لمحة عن السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس ترامب
شكلت الأربع سنوات الأخيرة ظواهر وأحداث دبلوماسية فارقة في المجتمع الدولي، وهذا مردُّه بحسب البعض إلى سلوك إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تجاه الفاعلين الدوليين بشكل عام، ورؤاها حول التعامل مع القضايا المعقدة في الأقاليم المحتضنة لبؤر التوتر. تقدم هذه المادة إيجازاً لأبرز اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب.
الكاتب ستراتيجيكس
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٢٠/١٠/٢٠٢٠
*هذه هي المادة الأولى من ضمن سلسلة مقالات وأوراق سيتم نشرها تباعاً، تناقش جوانب معينة من الأبعاد الداخلية والخارجية للانتخابات الأمريكية المقبلة.
كيف ارتسمت السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب؟ وهل مثّل السلوك الخارجي للولايات المتحدة انحرافاً "غير مسبوق" عن التقاليد المتبعة من قبل الإدارات السابقة؟ وما مدى نجاعة تعامل واشنطن مع الملفات والقضايا الدولية المتأزمة؟ وما تصور إدارة ترامب لدور واشنطن في النظام الدولي؟ وهل ستستمر الإدارة الأمريكية على نفس النهج في حال كسب ترامب الجولة الانتخابية المقبلة؟
هذه الأسئلة وغيرها تتبادر - بكثافة - إلى ذهن الشخص الدارس والمطّلع وحتى صانع القرار بغض النظر عن المنطقة التي يقيم فيها في الفترة الحالية، وذلك بسبب اقتراب تاريخ 3 نوفمبر 2020 وهو موعد انعقاد الانتخابات الأمريكية المقبلة، التي شهدت التحضيرات لها - وما زالت - حالة شديدة من الاستقطاب السياسي والاجتماعي بين التيارات المتنافسة، وبالتأكيد فإن نتائج هذه الانتخابات بشكل عام، تكتسب أهمية كبيرة لدى جميع الفاعلين وغير الفاعلين في المجتمع الدولي، نظراً لما لهذه الدولة من وزن اقتصادي وسياسي والذي من شأنه أن يؤثر على سير الأحداث في جميع أنحاء العالم.
على أعتاب نهاية السنة الرابعة لولاية الرئيس ترامب، يرى العديد من المراقبين أن العالم يعيش في حالة أقرب ما تكون إلى الحرب الباردة بين أكبر اقتصاديْن في العالم (الولايات المتحدة، والصين) على خلفية النزاع التجاري الذي بدأ بينهما في مارس 2018 والذي أثّر على مُجْمل الأنشطة الاقتصادية حول العالم، وأشار هذا النزاع بشكل أو بآخر إلى وصول الخلل الذي أصاب نظام الأحادية القطبية العالمية السائد منذ عام 1991 إلى مراحل متقدمة، وهذا الخلل لم يعد يتماشى معه - فقط - حجم القوة العسكرية والاقتصادية الأمريكية كضمانة لموقع واشنطن على الساحة العالمية، في ظل صعود دول أخرى عملت السلطات فيها على تطوير مجال معين أو مجالات في البنى الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بها.
وإن الشعارات التي يرفعها الرئيس ترامب والمسؤولون والاختصاصيون في فريقه أو الصادرة عن مؤيديه من عامة الناس والتي تتعلق بإعادة "العظمة الأمريكية"، و"أمريكا أولاً"، وتأمين الحدود في وجه المهاجرين، وغيرها من الشعارات الداعية إلى التركيز على مكانة الولايات المتحدة في العالم، أظهرت بأن الإدارة الأمريكية التي دخلت البيت الأبيض منذ 20 يناير 2017، ستسعى إلى خلق نوع من أنواع العزلة والتمحور على الذات الذي تميزت به الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الأولى، إلا أنه كان من غير الدقيق تشبيه الظروف الناظمة للفترات التاريخية ببعضها البعض، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، فقد بينت الممارسة العملية لفريق ترامب على الصعيد الخارجي، أن رغبة الإدارة الأمريكية وتوجهها نحو إعلاء مصلحة البلاد فوق أي اعتبار، أدّت إلى تحقيق ارتباط أوثق من ذي قبل مع عناصر ومكونات المجتمع الدولي ككل، مع التشديد على الأخذ بعين الاعتبار أن نتائج هذا الارتباط ليس بالضرورة أن تكون إيجابية تجاه القضية المعنية.
ولفهم طبيعة العلاقة التي كونتها إدارة ترامب مع المجتمع الدولي، ستناقش الأسطر التالية أبرز الأساليب الأمريكية التي اتُبعت في ميدان السياسة الخارجية مؤخراً وما نتج عنها وارتبط بها من أحداث سياسية عالمية.
الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن
غيّرت علاقة الولايات المتحدة مع الصين خلال الأربع سنوات الأخيرة معالم المجتمع الدولي ككل وعلى جميع المستويات، وما زال عنوان هذه العلاقة ينحصر في جزئية التنافس الاقتصادي والجيوسياسي الذي لا يقتصر على منطقة بعينها، بالإضافة إلى الحرب التجارية والتنافس الاستثماري على/في أغلب المناطق في العالم.
وشهدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أسوأ تطور لها منذ سبعينيات القرن الماضي، فلم يسبق لإدارة أمريكية أن قامت بإغلاق منشأة دبلوماسية صينية، كما جرى في يوليو 2020 عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، عن إغلاق القنصلية الصينية في ولاية هيوستن على خلفية اتهامات وُجّهت إليها بالقيام بأنشطة تجسسية، وما هذه الحادثة إلا مظهر منفرد من ضمن سلسلة طويلة من الإجراءات التصعيدية التي أذكتها أزمة تفشي فيروس "كورونا" المستجد، التي ترى واشنطن أن الصين هي السبب الرئيسي وراء حدوثها.
وعلى ما يبدو فإن الإدارة الأمريكية الحالية تخلَّت عن التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد لصالح التكتيك ورد الفعل في السياسة الخارجية، ذلك لأن سياسة الاحتواء طويلة الأمد (والتي تم استخدامها ضد الاتحاد السوفييتي سابقاً) لم تعد تُجْدِ نفعاً في مقابل قوة اقتصادية وسياسية، مثل الصين، مندمجة في سلاسل التوريد العالمية بشكل كبير، فعلى الرغم من سعي واشنطن إلى توثيق التحالف مع دول جنوب شرق آسيا وبالأخص تلك الموجودة في بحر الصين الجنوبي، إلى جانب استثمار الخلافات التاريخية بين الهند والصين، إلا أن هذا لم يُفْضِ إلى نتائج ملموسة على الصين التي يُعد اقتصادها من قلائل الاقتصاديات التي بدأت بالتعافي من الآثار التي خلّفتها جائحة "كورونا".
أما بالنسبة لروسيا التي حاولت الولايات المتحدة استمالتها لصالحها ضد الصين، وهذا ما بينه إعلان ترامب عن أنه يفكر بدعوة روسيا ودول أخرى لحضور قمة مجموعة السبع التي كان من المفترض عقدها في سبتمبر 2020، فهذه القوة العالمية لا تبدو علاقتها مع واشنطن على ما يُرام وذلك لكثير من الاعتبارات، أبرزها التنافس على سوق الطاقة وبالأخص سوق الغاز الأوروبي الذي تريد الولايات المتحدة رفع حصتها فيه من خلال توريد الغاز الطبيعي المسال، والذي سيكون على حساب الغاز المنقول عبر الأنابيب.
هذا ويُعتبر موضوع معاهدات الحد من التسلح، قضية إشكالية أخرى بين واشنطن وموسكو، فمثلاً لا يزال مصير معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية "ستارت 3" مجهولاً حتى تاريخ نشر هذه الأسطر، ويُذكر أن هذه المعاهدة جرى توقيعها عام 2010 على أن تنتهي في بداية عام 2021، في ظل دعاوى أممية بتمديد مدة الجوانب التطبيقية للمعاهدة، لأن عدم حدوث ذلك يعني حتماً استعار سباق التسلح الذي تنخرط فيه الصين أصلاً، والتي ترفض الانضمام في المعاهدة في تحدّ واضح للإرادة الأمريكية، حيث ترى الصين أنه من غير العادل أن تنخرط في معاهدة تتعامل معها كما تتعامل مع الولايات المتحدة وروسيا اللتين تمتلكان مخزوناً أكبر بكثير من الأسلحة النووية مقارنة مع الصين.
ولا يُستبعد - في حال بقيت إدارة ترامب - أن تنسحب واشنطن من المعاهدة من خلال رفض تمديدها أو التعنت بهدف توسيعها لتشمل دول غير روسيا بالإضافة إلى فئات جديدة من الأسلحة، وهذا السيناريو منطقي نظراً لقيام الولايات المتحدة بالانسحاب في أغسطس 2018 من معاهدة التخلص من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى الموقّعة عام 1987 مع روسيا، الخطوة التي أثارت حالة من القلق والتخوفات حول مصير السلم والأمن العالميين.
وإذا أردنا ألا نخرج عن الإطار العسكري، سننتقل إلى حلف الناتو الذي تصاعدت الخلافات بين أعضائه على ضفتي الأطلسي في عهد إدراة ترامب، إذ يريد الأخير توسيع الحلف بضم دول أخرى بحيث لا يقتصر على القارة الأوروبية والأمريكية الشمالية، بالإضافة إلى ضغطه على الدول الأوروبية لزيادة مساهمتها المالية في دعم ميزانية الحلف، ودعوتها لممارسة دور أكبر في العمليات العسكرية والأمنية في العالم وعدم اقتصارها على تأمين الحدود الأوروبية من ناحية الشرق، بمعنى آخر، الدفع باتجاه أن يؤدي شركاء واشنطن في الحلف دوراً أكبر في مناطق النشاط العسكري الأمريكي.
وتجدر الإشارة إلى أن جزئية توسيع أنشطة الحلف العسكري لكي تتلائم مع التوجهات الأمريكية، كانت محطّ خلاف في فترة إدارة أوباما أيضاً. وتسعى فرنسا (عضو مجلس الأمن) وألمانيا إلى تعزيز الاستقلالية الأوروبية بعيداً عن التبعية لواشنطن، ومن هنا يمكن أن نقرأ الدعوات لتأسيس جيش أوروبي التي تصدرت عناوين الأخبار بعد وصف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حلف الناتو بأنه "ميت دماغياً" في مناسبة ذكرى تأسيسه السبعين.
هذا من جانب، ومن جانب آخر؛ فقد انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ في نوفمبر 2019، كما أن الاتفاقية المقترحة للشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي ما زالت معلّقة وقيد التباحث، ومن غير المتوقع أن ترى هذه الاتفاقية النور - في ظل إدارة ترامب - إلا إذا جرت صياغتها على حسب التوجهات الاقتصادية التي ترتئيها واشنطن، وإلا فإن هذه الاتفاقية - المقترحة - ستلاقي نفس مصير اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ التي انسحبت منها الولايات المتحدة في يناير 2017، أو نفس مصير اتفاقية "نافتا" بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي جرى تعديلها في أكتوبر 2018 بعد التهديدات الأمريكية المتكررة بالانسحاب منها مع العلم أنها وُقّعت عام 1994.
ولا تفضل إدارة الرئيس ترامب التعامل مع الدول الأوروبية ككتلة واحدة وإنما بشكل ثنائي وذلك لما من شأنه أن يوفر إمكانية أوسع للتفاوض مع الدولة المعنية، وهذا ما يفسر دعم ترامب أثناء حملته الانتخابية عام 2016 لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وما تبع ذلك من تصريحات علنية وإيحاءات مبطنة بتأكيد "بريكست" تحت حجج من قبيل تقوية حلف الناتو عبر وجود دول أوروبية مستقلة وقوية مثل بريطانيا، ووصل الأمر إلى دعوى ترامب الحكومة البريطانية لمغادرة الاتحاد دون اتفاق، ما لقي استنكاراً واسعاً لدى الأوساط السياسية البريطانية على اعتبار ذلك تدخلاً في الشؤون المحلية.
وفي الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة بفرض قيود جمركية على بعض الصادرات الأوروبية في مايو 2018، يُبشر ترامب باتفاق تجارة حرة ضخم مع المملكة المتحدة بمجرد خروجها بشكل نهائي من الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل أظهرت حكومة، بوريس جونسن، تجاوباً جيداً مع المصالح الأمريكية، وهذا ما بينه القرار الرسمي بالاستغناء عن خدمات شركة "هواوي" الصينية في يوليو 2020، ناهيك عن العلاقات غير المستقرة مع الروس.
من الممكن القول إن القارة الأوروبية مع مجيء ترامب إلى البيت الأبيض باتت - إلى حد ما - ميداناً لتضارب المصالح الأمريكية والصينية والروسية، مما قد يؤدي إلى خرق الوحدة الأوروبية في سياق تشكيل التحالفات ونسج العلاقات التعاونية.
الشرق الأوسط
يمكن فهم السلوك الأمريكي في الشرق الأوسط من خلال الاطّلاع على القضايا الخلافية والأزمات التي تعج بها المنطقة، فعلى سبيل المثال أقدمت القوات الأمريكية - التي تقود التحالف الدولي ضد ما يعرف بتنظيم داعش - على قصف عدد من المواقع العسكرية للجيش السوري في الفترة الممتدة ما بين عامي 2017-2018، كرسالة موجَّهة إلى حلفاء دمشق في كل من طهران وموسكو من جهة، ورسالة إلى أنقرة أيضاً بأنها لا يمكن أن تتحرك في الشمال الشرقي السوري كما تريد دون التنسيق مع واشنطن التي ساهمت في تأسيس وتسليح قوات سوريا الديمقراطية التي ترى فيها تركيا تهديداً لأمنها القومي من الجنوب.
وسعت إدارة ترامب إلى إيصال فكرة أن عهد الدبلوماسية والمفاوضات قد ولّى مع خروج أوباما من البيت الأبيض، ذلك لأن هذه الأساليب لم تُجْدِ نفعاً مع دولة مثل إيران التي لم يمنعها الاتفاق النووي من وقف السعي إلى تعزيز ترسناتها العسكرية بما فيها النووية إلى جانب تزايد التغلغل الإيراني في المنطقة بحسب اعتقاد الإدارة الأمريكية، وعليه فقد جرى الإقدام على الخطوة التي زلزلت المنطقة والمتمثلة في الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018 وانتهاج حملة من الضغوطات القصوى ضد طهران، التي بدأت تواجه صعوبات فيما يتعلق بإدارة نفوذها في العراق خلال الفترة الأخيرة، نتيجة إدراك بعض أوساط النخبة الحاكمة في بغداد بأن تعزيز العلاقات العراقية الإيرانية على حساب بناء علاقات خارجية متوازنة مع الدول الإقليمية والدولية سيكون من شأنه إدخال العراق في حالة من شبه العزلة الدبلوماسية.
إن النزاع الأمريكي الإيراني يُنتج أشكال العلاقة مع دول أخرى مثل سوريا التي فرضت عليها الإدارة الأمريكية قانون "سيزر" في يونيو 2020 والمتضمن لمجموعة من العقوبات الاقتصادية القاسية التي تستهدف رموز النظام في دمشق ومن يتعامل معه من أفراد ومؤسسات محلية أو أجنبية، وأيضاً لبنان التي يشترط عليها التوجه الأمريكي - بشكل غير مباشر - محاصرة حزب الله وحرمانه من المشاركة في المناصب القيادية في السلطتين التشريعية والتنفيذية، هذا إذا ما أرادت النخبة السياسية في لبنان أن تحظى بالمساعدة الأمريكية لحلحلة أزماتها الاقتصادية والاجتماعية.
وكان ترامب حريصاً على إثبات أن إدارة أوباما كانت مخطئة (مرة أخرى) في إعلان سحب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، الذي أدّى إلى فراغ أمني سمح بنمو وتطور الجماعات الإرهابية، وكإثبات على محاربتها للإرهاب؛ أعلنت الإدارة الأمريكية عن اغتيال رأس ما يُعرف بتنظيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، في أكتوبر 2019، إلا أن هذا الفعل لم يأتِ في هذا السياق فقط، وإنما للإشارة إلى أن التواجد العسكري الأمريكي لم ينحسر بل على العكس فهو عاد ليقوم بعمليات نوعية تستهدف شخصيات مهمة كما حدث في يناير 2020 عندما جرى اغتيال رئيس فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في بغداد.
هذا وتعتبر الإدارة الأمريكية الحالية إسرائيل دولةً مركزيةً في المنطقة تحافظ على مصالح واشنطن الاقتصادية والأمنية، ولذلك يتوجب تقديم الدعم الدبلوماسي لها بشكل مطلق، من خلال تهيئة الأجواء الإقليمية لقيام عدد من الدول بتطبيع العلاقات مع تل أبيب، وبالتالي محاصرة إيران أكثر وأكثر من الناحية السياسية على الأقل، وفي سياق هذا الدعم قدَّمت الإدارة الأمريكية مقاربتها الخاصة لحل القضية الفلسطينية فيما بات يُعرف بصفقة القرن التي غيَّرت من مفاهيم إدارة هذه القضية الشرق أوسطية المفصلية، ناهيك عن الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل وعدم اتخاذ موقف واضح من استمرار الاستيطان في أراضي الضفة الغربية.
ما الذي يريده الناخبون الأمريكيون من السياسة الخارجية الأمريكية؟
ينقسم الناخبون في الولايات المتحدة بحسب مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية ورؤاهم الثقافية التي يمثلها كلٌّ من الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري المتنافسيْن على إدارة البلاد، وتكتسب مدى شعبية وقبول الآليات التي تُدار من خلالها المصالح الخارجية الأمريكية، درجةً عاليةً من الأهمية لدى الناخب، لأن ذلك مرتبط - بهذا القدر أو ذاك - بظروف الحياة اليومية للمجتمع الأمريكي.
وفي هذا السياق، تشغل طريقة تعامل إدارة ترامب مع تفشي فيروس "كورونا" المستجد العناوينَ الرئيسيةَ في الصحافة ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية، بين مُتهِم بفشل هذه الطريقة، وبين مؤيد لتوجيه النقد إلى الصين كمسبب لانتشار هذا الفيروس على نطاق عالمي، وبذلك اكتسبت الأزمة الصحية في البلاد طابعاً متعلقاً بالسياسة الخارجية، وهذا ما تؤكده استطلاعات مؤسسة ""Pew Research Center التي نشرت في أواخر يوليو 2020 تقريراً مفاده أن 78% من الأمريكيين البالغين يُلقون اللوم على الصين في تفشي فيروس "كوفيد-19" المستجد بسبب عدم استجابة السلطات هناك بشكل مناسب لاحتواء الفيروس، بينما لدى 73% منهم نظرة غير مواتية (Unfavorable View) تجاه الصين، وهذا ما يُعتبر المؤشر الأكثر سلبية طوال الخمسة عشر عاماً الماضية بحسب المركز المذكور، وتدعو هذه الأرقام المتنافسين في السباق الانتخابي إلى تصعيد اللهجة ضد الصين على كافة المستويات؛ كلّاً على طريقته.
وتدعم القاعدة الشعبية لدونالد ترامب الاستمرارَ في السياسات الحمائية والانكفاء الاقتصادي على الذات، بينما يدعم مناصرو منافسه الديمقراطي، جو بايدن، إيجاد صيغة لإعادة الاندماج في المجتمع الدولي كالتي كانت في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، مع العلم أن هذا الاندماج لا يعني ألا تتخذ الولايات المتحدة الدور القيادي فيه، حيث يعتقد سبعة من كل عشر أمريكيين أن بلادهم يجب أن تلعب دوراً رئيسياً في المجتمع الدولي، هذه المناصرة الديمقراطية قد تدعم هذه المرة بعضَ السياسات الحمائية من خلال الضغط باتجاه إصلاح منظمة التجارة العالمية التي تحظى بعلاقات كارثية مع الإدارة الحالية.
وأخيراً، تُعتبر السياسة الخارجية الأمريكية خلفيةً للحراك الاجتماعي الأمريكي وتناقضاته الذي كان ترامب وإدارته إحدى نتائجها التي يمكن أن تكون طويلة الأمد وليست لحظية، وبالتالي لا يمكن التعامل مع المناصرين والقواعد الشعبية من منطلق تحليلي جامد يصبغها بآراء وتطلعات غير متغيرة وغير متفاعلة مع الأحداث الخارجية وانعكاساتها على الداخل الأمريكي بشكل عام.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات