المقاربة الباكستانية تجاه العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران
يكشف الموقف الباكستاني تجاه الهجمات الإسرائيلية على القدرات الإيرانية عن توازن دقيق بين الدعم السياسي والدبلوماسي لإيران والتردد في الانخراط العسكري المباشر، نتيجة لتعقيدات أمنية داخلية وحساسية جيوسياسية إقليمية. وبينما يعكس الخطاب الباكستاني تصعيدًا نادرًا في العلاقات بين البلدين، لكنه يبقى محدود بفعل المخاوف من تصاعد العنف الطائفي وتحديات الجماعات المسلحة داخل باكستان، ما يجعل موقف إسلام أباد حذرًا ومتوازناً في ظل تداعيات الحرب في غزة والتقاطع الاستراتيجي مع المحور الشرقي.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ١٨/٠٦/٢٠٢٥

شكل الخطاب الباكستاني الداعم لإيران والتصعيدي ضد الهجمات العسكرية الإسرائيلية على القُدرات الإيرانية، عاملاً مُفاجئاً للمراقبين والمتابعين، باعتباره إشارة إلى نية إسلام أباد تقديم "دعم مطلق" قد يتجاوز الدبلوماسي والمعنوي ليشتمل العسكري، والذي يأتي في سياق علاقات سمتها التغير بين باكستان وإيران، ولم تبلغ مرتبة استراتيجية أو دفاعية مُشتركة، بقدر ما شابها التوتر والتصعيد في أحيان عدة. ما يُشير إلى أن المُقاربة الباكستانية تجاه التصعيد تتجاوز في أطرها علاقاتها الثنائية مع إيران، وترتبط بتداخل المشهدين الإقليمين بين الشرقين الأوسط والأقصى، جراء تداعيات الحرب في قطاع غزة، ما يجعل من أي مُقاربة متبعة تحتل درجة عالية من الحساسية الأمنية والتعقيد السياسي.
الموقف الباكستاني من الهجمات الإسرائيلية
اتخذت باكستان موقفًا داعماً لإيران في مُواجهتها للعملية العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف قُدراتها والمُستمرة منذ 13 يونيو 2025، وقد جاء هذا الدعم من مختلف المؤسسات السياسية والتشريعية والعسكرية في البلاد. فمن الناحية الدبلوماسية أدانت وزارة الخارجية الباكستانية في 13 يونيو "الاعتداءات الإسرائيلية على إيران"، ودعت باكستان إلى اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي. فيما توسع الموقف الداعم ليشمل مجلس الشيوخ، الذي أقر بالإجماع مشروع قانون يهدف إلى تقديم الدعم لإيران، كما أعلن رئيس الوزراء شهباز شريف تضامنه مع إيران والذي أجرى اتصالين مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ومع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
علاوة على ذلك، بادرت باكستان بإرسال إشارات عن احتمالية تعاونها عسكرياً مع إيران، فقد أعلن وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف، عن أن باكستان "تدعم بكل قُوة إيران" في حماية مصالحها، وذهب إلى اعتبار العملية الإسرائيلية تمس وحدة العالم الإسلامي، خاصة وأنه قد سبقها عمليات مُماثلة في قطاع غزة ولبنان وضد الحوثيين في اليمن. فيما ذكر موقع NEWS 18، التابع لشبكة CNN الدولية، عن أدلة أن باكستان قد تعمل على تزويد إيران بصواريخ من طراز شاهين 3 التي يبلغ مداها 2750 كيلو متر لتعزيز قُدرات إيران الهجومية. ومن الواضح أن إيران قد وظفت هذا الموقف بأن أعلن عضو مجلس الأمن القومي الإيراني محسن رضائي، أن باكستان قد أبلغت إيران بأنها سوف تنتقم بالأسلحة النووية ضد إسرائيل إذا استخدمته الأخيرة ضد إيران، وهو ما نفته باكستان لاحقاً.
في الواقع، تبدو التخوفات الباكستانية واضحة في موقفها تجاه العملية العسكرية الإسرائيلية، وقد اتخذت خطوات ميدانية وعملياتية مسبقة، من بينها تفعيل أنظمة الدفاع الجوي، ونشر الطائرات المقاتلة لحماية منشآتها النووية، ومصانع الصواريخ البالستية وقادتها العسكريين، كما أنها أغلقت في 16 يونيو معبري تفتان في منطقة تشاغي، وغابد-ريمدان في منطقة جوادر في بلوشستان، الحدوديين مع إيران، لا سيما أمام حركة المسافرين -باستثناء المواطنين العالقين في إيران- والتبادل التجاري. ما يُشير إلى تخوفات أمنية باكستانية جدية تجاه التطورات التي تشهدها إيران، إذ تعتمد مناطق عدة في إقليم بلوشستان على التجارة والإمدادات عبر تلك المعابر.
منطلقات الموقف الباكستاني
يعكس الموقف الباكستاني الداعم لإيران عمق التعقيدات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط الأقصى، والتي باتت اليوم تواجه تداعيات الحرب في قطاع غزة، حيث بدأت هذه الارتدادات بالتأثير المباشر على استقرار المنطقة. ورغم أن إيران وباكستان ترتبطان بحدود طويلة وهشة يبلغ طولها حوالي 959 كيلو مترًا، وتجمع بينهما علاقات تجارية بلغت قيمتها 2.8 مليار دولار، فقد وقّعتا في 25 فبراير 2025 مذكرة تفاهم تهدف إلى رفع مستوى التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار، إلا أن العلاقة بينهما لطالما شابها التوتر والتناقض في إطار التنافس الجيوسياسي الأوسع في المنطقة. وتشهد الحدود بين البلدين توترات متكررة، بلغت حد تبادل القصف الصاروخي، وسحب الجانبين بعثتيهما الدبلوماسيتين مطلع عام 2024.
من الناحية النظرية، يبدو الموقف الباكستاني الداعم دبلوماسيًا بشدة والتلويح بالدعم العسكري مفاجئاً نسبياً، لا سيما وأن الأسلحة التي قد تُزود باكستان إيران بها كادت أن تستخدمها ضدها في تصعيدها الأخير، كما لم تتخذ إيران ذات الموقف الباكستاني حالياً، أثناء التصعيد الباكستاني الهندي في 22 أبريل 2025، عندما فضلت البقاء على الحياد.
إلا أن المُقاربة الباكستانية تكشف عن مصفوفة أوسع من تقديرها للمخاطر المُستقبلية التي ستترتب عن نتائج العملية العسكرية الإسرائيلية، وهي:
أولاً: استقرار العلاقات الباكستانية الإيرانية
إن استقرار العلاقات الباكستانية الإيرانية، وتوازنها النسبي، مُقارنة بعلاقاتها مع إسرائيل والتي اتسمت تاريخياً بالعدائية، تُرجمت بدعم الأخيرة للهند في مُختلف مواقفها ضد باكستان، لا سيما في التصعيد الأخير بين الطرفين إذ استخدمت الهند في إطار هجماتها ضد باكستان طائرات بدون طيار من طراز "هاروب" و"هيرون مارك 2 " إسرائيلية الصُنع، وهي ما قُرأت باعتبارها رسالة استراتيجية إسرائيلية، بشأن توافقها الجيوسياسي مع الهند ضد باكستان، خاصة وأنه جاء وسط دعم رسمي من إسرائيل للهند.
ثانياً: موجات لجوء إيرانية واسعة
تنظر باكستان لما قد يترتب عن العملية الإسرائيلية في إيران من تداعيات واسعة على أمنها القومي، حيث قد تدفع الإنذارات الإسرائيلية لسكان إيران القريبين من المنشآت العسكرية والنووية إلى موجة لجوء نحو باكستان، قد تشكل عامل إشغال واستنزاف عسكري باكستاني طويل المدى حال حدوث هشاشة أمنية واسعة على الحدود، ورُبما يكون ذلك ما دفع باكستان إلى المسارعة في إغلاق حدودها أمام حركة المسافرين.
ثالثاً: تحرك الجماعات المسلحة على الحدود
حيث أن تعمق الضربات واتساع أهدافها قد يدفع حركات المعارضة المسلحة الإيرانية للتحرك عسكرياً ضد النظام، والتي يتواجد بعضها في الثغرات الحدودية بين الدولتين، ما يعني انعكاس ذلك على الأمن الباكستاني، ورُبما يدفع الجماعات المحلية المعارضة لباكستان، لفتح قنوات تواصل مع الخارج بحثاً عن سيناريو مُشابه، أو التحرك بشكل مُنفرد في لحظة تُحاكي فيها تحرك نظيراتها الإيرانية، ومن منطلق تقديرها أن تحركها ذلك سيلقى دعماً خارجياً.
محددات الموقف الباكستاني في دعم إيران
رغم مرور أربعة أيام على انطلاق الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف القدرات الإيرانية، لا توجد دلائل ملموسة على انخراط عسكري مباشر من جانب باكستان لدعم إيران. ويقتصر هذا الدعم، حتى الآن، على المستويات السياسية والدبلوماسية والإعلامية. ومن غير المرجح أن يشهد هذا الدعم تصعيدًا نوعيًا على المدى القريب، إذ تعترضه جملة من العوائق التي تحول دون ترجمة الخطاب الباكستاني المعادي لإسرائيل إلى تحرك عملي فعلي، وتتمثل في:
أولاً: الاعتبارات الطائفية والديموغرافية الداخلية
من أبرز هذه العوائق التي تُقيّد انخراط باكستان في أي دعم مباشر لإيران، حرصها على الحفاظ على التوازن الديني والديمغرافي الداخلي، في ظل تركيبة سكانية معقدة وتوترات مذهبية كامنة. يتداخل هذا التوازن بدوره مع أوضاع أمنية متوترة على حدودها مع إيران، والهند، وأفغانستان. إذ من شأن أي دعم علني لطهران أن يُثير ردود فعل سلبية من قبل الحركات السُنية المسلحة داخل باكستان، الأمر الذي قد يُفاقم دوامة العنف الطائفي ويُعيد إشعال التوترات المذهبية، التي تبذل الدولة جهودًا متكررة لاحتوائها. وقد شهدت منطقة كورام الحدودية مع أفغانستان، بين يوليو ونوفمبر 2024، مواجهات دامية بين السنة والشيعة أودت بحياة نحو 82 شخصًا، ما يعكس هشاشة المشهد الطائفي في بعض المناطق.
ثانياً: عبء الجماعات المسلحة الداخلية
تُعد الجماعات المسلحة الداخلية أحد أبرز المحددات التي ترسم حدود السياسة الخارجية الباكستانية تجاه الصراعات الإقليمية، وفي مقدمتها ملف الدعم لإيران. إذ تواجه إسلام أباد تهديدات مستمرة من تنظيمات متطرفة تنشط داخل البلاد، من أبرزها حركة 'طالبان باكستان' (TTP)، وتنظيم 'داعش-خراسان'، إلى جانب جماعات انفصالية مسلحة مثل 'جيش تحرير بلوشستان'. وتشكل هذه التهديدات عبئًا أمنيًا وعسكريًا دائمًا على الدولة، مما يدفعها إلى تبني نهج حذر ومتوازن في تعاملها مع الملفات الإقليمية ذات الطابع الطائفي أو الأمني المعقد.
وفي ظل المخاوف المتزايدة من تصاعد الأنشطة الإرهابية داخل البلاد بالتزامن مع الظروف الإقليمية الراهنة، تبدو المؤسسة العسكرية الباكستانية مضطرة لإعادة ترتيب أولوياتها باتجاه الداخل، باعتبار ذلك ضرورة وطنية ملحة. ويأتي ذلك في سياق حرصها على تجنّب الانخراط المباشر في أي صراع خارجي، خصوصًا أن الجماعات المسلحة التي تنشط داخل باكستان وتحظى بدعم عابر للحدود، توجّه عملياتها ضد القوات المسلحة، مما يُبقي الجيش في حالة استنزاف مستمر على المستويين البشري والاستخباراتي.
ثالثاً: التموضع في المحور الشرقي
إذ تتقاطع باكستان وإيران في موقعهما ضمن محور شرقي تقوده الصين وروسيا، ما يمنح مواقفهما بعدًا جيو-استراتيجيًا يتجاوز الحسابات الثنائية. وفي حين جاء الخطاب الباكستاني بنبرة أكثر حدة وتصعيدًا مقارنة بمواقف بكين وموسكو، اللتين اكتفيا بالدعوة إلى ضبط النفس ووقف التصعيد، من دون الإشارة إلى أي شكل من أشكال الانحياز أو الدعم لأحد طرفي الصراع. فإن ذلك يُشير إلى تفضيل الدولتين تبني نهج الحياد.
فعلى الجانب الروسي، يُشكّل الانشغال في الحرب الأوكرانية عامل إعاقة أمام أي إمكانية لتقديم دعم فعلي ملموس لإيران، لا سيما وأن موسكو تبدو مُتضررة – وإن كان بشكل غير مباشر – من الضربات الإسرائيلية التي تستهدف القدرات العسكرية الإيرانية. إذ تعتمد روسيا، في مواجهاتها المستمرة مع الغرب على الجبهة الأوكرانية، على منظومات تسليح إيرانية، من بينها الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، والتي تُعد من أبرز أهداف القصف الإسرائيلي. أضف إلى ذلك أن موسكو لم تُعرف بانتهاج سياسة خارجية في الشرق الأوسط ترتكز على منطق المحاور أو الاصطفافات الحادة.
أما الصين، فرغم شراكتها الاستراتيجية الواسعة مع طهران، لا تزال حريصة على الموازنة الدقيقة بين علاقاتها مع إيران ومصالحها العميقة والمتنامية مع إسرائيل، خصوصًا في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية. وقد يُفسر ذلك موقف الدولتين المتحفظ والداعي إلى خفض التصعيد دون انحياز واضح لأي طرف.
وأخيرًا؛ يظل الموقف الباكستاني تجاه تصعيد العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران محكومًا بجملة من الحسابات الداخلية والخارجية الدقيقة، التي تُفضي إلى اتباع نهج حذر لا يقود إلى انخراط مباشر. فعلى الرغم من الخطاب السياسي والإعلامي المتعاطف مع طهران، تُدرك إسلام أباد أن التورط في هذا الصراع قد يُهدد أمنها الداخلي الهش، ويُعرضها لضغوط إقليمية ودولية معقّدة، وربما يربطها بشكل مباشر بصراعات الشرق الأوسط، لاسيما في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة. وبذلك يُرجّح أن تواصل باكستان الاكتفاء بالمواقف الرمزية والدعم الدبلوماسي والمعنوي، مع الحرص على تجنّب تجاوز تلك الحدود، تفاديًا لتبعات أمنية وسياسية قد تُربك تموضعها الاستراتيجي. ومع ذلك، فإن التأثير الأعمق للعملية الإسرائيلية قد لا يظهر في مواقف باكستان المعلنة بقدر ما يتجلى في مراجعة صامتة لعقيدتها النووية، بما يشمل توسيع مفهوم الردع، خاصة بعد أن أدركت القدرات العملياتية الإسرائيلية على الوصول في أعقاب هجمات الهند، والضربة الأخيرة الموجهة لطهران، وهو ما يُعيد رسم أولويات الأمن القومي الباكستاني في ضوء متغيرات جوهرية في ميزان القوى الإقليمي.

ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات