الهيمنة على الممرات المائية

مستقبل الهيمنة على المضائق المائية في الشرق الأوسط

يشكّل الأمن البحري بمفهومه الواسع بالنسبة للقوى الدولية أهمية استراتيجية، تنطلق من ارتباطه بأمن الطاقة، حيث تعتبر جميع الممرات المائية أو المضائق، في الاستراتيجية العسكرية، نقطة اختناق بفعل الجغرافيا، وبالتالي فهي تمثّل نقطة تفوّق بالنسبة للطرف الذي يمتلك السيطرة عليها. وغالباً ما تقع هذه النقاط في دائرة التوتر والصراع؛ لذلك فإنّ جميع الممرات المائية محمية بموجب مواد القانون الدولي. تتطرق هذه المادة إلى استعراض حقائق وتوقعاتٍ مرتبطة بالأهمية الاستراتيجية لمضيقي هرمز وباب المندب؛ بسبب مرور نفط منطقة الشرق الأوسط عبرهما إلى الأسواق العالمية، من خلال رأس الرجاء الصالح ومضيق ملقا والمضائق الإندونيسية وقناة السويس.

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGEICS
  • تاريخ النشر – ١٠‏/٠٣‏/٢٠١٩

يشكّل الأمن البحري بمفهومه الواسع بالنسبة للقوى الدولية أهمية استراتيجية، تنطلق من ارتباطه بأمن الطاقة، حيث تعتبر جميع الممرات المائية أو المضائق بأنها "Choke Points" والتي تُعرف في الاستراتيجية العسكرية بأنها نقطة اختناق بفعل الجغرافيا، وبالتالي فهي تمثّل نقطة تفوّق بالنسبة للطرف الذي يمتلك السيطرة عليها.

وغالباً ما تقع هذه النقاط في دائرة التوتر والصراع. لذلك فإنّ جميع الممرات المائية محمية بموجب مواد القانون الدولي، تبعاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وبما أن تقرير توقعات 2019، يناقش مستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط، سيتم التطرق إلى حقائق وتوقعاتٍ مرتبطة بالأهمية الاستراتيجية لمضيقي هرمز وباب المندب؛ بسبب مرور نفط منطقة الشرق الأوسط عبرهما إلى الأسواق العالمية، عبر رأس الرجاء الصالح ومضيق ملقا والمضائق الإندونيسية وقناة السويس.

الأهمية الاستراتيجية

إن الممرين مرتبطين بشكلٍ مباشر بمفاهيم عسكرة المياه الدولية، إذ يمثل مضيق هرمز باباً لعبور نحو 40% من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم؛ حيث تعتمد اليابان عليه في وصول ما يقارب 84% من حاجاتها النفطية، وكذلك كوريا الجنوبية والهند والصين بنسبة 70%، بينما تعتمد الولايات المتحدة عليه في وصول ما يقارب 20%. أما مضيق باب المندب البالغ عرضه 30 كم، يُعد ممراً حيوياً مهماً لصادرات النفط إلى أوروبا وللتجارة الدولية، حيث يعبر من خلاله 3.5 مليون برميل نفط من الخام الأسود، أي ما نسبته 30% من نفط العالم. بحسب "The World Factbook".

لعل أهم مؤشر يمكن دراسته تحت هذا العنوان، هو الخلاف العربي الإيراني السياسي والأيديولوجي، وكيف يمكن أن يتطوّر لصراع استحواذ على مضيق هرمز. يمكن اعتبار الحرب اليمنية محاكاةً لجزء من هذا الصراع. فضلاً عن أنّ إيران قالت بشكلٍ صريح تعقيباً على العقوبات الأمريكية الأخيرة: إمّا أن يستخدم الجميع مضيق هرمز أو لا أحد سيستخدمه. في إشارةٍ منها إلى نقل الصراع إلى المياه. من الجانب العسكري والتقني، سيكون من الصعب على إيران إغلاق المضيق بشكلٍ كامل لمدة طويلة، ولكنها حتماً ستعيق حركة الملاحة البحرية فيه، كما أنّ أي تصعيد سيعمل على رفع أسعار النفط وأسعار التأمين على النقل عالمياً.

هاجس أمن الممرات

شكّل هاجس أمن الممرات المائية مشكلة بالنسبة لدول الخليج العربي، عملت هذه الدول على وضع خطط استراتيجية طويلة المدى في حال الإغلاق الكامل للممرات التي تعتمد عليها هذه الدول.

وتحديداً دولة الإمارات، لاسيما وأنّ إيران استولت على ثلاث جزر "طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى". أي أننا أمام قضيةٍ دولية تعكس هذا الهاجس. فقد عملت الإمارات على بناء خط "حبشان" بطول 400 كم، الذي ينقل النفط الإماراتي إلى ميناء الفجيرة المُطل على خليج عُمان، دون المرور بمضيق هرمز.

تجاوز فكرة الصراع داخل الماء

ثمة بدائل استراتيجية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، عبر مدّ خطٍ ناقل بطول 500 كم تقريباً، إلى "ميناء المكلا" في حضرموت، وهو ربط إقليمي داخلي  ينتهي بمنافذ استراتيجية مطلة على خليج عُمان وبحر العرب.

وبهذا الخصوص هناك تقارير تزعم أنّ السعودية بدأت بدراسة بناء خط نفط ناقل يمرّ عبر اليمن وتحديداً من مدينة "المهرة" الواقعة شرقي اليمن ليربطها ببحر العرب. من المتوقع أن تبلغ سعة الخط 1.6 مليون برميل يومياً. ولكن هذه الخيارات ستبقى مرهونةً باستقرار الأوضاع في اليمن.

حيث لازال الصراع بين الحوثيين والتحالف العربي يشكّل عبئاً واضحاً على أمن الممرات، إذ علّقت السعودية شحنات النفط عبر البحر الأحمر، على إثر تعرض ناقلتي نفط سعوديتين لهجوم من "الحوثيين" لمدة أسبوعين، قبل استئناف نقل الشحنات النفطية في 4 أغسطس الماضي.

الرياض تمتلك حالياً خياراً استراتيجياً في حال توقف الشحنات عبر ممري هرمز والمندب، عن طريق استخدام خط أنابيب الشرق-الغرب "بترولاين" البالغ طوله 1200 كم، والذي ينقل الخام من حقول النفط بمعدل 4.8 مليون برميل يومياً من المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، وتصديرها إلى أوروبا.

العراق

يُعد العراق الأكثر تضرراً في حال نشوب صراعٍ في مضيق هرمز، لاسيما وأنّ 98% من الإنتاج النفطي العراقي يتم تصديره عبر مضيق هرمز، الذي يمثل 85% من مداخيل الموازنة العراقية. ولا ننكر أنّ هناك بدائل استراتيجية أمام الحكومة العراقية، لتنويع نقاط توريد النفط، لكنها تحتاج وقتاً للتنفيذ.

ومن أهم هذه البدائل التي شرعت العراق بتنفيذها، بناء خطٍ ناقل من البصرة إلى مصر مروراً بالأردن، وتفيد المعلومات الأولية أنّ عمليات بناء هذا الخط داخل الأراضي العراقية قطعت شوطاً طويلاً. لكن ثمة تقارير تشير إلى تعطل هذا المشروع بسبب تدخل دول عربية، لوقف المشروع. كما يمتلك العراق بديلاً استراتيجياً آخر يتمثل في مد أنبوب نفط عبر الأراضي السورية وصولاً للبحر المتوسط.

مستقبل الممرات

إن استشراف الوضع الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز يتحدد من خلال مستقبل الطلب العالمي على النفط الخليجي ومعضلة أمن الطاقة. وهذه كلها معطيات متداخلة لدرجة تعطينا مؤشراً على أنه من الصعب الإخلال الكامل بأمن الممرات المائية الحيوية وإغلاقها بشكلٍ كامل. ويمكن أن تواجه حركة الملاحة البحرية حركات تمرّد مثل القرصنة والهجوم بفعل جماعات مسلحة، لكن ليس أكثر من ذلك. لكننا نعلم أن هذه التوترات ستكون مكلفة للدول المصدرة.

الاحتمال الوحيد الذي يمكن أن يعطّل حركة الملاحة البحرية في الممرات المائية، بشكلٍ شبه كامل، هو أن تكون هذه الممرات إحدى ساحات العمليات العسكرية.

 

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات