المقترح الأمريكي الإسرائيلي والتحول نحو مسار أحادي في قطاع غزة
يشهد المسار الإسرائيلي–الأمريكي تحولًا نوعيًا مع إعلان المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف عن "صفقة شاملة" لوقف الحرب في غزة، تتضمن إطلاق الرهائن، ونزع سلاح حماس، وإعادة الإعمار، وفرض إدارة دولية بقيادة واشنطن، في مسار أحادي يحيّد حماس عن أي دور تفاوضي. وتتزامن الصفقة مع خطة إسرائيلية لاحتلال قطاع غزة على مراحل، وفرض سيطرة أمنية وإدارة مدنية بديلة، ويهدف هذا التوجه إلى فرض "اليوم التالي" للحرب كأمر واقع يخدم الأهداف الإسرائيلية.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ١٠/٠٨/٢٠٢٥

يشهد المسار الإسرائيلي-الأمريكي تجاه الحرب في قطاع غزة تحولًا نوعيًا، مع إعلان المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عن بلورة "صفقة شاملة" لوقف إطلاق النار، تتجاوز منطق الحلول الجزئية التي سادت في الأشهر الماضية. ويأتي هذا التحول بعد سلسلة مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، برعاية أطراف إقليمية ودولية، ليكشف عن توجه متصاعد نحو فرض ترتيبات ميدانية وأمنية أحادية الجانب. هذا المسار يعكس تعمقًا إسرائيليًا في هندسة واقع ما بعد الحرب، من خلال رسم ملامح "اليوم التالي" في قطاع غزة بمعزل عن الأطراف الفلسطينية.
سياق مقترح الصفقة الشاملة
أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في 2 من أغسطس 2025، عن العمل مع إسرائيل على "صفقة شاملة" لوقف إطلاق النار في غزة، تشمل جميع الملفات: إطلاق سراح جميع المحتجزين، ونزع السلاح الكامل لحركة حماس، وإعادة الإعمار، مع فرض سيطرة دولية على القطاع بقيادة الولايات المتحدة، وذلك كما أوضح خلال زيارته لإسرائيل ولقائه المسؤولين الإسرائيليين وعائلات المحتجزين، مشيرًا إلى رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "الصفقات الجزئية".
ويأتي هذا المقترح بعد أن أعلنت إسرائيل في 24 يوليو 2025 سحب وفدها المفاوض من المحادثات، على خلفية رد حركة حماس على المقترح الذي جاء في إطار مفاوضات يونيو، وتضمَّن حينها وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار لمدة 60 يومًا، وتبادلًا جزئيًا للأسرى، وفتح المعابر الإنسانية. كما تزامن مع إعلان الولايات المتحدة انسحابها كطرف في الوساطة غير المباشرة، بدوافع عدم إظهار حركة حماس الجدية الكافية لوقف إطلاق النار، وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن "خيارات بديلة" سوف تُبحث لتحرير المحتجزين وإنهاء الحرب.
أما ميدانياً، فأعقب ذلك المقترح إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مضي إسرائيل في احتلال قطاع غزة، بموافقة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وهي الخطة التي وافق عليها مجلس الوزراء الأمني المصغّر (الكابينت) في 8 أغسطس، والتي تقضي مراحلها بإخلاء مدينة غزة من سكانها، بدفع نحو 900 ألف من أهالي وسط وشمال قطاع غزة نحو الجنوب، ثم فرض السيطرة على المدينة، يليها السيطرة على مخيمات اللاجئين في الوسط، لتشمل العمليات العسكرية مناطق يُرجَّح تواجد المحتجزين الإسرائيليين فيها. كما نصّت الخطة على خمسة مبادئ لإنهاء الحرب، وهي: نزع سلاح حركة حماس، إعادة المحتجزين الأحياء والأموات، تحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وإيجاد إدارة مدنية بديلة لا تتبع لحماس ولا للسلطة الفلسطينية.
وفي الواقع، يكشف مقترح ويتكوف، والإجراءات الميدانية الإسرائيلية، عن مسار أحادي تمضي به كلٌّ من إسرائيل والولايات المتحدة، يتجاوز أوّلًا الإطار التفاوضي متعدد الأطراف، ويحيّد حركة حماس كطرف تفاوضي وكفاعل في الترتيبات الأمنية والميدانية المستقبلية في القطاع، ويحوّل ملف الحرب في قطاع غزة، واليوم التالي له، من شأنٍ محلّي وإقليمي ودولي، إلى ملف يتبع للحكومة الإسرائيلية وسياساتها.
الصفقة الشاملة: ماذا تعني لحركة حماس؟
من جهة، تواجه حركة حماس معضلة رئيسية باعتبارها طرفًا تفاوضيًا، إذ يبدو أن مطالبها واشتراطاتها لا تتناسب مع معطيات الميدان الفعلية، خاصة من ناحية المطالبة بانسحاب كامل الجيش الإسرائيلي من القطاع، في وقت هيأ فيه الأخير الأرضية للبقاء طويلًا فيه، ومن جهة فقدانها للأوراق التفاوضية التي كانت تحوزها خلال الشهور الأولى من الحرب، إضافة إلى عدم قدرة الحركة على تقديم تنازلات جوهرية مُعلَنة في جغرافيا ونطاق السيطرة في قطاع غزة، لتأثير ذلك على صورتها بين أهالي القطاع، ما يعني أن القيود التي تواجه الحركة تجعل منها طرفًا معرقلًا أكثر من كونه فاعلًا، كما يتم تقديمها في التصورات الإسرائيلية-الأمريكية.
ومن جهة أخرى، فإن المقترح باعتباره يُمثّل حلًا نهائيًا للحرب، يُقدّم تصورًا بأن الحرب يمكن أن تنتهي إذا ما وافقت حركة حماس على مضامينه، وباعتبار أن حماس لا تمتلك السلطة فعليًا للموافقة على بنود صريحة باحتلال قطاع غزة، ومن المستبعد موافقتها على تسليم سلاحها، الأمر الذي سيدفعها للرفض، بما قد يضعها أمام مساءلة شعبية جراء استمرار الحرب دون أفق أو نتائج تُذكر، خاصة وأن حوادث محلية قد سبقت هذا المقترح وتقاطعت معه، إذ شهدت مناطق من القطاع مظاهرات واحتجاجات ضد حركة حماس، وتتزايد الدعوات لها بإبداء مرونة أكبر في المفاوضات. وإلى جانب ذلك، تهدف إسرائيل إلى توجيه جانب من الضغوط الدولية والإقليمية الداعية إلى وقف الحرب نحو حركة حماس، باعتبارها طرفًا معرقلًا لتحقيق ذلك.
علاوة على ذلك، يأتي استبعاد حركة حماس من الإطار التفاوضي بعد مؤشرات عدة على سعي إسرائيلي لاستبعادها من ترتيبات اليوم التالي للحرب ، فقد استؤنفت الحرب في 17 مارس 2025 بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في 19 يناير 2025، ودون انتظار نتائج المرحلتين الثانية والثالثة اللتين كان يُفترض بهما رسم ملامح القطاع في اليوم التالي للحرب. وخلال هذه الفترة، عملت إسرائيل على استبعاد حركة حماس من ترتيبات تأمين المساعدات، وخلقت قوى تنافسها في حفظ وضبط الأمن، إذ أوكلت مهمة توزيع وحماية المساعدات إلى "مؤسسة غزة الإنسانية"، وصادق الكابينت في 5 أغسطس على آلية لاستئناف إدخال تدريجي وجزئي للبضائع التجارية من مواد غذائية وسلع صحية إلى عدد محدود من التجار المحليين في القطاع، بعد فحصها وتفتيشها من هيئة المعابر البرية، وشرط إخضاعها لمراقبة أمنية. بالإضافة إلى ذلك، قدّمت الدعم لميليشيا "ياسر أبو الشباب" التي باتت تسيطر على أجزاء من شرق رفح، وتعمل على توسيع التجربة في مناطق أخرى من القطاع.
الصفقة الشاملة: ماذا تعني لقطاع غزة
إن ذهاب إسرائيل، وبدعم الولايات المتحدة، نحو مسار أحادي لا يُعتبر عمليًا تحولًا استراتيجيًا في السياسات الإسرائيلية أو في إجراءاتها على الأرض، بقدر ما يفرض الترتيبات الميدانية والإدارية الساعية لتحقيقها منذ اندلاع الحرب، بحيث تُبقي غزة تحت إدارة أمنية وإنسانية إسرائيلية مشروطة، تُفرض خلالها نتائج الحرب باعتبارها معادلة دائمة، دون معالجة القضايا السياسية الجوهرية أو الملفات الكبرى مثل رفع الحصار، وإعادة الإعمار، أو مستقبل الحكم في القطاع. وهو ما يتماشى مع مضمون "وثيقة اليوم التالي من الحرب" التي وافق عليها المجلس المصغر (الكابينت) في فبراير 2024، التي تضمّن نصها نزع حكم حركة حماس وفرض السيطرة الأمنية على القطاع.
وفي الواقع، لم تعمل إسرائيل على تحقيق هذا الهدف ميدانيًا فحسب، بل عملت منذ فترة على تحييد القادة الرافضين أو المتخوّفين من فكرة الاحتلال من مناصبهم، من بينهم إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت وتعيين يسرائيل كاتس بدلًا منه، ثم استقالة كلٍّ من رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي في 6 مارس 2025 وتعيين إيال زميرو، واستقالة رئيس جهاز الاستخبارات (الشاباك) رونين بار وتعيين ديفيد زيني في مايو 2025، ومن قبل ذلك استقالة كلٍّ من رئيس حزب "معسكر الدولة"، بيني غانتس، وغادي آيزنكوت من مجلس الحرب، بما عزّز إقرار خطة نتنياهو بشأن احتلال غزة بموافقة الكابينت عليها عندما عُرضت للتصويت في 8 أغسطس.
من جهة أخرى، يُكمل المسار الأحادي والعملية العسكرية الضخمة المزمع إطلاقها في عموم القطاع، مع ما سبقها من عمليات عسكرية وتتقاطع معها في الأهداف، لا سيما العملية العسكرية "عربات جدعون" التي أطلقها الجيش الإسرائيلي ويستمر بها منذ 18 مايو 2025، والتي جاء ضمن أهدافها تهيئة ميدان القطاع نحو احتلال إسرائيلي طويل الأمد. كما أن وضع خطة لإخلاء شمال ووسط قطاع غزة يأتي في ذات السياق مع العملية العسكرية الواسعة التي كان الجيش الإسرائيلي قد أطلقها في 6 أكتوبر 2024 لإخلاء أقصى الشمال في مناطق جباليا وبيت حانون.
ولعل الأكثر خطورة في ضوء المجريات الراهنة، محاولة إسرائيل توجيه قرابة 900 ألف من أهالي القطاع نحو الجنوب، ما يعني من الناحية العملية أن شمال ووسط القطاع أُفرغا من ساكنيه، وأن جنوبه أصبح يضم جميع سكان القطاع تقريبًا، ما يشير إلى أن إسرائيل ماضية في التجهيز الميداني والسياسي لتهجير أهالي قطاع غزة.
وأخيراً،يُعد مقترح الصفقة الشاملة وشروطها محاولة لإعادة تشكيل المشهد في قطاع غزة بما يتماشى مع مجريات الحرب والأهداف الإسرائيلية ضمنها، من خلال تقويض أسس التفاوض وفرض اليوم التالي للحرب، الذي بدأ فعليًا بالتشكّل ميدانيًا ضمن ترتيبات أمنية وإدارية خاضعة لإسرائيل.

ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات