واشنطن وطهران: أبعاد الاشتباك العسكري في الشرق الأوسط

بعد الرد العسكري الإيراني على اغتيال قاسم سليماني يطرح المراقبون أسئلة عديدة: ماذا بعد؟ وما هو طبيعة الرد الأمريكي؟ وهل من الممكن أن تنجر المنطقة لحرب شاملة؟

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGEICS
  • تاريخ النشر – ٠٨‏/٠١‏/٢٠٢٠

جاء الرد العسكري الإيراني على اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، بعد ساعات على تشييعه؛ فقد جرى استهداف قاعدتين عراقيتين تستضيف قوات أمريكية بصواريخ باليستية أرض – أرض من نوع فاتح 313 ذات مدى يصل إلى 500 كم، وزعم الحرس الثوري الإيراني أن القصف أدى إلى مقتل 80 جندي أمريكي، وجرح نحو 200 آخرين على الأقل.

وفي المقابل، شككت الإدارة الأمريكية بالرواية الإيرانية حول حجم الخسائر في الأرواح والأضرار المادية، إلا أنها لم تقدم من جانبها حتى الآن أية تقديرات أو معلومات. إلا أن معظم تصريحات حلفاء واشنطن تؤكد على عدم وقوع إصابات بين الأمريكيين.

وتأتي هذه الخطوة الإيرانية في السياق العام للتوتر السياسي والعسكري المتصاعد في المنطقة بين كل من: الولايات المتحدة وإيران، والذي على ما يبدو بدأ في الدخول إلى مرحلة جديدة من الاشتباك العسكري المباشر.

إن الأسئلة الأكثر تداولاً الآن هي: ماذا بعد؟ وما هو طبيعة الرد الأمريكي على ما حدث؟ وهل من الممكن أن تنجر المنطقة إلى حرب شاملة؟

تتسم طبيعة التصريحات السياسية الصادرة عن طرفي الحراك العسكري في المنطقة (إيران والولايات المتحدة) في الفترة الأخيرة بوجود قاسم مشترك يتمثل في الإقدام على العمل العسكري ومن ثم اللجوء إلى التهدئة عبر القنوات الدبلوماسية والوسائل الإعلامية، وهذا ما أظهره الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعد مقتل سليماني، بقوله: (بأن الولايات المتحدة لا تريد حربا، كما أنها لا تريد تغيير النظام السياسي في إيران، بالإضافة إلى دعوة مبطنة باستعداد الولايات المتحدة للدخول في مفاوضات تتناول الملف النووي الإيراني، والتوتر في الشرق الأوسط بشكل عام).

أما وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، فقد صرح بعد القصف الإيراني الأخير أن إيران ردت بما يتناسب مع حجم حادثة مقتل سليماني، وأنها لا تريد الحرب، حيث أن ما قامت به تضمنه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق الدولة في الدفاع عن نفسها أمام الاعتداءات الخارجية.

يمكن وصف الخطوة العسكرية الأخيرة لإيران على أنها تكتيك يُدرج تحت استراتيجية عنوانها العريض هو "إخراج القوات الأمريكية من المنطقة"، وعلى الرغم من أنه جرى الإعلان عنها مؤخراً على لسان النظام السياسي الإيراني وحلفائه العسكريين في الإقليم، إلا أنه جرى انتهاجها منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في نوفمبر 2018، كوسيلة للرد على القرارات الأمريكية أحادية الجانب تجاه إيران.

وقد يكون الخيار الوحيد لتراجع إيران عن هذه الرؤية في إدارة الصراع في المنطقة، هو في أن تطرح الإدارة الأمريكية بعض التنازلات تمهيدا للدخول في مفاوضات يكون جوهرها رفع العقوبات عن إيران؛ وبالتالي الحد من وطأة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد؛ ومن المستبعد أن يتم ذلك نظرا للتركيبة اليمينية للإدارة الأمريكية وتحالفها الوطيد مع إسرائيل وغيرها من الدول الرافضة بشكل مطلق لأي شكل من أشكال النفوذ الإيراني في المنطقة.

وحينها لن يتبقى سوى الخيار الثاني ــ وقد يكون الوحيد ــ وهو الدخول في دائرة مفرغة من الاستنزاف والعمليات العسكرية ضد مصالح كل من الطرفين، وفي هذا المشهد، تكون الأطراف المشاركة هي الميليشيات العسكرية المدعومة من إيران في كل من: العراق وسوريا ولبنان، مقابل القوات الأمريكية وحلفائها من دول إقليمية وقوات عسكرية أجنبية متواجدة في المنطقة، وليس من المستبعد أن تتوسط هذه الدائرة أحداث مفصلية مثل استهداف شخصيات معينة من الوزن الثقيل على شاكلة قاسم سليماني، أو استهداف مسؤوليين أمريكيين رفيعي المستوى، والذي له شأن في تعقيد إمكانية تجنب ما يمكن أن يسمى بـ "حرب استنزاف النفوذ في الشرق الأوسط".

إن الاستنكار الدولي والتنديد الديمقراطي الأمريكي باغتيال سليماني، قد يكون مؤشرا على اتجاه الأمور نحو التهدئة، والتي ستكون محكومة بمدى قدرة كل من الإدارة الأمريكية من خلال قواتها المنتشرة على الأرض، وإيران من خلال الميليشيات المرتبطة بها عقائديا وماديا، على ضبط النفس؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا يمكن إنكار أن أبعاد التصعيد العسكري في المنطقة مرتبط بشكل مباشر بالتطورات الحاصلة على المستوى المحلي للدول المنخرطة في هذا التصعيد، فدخول الولايات المتحدة في حرب جديدة في الشرق الأوسط سيقلل من حظوظ ترامب في النجاح في الانتخابات الجديدة، إلا أنه قد يلجأ للتصعيد في حال بدأت عملية "عزله" تتخذ خطوات تطبيقية فيما يتعلق بالجانب القانوني والمؤسسي؛ وهذا ما لم يحصل حتى الآن.

وبالنسبة لإيران، فهي الطرف الذي إذا ما قورن بخصمه ــ أي الولايات المتحدة ــ فليس لها الكثير لتخسره من الناحيتين: الاقتصادية والسياسية؛ على الأخص أنه بات من شبه المؤكد أن التيار اليميني ــ الأصولي ــ هو من سينتصر في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021، في ظل سيطرة المحافظين على أغلب المؤسسات التمثيلية.

وعلى الأغلب، فسيكون هناك استهداف آخر للقوات الأمريكية، ولكن هذه المرة من قبل وكلاء إيران في المنطقة.

وعلى أية حال؛ ستبقى الحرب الإقليمية الشاملة، هي الخيار الأقل ترجيحا، ما دامت السبل الدبلوماسية عند الوسطاء لم تستنفذ بعد، وما دام الاحتقان الداخلي للدول المتصادمة على مستوى دوائر صنع القرار لم يصل إلى مستوى الانفجار.

إن شعار "إخراج القوات الأمريكية من المنطقة" ليس خطة عسكرية إيرانية بعيدة المدى بقدر ما هو ورقة ضغط على الأوساط السياسية في الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي من أجل الإسراع في إيجاد حل شامل لأزمة إيران الداخلية ذات البعد الإقليمي، إلى جانب كون هذا الشعار بمثابة لفت لأنظار كل من: تركيا وروسيا وحتى الصين على أن تكون مواقفهم أكثر اتساقا مع الجمهورية الإسلامية، وألا تقتصر رؤيتهم فقط على تسيير مصالحهم الخاصة في المنطقة.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات