"+G7" في مواجهة الصين: الاتجاهات والإشكاليات
من المرجح أن تشهد قمة السبع في دورتها السادسة والأربعين توسعًا بعد دعوة كل من: روسيا، وأستراليا، وكوريا الجنوبية، والهند إلى اجتماعات القمة، في خطوة يدرجها الكثير من المراقبين ضمن سياسة الولايات المتحدة لاحتواء النمو الصيني. ومن هنا تبحث هذه المادة في الاتجاهات الكامنة وراء توسعة مجموعة السبع، والإشكاليات التي تواجه مساعي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في تحويل مجموعة السبع إلى منصة مناهضة للصين.
الكاتب ستراتيجيكس
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٣٠/٠٨/٢٠٢٠
هذه المادة السادسة من سلسلة المواد التي يجري نشرها تباعاً ضمن ملف "أوراق على طاولة الـ G7"
يُتداول أن الولايات المتحدة تعتزم في دورة مجموعة السبع لهذا العام (2020) تشكيل مجموعة "G11"، من خلال دعوة كل من: كوريا الجنوبية، وأستراليا، وروسيا، والهند لحضورها، في خطوة يتفق فيها معظم المراقبين على أنها محاولة جديدة من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لتشكيل منصة جديدة مناهضة للصين، وتُبرز هذه الدعوة اتجاهاً صاعداً في إحداث تغييرات جوهرية في طبيعة مجموعة السبع، إذ سبقت دعوة ترامب اقتراحاً من رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون. فوفقاً لصحيفة "The Times"؛ دعا جونسون إلى ضم كل من: الهند، وكوريا الجنوبية، وأستراليا لتحويل مجموعة السبع إلى منصة ديمقراطية مكونة من عشر دول "D10"، لمواجهة النمو التكنولوجي للصين.
في ضوء ذلك، يمكن قراءة توسعة المجموعة في قمتها السادسة والأربعين والنوايا الكامنة وراء هذا التوسع - بغض النظر عن ديمومته من عدمها - في ثلاثة اتجاهات رئيسية؛ حيث يُركز الاتجاه الأول على سياسة الولايات المتحدة لاحتواء النمو الصيني، إذ تعد كل من: كوريا الجنوبية، وأستراليا، والهند دولاً حليفة للولايات المتحدة، وجاء ذكرها في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2017 كدول شريكة في الاستراتيجية الأمريكية للمحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي، وترتبط كوريا الجنوبية بمعاهدة دفاعية مشتركة مع الولايات المتحدة في أعقاب الحرب الكورية، بينما تدعم أستراليا توجهات ترامب في إجراء تحقيق مستقل حول مصدر فيروس "كورونا" المستجد، وأدانت قانون الأمن القومي في هونغ كونغ، ومن جهتها تُعتبر الهند أحد أبرز الحلفاء العسكريين والسياسيين في المنطقة، وأهم ركائز الاستراتيجيات الأمريكية لاحتواء النمو الصيني.
وبدعوة هذه الدول يسعى الرئيس ترامب إلى موازنة مواقف مجموعة السبع تجاه الصين، خاصة وأن الدول الأوروبية المشاركة - باستثناء بريطانيا - لا تشارك الولايات المتحدة تخوفها من النمو الصيني، بل تجد في جوانب عدة منه فرصاً اقتصادية لها، ناهيك عن اختلافها فيما يتعلق بتقدير الخطر القادم من الصين، ولذا فشلت محاولات الرئيس ترامب السابقة في الدفع بمجموعة السبع لتحدي النمو الصيني، والمأمول أن يشكل حضور هذه الدول الثلاث إلى جانب اليابان، الزخم اللازم لتعزيز القضايا المتعلقة بالصين داخل أروقة المجموعة.
ويَهتم الاتجاه الثاني بتعزيز التواجد الجيوسياسي لمجموعة السبع، بعد أن اتضح ضرورة تواجد تمثيل عالمي أكبر؛ لا سيما من الدول الواقعة في المحيط الحيوي للصين، وبهذا يشكل انضمام الدول الثلاث إلى مجموعة السبع - وجميعها جزء من العالم الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، وذات أنظمة ديمقراطية، ومدافعة عن النظام الدولي ما بعد الحرب الباردة - توسعاً في قوة ونفوذ المجموعة في المجال الحيوي الصيني، ويحقق توازناً جيوسياسياً لها مع الصين.
بينما يُعنى الاتجاه الثالث بما يوفره انضمام القوى المتوسطة الثلاث (الهند، وأستراليا، وكوريا الجنوبية) إلى "ناد السبع الكبار"، من فُرصٍ لها لتعزيز تعاونها الاقتصادي وتنسيق سياساتها ضمن آلية متعددة الأطراف، وبالتالي زيادة نفوذها في منطقة آسيا والمحيطَيْن الهندي والهادئ على وجه الخصوص.
وفي هذا الاتجاه يمكننا إدراج روسيا المدعوة الرابعة لقمة السبع لهذا العام، باعتبار أن دعوتها قد تُحدث شرخاً في علاقاتها مع الصين، إلا أن الأولى حسمت موقفها - ظاهرياً - من أجندة القمة المتوقعة حتى قبل انعقادها؛ وفقاً لما أشارت إليه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بأن أي مشاريع ذات أهمية عالمية يصعب مناقشتها عملياً بدون الصين؛ وهذا رفض ضمني للتموضع ضد الصين.
لكن ستكون أمام هذه التوجهات الثلاثة إشكاليات في التطبيق لا يمكن التغاضي عنها؛ وستؤدي إلى طرح تساؤلات عدة في صدد تلمُس إجاباتها؛ أهمها: هل تمتلك الدبلوماسية الأمريكية القدرة على استخدام مجموعة السبع كنادٍ مناهض للصين؟ وهل الدول المدعوة مستعدة للسير في ركب السياسات الأمريكية تجاه الصين أم لا؟
يجدُر الجزم بأن الدبلوماسية الأمريكية في مجموعة السبع لم تعد قادرة على كسب التأييد والتحشيد لخدمة أجندتها السياسية لا سيما ضد الصين، فقد أخفق السعي الأمريكي في الاجتماع الافتراضي لوزراء خارجية مجموعة السبع الذي عُقد في 25 مارس 2020 بشأن مستجدات فيروس "كورونا" المستجد. حيث وصف وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الفيروس في بيان الاجتماع بـ "فيروس ووهان" لتحميل الصين مسؤولية التبعات الاقتصادية للوباء، لكن قوبِل هذا المقترح برفض الدول الست الأخرى. وعلى المنوال ذاته، رصدت صحيفة الجارديان البريطانية إصرار البيت الأبيض على إظهار دعم المجموعة للانتقادات الأمريكية الموجهة لمنظمة الصحة العالمية؛ بقوله: "تركزت معظم المحادثة على الافتقار إلى الشفافية وسوء الإدارة المزمن للوباء من قبل منظمة الصحة العالمية. وتم دعوة القادة إلى مراجعة شاملة وعملية إصلاح"، إلا أن الوقائع أظهرت عكس ذلك حيث دعمت الدول الست منظمة الصحة العالمية بل وزادت من مساعداتها المالية المقدمة لها؛ كما فعلت كل من: بريطانيا، وكندا.
وبالتالي، فإن الجزم بصعوبة تحويل مجموعة السبع إلى مجموعة مناهضة للصين جزمٌ منطقي، ليبقى السؤال المحوري الرئيسي: هل توسيع المجموعة ودعوة كل من: أستراليا، والهند، وكوريا الجنوبية؛ سيُفضي إلى تحقيق غاية ترامب المنشودة، وهل سيترك ذلك علامة فارقة على أجندة القمة وبيانها الختامي؟
وهنا يمكن الإجابة على هذا التساؤل بتقدير ماهية المنافع والمخاطر إزاء دعم هذه الدول لأجندة ترامب في قمة السبع القادمة؛ كما يلي:
أولاً: يُعد التنافس الأمريكي الصيني موضوعاً شديد الحساسية، ويتحدث مراقبو هذه العلاقة بإسهاب عن مخاوف من اندلاع حرب باردة جديدة، علاوة على تنافس اقتصادي سيطول أمده، في وقت يُدار فيه هذا التنافس بمزيد من العقوبات المتبادلة والتصعيد اللفظي الرسمي، وفي خضم ذلك تجد الدول الحليفة للولايات المتحدة نفسها في مواجهة عواقب منافسات الدول العظمى.
وفي ضوء ذلك؛ يبدو أن الدول الثلاث إلى جانب اليابان تنأى بنفسها - غالباً - عن التحيز المطلق لأي من الدولتين، حتى لا يتحول التهديد المحتمل بينهما إلى تهديد حقيقي، فعلى سبيل المثال؛ لا تريد الهند أن تكون طرفاً في هذه المنافسة، لأنها ستكون المتضررة الأولى من اندلاع مواجهة بين دولتين لا حدود مشتركة بينهما، بينما تواجه الهند وضعاً معقداً على طول حدودها مع الصين البالغة نحو 3500 كم، ولهذا تدير الهند توتراتها مع الصين بشكل مستقل وبغنى عن الدعم الأمريكي. ففي أعقاب المواجهات الهندية الصينية التي اندلعت في إقليم لاداك في 15 يونيو 2020؛ رفضت الهند وساطة أمريكية لتهدئة التوتر، وعوضاً عن ذلك فقد استخدمت أدواتها الناعمة والخشنة للرد على التصعيد الصيني. في الوقت نفسه، تابعت الدولتان المحادثات للتخفيف من حدة التوتر.
ثانياً: تركز الدول الثلاث في علاقاتها مع الصين على التعاون الاقتصادي والتجاري، ويشكل نمو الصين الاقتصادي فرصاً اقتصادية واستثمارية لهذه الدول، كما عبر عنه رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، بالقول إنه "من المأمول أن يصبح حلم كوريا الجنوبية مفيداً للصين، وأن يصبح حلم الصين فرصة لكوريا الجنوبية".
وحتى الآن، تُعد العلاقات الاقتصادية بين تلك الدول وبشكل خاص (أستراليا وكوريا الجنوبية) وبين الصين أقرب إلى التبعية الاقتصادية، على عكس الدول الأعضاء في مجموعة السبع ذات الاقتصاديات الأكثر تنوعاً، فمثلاً تُعد الصين أكبر شريك تجاري لأستراليا حيث بلغ التبادل التجاري بينهما عام 2018 نحو 152 مليار دولار، وكذلك بالنسبة لكوريا الجنوبية حيث بلغ التبادل التجاري بينهما نحو 313 مليار للعام ذاته، أما في حالة الهند فقد ازداد تبادلها التجاري مع الصين إلى نحو 94 مليار دولار عام 2018 مقارنة بالولايات المتحدة التي وصل التبادل التجاري معها إلى حوالي 89 مليار دولار، ناهيك عن أن اقتصاديات تلك الدول وخاصة (أستراليا وكوريا الجنوبية) تتأثر بشكل وثيق بالمؤشرات الاقتصادية للصين، فقد نقلت دراسة منشورة في مؤسسة (Australia China Relations) عن دراسات حديثة، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأسترالي بنسبة تتراوح ما بين ( 0.1% - 0.2%) استجابة لانخفاض بنسبة 1% في الناتج المحلي الإجمالي الصيني.
هكذا بالنسبة لهذه الدول؛ فإنه من غير الوارد أن تضحي بعلاقاتها الاقتصادية مع الصين لمماشاة السياسة الأمريكية، وحتى في أعقاب التوترات القائمة بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وبين الصين فيما يتعلق بقانون الأمن القومي في هونغ كونغ، والاتهامات حول فيروس "كورونا" المستجد، فإن الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي إن، يخطط لاستقبال الرئيس الصيني، تشي جين بينغ، في نهاية عام 2020.
ثالثاً: ما يُعقد العلاقات الاقتصادية للدول الثلاث مع الصين، هو مسألة استخدام الصين لقوتها الاقتصادية كأداة سياسية، وقد حدث ذلك مع اليابان بعد أن علقت الصين صادرات المعادن النادرة إلى اليابان عام 2010، وكذلك مع كوريا الجنوبية بعد معاقبتها على الموافقة لنشر منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية "ثاد" عام 2017، فانخفض عدد الزوار الصينيين إلى كوريا الجنوبية بنسبة 41% سنوياً؛ وفقاً لبيانات منظمة السياحة الكورية. وعلى نحو مماثل فرضت الصين تعرفات جمركية على الشعير الأسترالي وحظرت اللحوم البقرية من أربع مصدرين رئيسيين في أستراليا، بعد أن أيدت الأخيرة قراراً أمريكياً بإجراء تحقيق حول مسؤولية الصين عن فيروس "كورونا" المستجد.
وفي حالة كوريا الجنوبية، سعت البلاد إلى تخفيف الضغط الناتج عن العقوبات الصينية غير الرسمية، من خلال توقيع اتفاقية مع الصين لاستئناف العلاقات الاقتصادية عرفت باسم "اللاءات الثلاث"، وهي باختصار: لا يوجد نشر لصواريخ دفاعية إضافية لمنظومة "ثاد"، ولا لاندماج كوريا الجنوبية في نظام الدفاع الصاروخي الإقليمي مع الولايات المتحدة، ولا تحالف ثلاثي بين كوريا الجنوبية مع كل من: الولايات المتحدة واليابان.
رابعاً: بعد الكثير من التوقعات في دعم الولايات المتحدة لحلفائها في خضم الأزمات، أكدت اتفاقية "اللاءات الثلاث" أن اتباع سياسات الولايات المتحدة في التصدي للصين لها من الضرر ما يفوق مكاسبها، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تركت كوريا الجنوبية تواجه أزمتها بنفسها، وهذه الحالة ليست نادرة الحدوث. فقد حدث الشيء ذاته مع كندا؛ بعد أن ردت الصين على اعتقال كندا لمسؤول تنفيذي صيني في مجال التكنولوجيا بناءً على طلب أمريكي، بأن حظرت استيراد زيت الكانولا الكندي واحتجزت كنديين.
من جهتها تواجه أستراليا وضعاً مماثلاً، حيث يشير التحديث الدفاعي لعام 2020، إلى تراجع ثقة أستراليا في الردع الأمريكي الموسع ضد التهديدات النووية؛ بحسب معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي. وانعدام الثقة في الولايات المتحدة لا يقتصر على الدول الثلاث فحسب، إذ تزيد اليابان من تعاونها وتقاربها الهادئ مع الصين، ما قد يُفسَر بأنه شكل من أشكال التحوط ضد التزام الولايات المتحدة اتجاه حلفائها، وبالتالي تغير موقف اليابان الجزئي من المنافسة الصينية الأمريكية؛ كما عبر عنها رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، الذي استقال في 28 أغسطس 2020، بالقول: "الإجراءات الانتقامية لا تفيد أحدا"، وهذه دعوة مبطنة للحوار الصيني الأمريكي.
وعلى نطاق أوسع، تواجه الوحدة الليبرالية والديمقراطية لا سيما داخل مجموعة السبع نوعاً من الضبابية، في ظل الخلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا، والخلافات داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، ولذلك فإن السير في مركب مجموعة السبع والتموضع في أندية مناهضة للصين أمر مشكوك فيه بالنسبة للدول الثلاث.
وفي اللحظة الأخيرة، قد يكون ترامب قد أسَاءَ اختيار موعد القمة - إن عُقدت - قبل أسابيع فقط من الانتخابات الأمريكية، بالرغم من أمله - على ما يبدو – في أن توفر له القمة الفرصة لرفع رصيده الانتخابي بين الناخبين الأمريكيين بتحقيقه نقاطاً دبلوماسية، إلا أن أي موقف قد يُتخذ ضد الصين سيكون رمزياً إلى حد كبير وغير فعال إلى حد ما. وبمعزل عن شكل القمة وأعضائها وتعدادهم، فإن القادة المجتمعين في مجموعة السبع وقادة الدول المدعوة سيتوخون الحذر في دعم أجندة ترامب، حتى لا يُظهروا أنفسهم على أنهم داعمون له في الانتخابات. ومن جهة أخرى؛ فإنه من غير المرجح أن يلقي هؤلاء القادة بثقلهم وراء ترامب في وقت تشير فيه غالبية استطلاعات الرأي أن منافسه، جون بايدن، يتقدم، وفي حال صحت هذه التوقعات فمن المؤكد أن بايدن سيعكف على تخفيف حدة التصعيد مع الصين، ومرة أخرى ستجد هذه الدول نفسها مُجبرة على مواجهة العقوبات الصينية - بشكل منفرد - على أي دعم تقدمه لسياسة الولايات المتحدة المناهضة للصين.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات