المقاربة الأمريكية تجاه تركيا

بين مضمون الخطاب والواقعية السياسية

تسعى هذه المادة إلى تحليل مقاربات إدارة بايدن للعلاقات مع تركيا من خلال الاعتماد على تحليل مضمون الخطاب، والسياسة الواقعية لبايدن، ومن ثم الإجابة على التساؤل الرئيسي التالي: ما هي المحددات التي سترسم شكل العلاقات التركية الأمريكية في ظل الإدارة الجديدة؟‎

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ١١‏/٠٢‏/٢٠٢١

تواجه مؤسسات صنع القرار الأمريكية حيرة في الكيفية التي يتوجب من خلالها العمل مع تركيا، فبالرغم من أن هذه الأخيرة هي حليف وشريك للولايات المتحدة منذ عقود؛ إلا أن هناك حالة سائدة من فقدان الثقة بين الجانبين، وتطغى بشكل ملفت على خطابات بايدن وفريقه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الخلافية.

قد تكون تركيا هي من أكثر دول الشرق الأوسط - باستثناء إيران - التي تم الإشارة إليها في خطابات بايدن وتصريحاته أثناء حملته الانتخابية. وبما أن التحليلات حول شكل العلاقة ومستقبلها تزايدت، فقد يكون تصورها من خلال إلقاء نظرة فاحصة على مضمون التصريحات والخطابات أمراً مهماً.

ومن أجل تقديم رؤية أوسع، فمن المهم الربط بين مقاربات بايدن المستخلصة من تصريحاته وبين السياسة الخارجية الواقعية للولايات المتحدة. وعليه؛ فإن هذا التحليل قد يقدم فهماً أفضل للديناميكيات الأساسية للعلاقات الأمريكية التركية في ظل إدارة بايدن.

مقاربات إدارة بايدن للعلاقات مع تركيا

حددت قضايا بعينها مسار العلاقات الثنائية الأمريكية-التركية، وقد حظيت هذه القضايا دون غيرها بتركيز بايدن وفريقه؛ وهي وفقاً لتصريحاتهم تتعلق بالجوانب التالية:

أولاً: القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان

يسعى بايدن إلى الربط بين القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وبين نهجه في السياسة الخارجية، وهو اتجاه يعاكس سياسات سلفه الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي لم يولي هذه القضايا أهمية تُذكر خاصة في تعاملاته مع دول الشرق الأوسط لا سيما تركيا.

في المقابل، كانت من آراء بايدن الأولية حول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن وصفه بـ "المستبد"، داعياً إلى ضرورة اتباع نهج جديد في السياسات الأمريكية تجاه تركيا، تتمثل في دعم المعارضة هناك، ودون تحديد الجهة المستفيدة من ذلك، يبدو أن بايدن يسعى إلى دعم فرص الأحزاب المختلفة للفوز في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في العام 2023، على حساب حزب العدالة والتنمية.

ثانياً: منظومة الدفاع الجوية الصاروخية "S-400"

عندما يتعلق الأمر بمراجعة إدارة بايدن لقضية شراء تركيا لمنظومة "S-400" - وهي نقطة خلاف كبيرة بين الجانبين - فإنها ستستند إلى الإجماع المؤسسي الأمريكي حولها، بما في ذلك المشرّعين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس، على اعتبارها تهديداً للشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ومخالفة لاستراتيجيات حلف الناتو الدفاعية، وهذا ما أوضحه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، حينما اعتبر أن ما "يسمى بالشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة" سيكون منسجماً مع روسيا وهو أمر غير مقبول، مضيفاً بأنه قد يكون هناك حاجة لفرض المزيد من العقوبات على تركيا.

ثالثاً: النزاع في شرق البحر الأبيض المتوسط

إن الانتقال إلى شرق البحر الأبيض المتوسط والتوترات اليونانية التركية المنبثقة عنه، وقضية قبرص، والاتفاقية البحرية مع حكومة الوفاق في ليبيا، يُعد كل ذلك اختباراً للدبلوماسية الأمريكية التي دعا بايدن إلى تفعليها. وفي وقت سابق؛ فقد دعا الأخيرُ الرئيسَ السابق ترامب للضغط على تركيا من أجل إتاحة الدبلوماسية كخيار وحيد دون التلويح التركي بالقوة، وقد أكد مستشاره الحالي للأمن القومي، جاك سوليفان، على أن القضايا المرتبطة بتركيا - من ضمنها شرق المتوسط – ستخضع للتشاور والعمل مع الاتحاد الأوروبي.

وستكون الدبلوماسية حاضرة في قضية قبرص، حيث يعارض بايدن الوجود التركي في شمال قبرص، ويدعو إلى تسوية شاملة توحد الجزيرة ضمن نظام فيدرالي يساوي بين الشطرين والطائفتين في الشؤون السياسية. وستكون حاضرة أيضاً فيما يتعلق بالوجود التركي في ليبيا؛ ففي حين تعترف الولايات المتحدة بحكومة الوفاق في طرابلس التي تدعمها أنقرة، يعارض بايدن الاتفاق البحري الموقَّع بين الطرفين، وقد وصف مستشاره للسياسة الخارجية، مايكل كاربنتر، التدخلَ التركي في ليبيا باعتباره "يقوض المصالح المشتركة".

رابعاً: المسألة الكردية

بالنظر إلى تاريخ بايدن في دعم الأكراد؛ فقد يكون هو الرئيس الأكثر وفاءً وتأييداً لهم في التاريخ الأمريكي، حيث وصف قرارَ ترامب بالانسحاب من شمال سوريا عام 2019 والذي أفسح الطريق ضمنياً للتوغل التركي بـ "الفشل الكامل".

في الواقع، لدى فريق بايدن ككل سجل في دعم الأكراد، أبرزهم المبعوث الرئاسي الحالي للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، فحينما كان مبعوثاً للتحالف الدولي لمحاربة "داعش"، استقال نتيجة معارضته لقرار ترامب بالانسحاب من شمال سوريا، وهكذا بالنسبة لـوزير الدفاع الحالي، لويد أوستن، الذي لديه معرفة جيدة بالأكراد، وقد لعب دوراً في تطوير استراتيجيات العمل مع قوات سوريا الديمقراطية لمكافحة "داعش".

in-1.jpg-المقاربة-الأمريكية-تجاه-تركيا-بين-مضمون-الخطاب-والواقعية-السياسية.jpg

وبالرغم من توافق فريقه على دعم الأكراد، إلا أن هناك درجات مختلفة لمدى هذا الدعم والتأييد، فقد يكون أوستن وبلينكن من المؤيدين لفكرة دعم الأكراد لكن دون أن تتجاوز غرضها الرئيسي وهو مكافحة "داعش"، فقد أوضح وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، موقفه في مجموعة من التوصيات التي وجهها في عام 2017 للرئيس السابق ترامب حول كيفية التعامل مع الأكراد؛ ومن أبرزها: تقييد الدعم العسكري بالمهمة المطلوبة، وضمان عدم استخدام السلاح خارج عمليات مكافحة "داعش"، وضرورة احترام الأكراد للسيادة السورية، والنأي بأنفسهم عن حزب العمال الكردستاني.

استنتاج

1. هناك توافق وتناغم داخل إدارة بايدن فيما يتعلق بالمسألة الكردية وبقضية شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوية الصاروخية الروسية والموقف من شرق البحر المتوسط.

2. ستعتمد إدارة بايدن على الدبلوماسية لا سيما تلك متعددة الأطراف في حل القضايا الخلافية مع تركيا، ولذلك فمن المتوقع التلويح بالعقوبات والضغوطات لخدمة هذه المقاربة.

3. إذا ما استُبعدت العقلانية وأصر الرئيس الأمريكي على مواقفه؛ فمن المتوقع أن تشهد العلاقات المتصدعة أصلاً مرحلة من أسوأ المراحل التي مرت فيها.

ومع ذلك، فقد يكون تحليل السياسة الخارجية منقوصاً إذا ما اقتصر فقط على قراءة مضمون التصريحات والخطابات، ناهيك عن أن جزءاً كبيراً من آراء فريق بايدن قد يختلط فيها الرأي الشخصي بالخطاب الرسمي، خاصة وأن عدداً كبيراً منهم لم يكونوا جزءاً من البيروقراطية الحكومية خلال سنوات ترامب في البيت الأبيض.

ولذلك؛ فمن المهم التوسع في جوانب أخرى تراعي القراءة العقلانية للعلاقات الثنائية بما يتضمن البيئة الدولية الواسعة ومقتضيات السياسة الخارجية وحيثيات البيئة المحلية الأمريكية والعلاقات الشخصية والمؤسسية.

مقاربة العلاقة من منظور السياسة الخارجية لبايدن

لدى بايدن توجه عالمي واسع وصعب المنال خاصة في ظل الظروف المعقدة التي يشهدها الداخل الأمريكي والرغبة المحدودة في الأوساط المؤسسية والشعبية للهيمنة في الخارج، وتتضمن رؤيته العودة إلى صدارة الساحة العالمية، وإعادة ترميم العلاقات مع الحلفاء والشركاء، والعودة بالنظام العالمي للاصطفافات التي كان عليها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي لمواجهة الصعود الروسي.

ووفقاً لهذه الرؤية؛ فمن المحتمل أن يتبع بايدن نهجاً تقاربياً وتصالحياً مع تركيا، خاصة وأن هناك تاريخاً شخصياً يجمع بين القائدين. ولخدمة هذا الغرض؛ سنلقي الضوء على مجموعة من الأبعاد والقضايا التي تقضي بضرورة التعاون الثنائي بين البلدين:

أولاً: البعد الشخصي للقائدين

إن تواجد بايدن في البيت الأبيض بصفته نائباً للرئيس أوباما أتاح الفرصة له لبناء علاقات شخصية مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووفقاً له فقد قضى مع أردوغان وقتاً أكثر من أي شخص آخر في إدارة أوباما، حيث زار تركيا 4 مرات بما في ذلك زيارته لها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.

in-2.jpg-المقاربة-الأمريكية-تجاه-تركيا-بين-مضمون-الخطاب-والواقعية-السياسية.jpg

تؤدي العلاقات الشخصية دوراً في صنع القرار السياسي، فبايدن نفسه لخَّص خبرته في السياسة الخارجية باعتبارها امتداداً للعلاقات الشخصية، كما نقل معهد واشنطن عن المستشار السابق لأوباما، بن رودس، في كتابه "العالم كما هو: صورة عن البيت الأبيض في عهد أوباما". وبالتالي فقد تتظافر هذه المعرفة الشخصية التي جمعت بين بايدن وأردوغان في تقريب وجهات النظر بين البلدين.

ومن جهة أخرى، سيجد بايدن نفسه المعني الأول في صنع القرار، وعليه الآن العمل مع "الرجل القوي" كما وصفه ترامب، على عكس السابق حين كان نائباً للرئيس، فقد أظهر تردداً في القضايا الملحة، كما في رفضه التدخل في ليبيا عام 2011، ومعارضته لزيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان، ورأيه المناوئ للعملية العسكرية التي قتلت أسامة بن لادن، وبهذا الصدد، فإن دراسة بعنوان "The Political Personality of Former U.S. Vice President Joe Biden" والتي نشرتها عام 2019 كلية سانت بنديكت بالتعاون مع جامعة سانت جون، توصلت إلى أن الصفات الشخصية المهمة التي يجب أن يتمتع بها أي قائد والمتمثلة في الهيمنة وفرض السيطرة والقوة، منخفضة لدى بايدن عن غيرها من الصفات الأخرى، وقد يكون اعتذاره الرسمي في العام 2014 للرئيس أردوغان بعد اتهامه لتركيا بتسهيل صعود "داعش"، مؤشراً لشكل العلاقات في المستقبل.

 ثانياً: البعد البيروقراطي

كان للمعرفة الشخصية بين ترامب وأردوغان دور مهم في علاقات البلدين، فقد تمكن الرئيس التركي في حالات عدة من تجاوز البيروقراطية الأمريكية والتوصل إلى تفاهمات مباشرة مع الرئيس الأمريكي كما حدث في إعلان الأخير الانسحابَ من شمال سوريا بعد أن أنهى اتصالاً هاتفياً مع أردوغان بشكل فاجئ العديد من المؤسسات الأمريكية من ضمنها البنتاغون والكونغرس.

لكن من المتوقع اليوم أن يكون للبعد البيروقراطي رأيه في شكل العلاقة، إذ تشير التحليلات إلى أن بايدن سيعتمد بشكل كبير على مستشاريه ووزرائه من ذوي الصلة بالسياسة الخارجية خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط بما يشمل تركيا، وسيُحتّم على الدبلوماسية التركية التعامل مع أولئك المسؤولين الذين ألِفَتْهم في ظل إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، ومنهم أنتوني بلينكن، ولويد أوستن، وجيك سوليفان، وويندي شيرمان، وفيكتوريا نولاند، وبريت ماكغورك.

وبالرغم من تناغم أعضاء الفريق في إدارة بايدن حول المقاربات الخاصة بتركيا كما أوضحنا سابقاً، إلا أنهم يعملون - كما بايدن – استناداً على أن الولايات المتحدة خسرت كثيراً من الحلفاء خلال فترة رئاسة ترامب، لذا فإن هناك نوايا واضحة لديهم بتحسين وترميم علاقاتهم مع الشركاء والحلفاء، ووفقاً لذلك؛ فقد تسعى الإدارة الجديدة إلى تحسين علاقاتها مع تركيا، أو تحاول ذلك على الأقل.

ثالثاً: سياسات بايدن تجاه روسيا

هناك ارتباط بين كيفية الحكم على تركيا وبين سياسات الولايات المتحدة تجاه روسيا، فهناك من يرى أن السياسة الخارجية لتركيا تؤدي دوراً في خدمة الأهداف الأمريكية من خلال موازنة الدور الروسي في قضايا عدة، مثل سوريا، وكاراباخ، وليبيا، والبحر الأسود، وهناك اتجاه آخر يرى أن تقاطع مواقع النشاط التركي والروسي يدفع بالطرفين إلى تفاهمات ستقود في النهاية إلى علاقة استراتيجية مناوئة للولايات المتحدة.

وبغض النظر عن موقف بايدن من الاتجاهين، لكنه شدد سابقاً على أهمية العمل مع الحلفاء من أجل تحقيق أهداف سياساته الخارجية، ومن ضمنها تشكيل جبهة موحدة في مواجهة روسيا. ويمكن لتنمية العلاقات التركية الأمريكية أن يسهل من عودة المعسكر الغربي، وعليه فإن الآلية الوحيدة التي يجب أن تتبعها إدارة بايدن هي العمل على ضبط علاقاتها مع تركيا بمسار يخدم الولايات المتحدة، والتأكد بأن الفشل في ذلك سينطوي على مخاطر جيوسياسية واستراتيجية تتمثل في اصطفاف تركيا إلى جانب موسكو.

رابعاً: إعادة التموضع وإنهاء "الحروب الأبدية"

يبدو أن بايدن عازم على إنهاء "الحروب الأبدية" للولايات المتحدة، فقد تم الإعلان حديثاً عن خطط لوزارة الدفاع بإعادة التموضع العسكري العالمي للجيش الأمريكي، لكن هذه الوعود كانت حاضرة أيضاً في خطابات أوباما وترامب من قبله، وبالرغم من ذلك فقد كان يتم جر الولايات المتحدة إلى النزاعات العالمية وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط.

غالباً ما يغفل القادة في واشنطن عن أن فكرة الانسحاب وإعادة التموضع تتطلب سياسة مستدامة تتيح لعدد محدود من القوات السيطرةَ على حالات النزاع دون أن يكون هناك حاجة إلى تعزيزها بقوة أكبر في المستقبل، وإذا ما أراد بايدن تحقيق ذلك، فسيحتاج إلى التعاون مع شركائه في المنطقة ومنهم تركيا.

ونظراً للمقومات التركية باعتبارها دولة قوية في الإقليم، ولديها إمكانية الوصول الاستراتيجي إلى مسرح العمليات الأمريكي في المنطقة، وهي شريك في الناتو، وتمتلك سادس أكبر شبكة من البعثات الدبلوماسية في العالم، وتحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث المساعدات الإنسانية التي تستهدف اللاجئين السوريين، فضلاً عن مساعداتها لأفغانستان والصومال، فإن الفوز بتركيا يمكن أن يساعد بايدن على الوفاء بوعوده في "إنهاء الحروب الأبدية".

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدور التركي في أي اتفاق نووي قد يُنهي التوترات الإيرانية الأمريكية. وفي ضوء ممانعة دول الخليج وإسرائيل؛ فإن بايدن بحاجة إلى أفضل حشد ممكن من دول الشرق الأوسط لتأمين نجاح الاتفاق ودعمه.

الخلاصة

يمكن استخلاص جملة من المحددات التي سترسم شكل العلاقات التركية الأمريكية؛ وهي:

أولاً: في الوقت الذي يؤمن فيه بايدن بالحقوق المدنية والديمقراطية؛ إلا أنه في الوقت ذاته شخص "براغماتي"، ويعلم جيداً منطلقات السياسة الخارجية، ولذلك فإنه لن يفي بوعوده الانتخابية على حساب علاقاته مع دول الشرق الأوسط، لا سيما وأنه توعد بنهج أمريكي جديد تجاه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، ولا يمكن للسياقات الاستراتيجية الأمريكية أن تتحمل خسارة كل هؤلاء الحلفاء لتطبيق جملة من المبادئ فقط؛ وليس هناك سابقة في التاريخ الأمريكي تدل على ذلك.

والمثال الواضح على ذلك هو أنه حين سُئل في العام 2017: لماذا لم يفعل الكثير لمساعدة الأكراد؟ أجاب: السبب هي "تركيا"، مضيفاً بأن الأولوية ستبقى دائماً للسياسة الواقعية، وقد يستمر بهذا النهج في التعامل مع الأكراد حتى بعد أن أصبح رئيساً، ناهيك عن جملة من المتغيرات الجديدة التي تتمثل في النقاط التالية:

1. بعد نجاح ثلاث عمليات عسكرية تركية ضد وحدات الحماية الكردية، فمن المتوقع أن تكون اليوم أصغر حجماً وأقل فاعلية.

2. من غير المحتمل أن يخاطر بايدن بعلاقات الولايات المتحدة الاستراتيجية مع أنقرة، لحماية العلاقة "المؤقتة والتكتيكية" مع وحدات الحماية الكردية، كما وصفها مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأوروبية والأوروبية الآسيوية، جوناثان كوهين.

3. نظراً لاستبعاد زيادة عدد القوات الأمريكية في سوريا، وإعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، عن أن قواتها لم تعد مسؤولة عن حماية النفط، وأن واجبها يقتصر فقط على مكافحة "داعش"، فإن ذلك قد يوحي بأن بايدن تخلى عن دعم الإدارة الذاتية للأكراد.

ثانياً: ستكون للعلاقة الأمريكية الروسية دور في تحديد التوجهات الأمريكية تجاه تركيا، ففي السابق كان الرئيس ترامب على علاقة ودية مع روسيا نوعاً ما، ولم يكترث كثيراً للمقاربة الروسية في علاقاتها مع تركيا وحتى فيما يتعلق بقضية منظومة الدفاع الجوية الصاروخية "S-400"، أما بايدن فيبدو أنه عازم على مواجهة الصعود الروسي، ويعي تماماً مدى أهمية الجانب التركي في دعم سياساته، فقد أوضح سابقاً أن قضية "S-400" تزيد من الشرخ بين الولايات المتحدة وتركيا، وهو الأمر الذي يعزز من هدف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المتمثل في تفكيك حلف الناتو، وهي أفكار ستقود إلى استبعاد أن يشدد بايدن على فرض العقوبات على تركيا، لما يمثله ذلك من خطر ينطوي على ميل الجانب التركي باتجاه روسيا وترسيخ تموضعها الاستراتيجي مع موسكو على حساب الغرب وحلف الناتو.

ثالثاً: إن موقف الدول الأعضاء في حلف الناتو وعلى وجه الخصوص الاتحاد الأوروبي سيكون له تأثير في مواقف بايدن تجاه تركيا، وقد أكد هذا الأخير مرات عدة على نهجه القائم على الدبلوماسية متعددة الأطراف، وقد تبرز مقارباته الخاصة في ملفات التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط، وليبيا، وقبرص بشكل يتناغم مع الموقف الأوروبي.

رابعاً: ستؤدي العلاقات الثنائية سواء على صعيد القادة أو المؤسسات دوراً في هذه العلاقة، ويُظهر التاريخ السابق المشترك للعلاقات بأن بايدن لديه القدرة على خط سياسات براغماتية في حين أن أردوغان يمكنه البدء في سياسة تتماشى وتوجهات بايدن، ويُظهر إعلان وزير الدفاع التركي عن استعداد بلاده للتفاوض على منظومة الدفاع الجوية الصاروخية "S-400"، مثالاً واضحاً لبراغماتية الجانبين. ومن جهة أخرى؛ يدرك الرئيس الأمريكي حقيقة أن الإجراءات العقابية لم تؤدِ دوراً في ثني تركيا عن سياساتها بشكل مماثل لما حدث مع إيران.

 

 

 

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات