التصعيد الأذربيجاني الأرميني: حرب شاملة أم مناوشات عسكرية؟

ما هي الخلفية التاريخية للصراع بين أرمينيا وأذربيجان؟ ومن هي الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في هذا الصراع وكيف ترى مصالحها من خلاله؟

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ٣٠‏/٠٩‏/٢٠٢٠

تحوَّل التوتر في منطقة جنوب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، إلى تصعيد عسكري نتج عنه سقوط عشرات القتلى والجرحى من كلا الجانبين، في ظل اتهامات متبادلة بين باكو ويريفان حول الطرف الذي تسبب بتسارع الأحداث، التي أدت إلى إعلان السلطات الأرمنية حالة الحرب والتعبئة العامة، لتُقابلها أذربيجان بالخطوة نفسها بإعلان حالة الحرب في عدد من المدن والقرى الحدودية.

هذا وتتنازع كل من أرمينيا وأذربيجان على إقليم "ناغورني قرة باغ" ذي الأغلبية الأرمنية، وهدأ الصراع خلال الفترة التي كان فيها كلا البلدين جزء من الاتحاد السوفييتي، إلا أنه تجدد عام 1988 مروراً بتاريخ استقلالهما عن الاتحاد عام 1991 وحتى عام 1994 الذي وُقّع فيه اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين برعاية "مجموعة مينسك" التي ضمّت كل من: روسيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الاشتباكات المسلحة كانت تعود بين الفينة والأخرى بشكل متواتر وأحياناً بشكل عنيف جداً، إلا أن التصعيد الحالي يُعتبر الأعلى وتيرة منذ عام 2016.

وباختصار تريد أرمينيا الحفاظ على الوضع الراهن بوجود الإقليم بسلطاته الموالية ليريفان، بينما تريد أذربيجان كف اليد "الأجنبية" عن الإقليم بهدف فرض السيادة عليه بشكل كامل.

وبالطبع تدخلت الدول الإقليمية المؤثرة في تلك المنطقة، حيث أعلنت تركيا على لسان العديد من مسؤوليها وعلى رأسهم الرئيس، رجب طيب أردوغان، عن دعمها الكامل للتحركات العسكرية الأذرية، بعدما اعتبر أرمينيا أكبر تهديد لاستقرار المنطقة، وتوالت - بعد موقف أنقرة الواضح - الأخبار التي تتحدث عن إمداد تركي مكثف للمسلّحين من التركمان السوريين والمعدات الحربية المختلفة إلى مناطق التماس مع أرمينيا.

وتسعى أنقرة إلى الحفاظ على مصالحها الحيوية في أذربيجان المتمثلة في تأمين خطوط الغاز الأذرية المارّة عبر أراضيها إلى أوروبا، كخط أنابيب الغاز باكو - تبيليسي - أرضروم، وخط أنابيب غاز "تاناب"، اللذيْن بدأوا بضخ الغاز في 2007، و2018 على التوالي، بالإضافة إلى أن أنقرة ترى أنها تمتلك العديد من القواسم المشتركة مع أذربيجان في مجال الثقافة واللغة والاعتقاد الديني، ناهيك عن أنها تنظر إلى القيادة الأرمنية الحالية كمُسبّب لاعتراف العديد من الدول الكبرى - على رأسها الولايات المتحدة - بمذبحة الأرمن التي وقفت وراءها الإمبراطورية العثمانية إبّان الحرب العالمية الأولى، وهذا ما يُسبّب لتركيا إحراجاً دولياً لدى تناول مواضيع حقوق الإنسان والتعددية السياسية والإثنية.

ومن الممكن أن يتقاطع الدعم التركي لباكو مع العلاقات الإسرائيلية - الأذرية التي تصفها تل أبيب بالاستراتيجية، حيث استوردت إسرائيل خلال العام الماضي (2019) 74000 برميل يومياً من النفط الأذري الذي يُشحن إلى ميناء حيفا عبر ميناء جيهان التركي، ويُعتبر الموقع الجغرافي لأذربيجان، الواقع على الحدود الشمالية لإيران جاذباً للنشاط الاستخباراتي الإسرائيلي، وفي نفس الوقت - وعلى الرغم من ذلك - عملت تل أبيب على تعزيز علاقاتها الثنائية مع يريفان في المجالات الاقتصادية والثقافية وغيرها، في خطوة يُمكن قراءتُها كورقة ضغط على أنقرة التي تُمارس سلوكاً في شرق حوض المتوسط من الممكن أن يصطدم مع المصالح الإسرائيلية.

وفي المقابل، يظهر الموقف الروسي بشكل غامض إلى حد ما، فهو يَعقد صفقات السلاح مع كلا الطرفين بشكل عام، ويحرص على أن يكون المورد الأول في هذا المجال، وبالتالي يهمُّه تسوية الخلاف في أسرع وقت، قبل أن تتصاعد حدّته، ما قد يؤدي إلى دخول الدول الغربية على الخط من خلال دعم الأطراف المتنازعة بالسلاح، وبالتالي تهديد الموقع الروسي في هذا المجال، ويمكن مناقشة موضوع الموقف الروسي من زاوية أخرى، بالقول إن منطقة جنوب القوقاز قد دخلت رسمياً في حيز المنافسة الجيوسياسية لكل من أنقرة وموسكو إلى جانب ليبيا وسوريا، متخذة الشكل الاعتيادي لهذه المنافسة والذي هو عبارة عن منطقة غير مستقرة أمنياً على المدى المتوسط أو البعيد بسبب حراك عسكري متواتر، بحيث يكون عدم الاستقرار هذا مؤطراً بمحادثات ومؤتمرات سياسية إقليمية وأممية تنعقد بشكل دوري على حسب المعطيات على الأرض بهدف "خفض التصعيد".

وتجدُر الإشارة إلى أن الجيش الأرمني شارك إلى جانب نظيره الروسي وسبعة جيوش أخرى في مناورات القوقاز 2020 التي أجريت في الفترة ما بين 21 إلى 26 سبتمبر، وتأخذ موسكو على عاتقها مسؤولية تنسيق هذه المناورات بشكل دوري، لعدّة أسباب جيواستراتيجية من بينها إبراز أهمية مجالها الحيوي في منطقة الجنوب الشرقي المطلّة على البحر الأسود وبحر قزوين.

وتمتلك موسكو قاعدة عسكرية على الأراضي الأرمنية، كما أنها تنخرط مع يريفان إلى جانب بيلاروس، وكازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان في معاهدة أمن جماعي، إلا أنها لا تنوي التدخل بشكل مباشر في الأزمة من خلال تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للجيش الأرمني، وذلك لكي لا تتأزم العلاقات مع أنقرة بالأخص تلك المتعلقة بمجال الطاقة، وهنا يجب الإشارة إلى أن موسكو لا تريد أيضاً أن ترى اعتماداً متنامياً أوروبياً – تركياً على الغاز الأذربيجاني على حساب نظيره الروسي، وهذا الفَرَض يزيد من احتمال اعتبار المناوشات العسكرية التي استمرت على مدار العقود الماضية، على أنها تمثُّل سطحي لصراعٍ على الأحقية في تصدير الغاز لأوروبا عبر تركيا، وفي نفس الوقت تريد هذه الأخيرة الاستمرار في توسيع قاعدة خياراتها "الطاقوية"، بهدف عدم الاعتماد على مصدر رئيسي أو حصري.

وعسكرياً، تُصنَّف أرمينيا في المرتبة 111 عالمياً بينما تحتل أذربيجان المرتبة 64 بحسب تصنيف مؤشر Global Firepower"" لقوة الجيوش لعام 2020، وبالتالي ستكون نتيجة الحرب الشاملة إذا وقعت لصالح باكو التي تحظى بالدعم التركي الكبير بحسب العديد من الوسائل الإعلامية، إلا أن الصورة قد تتغير إذا جرى رفع حالة التنسيق مع سلطات إقليم "ناغورني قرة باغ" الموالية لأرمينيا، فيمكن أن يُستفاد من الموقع الجغرافي لهذا الإقليم داخل الحدود الأذرية لاستهداف أو التهديد باستهداف المصالح الحيوية والنقاط الاستراتيجية، هذا إذا ما تكلمنا عن إمكانية تدخل عدد من الدول في دعم أحد الطرفين، بحيث تزداد فرص هذا السيناريو في التحقق كلما طال أمد التصعيد الحالي.

وانعقدت مساء أمس الثلاثاء الموافق 29 سبتمبر 2020 جلسة طارئة لمجلس الأمن ليناقش التصعيد "الخطير" في منطقة جنوب القوقاز وسط دعاوى أممية لوقف إطلاق النار واللجوء إلى الحوار، وعلى ما يبدو أن الأمور تتجه نحو التصعيد في ظل انشغال العالم بالأزمة الصحية والاقتصادية الناتجة عن فيروس "كورونا" المستجد، إلى جانب التدخل من بعض الدول الذي يعمل على زيادة تشابك وتعقيد القضايا السياسية والأمنية بغض النظر عن موقعها الإقليمي.

 

 

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات