إقالة غالانت والتحولات في إدارة الحرب
جاءت إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في توقيت دقيق، بالتزامن مع يوم الاقتراع في الانتخابات الأمريكية، وما بين نهاية مُفترضة للحرب في قطاع غزة، وبداية لحرب أخرى في لبنان، وبعد أزمة التسريبات الأمنية التي أطاحت بمسؤولين من مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ١٢/١١/٢٠٢٤
تشهد الحكومة الإسرائيلية تغيرات في بعض شخوصها وتوجهاتها، بعد ما يزيد عن العام على اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، إذ أقدم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وتعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس خلفاً له، وتعيين جدعون ساعر وزيراً للخارجية في 5 نوفمبر 2024، في خُطوة ترتبط بشكل مُباشر بمجريات الحرب في قطاع غزة وفي لبنان والأهداف الإسرائيلية منها، وتعيد في الوقت نفسه قضية الخلاف بين نتنياهو وغالانت إلى أصولها السابقة للحرب بسنوات، مع اختلاف رئيس يتعلق بتوقيت الإقالة الأخيرة في مرحلة متقدمة من الحرب، وبالتزامن مع عودة دونالد ترامب رئيساً منتخباً للولايات المتحدة.
خلفيات الإقالة وأصل الخلاف
دفعت مجريات الحرب في قطاع غزة ولبنان، وتباين وجهات النظر بين غالانت ونتنياهو بشأن أولويات كل ساحة منهما وأهداف إسرائيل فيهما، إلى بلوغ خلافاتهما الذروة، إذ برر نتنياهو أسباب الإقالة بـ "تصدع الثقة والفجوات الكبيرة بينهما في إدارة الحرب"، وخاصة تجاه تصريحات غالانت وأفعاله التي تتعارض أحياناً مع قرارات الحكومة والمجلس الوزاري المصغر. في المُقابل أحال الأخير أسباب إقالته إلى موقفه من قضية التجنيد الإجباري لليهود المتدينين، وأولويته في إعادة المحتجزين الاسرائيليين في قطاع غزة، وتمسكه بالدعوة إلى تشكيل هيئة تحقيق رسمية في إخفاقات الجهازين الأمني والعسكري في 7 أكتوبر 2023.
مع ذلك؛ لا يُعد ذلك الخلاف حول إدارة الحرب جديداً، إذ أحيطت العلاقة بينهما العديد من الإشكاليات في الشهور الأخيرة، وقد طفت الأزمة بينهما إلى السطح مرات عدة أثناء الحرب قبل أن تبلغ ذروتها بالإقالة. ففي منتصف سبتمبر أفادت العديد من التقارير والتسريبات عن تفكير جدي لدى نتنياهو بإقالة وزير الدفاع والتحالف مع رئيس حزب اليمين الوطني جدعون ساعر بديلاً له، قبل أن يتراجع عن ذلك نتيجة انطلاق العمليات العسكرية البرية في جنوب لبنان مطلع أكتوبر. وحتى خلال الشهور الأولى من الحرب، ظهرت الخلافات بين الطرفين في عدة ممارسات، وفي أكثر من مناسبة، إذ رفض غالانت إلى جانب رئيس حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس، والذي كان أحد أعضاء مجلس الحرب قبل استقالته في 9 يونيو 2024، الظهور في المؤتمرات الصحفية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وفي الواقع، عند النظر في تاريخ العلاقات بين غالانت ونتنياهو، يتضح سريعاً ما شهدته من محطات وأزمات متعددة، بالرغم من أن الأول ترك حزبه السابق (حزب كلنا) عام 2019، وانضم إلى الليكود، واتفاقه مع نتنياهو بشأن الأفكار الداعمة للمستوطنين والاستيطان في الضفة الغربية، إلا أن هناك قضايا خلاف لا تقل أهمية عن نقاط الاتفاق، من بينها الموقف المعارض الذي اتخذه غالانت ضد مشروع التعديلات القضائية، والتي على خلفيتها جاءت أولى محاولات نتنياهو لإقالة غالانت من وزارة الدفاع أواخر مارس 2023، قبل أن يتراجع نتيجة لضغط الشارع الإسرائيلي حينذاك. بالإضافة إلى الخلاف حول موقفه المؤيد للتجنيد الإجباري لليهود المتدينين (الحريديم)، إذ يرى أنّ "كل من هو في سن التجنيد يجب أن يلتحق بالجيش"، لا سيما في ضوء حاجة الجيش الإسرائيلي للمجندين في ظل حرب متعددة الجبهات، وكان قد أصدر يوم إقالته 7 آلاف أمر تجنيد للحريديم المؤهلين للخدمة في الجيش.
توقيت الإقالة ودلالاتها
جاءت إقالة غالانت في توقيت دقيق، ما بين نهاية مُفترضة للحرب في قطاع غزة، وبداية لحرب أخرى في لبنان، وبعد أزمة التسريبات الأمنية التي أطاحت بمسؤولين من مكتب رئيس الوزراء، وفي غضون ذلك رُبط قرار الإقالة بالأسباب السياسية، لا سيما من قبل المعارضة الإسرائيلية، إذ اتهم زعيم المعارضة يائير لبيد "نتنياهو ببيع أمن إسرائيل وجنود الجيش من أجل بقائه السياسي"، ووصفها بيني غانتس بأنها سياسية وأنها على حساب أمن دولة إسرائيل، فيما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت لعصيان مدني ضد الحكومة، بالإضافة إلى دعوات من أعضاء في الكنيست للإسرائيليين الاحتجاج ضد القرار.
مع ذلك؛ لعل الحدث الأكثر أهمية في توقيت الإقالة، هو تزامنها مع يوم الاقتراع في الانتخابات الأمريكية، ومن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية كان لديها تقدير مُرتقع بشأن حظوظ دونالد ترامب للفوز فيها، وقد انعكس ذلك في اختيار نتنياهو، يسرائيل كاتس بديلاً لغالانت، وعوضاً عن جدعون ساعر، الذي كان المرشح الأبرز في سبتمبر 2024 لتولي وزارة الدفاع؛ إذ يرتبط كاتس بعلاقات سابقة مع دونالد ترامب، عندما كان وزيراً للنقل في إسرائيل وثُم للخارجية (2019) خلال إدارة ترامب الأولى (2017-2021)، وكان ضمن الفريق المنخرط باتفاقات السلام الحديثة، على العكس من غالانت الذي تجمعه علاقات وثيقة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي لعب خلالها دوراً في تنسيق المواقف بين الولايات المتحدة وإسرائيل خاصة خلال الأزمات، لكنها شكلت على الدوام عاملاً في أزمة الثقة بين غالانت ونتنياهو.
دور الإقالة في تعزيز أهداف اليمين من الحرب
يُوحد فوز دونالد ترامب في الرئاسة، والتغيرات الحكومية في إسرائيل الرؤى النظرية والفكرية بين الدولتين، خاصة تجاه تفضيل الطرفين للحسم بدلاً من إدارة الصراع، فمن جهة حاول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب خلال إدارته الأولى إلى حسم القضية الفلسطينية، باقتراحه لصفقة القرن عام 2020، والتي تتضمن اعترافاً بالاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس عاصمة لإسرائيل -اعترف بها رسمياً في 6 ديسمبر 2017- مُقابل حصول الفلسطينيين على عاصمة لهم من بعض ضواحي القدس الشرقية المحتلة منذ عام 1967.
من جهة أخرى؛ تنعكس إقالة غالانت على أكثر من صعيد؛ إذ لم يعد ضمن الدائرة المحيطة بنتنياهو شخص ذو خلفية عسكرية أو أمنية عميقة لاتخاذ القرارات، وستعزز دور السياسيين من اليمين المتطرف، الساعين لتنفيذ مخططاتهم تجاه العديد من القضايا، لا سيما في قانون التجنيد والتعديلات القضائية، وما يتعلق منها بالحرب في قطاع غزة ولبنان، إذ يتخذ كاتس وساعر مواقف أكثر تقارباً مع نتنياهو ووزراء اليمين المتطرف تجاه الحرب، خاصة في قضايا ما بعد الحرب، إذ يؤيد كلاهما القضاء الكامل على حركة حماس وحزب الله، وعودة الاستيطان الإسرائيلي إلى قطاع غزة، مُقارنة بوزير الدفاع السابق غالانت، الذي كان يُطالب باستمرار بنقاش اليوم التالي من الحرب وتحديد اتجاهاته، ورفض على العلن في 15 مايو 2024، "السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة بعد الحرب"، وكان يُبدي انفتاحاً تجاه التنازل الإسرائيلي عن محور فيلادلفيا مُقابل استعادة المحتجزين الإسرائيليين. ولذلك ربط وزراء اليمين المتطرف ما بين قرار إقالته بالتقدم الميداني في قطاع غزة، إذ قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إنه "لا يمكن تحقيق النصر الكامل معه"، وصرح وزير الاتصالات شلومو كرعي؛ بأن غالانت "لم يرتق لروح البطولة التي يظهرها الجيش الإسرائيلي"، فيما رأى وزير التراث عميحاي إلياهو، أنّ الإقالة ستقود إلى واقع أمني أفضل في غزة.
وأخيراً؛ يُعزز التعديل الحكومي الإسرائيلي وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، من رؤى اليمين الإسرائيلي المُتطرف تجاه اليوم التالي الحرب، ويُهدد في الوقت نفسه الجغرافيا الفلسطينية واللبنانية، في وقت تُجري فيه إسرائيل تغيرات جغرافية وديمغرافية في قطاع غزة وتحديداً في أقصى الشمال وجباليا، وفي القرى اللبنانية الحدودية مع إسرائيل، ومع الضعف الذي لحق بكل من حركة حماس وحزب الله اللبناني، فقد يشهد العام 2025، قرارات حاسمة فيما يتعلق بالوضع في لبنان وغزة، من قبيل مخاطر الاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل على مزارع شبعا، على غرار اعتراف دونالد ترامب خلال رئاسته الأولى بسيادة إسرائيل على الجولان في 25 مارس 2019، وشرعنة المناطق الحدودية العازلة التي توسعها إسرائيل في قطاع غزة، وتسعى لإنشائها في جنوب لبنان.
أما فيما يتعلق بالتصعيد ضد إيران، فمن المحتمل أن عوامل ضبط ذلك التصعيد قد تراجعت مع الانتقال الرئاسي في الولايات المتحدة وإقالة غالانت، إذ يعمل نتنياهو على توجه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية منذ عام 2010، وقد سعى لذلك خلال دورة التصعيد الأخيرة، لكنه واجه معارضة من إدارة بايدن والمؤسسة الأمنية، وبالتالي فإن مستقبل التصعيد بين الدولتين بات مفتوحاً على سيناريوهات عدة، منها التوافق بين ترامب ونتنياهو على ضرورة تحييد إيران عن القضايا الإقليمية ومنعها من تطوير سلاح نووي.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات