هجمات سيرلانكا: إرهاب على وقع النزاع الطائفي والعرقي

تتناول هذه المادة موضوع الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها سريلانكا من خلال الجماعات الإرهابية في ظل الانقسامات الطائفية الداخلية؛ والتي تعتبر هجمات على مستوى عال من التقانة والتكتيك، وتناقش الأسباب التي تجعل من سيرلانكا بيئة حاضنة للإرهاب ومهيئة له.

الكاتب حازم سالم الضمور
  • الناشر – STRATEGEICS
  • تاريخ النشر – ٢٨‏/٠٤‏/٢٠١٩

بعد مضي ما يقارب الـ 10 سنوات على انتهاء الحرب الأهلية في سريلانكا؛ تواجه البلد إرهابا متقدما من حيث التخطيط والتنسيق والمستوى التكتيكي للعمليات؛ حيث نفذت جماعة التوحيد الوطنية – السريلانكية المنشأ – 8 هجمات إرهابية في أوقات متقاربة؛ استهدفت كنيسة عيد الفصح والفنادق الراقية في كل من: كولومبو ونيغومبو وكوتشيكادي وباتيكالوا. في حين تم العثور على 3 عبوات ناسفة مجهزة للانفجار بالقرب من مطار كولومبو الدولي، وبالقرب من مؤسسات حيوية أخرى؛ لكنها لم تنفجر؛ لتكون الحصيلة الرسمية غير النهائية لضحايا الهجمات؛ هي مقتل أكثر من 320 شخصا، وإصابة 500 آخرين؛ من بينهم 31 أجنبيا على الأقل.

إعلان حكومي

أعلن وزير الدولة لشؤون الدفاع، روان فيجواردين، الثلاثاء 23 أبريل 2019، عن أن التحقيقات الأولية في الهجمات؛ أظهرت أنها رد انتقامي على هجوم المسجدين النيوزيلندين في منطقة "ChristChurch" في منتصف آذار الماضي. لكن اللافت في الأمر؛ هو ما كشفته وكالة "فرانس بريس"، يوم الإثنين 22 أبريل 2019، عن اطلاعها على مذكرة تحذيرية صادرة عن قائد شرطة سريلانكا، بوجوث جاياسوندارا، قبل عشر أيام من الهجوم؛ تفيد بأن وكالة استخبارات أجنبية قد أبلغت الشرطة بأن جماعة التوحيد الوطنية تخطط لشن هجمات انتحارية تستهدف كنائس بارزة ومفوضية الهند العليا في كولومبو.

سريلانكا في سياق مكافحة الإرهاب

أثناء الحرب الأهلية التي عاشتها البلاد في الفترة ما بين 1983 - 2009؛ تخصصت جبهة "نمور التاميل" بتنفيذ عدد من الهجمات الانتحارية؛ لكنها لم تكن بهذا النطاق أو التأثير أو المستوى العملياتي المتقدم؛ لذلك تضع هجمات أبريل 2019 الحكومة أمام تحد؛ هو الأخطر من نوعه من بين العشر سنوات الماضية.

عاشت سريلانكا تحت وقع الانقسامات العرقية والعنف الطائفي لفترة طويلة؛ حيث أن معظم الصراعات تنشأ بين الأغلبية البوذية من "السنهاليين" و "التاميل". في حين تعيش الأقلية المسلمة، التي تشكل 10% من عدد السكان البالغ 21 مليون نسمة، بين هاتين القوتين. إذ تعرضت هذه الأقلية إلى اضطهاد "نمور التاميل" أثناء الحرب الأهلية من جانب، ومن جانب آخر؛ فقد أُجبرت على التعايش مع النزعة القومية البوذية المتصاعدة في سريلانكا. الأمر الذي أفرز حالة من الانعزال والتطرف والرغبة في مقاومة عوامل التهميش؛ لكن ذلك لم ينعكس عنفا تجاه الأطراف الأخرى بمستويات مرتفعة؛ ولكنه أسهم في تشكيل عقل متطرف؛ يمكن له أن يقوم بهجمات إرهابية، في حال سنحت له الفرصة. وهذا ما أعطى "جماعة التوحيد الوطنية" – المتهمة بالهجوم – حافزا لبناء علاقة مع القاعدة، وبايعت "داعش" فيما بعد – بحسب ما نقل داعش نفسه –، ولا يُعتقد أن جماعة التوحيد الوطنية الداخلية قادرة بمفردها على تنفيذ هذا النوع من الهجمات.

وبحسب الدارسين والباحثين في مكافحة الإرهاب؛ فقد أصبح هناك تصنيف جديد لبروز وتصاعد نجم الجماعات الإرهابية التي تستخدم الإسلام غطاء لها؛ فهناك فترة ما قبل "داعش" وفترة ما بعد انهياره؛ حيث يرى العديد أن تنظيما قويا، يحمل فكرا متأصلاً من ناحيتي الأيديولوجيا والعمليات العسكرية، سيعمل على إنتاج نفسه من جديد. ولكن كان السؤال: أين ومتى؟ بحيث لم يتم الاختلاف على الكيفية؛ لا سيما وأن مقاتلي "داعش" لديهم المهارات القتالية والاستخبارية المتطورة مقارنة بنظائرهم من الجماعات.

وأشارت التحقيقات والتقارير الأولية، التي تحلل هجمات سريلانكا، أن هناك درجة عالية من التقانة في صناعة العبوات الناسفة والتخطيط للعمليات المنفذة؛ فإنه مما لا شك فيه أن المهاجمين تمكنوا من الحصول على مساعدة من خارج سريلانكا؛ عبر "القاعدة" أو "داعش"، من خلال المقاتلين السريلانكيين وغير السريلانكيين العائدين من ساحات القتال في العراق وسوريا؛ والذين تمكنوا من التمركز في سريلانكا، حسبما تفيد بعض التقارير الأمنية. كما أشارت التقارير الحكومية السريلانكية بأن 32 مواطنا قد سافروا إلى سوريا للانضمام إلى "داعش" في بداية الأحداث ما بين عامي 2011 - 2012؛ ولكن التقديرات الأمنية تشير إلى أرقام أعلى بكثير.

إن التقارير التي تحدثت عن تمركز مقاتلي "داعش" في سريلانكا بعد التضييق عليه في منطقة الشرق الأوسط؛ تؤكد بشكل واضح على أن هناك تحولا في تفكير "جماعة التوحيد الوطنية" ونهجها؛ التي انحسرت أعمالها سابقا بحوادث كراهية وعنصرية ضد البوذيين. حيث تم محاكمة بعض قادتها عام 2017 بتهمة "السخرية من التماثيل البوذية، وإيذاء مشاعر المجتمع البوذي".

وُيذكر هنا؛ أن نائب رئيس المجلس الإسلامي السريلانكي، أحمد حلمي، كان قد أطلق إنذارا مبكرا قبل 3 سنوات – في فترة مبايعة الجماعة لداعش – يحّذر فيه السلطات السريلانكية من أن الجماعة تتجه نحو العنف، وتدعو أنصارها لاستهداف غير المسلمين وقتلهم باسم الدين.

لماذا سريلانكا؟

1. لا تمتلك سريلانكا خبرة كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب؛ بالرغم من تعاملها مع "نمور التاميل" إلا أن التكتيكات التي تستخدمها الجماعات الإرهابية اليوم متقدمة بالنسبة لما تمتلكه الحكومة.

2. تمثل سريلانكا بيئة مهيأة لقبول العنف والإرهاب؛ بسبب المكونات العرقية والدينية التي تعيش فيها.

3. تمتلك سريلانكا منظومة أمنية واستخباراتية تعاني من خلل واضح في تركيبتها وبنيتها، فضلاً عن انعكاس الاختلاف العرقي والديني على عمل هذه المنظومة.

4. حذرت العديد من الدراسات والأبحاث الأمنية _ سابقا _ من أن "داعش" سينشط في إفريقيا وجنوب آسيا بعد مزاعم دحره في الشرق الأوسط.

5. يريد "داعش" أن ينتج نفسه من جديد في مناطق تعتبر "رخوة أمنيا"؛ وذلك من خلال عمليات مؤثرة عالميا تأخذ بعدا دينيا.

6. التنافس على المناصب السياسية الذي أدى لدخول البلاد في أزمة دستورية، نهاية العام الماضي، أفضى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، وبالتالي عزز من إمكانية وجود ثغرات بارزة في المنظومة الأمنية، كما تشير الكثير من التقارير المختصة إلى وجود استقطاب سياسي حاد بين القوى المحافظة التي سيطرت على مفاصل الدولة منذ 2009، وبين القوى الإصلاحية التي تحاول تغيير الوضع القائم.

7. ثمة من يرى أن "داعش" بعدما اخترق جماعة التوحيد الوطنية، وسيطر على مفاصل القرار فيها؛ قد استفاد من البنية التحتية للعمليات العسكرية التابعة لجبهة "نمور التاميل" الانفصالية، التي تشترك مع الجماعات المسلحة بهدف ضرب صرح الدولة الوطنية والاستفادة من الإرهاب لإيجاد فوضى سياسية تخدم مصالحهما.

 

حازم سالم الضمور

مدير عام المركز/ باحث متخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية‎