نيويورك تايمز: الرئيس وإرهابي سابق يلتقيان في البيت الأبيض غداً

نشر هذا المقال في صحيفة نيويورك تايمز، في التاسع من نوفمبر 2025، يناقش فيه مدير معهد ستراتيجيكس، زيارة أحمد الشرع (الملقب بالجولاني)، إلى البيت الأبيض؛ بما تحمله هذه الزيارة من تداعيات خطيرة على الأمن الاستراتيجي والإقليمي وعلى الولايات المتحدة نفسها، بالنظر إلى خلفية الجولاني المرتبطة بالإرهاب العالمي، وخطورة شرعنة النموذج المتطرف لقيادة الدول عبر الاستيلاء عليها بالوسائل العسكرية وبغطاء من البراغماتية؛ باعتبارها أدوات جديدة للتنظيمات الإرهابية العابرة للجغرافيا والتي تهدد مفهوم الدولة الوطنية.

الكاتب حازم سالم الضمور
  • تاريخ النشر – ٠٩‏/١١‏/٢٠٢٥

تخيّلوا، إن شئتم، مشهدًا يدخل فيه أسامة بن لادن من الباب الرئيسي للبيت الأبيض وقد علّق على كتفه بندقيته الكلاشينكوف – المحفوظة اليوم في متحف وكالة الاستخبارات المركزية – متجهًا للقاء رئيس الولايات المتحدة الأميركية وأركان إدارته وقادة الكونغرس. وفي أروقة البيت الأبيض وتحت قبة الكابيتول، يُلقي الشخص المسؤول عن تنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي أودت بحياة 2,977 إنسانًا وتسببت في تدمير برجي مركز التجارة العالمي في مانهاتن، محاضرات عن الحرية والديمقراطية. ثم، وبمرافقة جهاز الخدمة السرية الأميركي، يستقل موكبًا رئاسيًا متوجهًا إلى موقع "جراوند زيرو"، حيث كان البرجان التوأمان يرتفعان في سماء نيويورك إلى علوّ 110 طوابق.

هل كان الشعب الأميركي ليقبل بمشهد كهذا؟ بالطبع لا.

فاسألوا أنفسكم، كيف يختلف هذا السيناريو العبثي عن قيام الرئيس دونالد ترامب باستقبال من يُسمّى رئيس الحكومة السورية الانتقالية، أحمد الشرع (الملقّب بالإرهابي أبو محمد الجولاني)، في البيت الأبيض في العاشر من نوفمبر 2025؟

بعد أقل من أسبوع على مشاركة كلٍّ من دونالد ترامب الابن والجولاني/الشرع في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عُقد في الرياض، المملكة العربية السعودية، أواخر أكتوبر، أصبح الإرهابي السابق، الذي اعترف بتورطه في الإرهاب، أول رئيس دولة سوري يُدعى إلى البيت الأبيض منذ أكثر من 80 عامًا. لماذا؟ لأن الشخص ذاته، الذي ارتبط اسمه بالإرهاب العالمي لأكثر من عشرين عامًا، وأعلن على مدى عقود ولاءه لأحد أبرز أعداء الولايات المتحدة — أسامة بن لادن — هو أيضًا الرجل الذي يسعى بإلحاح لإعادة إعمار سوريا من خلال مئات المليارات من الدولارات في عقود إعادة الإعمار والتنمية المربحة، التي يُقدّرها البنك الدولي بما بين 216 و345 مليار دولار.

إنّ الزيارة الرسمية المرتقبة، والتي وُصفت – بعبارات دبلوماسية – من قِبل طيف واسع من النخبة السياسية الأميركية بأنها غير مدروسة في أحسن الأحوال، وقُيّمت – في الأوساط غير الرسمية – بأنها تتنافى تمامًا مع الروح الأميركية، تأتي في ظلّ سياق سياسةٍ خارجية أميركية مضطربة لا تنسجم مع قيم الشعب الأميركي، ولا سيّما أن القضايا المشتركة بين سوريا والولايات المتحدة لا تستدعي قبول أو حتى ظهور هذا الشخص في أبرز معاقل الديمقراطية العالمية: البيت الأبيض ومبنى الكابيتول الأميركي.

من هو زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني/الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع؟

على الرغم من نشأته في أسرةٍ ميسورة الحال في المملكة العربية السعودية — إذ وُلد هو وابن لادن في العاصمة الرياض — فإن الرئيس السوري غير المنتخب، الذي أتمّ التاسعة عشرة من عمره بعد شهرٍ واحد من هجمات 11 سبتمبر، كان يُنظر إليه على نطاق واسع كأحد “أبناء القاعدة”، شأنه شأن القُصّر الجهاديين الذين يجري تجنيدهم وتطرّيفهم اليوم في مخيم الهول شديد الاضطراب في سوريا، والذي يُعدّ من أخطر بؤر إنتاج الفكر المتطرّف بين أبناء مقاتلي تنظيم داعش.

بعد أن حضر اجتماعاتٍ سرّية للتجنيد في ضواحي دمشق خلال مراهقته، كان الجولاني/الشرع متحمسًا، عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لترك حياته المتوسطة الحال والانخراط في التدريب كإرهابي تحت إشراف أبي مصعب الزرقاوي، مؤسس تنظيم القاعدة. وقد اعتقلته القوات الأميركية عدة مرات، وتعمّق تطرفه أكثر خلال فترة سجنه في أبو غريب، السجن الأميركي المعروف بممارسات التعذيب والانتهاكات بحق نزلائه.

وعندما أُفرج عن الجولاني/الشرع عام 2011 — وهو العام نفسه الذي قتلت فيه القوات الأميركية أسامة بن لادن — قدّم أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق آنذاك، للشاب الواعد والطموح المال للذهاب إلى سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية فيها، وتأسيس فرع رسمي للتنظيم هناك، والذي عُرف لاحقًا باسم جبهة النصرة. وبصفته قائدًا بارعًا يتمتع بمهارات تنفيذية، نفّذ الجولاني/الشرع مهمة البغدادي على نحوٍ مذهل؛ إذ أعلنت الولايات المتحدة بعد عامٍ واحد فقط، في عام 2012، أن جبهة النصرة منظمة إرهابية مُصنَّفة رسميًا.

سعيًا لكسب دعمٍ محلي — بعد أن نفّرت القاعدة فصائل المعارضة السورية والسكان على حدّ سواء — ولتجنّب استهدافها من القوى العسكرية العالمية كولايات المتحدة وروسيا المعارضتين للتنظيم، أقدم الجولاني/الشرع بذكاءٍ على “التبرؤ” من القاعدة، وأعاد تقديم فرعها السوري تحت غطاءٍ وطني، زاعمًا أن هدفه الوحيد هو إسقاط نظام الأسد، لا الترويج للجهاد العالمي.

ومع ذلك، لم تنطلِ هذه الخطوة — ولا حتى تغيير اسم التنظيم إلى هيئة تحرير الشام — على الحكومة الأميركية أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اللذين عدّلا تصنيف القاعدة الإرهابي ليشمل مسمّياتها الأخرى: جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام. ومع ذلك، وتأكيدًا على محاولته الانفصال عن ماضيه، تخلّى الجولاني/الشرع عن لقبه الإرهابي حين أطاح بالرئيس السوري بشار الأسد، وعاد إلى اسمه الحقيقي أحمد الشرع، قبل أن يقدّم نفسه باعتباره الرئيس الشرعي لسوريا.

ويستحضر المرء هنا حكمة الشاعرة والأديبة الأميركية مايا أنجيلو، الحاصلة على وسام الحرية الرئاسي الأميركي عام 2010، إذ قالت: "عندما يُظهر لك شخص ما من هو، صدّقه من المرة الأولى".

الرئيس-وإرهابي-سابق-يلتقيان-في-البيت-الأبيض-غداً-in-1.jpg

لماذا ينبغي على الأميركيين والعرب والغرب أن يقتنعوا بأن هذا الإرهابي الإسلامي غير مؤهّل لقيادة أي دولة، فضلًا عن بلدٍ يُعرف عالميًا بأنه مهد الحضارة؟

قد نجد الجواب في كتاب الباحث المتخصص في الإسلام السياسي هاني نسيرة بعنوان: "المتحولون دينيًا ومذهبيًا، دراسة في ظاهرة تغيير الديانة والمذهب". يتناول نسيرة في هذا الكتاب آليات الانتقال من العمل الإرهابي إلى العمل السياسي بهدف الاستيلاء على السلطة، على نحوٍ يشبه ما فعله أبو بكر البغدادي وتلميذه أبو محمد الجولاني/أحمد الشرع. ويوضح تقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المنشور حاليًا على موقعه الرسمي هذه العملية بالتفصيل، مبيّنًا كيف يجري توظيف التحول السياسي كغطاءٍ لإعادة إنتاج الفكر المتطرّف بوسائل مشروعة ظاهرًا.

هذا التقرير يُعرّف الجولاني/الشرع بأنه زعيم جبهة النصرة لأهل الشام، والتي أدرجها كاسمٍ بديل لتنظيم القاعدة في العراق. وقد صنّف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجولاني/الشرع إرهابيًا استنادًا إلى صلته بتنظيم القاعدة وبأفرادٍ وجماعاتٍ وكياناتٍ أخرى مرتبطة به، وإلى تورطه في تمويل وتخطيط وتسهيل وإعداد وارتكاب أعمالٍ وأنشطةٍ إرهابية بالتعاون مع القاعدة أو بالنيابة عنها أو دعمًا لها، فضلًا عن مشاركته في تزويد التنظيم بالأسلحة والمعدات المرتبطة بها، وبيعها أو نقلها إليه، وتجنيد العناصر لصالحه، وجمع المعلومات الاستخباراتية نيابةً عنه.

ففي عام 2011، أوكل أبو بكر البغدادي — الاسم الحركي لإبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي، زعيم تنظيم داعش الذي قُتل في غارةٍ أميركية بسوريا في أكتوبر 2019 — إلى الجولاني/الشرع مهمة إنشاء فرعٍ لتنظيم القاعدة داخل سوريا، بهدف تعزيز نفوذ التنظيم هناك وقيادة عملياته القتالية. وقد دعم تنظيم القاعدة في العراق جبهة النصرة بالرجال والتمويل والسلاح والتوجيه الاستراتيجي. وأُعلن عن تشكيل الجبهة بقيادة الجولاني/الشرع في 23 يناير 2012، حيث صرّح حينها بأن التنظيم يتكوّن من مقاتلين من منطقة المشرق العربي.

وفي بيانٍ صدر في أواخر مايو 2012 عن مؤسسة المنارة البيضاء الإعلامية، الجناح الدعائي لجبهة النصرة، وُصف الجولاني/الشرع بأنه "المشرف العام على جبهة النصرة". وقد دعا أتباعه في الجبهة إلى شنّ هجماتٍ انتقامية ردًا على مجزرة الحولة التي وقعت في سوريا في مايو 2012، وحثّ شعوب بلاد الشام على التوحّد تحت رايته.

ونتج عن تلك الدعوات تنفيذ سلسلةٍ من الكمائن وتفجيرات العبوات الناسفة وهجومٍ انتحاريٍّ معقّد (أحد خمسة هجمات نُفذت عام 2012) تحت قيادته، ما أسفر عن سقوط عددٍ كبير من الضحايا المدنيين. وجاء في بيانٍ صادر عن الجبهة آنذاك: "نحن قومٌ إمّا أن ننتصر أو نموت".

وفي بيانٍ صدر في 10 أبريل 2013، أكّد الجولاني/الشرع أن أبا بكر البغدادي قدّم دعمًا كبيرًا لجبهة النصرة وعيّنه قائدًا لعمليات تنظيم القاعدة في سوريا. كما أعلن عن نيّته إقامة دولة في بلاد الشام — لا في سوريا وحدها — بالقوة، معربًا عن فخره برفع راية القاعدة في العراق، ومؤكدًا ولاءه وولاء تنظيمه لزعيم تنظيم القاعدة العالمي أيمن محمد ربيع الظواهري، والتزامه باتباع توجيهاته.

نُشرت تصريحات الجولاني/الشرع الإعلامية على المواقع نفسها التي تستضيف المنصّات الرسمية لتنظيم القاعدة. وفي يونيو 2013، أكّد الظواهري في رسالةٍ وجّهها إلى البغدادي والجولاني/الشرع أن الأخير هو قائد جبهة النصرة في سوريا، حيث نفّذت الجماعة عددًا من الهجمات الإرهابية. كما أشارت الرسالة إلى ارتباط الجولاني/الشرع بكلٍّ من تنظيم القاعدة وتنظيم القاعدة في العراق.

الرئيس-وإرهابي-سابق-يلتقيان-في-البيت-الأبيض-غداً-in-2.jpg

كيف يمكن أن نفهم، فضلًا عن أن نقبل، وجود إرهابي إسلامي داخل المكتب البيضاوي، رُفع اسمه عن قائمة المراقبة الأميركية قبل أربعة أشهر فقط — في 8 يوليو 2025؟

إن الزيارة المقررة لزعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني/الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض تمثل تحولًا جذريًا في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة — اتجاهًا خطيرًا يكشف عن تباينٍ حاد بين تفضيلات دونالد ترامب ورؤيته من جهة، والمنهج المؤسسي الذي ميّز السياسة الأميركية لعقودٍ من جهة أخرى. فمنذ خمسينيات القرن الماضي، بنت واشنطن علاقاتها مع دول المنطقة على أسسٍ أمنية واستراتيجية واقتصادية وسياسية، وأقامت روابط وثيقة مع الأنظمة العربية التي ساهمت — إلى جانب بريطانيا — في ترسيخ ترتيباتٍ تخدم المصالح الأميركية وتوازنات القوى المحلية داخل الدول العربية.

وعلى النقيض تمامًا، لا يبدو أن الجولاني/الشرع وحكومته المؤقتة يمتلكان الحد الأدنى من المقوّمات التي تؤهلهما للحصول على دعم واشنطن أو تحالفها. فالرجل لا يمثل نظامًا سياسيًا راسخًا أو مؤسسيًا، كما أن وزير خارجيته، أسعد الشيباني — أحد المؤسسين لجبهة النصرة، والذي استخدم خمسة أسماء مستعارة قبل أن يتولى منصبه الحالي — يجسدان معًا سياساتٍ براغماتية لا تحظى بقبول الفصائل والتيارات التي تقوم عليها سلطتهم الوليدة في سوريا، وخصوصًا فيما يتعلق بانفتاحهم على الولايات المتحدة والدول الغربية عمومًا، ولهجتهم المتساهلة تجاه إسرائيل، وهي مواقف يُنظر إليها في أوساطهم على أنها نهج تصالحي يتناقض مع معتقداتهم الأيديولوجية.

وعليه، فإن فصل الرئاسة السورية عن قواعد نفوذها الداخلية، ومن ثم تبنّيها ودعمها، يُعدّ تحولًا جوهريًا في السياسة الأميركية، إذ يشير إلى انتقال واشنطن من دعم الأنظمة السياسية إلى مساندة الأفراد — وهو نهج غير مسبوق في تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

في حين تُعدّ هذه الزيارة استباقية وغير مواتية من حيث التوقيت، فإن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، عقب تغيير النظام في ديسمبر 2024، انتهجت سياسةً قائمة على خطواتٍ استكشافية، هدفت إلى مواءمة الإصلاحات مع أهداف واشنطن لضمان أن تلبّي السلطة الجديدة في سوريا الحد الأدنى من متطلبات الشراكة مع الولايات المتحدة.

وبناءً على ذلك، جرى ربط استئناف العلاقات ورفع العقوبات بشروطٍ محددة فرضتها واشنطن على الحكومة المؤقتة، في إطار سياسةٍ عكست توافقًا مؤسسيًا بين دوائر صنع القرار الأميركية، بما في ذلك البيت الأبيض ووزارة الدفاع والكونغرس ووكالة الاستخبارات المركزية.

لكن مع صعود دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي، تهاونت حكومة الجولاني/الشرع المؤقتة في تطبيق هذه الشروط، وانتهكت معظمها. وبدلًا من ذلك، ركّزت السلطة في يد قادة هيئة تحرير الشام وحلفائهم، كما احتفظت بمقاتلين جهاديين أجانب وعيّنت بعضهم في مناصب أمنية رفيعة، وفشلت في الحد من الخطاب المتطرف داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية التي شُكّلت حديثًا.

لم تكتفِ إدارة ترامب بتجاهل تلك الانتهاكات، بل مضت أبعد من ذلك، متخذة خطوات متسرعة وأحادية الجانب نحو التقارب مع النظام الجديد. ففي 13 مايو، أعلنت نيتها رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، وفي أواخر يونيو، وقّع ترامب بنفسه أمرًا تنفيذيًا يُضفي الطابع الرسمي على القرار — رغم أن نوابًا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وصفوه بأنه سابقٌ لأوانه.

ثم، في 8 يوليو، قامت وزارة الخارجية الأميركية بشطب هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وفي 4 نوفمبر، قدّمت مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لرفع العقوبات المفروضة على الجولاني/الشرع، وهو ما تمت الموافقة عليه هذا الخميس.

من المبالغة في التبسيط القول إن هذا المسار يعكس سياسة أميركية مدروسة، ولا سيّما أن المكاسب المالية المحتملة تبدو مرجّحة لأن تصب في مصلحة منظمة ترامب، التي يشغل فيها دونالد ترامب الابن منصب نائب الرئيس التنفيذي. علاوة على ذلك، فإن الآثار المعقّدة لهذه الخطوات قد تُضعف جهود مكافحة الإرهاب وتهدد الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط ومكانة الولايات المتحدة الدولية، فضلًا عن تعريض الأمن القومي الأميركي لمخاطر متزايدة.

ما يدفع ترامب إلى تبنّي هذه السياسة ومواصلتها هو خليط من الدوافع الشخصية والأهداف السياسية الداخلية والخارجية. فـ تقاربه مع الجولاني/الشرع، الذي التقى به لأول مرة في مايو 2025، ودعمه العلني له، لا يمكن فصلهما عن ميله الشخصي تجاه الحكّام المستبدين. لقد التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا خلال قمةٍ عُقدت في أغسطس وسط أجواءٍ احتفالية، رغم أنها لم تُسفر عن أي نتائج ملموسة أو استراتيجية. كما اجتمع بـ الرئيس الصيني شي جينبينغ في كوريا الجنوبية أواخر أكتوبر، وأبدى استعداده للقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، قائلاً للصحفيين على متن طائرة الرئاسة خلال جولته الآسيوية الأخيرة: "أرغب في مقابلته إذا كان يرغب في مقابلتي، لقد توافقت بشكل رائع مع كيم جونغ أون، لقد أحببته، وأُعجب بي، وإذا أراد مقابلتي، سأكون في كوريا الجنوبية".

الرئيس-وإرهابي-سابق-يلتقيان-في-البيت-الأبيض-غداً-in-3.jpg

من اللافت أن تقارب ترامب الخارجي مع القادة المستبدين يتماشى مع أسلوبه في إدارة الشؤون الداخلية الأميركية، ويتجلى ذلك في تسارع وتيرة عسكرة الحكومة الفيدرالية للولايات، ومحاولاته تقويض استقلال حكّام الولايات — لا سيّما أولئك المنتمين إلى الحزب الديمقراطي — فضلًا عن تدخله في قوانين ولاياتهم وقراراتهم التنفيذية. ويتضح هذا النهج أيضًا في محاولاته للتأثير على الناخبين من خلال التهديد بقطع التمويل الفيدرالي عن ولاية نيويورك إذا فاز المرشح الديمقراطي زهران ممداني في انتخابات رئاسة البلدية — وهو ما حدث بالفعل — وكذلك في تعييناته المبنية على الولاء الشخصي له بدلًا من الولاء للدستور الأميركي أو على أساس الكفاءة. وقد أدرك الرأي العام الأميركي هذا التوجه، كما ظهر في المظاهرات الواسعة التي عمّت جميع الولايات الخمسين، بمشاركة نحو سبعة ملايين متظاهر، تحت شعارٍ موحّد: "لا للملوك".

ومن المهم في ظل الزيارة المرتقبة للجولاني/الشرع والانتصار الأخير لعمدة نيويورك المنتخب، التأكيد على الحقيقة البديهية: نجاح زهران ممداني في الانتخابات لم يكن بسبب انتمائه الديني الإسلامي، إذ لا تتجاوز نسبة المسلمين بين ناخبي نيويورك نحو 4٪ فقط. ويُعزى هذا الإنجاز التاريخي، في جزءٍ كبير منه، إلى برنامجه الانتخابي الذي ركّز على تحسين حياة جميع السكان دون تمييز، وإلى ردّة فعل الناخبين تجاه سياسات ترامب التعسفية، ولا سيّما تلك التي قوّضت مبادئ الديمقراطية، فضلًا عن تصريحاته المهينة بحق ممداني، إذ وصفه بأنه "شيوعي". وفي الواقع، ربما يَدين ممداني بشكرٍ ضمني لترامب، لأن الأخير ساهم، من حيث لا يدري، في إثارة موجة رفضٍ شعبي كانت أحد العوامل التي مهدت الطريق أمام انتخاب أول عمدة مسلم في تاريخ مدينة نيويورك.

هذه هي أميركا التي يعرفها العالم — أميركا التي تدين استقبال ترامب الفخم للجولاني/الشرع، ذلك الذي يُفترض أنه إرهابي سابق، لكن يديه ما زالتا ملطختين بدماء الأبرياء.

ما يجب القيام به — الآن

في نهاية المطاف، يتعيّن على أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري الذين عارضوا رفع العقوبات عن سوريا في مايو ويونيو، أن يطالبوا الولايات المتحدة بالعودة إلى نهجها الحذر والمتوازن السابق في تعاملها مع الجولاني/الشرع وحكومته المؤقتة.

إن المسار الذي تتبعه الحكومة المؤقتة، وفقًا للمعطيات الراهنة، لا يقدم أي ضمانات واضحة لانتقالٍ ديمقراطي حقيقي من حكومةٍ مؤقتة إلى حكومةٍ منتخبة من قبل الشعب السوري. ومن المؤكد أن الحكومة الحالية لا تقوم على احترام التنوع الاجتماعي والفكري أو حماية حرية الرأي والتعبير — وهي مبادئ دافعت عنها الولايات المتحدة طويلًا في سياساتها الداخلية والخارجية.

وانطلاقًا من ذلك، يجب التعامل مع أي انخراط أو دعم مباشر من الولايات المتحدة للحكومة المؤقتة بقدرٍ عالٍ من الحذر والمراقبة الدقيقة، لتجنّب أي تداعيات قد تؤثر سلبًا على جهود واشنطن في مكافحة الإرهاب أو على الأمن العالمي أو مكانتها الدولية كقائدة للنظام الديمقراطي العالمي.

وعليه، فإن الاستمرار في التقييم المستمر وربط أي خطوات مستقبلية على الأقل بمدى التزام الحكومة المؤقتة بتعهداتها وشروطها المسبقة هو المسار الأنسب لضمان الحد الأدنى من التوازن بين المبادئ الأميركية والمصالح الحقيقية للشعب السوري المنهك الذي يستحق الأفضل.

وفي النهاية، يظل الإرهابي إرهابيًا — سواء كان سلاحه بندقية كلاشينكوف معلّقة فوق رداء/سترة أو حقيبة مليئة بعقود غير موقّعة بمئات المليارات من الدولارات.

 

حازم سالم الضمور

مدير عام المعهد/ باحث متخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية‎