مع ذلك، اتسم سلوك الحكومة المؤقتة بجانب من الفوضى، وقد دخلت البلاد وسط فراغ أمني وتكررت الأعمال الانتقامية والانتهاكات ضد الأقليات من قِبل السلطة نفسها. ففي أعقاب العملية الأمنية بالساحل خلال الفترة 6-10 مارس 2025، ارتكبت قوات الأمن والجيش التابعان للحكومة المؤقتة انتهاكات واسعة النطاق ومنهجية، بما في ذلك "عمليات قتل خارج نطاق القانون وتعذيب" للمدنيين في المناطق ذات الأغلبية العلوية. وقد أكد التحقيق الذي أجرته الحكومة أن بعض أفراد الجيش ارتكبوا "انتهاكات واسعة النطاق وخطيرة ضد المدنيين". وقد تكرر ذلك السلوك في أعقاب تدخل قُوات الجيش والحكومة لفض الاشتباكات بالسويداء خلال الفترة 12-14 يونيو 2025، بشكل عزز التساؤلات والمخاوف من قدرة الحكومة المؤقتة على تمثيل مختلف المكونات السورية، لا سيما لدى الدول الغربية التي أبدت انفتاحًا سابقًا على الحكومة.
إذ ترتب عن ذلك السلوك أن واجهت الدول الغربية مأزقًا استراتيجيًا. فمن جهة، تُحاول دعم الحكومة المؤقتة لتجنب انهيار الدولة، والذي قد يخلق فوضى تُعيد تمكين المنظمات الإرهابية والمليشيات الإيرانية، ومن جهة أخرى، هناك محاذير تجاه دعم حكومة تُعيد إنتاج تاريخ من انتهاكات حقوق الإنسان. وقد أدى ذلك إلى سياسة دعمٍ مشروط، حيث يتم تخفيف العقوبات "بشكلٍ مدروس" بدلًا من "رفعها" تمامًا.
لكن هذه السياسة دفعت الحكومة المؤقتة إلى البحث عن شراكات بديلة محتملة، من بينها العودة من جديد إلى الحلفاء التقليديين لسوريا، وفي مقدمتهم روسيا، بهدف كسب الضد على أوروبا والولايات المتحدة. بالإضافة إلى تناسب نهج روسيا البراغماتي القادر على التكيف بسرعة وسهولة مع الحكم المركزي، بل وحتى الاستبدادي، الذي تسير نحوه الحكومة المؤقتة. وبذلك، فمن المُرجح أن تندفع الحكومة المؤقتة نحو روسيا، بالتوازي مع تزايد المطالب الغربية الخاصة بحقوق الإنسان والأقليات.
وبالمقابل، يتبنى الغرب موقفًا محايدًا حاليًا تجاه التقارب بين القيادة السورية الجديدة وموسكو، خاصة وأن ملامحه الواضحة لم تتبلور بعد. فبينما يرغب الغرب في تحقيق استقرار نسبي في سوريا، فإنه يشترط أن يكون ذلك بعيدًا عن إعادة إحياء نموذج النظام السابق الذي دعمته روسيا. ومن المؤكد أن تنامي العلاقات السورية-الروسية سيُعزز المخاوف الغربية مما قد يترتب عليه من خلط للأوراق في الإقليم، وفي تعزيز روسيا لنفوذها العسكري والسياسي، في وقت تعمل فيه الدول الغربية على تحجيم النفوذ الروسي إلى ما وراء حدودها، خاصة بعد الحرب الأوكرانية.
ومن هذا المنظور، فإن الدول الغربية ستسعى لعرقلة عودة روسيا كدولة نافذة في المجالين العسكري والسياسي في سوريا، على غرار محاولاتها عرقلة النفوذ الصيني، خاصة في مجال إعادة الإعمار والقطاعات الاستراتيجية في سوريا مثل الموانئ، والمطارات، والاتصالات، وغيرها.
روسيا وورقة الأقليات في سوريا
يُعد التقارب بين الحكومة السورية المؤقتة والكنيسة الأرثوذكسية خطوة لها دلالات سياسية واضحة. فبعد زيارة الوفد السوري إلى موسكو بوقت قصير، زار ماهر الشرع، شقيق الرئيس، البطريرك يوحنا العاشر يازجي لتقديم التعازي في تفجير الكنيسة. وكانت هذه لفتة علنية تجاه المجتمع المسيحي، الذي انتقد في السابق رد فعل الحكومة الضعيف والشكلي تجاه تفجير كنيسة مار إلياس في 22 يوليو 2025.
وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة لأن روسيا وضعت نفسها منذ فترة طويلة في موقع الراعي والحامي للكنيسة الأرثوذكسية في الشرق الأوسط. ويُعتبر رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، البطريرك كيريل، مقرّبًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد تشير زيارة ماهر الشرع للبطريرك يوحنا العاشر يازجي، ومن قبلها زيارة وزير الخارجية السوري إلى موسكو، إلى دخول العلاقات بين الطرفين مرحلة جديدة، وعلامة واضحة على مناورات القوة الناعمة الروسية لتعزيز شرعية الرئيس أحمد الشرع في الداخل السوري.
وفي سياق موازٍ، تتزايد المؤشرات والمعطيات حول انتهاج روسيا استراتيجية هادئة للدفع نحو إعادة دمج العلويين في الهيكل العسكري والأمني الجديد في سوريا، لا سيما في المناطق الساحلية الاستراتيجية حيث تتركز هذه الأقلية، خاصة وأن لدى العلويين، الذين يمثلون ما بين 9-12% من سكان سوريا، مخاوف جدية تجاه المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد. ومن المرجح أن تشمل أهداف موسكو طويلة المدى الحفاظ على نفوذها داخل المنطقة الساحلية ذات الأغلبية العلوية، حيث تقع القواعد العسكرية الروسية الاستراتيجية. ومن خلال وضع نفسها كحامية لهذه الأقلية، يمكن أن تحقق نتائج إيجابية كبيرة في هذا السياق مع تزايد نفوذها لدى كل من الطائفة العلوية والحكومة السورية.
وبالمقابل أيضًا، فإنَّ لدى الحكومة المؤقتة أسباب عملية لاستيعاب هذا الاهتمام الروسي، فإعادة دمج العلويين بنجاح من شأنها أن تقلل من التوترات الطائفية وتعزز الاستقرار الوطني، في حين أن الخبرة الفنية لأفراد أمن النظام السابق قد تكون قيّمة في إعادة بناء مؤسسات الدولة الفعالة.
مواجهة التهديد الإسرائيلي
تُشكّل العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في الأراضي السورية تحديًا أمنيًا قد يدفع بالبلاد نحو روسيا رغم الدعم الغربي. فمنذ تغيير النظام، وسّعت إسرائيل من أنشطتها العسكرية في سوريا بشكل كبير وسيطرت على المنطقة العازلة التابعة للأمم المتحدة، وتُنفّذ غارات جوية منتظمة ضد ما تصفه بالتهديدات الأمنية، وقد وصلت الضربات الإسرائيلية إلى قلب العاصمة دمشق واستهدفت مبنى قيادة أركان الجيش. بالنسبة إلى روسيا، فقد أدانت الهجوم الإسرائيلي على مبنى قيادة أركان الجيش، معتبرةً إياه انتهاكًا لسيادة البلاد والقانون الدولي، بينما جاءت ردود الفعل الغربية متحفّظة. وبذلك تترك موسكو الباب مفتوحًا للعب دور الثقل الدبلوماسي المُوازن للإجراءات الإسرائيلية، وتُقدّم نفسها كقوة موازنة لإسرائيل – ووسيط بين دمشق وتل أبيب – خاصة وأن موسكو لعبت خلال الأزمة السورية دورًا محوريًا في معادلات الأمن جنوب سوريا.
أما بالنسبة للحكومة المؤقتة، فقد يأتي الدعم الغربي بشروط غير مقبولة تتعلق بالإصلاح السياسي، وحماية حقوق الإنسان، وترتيبات تقاسم السلطة التي قد تحدّ من سيطرتها ومركزيّتها. وتوسعت الولايات المتحدة بأن ربطت تخفيف العقوبات بالتقدم في تطبيع العلاقات مع إسرائيل ومكافحة الإرهاب، وهي شروط قد يصعب تلبيتها بالكامل.
وفي المقابل، تقدّم روسيا تعاونًا أمنيًا دون شروط سياسية مسبقة، بما في ذلك الدعم المحتمل في تقييد العمليات الإسرائيلية، وبما يجعل هذا الاختلاف في النهج، روسيا شريكًا أكثر جاذبية للحكومة المؤقتة، خاصة إذا تعارضت المطالب الغربية مع ترسيخها للسلطة.
وأخيراً، يُظهر نهج روسيا تجاه سوريا في أعقاب تغيير النظام مرونة استراتيجية وسعيًا واضحًا نحو تحقيق المصالح. فبدلًا من التمسك بحليف سابق، يبدو أن موسكو قد وجّهت تركيزها في العملية الانتقالية نحو الحفاظ على أهم أصولها – القواعد العسكرية والنفوذ الإقليمي – مع ترسيخ مكانتها كشريك محتمل للحكومة المؤقتة. ويكشف التقارب الناشئ بين روسيا والحكومة السورية المؤقتة عن حسابات الطرفين: فبالنسبة لسوريا، تقدّم روسيا التعاون الأمني دون المطالبة بإصلاحات سياسية؛ أما روسيا، فتُتيح لها العلاقات الحفاظ على أصولها العسكرية في البحر الأبيض المتوسط، وبقاءها لاعبًا في القضايا الدولية.

ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات