مأزق الوحدة في سوريا: قضايا السيادة والأمن والمسألة الكردية
لم يحقق انتقال السلطة في سوريا عام 2024 المصالحة المرجوة، إذ أدى الصراع بين الحكومة المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية إلى تقويض اتفاق 10 مارس 2025 وتعميق الانقسام حول شكل الدولة بين المركزية واللامركزية. كما ساهم الغموض في الاتفاق والتدخلات الإقليمية والدولية، خصوصًا من تركيا والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وإسرائيل، في تعقيد المشهد ومنع الوصول إلى تسوية مستقرة، ما يجعل مستقبل سوريا مرتبطًا بقدرة الحكومة على إرساء عقد اجتماعي شامل يضمن مشاركة جميع المكونات.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ٠٦/١١/٢٠٢٥
ورقة ضمن سلسلة: سوريا.. التحولات والمتغيرات ومستقبل حالة عدم اليقين
أتاح انتقال السلطة في دمشق في ديسمبر 2024 فرصًا ضئيلة للمصالحة بين الفصائل السياسية والعسكرية المتباينة في سوريا. ومع ذلك، فإن التصعيد المكثف بين الحكومة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة مطلع أكتوبر 2025، يؤكد أن الطريق إلى دولة سورية مستقرة وموحدة لا يزال محفوفًا بعراقيل كثيرة. وفهم ذلك مرتبط بتحليل الديناميكيات المحيطة بهذا النزاع المتجدد، واحتمالات استدامة – أو انهيار – اتفاقية 10 مارس بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع، والأدوار الحاسمة التي تلعبها الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية – تركيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا، وإسرائيل – في تحديد المسار المستقبلي للسيادة السورية المتصدعة.
سياق التصعيد: حلب (أكتوبر 2025)
تشير الاشتباكات العنيفة بين الجيش السوري وقوات قسد، والتي اندلعت في مراكز حضرية رئيسة، وتحديدًا في محيط حي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، إلى تآكل خطير في بيئة ما بعد وقف إطلاق النار في سوريا، لا سيما وأنها شملت تبادل القصف والاشتباك بالأسلحة الثقيلة، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، وفرار العديد من العائلات من المنطقة.
وقد جاءت الاشتباكات بعد اتهام الجيش السوري قوات قسد باستهداف المدنيين وعناصر الجيش والأمن، ما دفعه إلى إعادة الانتشار على بعض المحاور شمال وشمال شرق البلاد. في المقابل، تنظر قسد إلى التحركات العسكرية للجيش بأنها تحركات وتصرفات استفزازية.
لعل الأكثر أهمية في تلك الاشتباكات؛ ربما تُشكّل الانتهاك الأوسع لطرفي اتفاق 10 مارس المُوقّع بينهما، والتهديد الأكثر جدية لاستمراره، لا سيما بعد إغلاق الجيش السوري لمداخل حيي الشيخ مقصود والأشرفية، ووقوع هاتين المنطقتين بالتالي تحت الحصار، رغم اتفاق 10 مارس الذي نصّ على بقاء هذه الأحياء تحت الإدارة المحلية لقوات سوريا الديمقراطية مع دمجها في المؤسسات الوطنية. كما أفادت التقارير أن القوات الحكومية كانت ترفع سواتر ترابية خارج الحيين، منتهكة بذلك اتفاقًا سابقًا ينصّ على إزالة هذه التحصينات من الطرق العامة. كذلك، امتدت الاشتباكات وفقًا لتقارير إلى مناطق من شرق حلب وبالقرب من مواقع استراتيجية، مثل سد تشرين، وهي منطقة كانت مخصصة سابقًا لتحقيق الاستقرار وتسيير الدوريات المشتركة بموجب اتفاق 10 مارس.
ورغم توقف الاشتباكات في 7 أكتوبر، بالتزامن مع زيارة المبعوث الأمريكي توم براك وقائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر لمنطقة شمال شرق سوريا، ثم زيارة قائد قوات قسد مظلوم عبدي لدمشق ولقائه القيادات السياسية والعسكرية بحضور مسؤولين أمريكيين بارزين، في مقدمتهم أحمد الشرع، إلا أن وقوعها يُنذر بإمكانية تحوّل مواقف ومقاربتي الطرفين تجاه سير العلاقة بينهما، والتي تمحورت نظريًّا منذ تغيير النظام في ديسمبر 2024 حول الخلاف على شكل الحكم وقضايا المركزية واللامركزية والاندماج، قبل أن تُواجه المواجهة العسكرية الأولى بينهما، وفي مناطق مكتظة بالسكان ومختلطة.

محور الأزمة: المركزية مقابل اللامركزية
تعود حالة عدم الاستقرار في سوريا إلى تباين الرؤى بين الفاعلَين المحليَّين الرئيسين بشأن طبيعة الدولة السورية المستقبلية. إذ تصرّ السلطة الانتقالية في دمشق على هيكلية مركزية للبلاد. وقد صرّح الشرع مرارًا بأن "جميع الأسلحة يجب أن تكون تحت سيطرة الدولة"، ويتمسك برفضه للفيدرالية أو الحكم الذاتي، باعتبارها "تهديدًا للوحدة الوطنية" و"خطًا أحمر" يُنذر بالتقسيم.
في المقابل، تُعارض قوات سوريا الديمقراطية وجناحها السياسي، الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، العودة إلى النموذج المركزي الذي كان سائدًا قبل عام 2011، وتتمسك في رؤيتها لسوريا كدولة علمانية وديمقراطية وفيدرالية. وفي أعقاب الجولة الأخيرة من المحادثات رفيعة المستوى في دمشق، أكد مظلوم عبدي هذا الموقف الجوهري، مصرّحًا بأنه في حين أن قسد "ملتزمة بوحدة سوريا، فإن أي محاولة لفرض سيطرة مركزية دون ضمانات ستُقابل بموقف حازم".
يُشكّل هذا التناقض الأيديولوجي والبنيوي عائقًا أمام بناء ثقة حقيقية والتوصل إلى اتفاق شامل ودائم. فمن جهة، تُواجَه خطوات الحكومة الانتقالية في دمشق بتشكيك حول التزامها بالتشاركية، لا سيما أنها تتبع نمطًا فرديًا في اتخاذ القرارات ذات الصلة بشكل النظام والحكم، مثل الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية الذي صدر في 13 مارس 2025، أو في عملية تشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في 13 يونيو من العام نفسه. وذلك عامل في تقويض ثقة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلى جانب مكونات وأطراف أخرى فاعلة في الشأن المحلي السوري، من بينهم جزء من الدروز في محافظة السويداء.
من جهة أخرى، تتخوف الأطراف خارج السلطة من مسألة حصر المناصب القيادية في الجيش والأمن الجديدين بقادة من ذوي الخلفية الأيديولوجية، وخاصة من المسؤولين السابقين في هيئة تحرير الشام ومن الفصائل المشابهة والمتحالفة معها، وهو ما يتعارض بشكل رئيسي مع خطابات الحكومة الانتقالية حول التعددية، ومطالبها للآخرين بالانفتاح والتعاون معها. وقد قاد ذلك إلى مواجهة الحكومة إشكالية في التحلي بالمرونة التفاوضية مع قسد، لا سيما تجاه مطالب الأخيرة بالاستيعاب لقواتها ضمن قوات الجيش والأمن المشكَّلين حديثًاً.
وحتى ما بعد اتفاق 10 مارس، ظلّت قسد متمسكة بمطالب اللامركزية، وفي أغسطس 2025، وجّه مؤتمر الإدارة الذاتية في الحسكة رسائل أكثر صراحة حول رؤيتها لدولة ديمقراطية لامركزية وضمانات لحقوق الأكراد، بما في ذلك إنشاء محافظات جديدة ذات أغلبية كردية، ما دفع الحكومة المؤقتة إلى رفض مخرجات المؤتمر واعتبارها تقوّض الوحدة الوطنية وجزءًا من محاولات فرض التقسيم، وقررت على إثره إلغاء محادثات كانت مقررة بين الطرفين.
مع ذلك، يدفع المناخ الإقليمي والدولي الطرفين إلى الحوار، لكنه في الوقت نفسه يعجز عن فرض تسوية مستدامة على الطرفين، وتُصبح تلك التسوية مستبعدة وربما مستحيلة وفق مطالب الطرفين الراهنة؛ بالنظر إلى الضغوط التي تفرضها إسرائيل، سواء عبر توغلاتها المستمرة في الجنوب، وتفضيلها نظام حكم لا مركزي في سوريا، وحيث يتقاطع ذلك بشكل غير مباشر مع مطالب الأقليات في البلاد بالحكم الذاتي أو اللامركزية الإدارية، مثل الدروز في السويداء، أو بعض زعماء العلويين في الساحل، فإن دمشق تخلط ما بين الحقوق الفعلية للأقليات وجدية مطالبها، وما بين التهديدات الإسرائيلية على سيادة سوريا.
اتفاقية 10 مارس: خطة تكامل هشة
حظي الاتفاق الذي تم توقيعه في 10 مارس بين الرئيس المؤقت أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بإشادة واسعة باعتباره إنجازًا تاريخيًا يهدف إلى إنهاء الانقسام العميق بين دمشق والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. لكن الغموض الكامن في الوثيقة والتفسيرات المتضاربة من جانب كافة الأطراف المعنية قاد إلى عرقلة تطبيقها، بل وحال دون تطويرها، وربما حتى عقد الإطار التفاوضي نفسه.

وحيث حدّدت البنود الأساسية للاتفاق المسار نحو إعادة دمج الشمال الشرقي في هيكل الدولة السورية، إلا أن محاولة واضعي الاتفاق تلبية المطالب الاستراتيجية المتعارضة – الاعتراف بالحقوق الكردية (الولايات المتحدة وفرنسا وقسد) مع فرض الاندماج المؤسسي الكامل (تركيا ودمشق) – خلقت غموضًا هيكليًا، سرعان ما تحولت معه آلية التكامل العسكري إلى الإشكالية الأشد تعقيدًا؛ فقد اعتبرت قسد "الدمج" في جيش وطني أُعيد إصلاحه، وفي إطار دولة مُعاد هيكلتها، وتعتبر أن تسليم أسلحتها وتفكيك قواتها خط أحمر أساسي "غير قابل للتفاوض". ولذلك، أبدى مفاوضوها مرونة في الاستعداد للدمج الراهن، ولكن من خلال "عملية تدريجية" تسمح لهم بالحفاظ على استقلالية القيادة أو أن يصبحوا كتلة موحدة معترفًا بها ضمن الهيكل العسكري الأوسع.
في المقابل، فسّرت دمشق وأنقرة آلية الدمج باعتبارها استيعابًا مؤقتًا يتبعه تفكيك لاحق للهياكل المستقلة، مع الحفاظ على بُنية الجيش المُشكّلة من قادة وعناصر هيئة تحرير الشام. ويُعتبر هذا الموقف استراتيجيًا، خاصة بالنسبة إلى تركيا، التي تنظر إلى قسد على أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني، المُصنّف وفقها كمنظمة إرهابية. ولذلك، تُشدّد على مطالبها بنزع سلاحها بالكامل، والمغادرة الفورية لجميع المقاتلين الأجانب والكوادر العليا المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، ودمج أي أفراد متبقين في جيش وطني يتم إدارته مركزيًا بشكل صارم. وتتبنّى دمشق هذا الموقف، مؤكدة أن الكيانات المسلحة الموازية تُقوّض السيادة الوطنية.
نتيجة لذلك، يوجّه المسؤولون السوريون لقسد اتهامات بالتحرك ببطء شديد والتطلع إلى طموحات لامركزية تُهدد بالانقسام، بينما يتهم مسؤولو قسد الحكومة بمحاولة "حل قسد تحت غطاء الاندماج"، مع إشارتهم إلى أن الوجود المستمر والعمليات العدائية للمسلحين المدعومين من تركيا في شمال سوريا، والتي لم تُدنها حكومة دمشق. وبذلك، تتخوف قسد من أن تسليم سلاحها يعني تسليم بنيتها السياسية المتمثلة بالإدارة الذاتية، ومواجهتها تهديدًا وجوديًا.
وتزداد التفسيرات تعقيدًا في مسائل السيادة الاقتصادية؛ فرغم أن اتفاق 10 مارس ينصّ على دمج المؤسسات الاقتصادية، بما في ذلك حقول النفط والغاز، فإن قسد لا تزال تحتفظ بشبه استقلال في منطقة الجزيرة السورية ذات الأهمية الاقتصادية الحيوية، وتنظر إلى سيطرتها على الموارد الطبيعية والمعابر الحدودية باعتبارها الأساس لاستمرارية سيطرتها في مناطق الإدارة الذاتية، حيث تعتمد عليها في توفير الخدمات الأساسية في الشمال الشرقي، ما يعني أن التخلي عن تلك الموارد يُعد تنازلًا لا رجعة فيه، ما يُبقي هذه النقطة محل خلاف مستمر وأساسي.
المشهد الجيوسياسي: تأثير الجهات الفاعلة
يتداخل الخلاف والتباين بين الحكومة المؤقتة وقسد باعتبارات خارجية وداخلية؛ ففي حين يُمثّل في جوهره أزمة على السيادة والموارد وتقاسم السلطة أو مشاركتها، فإن مواقف الجهات الخارجية ومقارباتها تُعتبر مؤثرًا رئيسيًا في سياق ذلك الخلاف وتطوراته، وتحديدًا تجاه خمسة من الفاعلين الإقليميين والدوليين، وهم: (الولايات المتحدة، وتركيا، وفرنسا، وروسيا، وإسرائيل).
فمن جهة، تحافظ الولايات المتحدة على خطاب دبلوماسي يرتكز على تحقيق الاستقرار في سوريا ما بعد النظام السابق، ويستند إلى توحيد البلاد وتحقيق نظام مركزي لكن أكثر تنوعًا وتمثيلًا، لا سيما من الأقليات ومن بينهم الأكراد. وتربط سياسة الدعم المشروط التي تنتهجها الولايات المتحدة تخفيف العقوبات والمشاركة الاقتصادية الأوسع للحكومة السورية بقدرتها على تبني نهج شامل تجاه جميع المجتمعات السورية. ولذلك، تلعب واشنطن دورًا رئيسيًا في المفاوضات ما بين الحكومة المؤقتة وقسد، وقد حضر المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، والأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأمريكية، اجتماع الشرع وعبدي، ويواصلون ضمان الالتزام باتفاق 10 مارس والحث على تطويره. وفي الواقع، تهدف الاستراتيجية الأمريكية المزدوجة؛ دعم الحكومة الانتقالية من جهة، وحماية قسد من الانهيار من جهة أخرى، مع مطالبة الأخيرة بتحقيق التكامل السياسي مع دمشق، إلى الحفاظ على المكاسب التي تحققت ضد تنظيم داعش، مع تعزيز الوحدة السورية بشكل عام، خاصة وأن قوة المهام المشتركة - عملية العزم الصلب (CJTF-OIR) بقيادة الولايات المتحدة، تواصل مهمتها في مكافحة داعش، محافظةً على وجودها في شمال شرق سوريا.
ومن جهة أخرى، تنظر تركيا إلى قسد باعتبارها تهديدًا قائمًا، والتعامل معها من بين مسائل الأمن القومي الأكثر إلحاحًا. وبناءً على ذلك، لا تقبل تركيا المساومة في مطالبها بنزع سلاح قسد بالكامل، ورحيل جميع المقاتلين الأجانب والكوادر العليا المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، والاندماج الكامل للقوات المتبقية في الجيش السوري. وهذا الموقف يمنح الحكومة السورية المؤقتة نفوذًا حاسمًا تجاه مطالبها، لكنه في الوقت ذاته يُفقدها المناورة والاستقلالية في عملية المفاوضات. ومن دلالات ذلك تحذير الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع من أنه في حال فشل قسد في الاندماج الكامل بحلول نهاية عام 2025، فقد تلجأ تركيا إلى عمل عسكري واسع النطاق، بالرغم من صعوبة ذلك من حيث المعارضة الأمريكية لأي عمل عسكري، وخشية تركيا انهيار تفاهمها الهش مع حزب العمال الكردستاني، وما إلى ذلك من تداعيات محلية في تركيا.

من جهة أخرى، من المحتمل أن يُفاقم أي عمل تركي عسكري، من حالة التنافس الجيوسياسي مع إسرائيل في سوريا، كما أن الإجراءات الأمنية الإسرائيلية، التي تركز بشكل رئيس على الحدود الجنوبية، تؤثر بشكل كبير على ديناميكيات الشمال الشرقي لأنها تغيّر أولويات دمشق والدبلوماسية الأمريكية في سوريا، وتُضعف من موقف الحكومة السورية المؤقتة التفاوضي. ويبقى الأمر الأهم هو أن الولايات المتحدة تتوسط بشكل نشط في التوصل إلى اتفاق أمني صارم بين سوريا وإسرائيل. وتتفهم قسد هذا السياق؛ ومن المرجّح أن تحافظ الإدارة الذاتية على الوضع الراهن وتتجنب التقدم في اتفاق 10 مارس، في انتظار حسم موضوع الاتفاق الأمني بوساطة الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، إذا تمّ فعلاً التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل بنجاح – ربما بحلول نهاية عام 2025 – فهذا من شأنه أن يشكّل داعمًا للحكومة السورية المؤقتة، ويقلّل من إلحاح واشنطن فيما يتصل بالملف الكردي المعقد، وبالتالي يُشجّع دمشق وتركيا على فرض الموعد العسكري النهائي.
وعلى خط الأزمة، تحتل فرنسا موقعًا دبلوماسيًا فريدًا، حيث تُعد المدافع الأوروبي الرئيس عن التطلعات السياسية الكردية ونموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وتنظر السياسة الخارجية الفرنسية إلى القضية الكردية باعتبارها محورًا لحل سوري دائم، معترفةً بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا كنموذج عملي لإدارة التنوع وحماية الأقليات ومكافحة التطرف. وفي إطار استكشاف العلاقات مع الحكومة المؤقتة في دمشق عقب تغيير النظام، اشترطت باريس على الحكومة إجراء إصلاحات سياسية، وتحقيق العدالة عن جرائم الحرب، والأهم من ذلك، توسيع المشاركة السياسية للأكراد والعلويين والدروز.
وأخيراً؛ يبدو أن الطرفين قد فشلا في اعتماد منهج مرن ومنفتح على الحوار مع الآخر، وتحويل اتفاق 10 مارس إلى فرصة للوحدة الشاملة وتجاوز العقبات في تباين التفسيرات وانعدام الثقة والاختلاف الأيديولوجي بين الطرفين. مع ذلك، تبقى الحكومة السورية المؤقتة، باعتبارها الجهة الممثلة لسيادة البلاد، مطالبة بمزيد من الشفافية تجاه الأقليات، فحالة الخلاف الداخلي لا تقتصر على قسد، بل تطال أيضًا المكونين الدرزي والعلوي، ما يعني الحاجة إلى هيكلية مؤسسات الدولة والدفاع لتكون قادرة على استيعاب مختلف مكونات الشعب، ولا تنتهي في نهاية المطاف بيد جهة واحدة تحتكر السلطة والمناصب العامة فيها. وبذلك، لا بدّ للحكومة من إظهار التزام ملموس يتجاوز الضمانات الخطابية لحقوق المواطنة إلى إرساء أحكام دستورية صريحة بحقوق مختلف المكونات وتمثيلها ومشاركتها في السلطة الجديدة، فهذا بمثابة عقد اجتماعي ينظم العلاقة ما بين الدولة والمجتمع على اختلاف مكوناته.

ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات