"أوراق أفغانستان" ومستقبل السلام مع طالبان

"أوراق أفغانستان" ومستقبل السلام مع طالبان
١٥‏/١٢‏/٢٠٢٠

في فبراير 2020، قام قسم البحث والتحليل في STRATEGIECS بإعداد دراسة تستشرف مستقبل اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، بناءً على تقييم لمجمل الأوضاع الداخلية الأفغانية. وكانت الدراسة ضمن مشروع أوسع لإعداد تقرير توقعات 2020 على غرار الإصدار السابق، إلا أن تفشي جائحة "كورونا" والصدى الذي احتلته بحثياً وإعلامياً أدى إلى تعليق العمل على هذا المشروع.

ومع انطلاق مفاوضات سلام "محلية" بين الحكومة الأفغانية وطالبان في سبتمبر 2020، ولقاء وزير الخارجية الأمريكية، مايك بومبيو، ممثلين عن كلا الطرفين في نوفمبر ودعوته إلى "تسريع المناقشات حول خريطة طريق سياسية ووقف دائم وشامل لإطلاق النار"؛ يعيد STRATEGIECS نشر دراسته الاستشرافية المعنونة بـ "أوراق أفغانستان ومستقبل السلام مع طالبان" لرفد متابعي الملف الأفغاني بصورة شبه متكاملة عن الظروف والتعقيدات التي تحيط بالمشهد الأفغاني.

داخلياً، استشرف التقرير صعوبة نقل الاتفاق الخارجي (اتفاق واشنطن وطالبان) إلى المستوى الداخلي (الحكومة الأفغانية وطالبان) فطالبان لا تريد منح الحكومة الأفغانية شرعية الاعتراف بها عبر الاتفاق الجدي على صيغة لتشارك الحكم، كما أن الحكومة الأفغانية تتردد في إبداء مرونة مع طرف متورط في حالات قتل لمدنيين وعسكريين حتى لا تبدو في موقف الضعيف المتساهل في تقديم التنازلات.

ولا يزال ضعف كفاءة الهياكل الرسمية مسيطراً على التفاعلات الأفغانية-الأفغانية وسط تعدد مراكز القوى، فاجتماعياً تتمتع بعض القبائل بسلطة شبه مطلقة في نطاقاتها الجغرافية، وسياسياً، تفتقر كابول إلى قوة مركزية قادرة على فرض سيادتها على القرار السياسي، فكثير من الجهات والشخصيات السياسية قد لا تتفق مع توجهات الرئاسة الأفغانية أو أنها قد تسعى إلى عرقلة مساعي إنجاح المصالحة الأفغانية-الأفغانية.

كل هذا يُلقي بظلاله على المحادثات الحالية شبه المتعثرة، وربما يرجع جزء كبير من هذا التعثر إلى نقطة التحول الرئيسية المتمثلة في اتفاق واشنطن-طالبان، فالاتفاق منح طالبان "شرعية دولية" وأكسبها ثقة المنتصر على حساب الحكومة الرسمية التي لم تكن مدمجة تماماً في مفاوضات واشنطن-طالبان، إذ تُصر الحركة على عدم تدخل "طرف أجنبي" في المحادثات الداخلية، ولذلك لم يتضمن الاتفاق الموقع في فبراير وقفاً شاملاً للعنف على كامل الأراضي الأفغانية، وإنما فقط وقف العنف المتبادل مع القوات الأمريكية وبدء مفاوضات محلية سيتم فيها التوصل إلى وقف شامل للعنف.

ونقلت وكالة "BBC" عن إحصاءات رسمية أفغانية سقوط 12 ألف قتيل مدني منذ فبراير وحتى سبتمبر، مما يعني أن المحادثات الأفغانية على أشدّها، فالمفاوضات ما هي إلا امتداد للحرب، وما يجري على طاولة المفاوضات سيكون انعكاساً لما جرى في ميدان المنازعات، لذلك ستُظهر مختلف الأطراف الأفغانية قوةً وثباتاً في مواقفها في المرحلة القادمة.

ويتجلى التباين في المواقف حول قضايا رئيسية، كتمسُّك طالبان باتباع المذهب الحنفي كأساس للحوار وتيسير شؤون البلاد، في حين تطالب الحكومة بإضافة المذهب الجعفري لضمان تمثيل الأقليات كالشيعة الذين يشكلون 20% من عدد السكان. ويستعر الخلاف أيضاً حول قضايا تتعلق بالمرأة وحقوق الإنسان وآليات التقاضي والإفراج عن معتقلين أمنيين خطرين.

خارجياً، قد يكون الوضع الأفغاني أقل ضبابيةً، فما تريده طالبان من واشنطن بانسحاب قواتها قد تم التوافق عليه ووضع إطار زمني له، وأما ما تريده واشنطن فمحدد بعدم تسبب انسحابها بفراغ أمني يزيد من تخلخل ميزان القوى على حساب الحكومة الشرعية؛ حليفتها في قتالها "السابق" ضد طالبان.

وربما يسعى المجمع الاستخباري الأمريكي إلى توليف صيغة "عملية" تفصل الجناح المتطرف الأيديولوجي عن الجناح الذي يقبل بالعملية السياسية كإطار لتنظيم الحياة العامة. وفي هذا الصدد ستبقى أفغانستان - حتى لو انسحب آخر جندي أمريكي - تحت الرصد الأمريكي تجنباً لتحول الأراضي الأفغانية إلى مُصدّر للإرهاب العابر للحدود.

فمن السيناريوهات غير المرجّحة التي تضمّنها تقرير "أوراق أفغانستان ومستقبل السلام مع طالبان" هو عودة القوات الأمريكية مرة أخرى بعد تحول أفغانستان إلى بيئة خصبة للإرهاب، إلا أن إجماع النخب الأمريكية على ضرورة رفع الاستعداد القتالي لمواجهة تحديات رئيسية تنبع من الصين وروسيا، قد يحول دون انتشار مكثف للقوات الأمريكية في أفغانستان.

ولا يُتوقع أن تخالف إدارة بايدن - فيما يتعلق بالملف الأفغاني - ما ابتدأته إدارتا أوباما وترامب، فالتخلص من عبء أفغانستان يُعد هاجساً وأولوية للسياسة الخارجية الأمريكية. وأظهرت تصريحات سابقة للمسؤولين المقترح تعيينهم من قبل بايدن لشغل المناصب السيادية العليا أنهم سيواصلون المساعي لإعادة الجنود الأمريكيين من أفغانستان وغيرها من مناطق الصراع.

ولكن يُتوقع أن لا تكون هذه الإعادة مفاجئة دون التنسيق مع الحكومة الأفغانية التي "صُدمت" بما غرَّد به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في أكتوبر 2020 حول عودة جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول عيد الميلاد، وهو ما تم توضيحه والتراجع عنه لاحقاً بصورة غير مباشرة.

حيث تخشى كابول من تنفيذ انسحاب جوهري للقوات الأمريكية قبل التوصل إلى اتفاق ملزم مع طالبان، ذلك أن مثل هكذا إجراء سيُفقد المفاوض الرسمي "حافزاً" مهماً وورقة ضغط أساسية في المفاوضات مع طالبان.

كما أن حلف الناتو يتخوف من انسحاب أمريكي مفاجئ لما سيترتب على ذلك من تبعات أمنية وتركه في أرض المهمة لوحده. وقد أكد الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبيرغ، في إحاطة إعلامية تلت تصريح ترامب سحب القوات الأمريكية بحلول عيد الميلاد على هذه الحقيقة قائلاً: "قررنا سويا الذهاب إلى أفغانستان. سنمضي سويا في التعديلات على القوات وسنغادر البلد سويا في الوقت المناسب". ووفقاً لجدول مواعيد اجتماعات حلف الناتو، سيجتمع وزراء دفاع دول الحلف في فبراير 2021 وسيكون مستقبل المهمة في أفغانستان على أجندة الاجتماع، ويُفترض أن تتوافق إدارة بايدن مع حلفاء الناتو على صيغة عمل مشتركة تتضمن انسحاباً منسقاً من أفغانستان يراعي مصالح ومتطلبات الحكومة الأفغانية.

المزيد من التفاصيل حول التشابكات الأفغانية محلياً وخارجياً، متاحة في التقرير "أوراق أفغانستان ومستقبل السلام مع طالبان" الذي يمكن تنزيله من الرابط المتاح أعلى الصفحة.

 

 

 

التقرير كاملاً
للتحميل