سيناريوهات مجلس الحرب الإسرائيلي بعد تحذير غانتس بالاستقالة
تطرح الخلافات داخل أطراف مجلس الحرب في إسرائيل عدة تساؤلات حول تأثيرها على مستقبل المجلس ووحدته ووجوده، وبشكل أوسع على مستقبل الحكومة، حيث أصبحت الهيئتان مرتبطتان بشكل كبير بمعطيات الحرب في غزة، وبمجموعة مواقف الفاعلين فيها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وهو ما يقود إلى ثلاثة سيناريوهات حول مستقبل مجلس الحرب؛ فإما استمراره لعمله، أو حله وبقاء الحكومة الائتلافية، أو بحله والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ٣٠/٠٥/٢٠٢٤
وصلت الخلافات بين أقطاب مجلس الحرب في إسرائيل، وتحديداً بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والوزير في المجلس بيني غانتس، إلى نقطة "حرجة" بعدما حذر الأخير المجلس بتحديد استراتيجية وطنية واضحة حيال الحرب في قطاع غزة بحلول 8 يونيو 2024، أو الانسحاب و"التوجه إلى الشعب لإجراء الانتخابات البرلمانية". يأتي ذلك في وقت تدخل فيه الحرب مرحلة حاسمة مع محاولات إسرائيل التوغل فيما تعتبره آخر معاقل حماس الرئيسية في مدينة رفح، ووصول مفاوضات الهدنة إلى "طريق مسدود"، ووسط حراك شعبي إسرائيلي متواصل للضغط على المجلس والحكومة لاستعادة المحتجزين في قطاع غزة. وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية لا سيما مع قرار محكمة العدل الدولية للوقف الفوري لاجتياح رفح، وسعي الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت.
خلاف مرحلي أم استراتيجي؟
قدم غانتس في بيان له مقترحاً من (6) بنود رئيسية تتمحور حول أهداف الحرب والتصور السياسي لليوم التالي لها، وتتمثل في: 1) إعادة المختطفين، 2) تقويض حكم حماس، 3) نزع السلاح من القطاع، 4) تشكيل حكومة بديلة لإدارة القطاع، 5) إعادة سكان الشمال بحلول سبتمبر، 6) التقدم في مسار التطبيع مع السعودية. في المقابل رفض نتنياهو تلك المقترحات واعتبرها أنها تضع حداً للحرب وتُنذر بهزيمة إسرائيل، وبأنها تخدم بشكل أكبر الجانب الفلسطيني.
يعبر بيان غانتس عن الانقسام الكبير في الداخل الإسرائيلي، حول أولويات المرحلة؛ خاصة مع بدء الاجتياح البري لمدينة رفح، حيث يؤيد غانتس والوزير في المجلس غادي آيزنكوت، وآخرين من المعارضة وأهالي الأسرى، التركيز على أولوية إبرام صفقة تضمن استعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة قبل بدء أو تعميق الاحتجاج، نظراً لما قد يترتب عن العمليات العسكرية في رفح من خطر على حياة المحتجزين، والتوقعات بأن تستغرق تلك العملية وقتاً طويلاً حتى تحقق أهدافها، في حين يتمسك نتنياهو وقوى اليمين المتطرف في حكومته، باستكمال الحرب والضغط على حركة حماس في رفح، كشرط لاستعادة الأسرى.
مع ذلك، لا يُمكن حصر الخلافات في الأولويات المرحلية فحسب، بل تتعداها لتشمل الشؤون الاستراتيجية وتحديداً حول رؤية كل طرف لليوم التالي من الحرب، إذ يرفض غانتس وجود حكم عسكري إسرائيلي مستقبلي في القطاع ويتوافق مع وجود إدارة مدنية فلسطينية يُستثنى منها حركة حماس، ويتقاطع معه في ذلك عضو المجلس ووزير الدفاع يوآلف غالانت الذي يعارض وجود حكم عسكري إسرائيلي طويل الأمد في القطاع. بخلاف نتنياهو الذي يدرس خيار البقاء طويل الأمد في قطاع غزة، حيث تضمنت وثيقة "اليوم التالي ما بعد حماس-مبادئ" التي عرضها نتنياهو في فبراير 2024 وصادق عليها المجلس الوزاري المصغر "الكابينت"، وجود قرارات وسلطة إسرائيلية في المجالات الأمنية والمدنية التي تشمل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ومؤسسات القطاع التربوية والاجتماعية، ومسألة إعادة الإعمار.
ديناميكيات الخلاف
تعود الخلافات داخل مجلس الحرب إلى المراحل الأولى من تأسيسه، وترجع إلى الفجوة الحاصلة في مواقف أطرافه حتى في الفترة السابقة للحرب والتي خلقت حالة من الثقة المنخفضة بين أعضاء المجلس بعد تأسيسه، قبل أن تتوسع بعد الحرب وتتعمق مع بدء اجتياح رفح. إذ تعددت ملفات الخلاف بين قضايا محلية (سياسية وأمنية واجتماعية) وعلاقات الخارجية، كما تأثرت بجُملة من العوامل من بينها العلاقة بين المعارضة والحكومة والحراك الشعبي والمواقف الأمريكية والدولية.
ففي الفترة السابقة للحرب، انقسمت إسرائيل في تعاطيها مع مجموعة من الملفات، من أهمها التعديلات القضائية التي سعى ائتلاف نتنياهو لتمريرها وسط معارضة من المؤسسة العسكرية والمعارضة السياسية، والتي وصفها يوآف غالانت بأنها "مست بالمَنعة القومية"، فيما وصفتها المعارضة بأنها محاولة "نهاية للديمقراطية"، بالإضافة إلى الخلاف حول قانون التجنيد الهادف إلى إعفاء المتدينين "الحريديم" من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، والذي تضغط أحزاب اليمين الصهيوني لإقراره، والذي يستمر الخلاف حوله حتى بعد الحرب، إذ تسبب بخلافٍ علني داخل المجلس؛ حيث أشار غانتس إلى انسحابه من المجلس حال إقرار الكنيست القانون بصيغته الحالية.
وقد انتقلت تلك الخلافات وتوسعت بعد الحرب، وقد ظهرت في عدة ممارسات خلال أشهر الحرب الثمانية، وفي أكثر من مناسبة، من بينها رفض غالانت وغانتس الظهور في المؤتمرات الصحفية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والخلافات حول تشكيل لجنة تحقيق بأحداث 7 أكتوبر، ومن ثم مشاركة غانتس في تظاهرات أهالي المحتجزين، وثُم تصريحه في فبراير حول محاولات نتنياهو لاتخاذ القرارات التي تتعلق بجهود المفاوضات بشكلٍ منفرد، وكذلك تلويح آيزنكوت بالاستقالة من المجلس بسبب خلافاته مع الوزيرين في الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
مؤثرات الخلاف الداخلية والخارجية
يأتي الخلاف مع وصول الحرب في قطاع غزة مرحلة بالغة الحساسية، وتزايد الضغوط الشعبية والدولية على أركان تلك الحرب في إسرائيل، ولذلك فإن تعمق الخلاف جاء مدفوعاً بعوامل متباينة لدى كل طرف، إذ تقرأ تحركات غانتيس وتحذيره لنتنياهو، في سياق وصول العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية إلى "منعطف حرج"، ومحاولاته تقديم نفسه كقائد مُتزن لديه قدرة الحفاظ على علاقات إسرائيل الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ويتضح ذلك من خلال زيارته إلى واشنطن في مارس والتقائه نائبة الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي. وكذلك احتفاظه بروابط مع دول المنطقة التي لديها علاقات مع إسرائيل، إذ أشارت القناة 14 الإسرائيلية بأن غانتس زار عدد من العواصم العربية وأجرى فيها لقاءات سريّة قبل توجيه تحذيره الأخير.
من جهة أخرى؛ يضغط الشارع الإسرائيلي والمعارضة على الحكومة لاستعادة المحتجزين، وقد أصبحت مظاهر الاحتجاجات والفعاليات في الشارع الإسرائيلي شبه يومية، وتوسعت نطاقاتها مع انضمام قطاعات هامة من المجتمع الإسرائيلي مثل اتحاد العمال واتحاد أرباب العمل إلى الاحتجاجات، ما يزيد من فُرص دعوات المعارضة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
في المقابل يحافظ الائتلاف الحكومي على وحدته وعلى دعم جمهور عريض من الناخبين، وتتوافق سياساته في الحرب نسبيًا مع شريحة واسعة من المجتمع الإسرائيلي بدوافع ردة الفعل على ما حدث في السابع من أكتوبر، بالإضافة إلى رفض قوى سياسية لا سيما من المعارضة لحل الدولتين وتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة ووجود سلطة فلسطينية فيه. وهو ما يتضح من تصويت أغلبية الكنيست في فبراير 2024 على قرار يرفض وجود اعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية.
سيناريوهات مجلس الحرب
تطرح الخلافات داخل أطراف مجلس الحرب تساؤلات عدة حول تأثيرها على مستقبل المجلس ووحدته ووجوده، وبشكل أوسع على مستقبل الحكومة الإسرائيلية، حيث أصبحت الهيئتان مرتبطتان بشكل كبير بمعطيات الحرب في قطاع غزة، وبمجموعة مواقف الفاعلين فيها وفي مقدمتهم الموقف الأمريكي، وتكاد سيناريوهات مستقبل مجلس الحرب تنحصر في ثلاث؛ فإما استمرار المجلس لعمله، أو حله وبقاء الحكومة الائتلافية، أو بحله والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
السيناريو الأول: استمرار مجلس الحرب
يُرجح أن يستمر مجلس الحرب بتركيبته الحالية، فقد أعقب تحذير غانتس، استكمال المجلس لمهامه من جهة توجيهه لفريق المفاوضات استئناف العمل على صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، وعودة اجتماعات المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين والقطريين في باريس بهذا الصدد، وهو ما قد يُشير إلى تغاضي غانتس عن مهلة انسحابه لارتباطه بالملفات والأولويات الراهنة، إلى جانب أن تهديده يهدف أساساً إلى إحداث تغيرات في سياسات نتنياهو فيما يتعلق بالحرب، وقد يُشير إحياء مفاوضات الأسرى إلى تجاوب نسبي من نتنياهو مع مطالب غانتس. إذ من مصلحته تهدئة الخلافات الداخلية في ضوء مجموعة من المستجدات منها قرار محكمة العدل بوقف هجوم رفح، وإعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أنه طلب من المحكمة إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، والضغوط من أهالي الأسرى، وإعلان الفصائل عن عمليات نوعية في الميدان وارتفاع خسائر إسرائيل البشرية.
السيناريو الثاني: حل مجلس الحرب دون تأثر الحكومة
تُشير التقارير التي نقلتها القناة 13 الإسرائيلية، عن توجه نتنياهو لحل المجلس بعد تحذير غانتس، وهو ما يعني انتقال قرارات المجلس إلى المجلس الوزاري المصغر، ما قد يُعقد من مشهد الحرب ومن الحسابات في الداخل الإسرائيلي، خاصة وأن أطراف اليمين المتطرف تملك تأثيراً كبيراً على عمليات اتخاذ القرار داخل "الكابينت"، وهم جزء من الخلافات الواسعة في مجلس الحرب وبين المستويين السياسي والعسكري. وما يدعم ذلك أن الائتلاف الحكومي لا يزال متماسكاً، بحكم سيطرته على الأكثرية البرلمانية بواقع 64 مقعداً من أصل 120 مقعد، وهي نسبة تحفظ للحكومة استقرار وجودها ما لم يحدث استقالات أو تطورات، بالإضافة إلى أن مقترحات نتنياهو المتعلقة بالحرب تحظى بتصويت الكابينت والكنيست وذلك يُقدم بوصفه نجاح ووحدة على صعيد وطني شعبي ورسمي حكومي.
السيناريو الثالث: حل مجلس الحرب والذهاب لانتخابات مبكرة
يعتمد هذا السيناريو على مدى تأثير حل مجلس الحرب على الائتلاف الحكومي، خاصة في ظل مجموعة من المتغيرات التي يشهدها الداخل الإسرائيلي، من بينها تصاعد الحراك في الشارع وتجدد دعوات الذهاب إلى انتخابات مُبكرة، ومحاولة المعارضة توحيد صفوفها خاصة مع دعوة زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، وزعيم حزب "أمل جديد" غدعون ساعر، وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، في بيان مشترك لغانتس بالاستقالة، بعد إعلان اتفاقهم على خطة لإسقاط الحكومة، وتطور الخلافات بين الأكثرية البرلمانية بعد تهديد عضو الكنيست عن حزب "يهوديت هتوراة" موشيه غافني بالاستقالة، على خلفية قضية رواتب المعلمين في التعليم الحريدي، وإمهال الحكومة حتى الأول من يونيو 2024. وفي الواقع يُرجح أن ينسحب حزب غانتس من مجلس الحرب، ذلك أن المعارضة مجتمعة تخوض معركة لكسب الوقت، من جهة إشارة استطلاعات الرأي تقدم المعارضة في أي انتخابات برلمانية تُجرى حالياً، والتي كان آخرها استطلاع رأي للقناة 13 الإسرائيلية، في 29 مايو 2024، خلص إلى أن معسكر غانتس سيفوز بأكبر حصة من مقاعد البرلمان بواقع 25 مقعداً، ومن جهة أخرى؛ محاولة الفصل ما بين الحرب التي قد تستغرق وقتاً طويلاً وبين إجراء الانتخابات المبكرة، خاصة وأن المعارضة ترغب في المضي بانتخابات مبكرة قبل الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر 2024، والتي قد تمنح نتائجها دُفعة جديدة لنتنياهو خاصة حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بها.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات