الانتخابات الـ23 للكنيست: أزمة الحكم إلى أين؟

تفتح مراكز الاقتراع الإسرائيلية في 2 مارس 2020 أبوابها لانتخابات ثالثة في أقل من عام، مع استمرار تأثير حالة الاستقطاب والتوتر وعدم اليقين على المشهد السياسي الإسرائيلي، فما الذي استجد منذ سبتمبر 2019 على هذا المشهد؟ وهل ستؤثر هذه المستجدات على أزمة تشكيل الحكومة؟

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ٠١‏/٠٣‏/٢٠٢٠

أغلقت لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية في تاريخ 15 يناير 2020 باب الترشح لانتخابات الكنيست المزمع عقدها في 2 مارس 2020؛ والتي تعد ثالث انتخابات برلمانية في أقل من سنة، بسبب عدم قدرة القوى السياسية الحاصلة على النسبة الأكبر من المقاعد في الكنيست على التوافق لتشكيل حكومة ائتلافية في ظل عدم تحقيق أي منها لعدد المقاعد الذي يخولها لتشكيل حكومة أغلبية، فهذا ما حدث في كل من انتخابات أبريل وسبتمبر 2019، مما أدى إلى دخول الحياة السياسية الإسرائيلية في مرحلة تاريخية، تتمثل في وجود حكومة تصريف أعمال لما يقارب السنة.

وتختلف هذه الانتخابات عن غيرها في أنها جاءت عقب أحداث جرت على الساحتين: الدولية والإقليمية لها علاقة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ أنه تم الإعلان عن الخطة الأمريكية للسلام "صفقة القرن"، كما وأعلنت الإدارة الأمريكية عن اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، الذي كان المطلوب الأول على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية؛ بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، بالإضافة إلى قيام الجيش الإسرائيلي باغتيال بهاء أبو العطا؛ القيادي في سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في غزة) والذي شغل المركز الثالث في القائمة المذكورة.

وقد شكلت هذه الأحداث ــ تحديدا ــ عناصر الدعاية الانتخابية لمعسكر "الليكود" بقيادة بنيامين نتنياهو، باعتباره رئيس حكومة تصريف الأعمال التي تفاعلت مع هذه الأحداث بشكل مباشر، أما بالنسبة للطرف الآخر وهو تحالف "أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس، الخصم الصعب لنتنياهو، فهو لا يملك سوى العمل على تبيان موقفه أمام قاعدته الشعبية حول ما يحدث. فعلى سبيل المثال يؤيد ويعد غانتس بضم 30٪ من أراضي الضفة الغربية التي تشمل غور الأردن في حال تمكن من تشكيل حكومة، كما أنه أبدى وقوفه مع اغتيال قاسم سليماني. ومع ذلك فإنه من المتوقع أن يصبح موقف "أزرق أبيض" أضعف قليلا، باعتباره يؤيد المكاسب السياسية التي يحققها نتنياهو في المقام الأول. وهناك معلومات نشرتها شركة الاستطلاعات الإسرائيلية، "دايركت بلوس" في تاريخ 20 فبراير 2020، بينت تفوق "الليكود" على تحالف "أزرق أبيض" بواقع 33 مقعدا مقابل 31 مقعدا.

لكن نتائج الاستطلاع هذه لا تعني حل مشكلة عدم تحقيق الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة؛ وذلك لأن القائمة العربية (التي حصلت على 13 مقعدا في انتخابات سبتمبر، والتي غالبا ما تكون القوة الثالثة في المجلس) لا تتحالف مع أي من القوى اليمينية والتي من جهتها أيضا ترفض ذلك بشكل قاطع، كما أن "أزرق أبيض" المحسوب على الوسط يعتبر التحالف معها مضر بمصلحته، وبتعبير آخر يتحاشى الجميع التفاوض مع القائمة العربية لتشكيل حكومة، وهذا ما يحدث تاريخيا في إسرائيل فيما يخص الحضور العربي في الكنيست.

أما حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغادور ليبرمان، فمن المتوقع أن يحصل على 7 مقاعد بحسب الاستطلاع المذكور، وبذلك لن يكون قادرا على أن يشكل تحالفا مع معسكر "أزرق أبيض" الضام لعدد من أحزاب وائتلافات اليسار والوسط، التي لن تتخطى عتبة الـ 45 مقعدا في أحسن الأحوال، كما أنه لن يتشارك مع معسكر "الليكود" بسبب الخلاف حول إلزام اليهود المتدينين بالخدمة العسكرية كغيرهم من الإسرائيليين، والذي كان شرارة الأزمة السياسية التي بدأت في نهاية عام 2018.

إن معسكر "الليكود" الذي يشمل اليمين الشعبوي الإسرائيلي، من المتوقع أن ترتفع مقاعده إلى 57 مقعدا بعدما كان حاصلا على 55 مقعدا في انتخابات سبتمبر، وهذا الرقم أقل من المطلوب، إلا أن هناك حزب جديد يعول عليه نتنياهو؛ وهو حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف بزعامة إيتمار بن غفير، والذي يمثل ــ بدرجة كبيرة ــ قاطني الوحدات الاستيطانية، ففي حال تخطى هذا الحزب عتبة الحسم ــ أي نسبة 3.25٪ من الأصوات ــ والمساوية لـ 4 مقاعد، سيتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة "يمينية نقية"؛ إن صحت أرقام التوقعات.

ومن الممكن أن يعاد سيناريو التوجه إلى انتخابات جديدة في حال عجزت القوى السياسية عن إيجاد صيغة الـ 61 مقعدا، إلا إذا قبلت إحدى القوتين الكبيرتين (أزرق أبيض أو الليكود) التنازل لتشكيل حكومة وطنية، إلا أن غانتس لا يوافق على المشاركة في تشكيل حكومة بوجود نتنياهو، بل يعول بدلا من ذلك على إدانته بتهم الرشوة والغش والخداع وعدم الأمانة الموجهة إليه من قبل النيابة العامة، إلا أن هذه المراهنة بحد ذاتها بحاجة إلى وقت قد يتجاوز الفترة المخصصة دستوريا لتشكيل الحكومة؛ والتي تبلغ 21 يوما، حتى وإن استقال نتنياهو من منصبه (وهذا يتطلب إدانته ونفاذ كافة فرص الاستئناف)، فهذا لا يضمن موافقة الليكود على تشكيل حكومة وحدة مع "أزرق أبيض"؛ مع الإشارة إلى أن نتنياهو حظي بـ (71.5%) من الأصوات في الانتخابات التمهيدية في ديسمبر 2019، ولا يضمن أيضا أن يبقى معسكر اليمين على حاله، لأن نتنياهو لا يمثل شخصه وإنما يمثل تيارا وتوجها سياسيا داخل اليمين الإسرائيلي.

وكان فريق البحث في ستراتيجكس قد نشر في سبتمبر 2019، مادة بعنوان "انتخابات الكنيست: إعادة رسم الستاتيكو الإسرائيلي"، إذ ناقشت بتفصيل أكبر خارطة القوى السياسية الإسرائيلية وما يتضمنها من خلافات وتوافقات بين هذه القوى. 

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات