فرص نجاح "الناتو العربي"

"الناتو العربي" والاستقرار في الشرق الأوسط

يعتبر مشروع الناتو العربي تحديا للدول الراغبة في المشاركة فيه والدول الراعية له، فبالرغم من أنه أصبح مطلبا مهما لحماية الأمن القومي العربي، ليكون قوة لحماية المصالح الوطنية العربية المشتركة؛ إلا أن الاتفاق على مشروع عسكري موحد بهذا الحجم، لن يكون أمرا هينا. تناقش هذه المادة بعض التساؤلات حول مدى القدرة على إنجاح هذا المشروع، وأثره على منظومة الاستقرار في الشرق الأوسط، والتحديات التي قد يواجهها.

الكاتب د. صالح المعايطة
  • الناشر – STRATEGEICS
  • تاريخ النشر – ٠٧‏/٠٣‏/٢٠١٩

التعاون العسكري العربي من خلال متغيّرات البيئة الاستراتيجية

عندما نتحدّث عن قوّة عسكرية عربية مشتركة، ذلك يعني أننا نتحدث عن تعاونٍ عسكري عربي، من حيث المفاهيم الاستراتيجية والعملياتية وتكامل توظيف الموارد. لأنّ التعاون العسكري، كما هو الاقتصادي والسياسي، يُعتبر موضوعاً استراتيجياً بالنسبة للدول والحكومات العربية والحليفة. 

يُعتبر هذا المشروع تحدّياً للدول الراغبة في المشاركة والدول الراعية للمشروع، فبالرغم من أنه أصبح مطلباً مُهماً لحماية الأمن القومي العربي، ليكوّن قوّةً بمثابة الدّرع والردع لحماية المصالح الوطنية العربية المشتركة؛ إلّا أنّ الاتفاق على مشروع عسكري موحّد بهذا الحجم، بدون دراسة المعوّقات والتداعيات، سينتهي إلى مشروعٍ غير ناضج، أو لا يلبّي التوقعات والأهداف المرجوّة.

يرى معظم الباحثين والمتابعين أنّ انتهاء الحرب الباردة قد أدّى إلى انعدام التوازن في النظام الدولي على المستوى العالمي والإقليمي، كما تأثّرت موازين القوى نتيجةً لانهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي، وسقوط جدار برلين في 1989، مما أدّى إلى اندلاع ثلاثة حروبٍ إقليمية طاحنة، على رأسها الحرب العراقية الأولى، وأدّت إلى اختلالٍ في ميزان القوى، لحقتها حرب الخليج الثالثة، وصولاً إلى نماذج من حروب الجيل الرابع التي مرت بها المنطقة عام 2011.

يعيش العالم اليوم وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ذروة بناء التّحالفات الدولية والإقليمية، لمواجهة ومحاربة الإرهاب في العالم بشكلٍ عام، ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً. الأمر الذي أدّى بشكلٍ غير مباشر إلى حالةٍ من عدم التوازن في الإقليم والمنطقة. فلجأت الدول إلى البحث عن بدائل إمّا للحماية أو لإعادة توازن القوى أو السيطرة على مراكزها.

في الشرق الأوسط بالأخص هناك تصارعٌ وتنافس على النفوذ والقوّة بكافة أنواعها، لذلك بدأ الحديث عن الحاجة لإنشاء مشروعٍ عسكري عربي تحت اسم "الناتو العربي"؛ يُمكن أن يساعد في حلّ الأزمات العربية الثنائية والمتعددة الأطراف، وخصوصاً بعد ظهور تداعـيات استهدفت سيادة الدول، من خلال التصدّعات العمودية والأفقية في جسم ومكوّنات الدولة الواحدة. حيث سادت الهويات الطائفية والدينية على حساب الهويات الوطنية، وارتفع منسوب الغضب والتوتر والمعاناة والخوف لدى معظم شعوب دول الشرق الأوسط، خصوصاً بعد ظهور الدول والتنظيمات المتطرفة العابرة للحدود؛ مثل تنظيم "داعش"، و"جبهة النصرة"، وبعض التنظيمات الأخرى في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، والصومال. مما أدّى لظهور التحالفات الدولية والإقليمية لمحاربة الإرهاب في البداية.

ولكن يُمكن أن تتحوّل هذه التحالفات إلى أدواتٍ للسيطرة على الموارد، والتدخل في سيادة الدول التي تُعاني أصلاً من اختلالٍ في عناصر القوّة الوطنية، وعدم تكامل وتجانس مكوّنات المجتمع الواحد.

هذا التحليل المختصر لمتغيّرات البيئة الاستراتيجية "الدولية والإقليمية والمحلية" يقودنا إلى طرح الأسئلة التالية:

1. هل نحن بحاجة إلى قوّة عسكرية عربية مشتركة؟

2. ما هي المهام والواجبات التي ستُسند لهذه القوّة؟

3. متى وكيف وأين سيتم استخدام هذه القوّة المشتركة؟

4. ما أثر ذلك على مفهوم واستراتيجية الأمن القومي العربي؟

5. كيف يتمّ بناء استراتيجية دفاعٍ عربي مشتركة ليتمّ التأسيس لإعداد قوّة عسكرية عربية مشتركة، رغم اختلاف العقيدة القتالية والاستراتيجية العسكرية في الدول العربية؟ مع اختلافٍ في مفاهيم التدريب والتسليح وتباين مسارح العمليات والخبرات القتالية.

6. كيف ستؤثر هذه المنظومة على أمن المنطقة في وجود قوىً عسكرية مثل تركيا وإيران، وتوسّع روسي واضح؟

إن التحوّلات والمستجدات التي تعيشها المنطقة بشكل متسارع تجعل الدول العربية في أمسّ الحاجة لامتلاك قوّة ردع قادرة على حماية أمنها القومي. لكن علينا أن نعطي الإجابات الصحيحة لهذه الأسئلة وغيرها، بوضوحٍ وحيادية، حتى لا يكون هذا المشروع سبباً من أسباب الصراع المقبلة في المنطقة، بدلاً من أن يكون سبباً في استقراراها.

توازن المصالح والقوى الجديدة وأثرها على فرص نجاح "الناتو العربي"

توازن القوى ليس مجرد صراع بين الدول للوصول إلى القدرة على الإقناع والتأثير والتدمير والإخضاع والإملاء والردع، أو منعاً لدولٍ أُخرى من العدوان عليها أو تهديد مصالحها فحسب، بل آلية سياسية لاستقرار النظام الدولي وحماية الشرعية الدولية وحق الشعوب في العيش الكريم. ولكن ما يعيشه العالم اليوم هو على العكس تماماً؛ فلا توازن ولا شرعيّة دولية، حيث أصبح اللجوء إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية أمراً عادياً، وبالتالي لا يُمكن أن نتصوّر وجود توازن في النظام عند المستويات الإقليمية، وانعدام أو غياب التوازن عند المستويات الدولية.

أمّا توازن المصالح فهو مصطلحٌ فضفاض قد يأخذ معانٍ متعددة؛ فقد يعني سياسياً حقّ كل دولة في تقرير وتحديد نظامها السياسي، أو يُفسّر أيدولوجياً بأنّه حق كل دولة في الاحتفاظ بقيمها وتقاليدها الأساسية، أو يدلّل اقتصادياً على أنّه حق كل دولة في تحقيق التنمية والتقدم والتساوي مع غيرها. أمّا أمنيّاً فقد يأخذ منحى أنّ لكل دولة الحقّ في التسلّح وبناء قدراتها الذاتية، الدفاعية والهجومية، على المستوى العملياتي والاستراتيجي. من هنا يمكن القول إنّ توازن المصالح هو آليةٌ مرنة الفهم والتطبيق، ولا يُمكن أن تكون بديلاً عن آلية توازن القوى في ظل البيئة الاستراتيجية السائدة حالياً، بسبب أنّ الأولويات أصبحت متسارعة ومتحركة ومتغيّرة.

إشكالية التعاون العسكري العربي وعوامل الضغط على فرص نجاح "الناتو العربي"

في ظل متغيّرات وتحوّلات البيئة الاستراتيجية التي توالت على العالم العربي منذ خمسينات القرن الماضي، إضافةً إلى الأحداث والمتغيّرات المتسارعه في التوازنات والاستقطابات، واختلالٍ في ميزان القوى في العراق وسوريا واليمن وليبيا، فإنّ هناك عوامل ضغطٍ كثيرة ومتعددة على استراتيجية تشكيل هذه القوّة العسكرية "الناتو العربي" من حيث التجميع والحشد والتدريب والتسليح والتمويل، وربط ذلك مع التقاء المصالح وتقاطع الأهداف على مستوى الإقليم والعالم.

أهم عوامل الضغط على فرص نجاح "الناتو العربي"

1. نتائج التطرّف والعنف والإرهاب وتقاطع المصالح وغياب أنظمة الاعتدال والممانعة، وتحدّيات الطائفية والأيدولوجيات المختلفة، والضعف الكبير في قدرات ومعنويات بعض الجيوش العربية بسبب الصراعات الداخلية والنزاعات الأهلية.

2. تداعيات الملف النووي الإيراني وسباق التسلح في المنطقة، وأثر سياسة المحاور والتحالفات العسكرية على شكل ونوع هذه القوّة المشتركة، وكيفية التعامل مع تنظيم "داعش" و"القاعدة" في بعض الدول العربية في آسيا وإفريقيا، إضافةً إلى وجود نزاعاتٍ متعددة في دول الجوار الجغرافي للوطن العربي.

إذا نظرنا إلى دلالات وأبعاد "الناتو العربي" نجده محكوماً بعدّة عوامل رئيسية هي:

1. تحدّيات الموقع الجغرافي العربي وما يفرضه من القدرة على التحرك والانفتاح الاستراتيجي لهذه القوة، وما هي الفُرص والتحدّيات في الدول العربية والإقليم، وما هي تحدّيات دول الجوار الجغرافي العربي.

2. تحدّيات القوى البشرية من حيث النوع القادر على استيعاب واستخدام وتطبيق التكنولوجيا العسكرية الحديثة، ومهارة استخدام المعدّات العسكرية الحديثة خلال التدريب، والعمليات العسكرية الحقيقية.

3. تعدّد التوجّهات والوحدات السياسية في الوطن العربي، حيث نجد أنّ الاستراتيجية العسكرية تابعه للسياسة، فصياغة الهدف السياسي العسكري لابُدّ أن يمرّ من خلال جامعة الدول العربية، التي تُؤخذ فيها القرارات بشكلِ الإجماع حتى يكون القرار ملزماً، وهذا هو أهم المُعيقات.

4. اختلاف التصوّر الاستراتيجي على مستوى الدول العربية، ويبدأ الاختلاف من حيث: تصوّر طبيعة التهديدات والتحدّيات، إضافةً إلى اختلال الأنظمة والقيم السياسية والاجتماعية في بعض الدول، وتعدّد التهديدات، واختلاف عناصر السياسة العسكرية، واختلاف التنظيمات العسكرية وأساليب التجنيد ومصادر التسليح والتدريب والإسناد الإداري، وأساليب القتال، والمصطلحات العسكرية من دولةٍ إلى أخرى.

5. تداعيات الملفات العربية المركّبة والمعقّدة والمتداخلة، حيث الاقتتال ودخول تنظيمات مختلفة الأيدولوجيات والأفكار والاستراتيجيات التي تدعو إلى تقسيم العراق وسوريا واليمن وليبيا وافتعال بؤر الصراع هنا وهناك.

6. ضعف الصناعات الدفاعية الثقيلة والمتوسطة في الدول العربية، وإذا كان هناك صناعاتٌ دفاعية في بعض الدول العربية فإنّها غير منافسة على المستوى الإقليمي والدولي، والقدرة على استيعاب وتطبيق التكنولوجيا الحديثة والاعتماد على توظيف الخبرات الأجنبية بنسب متفاوتة بين هذه الدول.

تكمُنْ تحدّيات "الناتو العربي" في انهيار وتفكك جيوشٍ نظامية في عددٍ من الدول العربية، وتحوّلها من جيوشٍ وطنية إلى جيوشٍ مذهبية وطائفية، لحماية بعض الأنظمة الحاكمة، إضافةً إلى غياب الإجماع والتوافق العربي. 

 

د. صالح المعايطة

خبير عسكري استراتيجي