اليوم التالي للإعلان عن "الصفقة"

بعد الإعلان عن صفقة القرن لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما هي انعكاسات ذلك على مسار التسوية بشكل عام؟ وهل سيتم التعامل مع هذه الخطة على أنها نقطة مرجعية جديدة أم أنها ستكون مجرد مقترح غير إلزامي؟

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGEICS
  • تاريخ النشر – ٢٩‏/٠١‏/٢٠٢٠

لم تنعدم يوماً مقترحات السلام على مر عقود النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن هذه المقترحات تباينت في تقديمها للتفاصيل، وتباينت أيضاً في درجة الإرادة السياسية الكامنة خلفها لإنقاذها. وقد غاب عن جميع هذه المقترحات بما فيها "الصفقة" السعي الجاد نحو تهيئة الظروف المناسبة لبناء بيئة اجتماعية حاضنة لعملية السلام، فمتتالية التطرف في المواقف والتطرف المضاد لا تزال سائدة في فلسطين التاريخية، وعملية الشحن النفسي المتعمد لا تزال أيضاً تصنع كثيراً من الأحداث ذات العواقب السلبية على فرص تحقيق السلام المستدام.

وقد خرج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمس في مؤتمر صحفي لإعلان خطة إدارته لحل القضية الفلسطينية وتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وجاء هذا الإعلان بعد أكثر من ثلاث سنوات من الإعداد والتحضير داخل أروقة البيت الأبيض، ومن النقاش مع دوائر صنع القرار في منطقة الشرق الأوسط بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى تسريبات عبر الوسائل الإعلامية والقنوات الرسمية وغير الرسمية عن هذه الخطة التي باتت تُعرف باسم "صفقة القرن".

ومن جهته أكد كل من: رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومنافسه السياسي الأبرز، بيني غانتس، رئيس تحالف "أزرق أبيض" المعارض، موافقتهما على الخطة واعتبارها الطريق الأمثل لتحقيق السلام، كما تعهدا بتطبيق الخطة في حال فوزهما في انتخابات الكنيست القادمة في مارس 2020.

ومن الممكن اعتبار أن أبرز بنود الخطة جاءت كتوثيق لما هو قائم بالأصل، حيث أنه سبق للولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة غير مجزأة لإسرائيل، في مقابل أن ما ورد في الخطة هو قدرة الدولة الفلسطينية "المستقبلية" على ضم أجزاء محدودة من القدس الشرقية، هذا أولاً، أما ثانياً فقد، أيدت الخطة قيام إسرائيل مستقبلاً بضم ما يتراوح بين 30% -40% من أراضي الضفة الغربية، وهذا ما يتوافق مع إعلان الإدارة الأمريكية في نوفمبر 2019 على لسان وزير الخارجية، مايك بومبيو، بأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تتعارض والقانون الدولي، كما أن الصفقة توافقت مع الوعود الانتخابية التي كررها مرارا كل من: نتنياهو وغانتس بشأن ضم المستوطنات للسيادة الإسرائيلية وفرض السيادة على غور الأردن وشمال البحر الميت.

وقد رأى البعض أن توقيت الصفقة هو محاولة لإنقاذ حليف الإدارة الأمريكية الحالية في إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ولمساعدته في حلحلة الأزمة السياسية التي تعيشها بلاده منذ أبريل 2019، إلا أن هذا الطرح يمكن أن يتم دحضه بدعوة ترامب لبيني غانتس أيضا والاجتماع معه لمناقشة جوانب الخطة، لكن قد ترتفع حظوظ المعسكر اليميني بقيادة حزب "الليكود" في الانتخابات القادمة في حال بدأت حكومة تصريف الأعمال في إجراءات تنفيذ جزء من "الاستحقاقات" التي تضمنها الخطة لإسرائيل، وإلا سيبقى الأمل الوحيد لاعتماد الخطة هو تشكيل حكومة وحدة وطنية بين "الليكود" و"أزرق أبيض"، وبهذا سيكون ترامب قد نجح في إيجاد ملف مشترك على درجة هائلة من الأهمية بالنسبة للخصوم السياسيين في إسرائيل، هذا إذا ما اعتبرنا أن التوجه الحالي للإدارة الأمريكية سيبقى على ما هو عليه بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020 فيما يتعلق بالشخوص والمقاربات المتبناة تجاه مختلف القضايا الخلافية في العالم، فمسألة التراجع عن الخطة أو إعادة صياغتها بناء على نقاشات أعمق مع الأطراف المعنية، ليس بالأمر المستبعد أبداً في حال عاد الديموقراطيون إلى البيت الأبيض.

وفور الإعلان عن الخطة تباينت تصريحات القوى الدولية والإقليمية ومواقفها بين الرفض والتأييد والترقب. فبالنسبة للسلطة الوطنية الفلسطينية، فمن الواضح أن الأفق شبه مسدود فيما يتعلق بموافقة السلطة على الخطة الأمريكية وتقبلها، وهذا ما  كان واضحا – في الأصل – قبل أكثر من سنتين من إعلانها، وبالتالي ففي حال وجود احتمال لتطبيق الخطة في المستقبل؛ فسيستدعي ذلك حصول تغير في بنية النخبة السياسية الفلسطينية، وهذا سيؤدي إلى طرح هذه التساؤلات: من هي الشخصية أو الجهة التي ستقود المرحلة القادمة؟ وهل ستحظى بقبول شعبي؟ وهذا ما سيتحدد بناء على طبيعة وأبعاد الخطاب السياسي الذي ستقوم بتوظيفه، ويبقى الموضوع الأكثر تعقيدا هو تجريد الفصائل المسلحة  في قطاع غزة من قدراتها العسكرية، حيث أن الخطة تتضمن دولة منزوعة السلاح بشكل عام.

وعلى الصعيد العربي والدولي، فإن المواقف المتباينة – بين الرفض والتأييد – والصادرة عن الدول على اختلاف حجمها وتأثيرها على سير الأحداث السياسية والاقتصادية في العالم تشير إلى أن الخطة ستكون جزءاً مُحددا لا يستهان به من أي عملية تفاوضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أنه وبالتوازي مع ذلك، فسيبقى النقاش قائماً حول مدى اتساق الخطة المذكورة مع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

وبالنظر إلى نص الصفقة بلمحة سريعة، يُلاحظ أنها ركزت على مصطلحات واقعية مثل: (الحقائق على الأرض، القوة، السلطة، حل واقعي للدولتين) إلا أنها أهملت البعد التاريخي الذي تستند عليه النظرية الواقعية في منهجيتها وتحليلها، فقد تصور مقترحو المشروع أن عنصر "الهوية" في الصراع يمكن حله بصورة بسيطة، فمثلاً تقدم الخطة في قسمها الخامس والمعنون بــ "Jerusalem" اقتراحا بتأسيس هيئة تطوير السياحة المشتركة في القدس-أورشاليم، وقد تداولتها صفحات الصفقة وأدرجتها تحت مسمى:

  "JTDA" – Jerusalem-al-quds Joint Tourism Development Authority.

وبموجب هذا المقترح، سيتم تأسيس منطقة سياحية خاصة في "عتاروت" لتكون منطلقاً للسياحة في المدينة، بالتنسيق مع الإسرائيليين طبعاً وذلك بعد التفاوض على الآليات التي سيتم اتباعها، على أن تعود جزء من العوائد للهيئة السياحية المقترحة.

كما ترفع مقترحات السلام الأمريكية من مكانة "أولوية الأمن" وضرورة تمتع إسرائيل بحرية التصرف ضد ما تراه يهدد أمنها، ولذلك أكدت صفحاتها ضرورة تعاون كل الأطراف لمحاربة الإرهاب ومواجهته على اعتبار أنه تهديد لعملية الازدهار الموعودة. ويرى بعض المختصين في سيكولوجيا الإرهاب، أن الإحباط المستشري في نفوس كثيرين من شباب المنطقة، يهيئ البيئة الحاضنة لتبني أفكار متطرفة. ويُخشى أن تتسبب المحاولات لشرعنة فرض أمر واقع جديد على الفلسطينيين، في زيادة الميل نحو الأفكار المتطرفة بسبب تزايد الإدراك بتعذر التوصل إلى حل سياسي عادل ومنطقي.

وخلاصة القول، قد تثير المقترحات الأمريكية كل من: الشهية الإسرائيلية والحفيظة الفلسطينية، وستبقى عملية السلام في الوقت الراهن بين شد وجذب دون وجود أية مؤشرات على قرب عودة الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات الثنائية المباشرة. وذلك لا يعني أن الصفقة فشلت عملياً، لأن هدفها قد لا يكون آني وإنما قد يعني بأن تتحول صفحات الصفقة إلى مرجع للسياسة الخارجية الأمريكية عند تناول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

ولقراءة نص "الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط" يرجى الدخول إلى هذا الرابط

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات