هل يتسبب انهيار الخام الأميركي بسقوط ترامب؟
يشهد العالم أجمع إقبالا ضعيفا على سوق الطاقة لتوقف الفعاليات الاقتصادية والأنشطة الإنتاجية بسبب جائحة "كورونا"، فما سبب هذا التراجع التاريخي الذي سجله خام “WTI” ؟ وهل سيتسبب انهيار الخام الأمريكي في سقوط ترامب؟ وفي ظل فوضى التوقعات لأسعار النفط في المستقبل القريب؛ هل سيظل الطلب على النفط ضعيفا في حال لم تنتهي أزمة "كورونا"؟
الكاتب حسن إسميك
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٢٧/٠٤/٢٠٢٠
في تاريخ 10 أبريل 2020، اتفقَت روسيا والدولُ الأعضاء في منظمة "أوبك" على خفضِ إنتاج النفط بواقع 10 مليون برميل يومياً خلال شهرَّي مايو ويونيو المقبليْن، على أن تبلغَ حصةُ كُلّ من: المملكة العربية السعودية وروسيا من إجمالي قيمة هذا التخفيض 2.5 برميلاً، وباركَت الإدارةُ الأمريكية هذا الاتفاق بعد أن شهِدَ سوقُ النفط تراجعاً كبيراً في الأسعار خاصة بعد فشل "أوبك+" في التوصل إلى اتفاقٍ لتخفيض الإنتاج، ممّا أشعلَ حربَ الإنتاج والأسعار بين روسيا والسعودية.
وعلى الرغم من الاتفاق الذي أعادَ شكلاً من أشكال الاستقرارِ الملموس لأسعار النفط، وهذا ما أظهرَه أداءُ مؤشر خام "برنت" (معيار السوق)، إذ أنه لم يُسجّل مستوى أقل من 25 دولاراً منذ مطلع أبريل 2020، إلا أنّ مؤشر خام غرب تكساس "WTI" (وست تكساس إنترميدييت) هَوَى إلى ما دون الصفر للبرميل الواحد في 20ابريل 2020؛ ما أثارَ العديدَ من التساؤلات عن مسبّبات ذلك، حيثُ يشهدُ العالمُ أجمع إقبالاً ضعيفاً على سوق الطاقة لتوقف الفعاليات الاقتصادية والأنشطة الإنتاجية بسبب جائحة "كورونا"، فما سببُ هذا التراجع التاريخي الذي سجّله خام "WTI"؟
ببساطة، وكأي موضوع اقتصادي اجتماعي، هناك سلسلةٌ سببية لانهيار الخام الأمريكي، أولُها: ضعفُ الطلب العالمي على النفط بسبب وباء "كوفيد - 19"، ممّا أدّى إلى تكديس براميل النفط في المصافي والمخازن الأمريكية لعدمِ وجودِ سوقٍ يستوعبُ تصريفَ هذا المنتج؛ وهذا هو السببُ الثاني الذي أدّى إلى السبب الثالث والأخير، وهو أن هذا الوضع دفعَ مالكي عقود الخام الأمريكي، لشهر مايو والمستحَقة في 21 أبريل 2020، إلى التخلص من هذه العقود بسرعة، وهُنا يشيرُ تداولُ عقود شهر مايو عند مستوى ما دون الصفر إلى أنّ البائعَ على استعدادٍ لأن يُقدّم كميةَ النفط المنصوص عليها في العقد، بالإضافة إلى دفع تكلفة كل برميل بحسب ما وصلَ إليه التداولُ بالسالب، لأن ذلك سيكونُ أقلَ تكلفة على البائع من العبء التخزيني، بالإضافة إلى أنّ تكاليفَ النقل وغيرها من المتطلبات اللوجستية، ستكونُ أيضاً أقل.
أما على الصعيد السياسي المحلي في أميركا ، فيأتي هذا الانهيارُ في أسعار الخام الأمريكي، كعامل آخر من شأنه أن يشكل تحدي جديد لإمكانية فوز الرئيسَ الأمريكي، دونالد ترامب بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي ستُعقَد في 3 نوفمبر 2020، مع استمرارية اتهامه من قبل خصومِه الديموقراطيين، وذلك لتأخره في التعامل مع انتشار وباء "كورونا"، ما انعكس على تصدُّر الولايات المتحدة لعدد الإصابات والوفيات في العالم، وما لذلك من أثرٍ كارثي على الاقتصاد.
فوضى التوقعات
ويمكنُ لنا معرفةُ المستقبل القريب لأسعار النفط من خلال مشاهدة تقاريرَ توقعات المنظمات والمؤسسات المالية، ووفقاً للتقرير الأخير الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في بداية أبريل 2020، فقد تمَّ فيه تخفيضُ متوسط أسعار "WTI" وخام "برنت" لهذا العام، إذ حدّدت الوكالةُ توقعاتها لأسعار نفط "غرب تكساس الوسيط" عند 29.3 دولاراً للبرميل، وذلك بنسبة انخفاضٍ بلغت نحو 23% مقارنةً بتوقعات تقرير شهر مارس. كما خفضّت الإدارةُ توقعاتها لسعر خام "برنت" بنحو 24% ليصلَ إلى 33 دولاراً للبرميل، كما وتتوقعُ الإدارةُ أن يبلغَ إنتاجَ الخامَ الأمريكي 11.7 مليون برميل يومياً؛ أي بنسبة انخفاضٍ تصلُ إلى 9.5% مقارنةً بالتوقعات السابقة.
أما بالنظر إلى التوقعات بعد انهيار سعر خام "WTI" إلى مستوياتٍ سالبة، فقد صرَّح بعضُ الخبراء بأن الطلبَ سيظلُّ ضعيفاً في حال لم تنتهي أزمة "كورونا"؛ ومن ثمَّ فإن ذلك ربما سيؤثرُ على الأسعار في الأسواق، ليدفعَها إلى مزيدٍ من الهبوط.
كما أنهُ من الصعب جداً الحديث عن أسعار نفطٍ في حدود الـ 40 دولاراً قبل نهاية العام الحالي، هذا في حال ورود مؤشراتٍ عن قرب انتهاء أزمة "كورونا". وأضافَ بعضُ الخبراء أنه إذا بقيَ الوضعُ على ما هو عليه الآن، فإن أسعارَ الخام الأمريكي قد تنحدرُ إلى ما دون مستوى الأسعار المسجَّلة حالياً، وقد ينخفضُ خام "برنت" أيضاً إلى ما دون الـ 20 دولاراً مرةً أخرى.
وخفَّض بنكُ "Barclays" توقعاته أكثر من مرة هذا العام؛ مُتوقعاً أن يبلغَ متوسطَ سعر خام تكساس "WTI" الأمريكي 28 دولاراً للبرميل الواحد في عام 2020 بسبب صدمة الطلب الناتجة عن أزمة "كورونا" وصدمة العرض الناتجة عن حرب أسعار النفط السعودية الروسية التي جرى حلُّها في وقتٍ متأخر، وجاءت هذه التخفيضاتُ بأكثر من 12 دولاراً بعد أن رأى البنكُ بأنَّ جميعَ البنوك الرئيسية خفضَّت متوسطَ أسعار النفط إلى 30 دولاراً للبرميل الواحد في عام 2020.
وفي نفس السياق، فقد خفَّض بنك "Goldman Sachs" توقعاته لأسعار النفط بشكلٍ كبيرٍ هذا العام ولأكثر من مرة، ويرى البنكُ بأن أسعارَ خام "WTI" وخام "برنت" سيصلان إلى متوسطٍ سعري يُقدَّر بـ 22 دولاراً للبرميل الواحد خلال الربع الثاني من عام 2020، وبعد ساعاتٍ قليلة عاد البنكُ ليُخفّض توقعاته إلى 20 دولاراً للبرميل الواحد، الأمرُ الذي يضعُ علامات تساؤل كبيرة حول خفض توقعات أسعار النفط لأكثر من مرة خلالَ يوم واحد، وقد يدلُّ ذلك على أن توقعات الأسعار قد تكون خرجت عن سيطرة المحللين لتأتي بذلك كلمةُ رئيس أبحاث السلع العالمية في بنك "جولدمان" الاستثماري، جيفري كوري: "أن خسائرَ الطلب في جميع أنحاء المجْمَع أصبحت الآن غير مسبوقة". وجاءت النتائجُ على هذه الأقوال بانخفاض الطلب على النفط بمقدار 8 ملايين برميل في اليوم.
إن عقود خام "WTI" لشهر مايو هي التي انهارت، إلا أن هذا السقوط الحر للأسعار، بدأ ينتشرُ في سوق النفط العالمي كالعدوى، فحتى كتابة هذه السطور، تراجعت عقودُ خام "برنت" لشهر يونيو إلى أكثر من 23%، كما تراجعت العقودُ الآجلة لخام "نايمكس" الأمريكي لشهر يونيو إلى نحو 20.8%، وزيادة على ذلك، تدرسُ الإدارةُ الأمريكية وقفَ شحنات النفط القادمة من السعودية، ما سيكونُ من شأنه ضربَ سوق النفط في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
إن الأوضاعَ الراهنة تُصعّب من عملية توقع أسعار خام "WTI" أو خام "برنت"، والدليلُ على ذلك هو أنّ أكبرَ المؤسسات المالية والبنوك تغيرُ من توقعاتها في غضون أسابيع وحتى في غضون أيامٍ وساعات، لكن من منظوري الخاص، إذا بقيَ فيروس "كورونا" المستجد هو المتصدّرُ للمشهد العالمي، فقد يؤدي ذلك إلى مزيدٍ من الانخفاضات في أسعار النفط، وذلك بسبب حالة الإغلاق العام الحاصلة في الدول، وبالتالي ارتفاع حجم الاحتياطي النفطي، إذ أنه لا يوجدُ مكانٌ لتخزين هذا الفائض من النفط ولا يتوفرُ الوقتُ اللازم حتى إلى تكريره؛ ما يؤشرُ إلى عدم وجود ارتفاعٍ نسبي في حجم الطلب خلال عام 2020 نظراً لحالة الإغلاق الراهنة، مع العلم بأن هناك عددٌ من التصريحات لبعض المراقبين بأن مشكلةَ التخزين لن تشكّلَ معضلةً كبيرةً مع بداية النصف الثاني من عام 2020، نظراً لبدء العديد من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بتخفيف إجراءات العزل والحجر المنزلي مما له شأنٌ في إنعاش الطلب، إلا أن هذا الأخير من الممكن أن يعودَ ليتأثرَ بشكلٍ سلبي، نظراً للتحذيرات التي تصدُرُ تباعاً من منظمة الصحة العالمية، الداعية إلى التريُث قبل تخفيف إجراءات العزل.
ومن اللافت للنظر أن الأسعار الكارثية قد طالت فقط سعر برميل خام غرب تكساس و لم تمتد لخام برنت!
إن حرب الأسعار التي يخوضها منتجين رئيسيين للنفط مثل: روسيا و السعودية قد أدت بلا شك الى ارتفاع احتياطي النفط و بالتالي الى انخفاض أسعاره عموما، بحيث استفادت الصين من هذا الانخفاض كونها أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم. و من المستبعد أن يؤثر انهيار اسعار غرب نفط تكساس على منطقة الشرق الأوسط او شمال أفريقيا لأن عملية تسعيره إقليمية، وبالتالي سنرى تأثيره في أميركا الشمالية وعلى الشركات النفط الأميركية الصغيرة والمتوسطة فقط.
حسن إسميك
رئيس مجلس أمناء STRATEGIECS