"كورونا": من وباء صحي إلى وحش سياسي
إن ما يتم كتابته حول أصل فيروس "كوفيد-19" المستجد وتداعياته المستقبلية؛ هو عبارة عن تحليلات وافتراضات؛ بينما ستتكشف الحقيقة بشكل أوضح خلال الأشهر أو السنوات القادمة؛ لذا ما تركز عليه هذه المادة سواء أكانَ فيروس "كورونا" حقيقيا أم مصنعا هو كيف أن هذا الفيروس أشاع الرعب في كافة أنحاء المعمورة، وكيف ساهم الساسة الكبار في تحويل أزمة تفشي الوباء إلى لعبة سياسية خطرة قد تهدد العالم أجمع.
الكاتب حسن إسميك
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ١٤/٠٤/٢٠٢٠
في ديسمبر 2019، بدأت وكالاتُ الأنباء في أنحاء العالم بنشر تقاريرَ عن فيروس غامض قادمٍ من الصين. وأفادت التقاريرُ بأن فيروس "كورونا" المستجد (الفيروس التاجي) قد نشأ في واحدٍ من أشهرِ أسواق الحيوانات الحية في البلاد.
وقد قامت الصينُ بخلق نموذجٍ للاستجابة العالمية للفيروس؛ وذلكَ من خلال الإعلان المفاجئِ عن إجراءات الحجر الصحي الصارمة التي تم تنفيذُها في الصين بشكلٍ أولي ومن ثم انتقالها لتشملَ جميعَ أنحاء العالم في وقتٍ واحد.
ففي حين ظنّت باقي الدول بأننا نشهدُ تكراراً لتفشي السارس الذي تم الإعلانُ عنه في عام 2003، والذي أصاب نحوَ 8,000 شخص، وتم تسجيلُ حوالي 800 حالة وفاة في جميع أنحاء آسيا بسببه؛ استيقظ العالمُ في تاريخ 22 يناير 2020 على الأخبار التي أعلنت عن أنه بين عشيةٍ وضحاها دخلت كلٌ من: ووهان وهوبي وبكين والغالبية العظمى من البلادِ في الحجرِ الصحي، وتم إيقافُ جميع الأنشطة الاقتصادية، وتوقفت عجلةُ الإنتاج، وتم إغلاقُ أسواق الأسهم. ومع ذلك، وحتى ذلك الحين، فلا أعتقدُ أن أحداً أدركَ المدى الحقيقي لما سيأتي لاحقاً.
وللأسف، كان الأوانُ قد فات، وانتشرَ الفيروس ــــ الذي تُرِكَ لأن ينتقلَ بحرية لأكثر من شهرين ــــ ليصلَ إلى جميع أركانِ المعمورة. ففي تلك الأثناء بدأت الحالاتُ المصابة بالظهورِ بمعدلاتٍ طردية في جميع أنحاء آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا.
وسرعانَ ما حذَت الدولُ الأخرى حذْوَ الصين إذ أُغلقت بالكامل دولٌ مثل: إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، مع فرض عقوباتٍ قانونية ومالية صارمة على أولئكَ الذين يخالفونَ القانون. ومع ذلك، فلم تكن الاستجابةُ للفيروس واحدةً في كل مكان؛ فقد اختارت دولٌ مثل: المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية اتباعَ نهجٍ مختلفٍ للغاية، وذلكَ بتأخيرِ إجراءاتِ الإغلاق لأطول فترة ممكنة، على الرغمِ من أننا نرى الآن أنهُ لا مفرَ منها.
وانتشر ــــ في خضمّ حالاتِ الفوضى والهلع والقلق ــــ مرضٌ واحدٌ كان أسرعَ من تفشي الفيروس نفسِه، وسواءٌ اعترفنا بذلك أم لا، فإن هذا المرضَ أصابنا جميعَنا بالخوف؛ الخوف مما سيحدثُ للمرء إذا مرض، والخوف من العجز والعزلةِ ومن المجهول. ولي أنْ أستشهدَ بمقولةِ البروفيسور، جون ألين باولوس: "إن عدمَ اليقين هو اليقينُ الوحيد". وفي الوقتِ الذي يتعاضدُ فيه العالم؛ فإن وسائلَ الإعلام تعكسُ لنا ــــ بدلاً من ذلك ــــ كيف أنَ كل شخص يفكرُ بنفسه فقط، إذ تصوّرُ أن المتسوقينَ يقومونَ بتخزينِ الإمدادات كما لو كانوا يستعدونَ لنهاية العالم "هرمجدون". وتمَ خلْقُ هذا الخوف بسببِ وجود عاصفةٍ كاملة من المعلوماتِ الخاطئة التي تم نشرُها وتداولُها عبر المنصاتِ الإعلامية وتصاعدت لتصبحَ الأداةَ الأكثرَ قيمة؛ في محاولة لتحقيقِ أكبر انقلابٍ في كل العصور.
وقد تحولَ هذا الفيروس ــــ بسبب انتشارِه السريع المشابه لسرعة انتشارِ الصوت ــــ من وباءٍ صحي إلى وحشٍ سياسي. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال؛ كان الرفضُ المتكررُ للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لتسميةِ الفيروس باسمه، بل والإِشارة إليه بأنه "الفيروس الصيني" يدللُ على مدى عمق البعد السياسي الذي تغلغلَ في هذه الأزمةِ العالمية.
فكانَ خطابُ ترامب يسيرُ جنباً إلى جنب معَ أولئكَ الذين انضموا إليه في اتهامِ عاداتِ الصينيين بالتسبب في ظهورِ الفيروس؛ وقد كان ذلك بمثابة الدليل القاطع الذي يحتاجُه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لحشدِ البلاد خلفه. إذ منحَه "رهابُ الأجانب" هذا منصةً مثاليةً للقضاء على المدّ المتزايد بينَ النخبِ المتحضرة التي تنظرُ إلى الغربِ بعين الإعجابِ وربما الحسد؛ حيثُ استخدمَ هذه الاتهامات بذكاء، وتلاعبَ في معناها ليُثبت للشعب الصيني (الذي جلس لإلقاء المحاضرات عليه) حقيقةَ ما يفكر فيه بقيةُ العالم بهم، وكيف تركَهم لإنقاذِ أنفسهِم دونَ تقديمِ أي مساعدة، بل وأساءَ معاملتهم.
وينطبقُ الأمرُ ذاته على إيران؛ وهي دولةٌ أخرى تضررت بشدة من فيروس "كورونا" المستجد. وقد أعاقت العقوباتُ الأمريكية بشكلٍ كبير قدرةَ الحكومة الإيرانية على الاستجابةِ لتفشي المرض في طهران. وسقطت جميعُ الدعوات التي تنادي بتخفيفِ العقوبات؛ ممّا جعلَ الشعبَ الإيراني يشعرُ وكأنه غريبٌ يراقبُ العالمَ وهو يتحِدّ لمواجهةِ تفشي المرض في أوروبا.
يتضاءلُ كلُ هذا بالمقارنة مع ما رأيناه في الولاياتِ المتحدة الأمريكية. فقد أصبحت الولاياتُ المتحدة ــــ حتى وقتِ كتابة هذه المادة ــــ المركزَ العالمي لـ "كوفيد -19"، مع تحذيراتٍ من المسؤولين بتوقُع وفاةِ أكثرَ من 240,000 حالة. وغنيٌ عن القول أن تعاملَ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع الأزمة أدّى إلى نقاشٍ حاد؛ إذ اغتنمَ الديمقراطيونَ ووسائلُ الإعلام اليسارية الليبرالية الفرصةَ لانتقادِ خطة عمل البيت الأبيض.
فقد أوصلت وسائلُ الإعلام رسالةً مفادها بأن ترامب قد تجاهلَ التحذيراتِ المبكرة المتعلقة بأن الصين قللت بشكلٍ متعمد من الحجمِ الحقيقي للوباء. إلا أنَ ما عجزت وسائلُ الإعلام عن التساؤلِ حوله هو: لماذا كان يجازفُ ترامب بمثل هذا الخطرِ الكبير قبلَ أشهرٍ من انعقادِ الانتخابات؟ وأتوقعُ أن تكونَ الإجابةُ بسيطة وهي: أنهم رفضوا تصديقَ وجهةِ نظره التي ترى بأن "كورونا" هو مجرد فيروس يحملُ الجنسيةَ الصينية كما سمّاه ترامب بـ "الفيروس الصيني"؛ ما يدلُ على اتهامه للصين بنشر هذا الفيروس.
وتم الإشادة بجهود الصين وطاقمها المتنوع في محاولة تغيير الوضعِ الراهن؛ فالصينُ التي تتهمُ الولايات المتحدة باختراع فيروس "كورونا" المستجد ونشره في مدينة ووهان، نجحت في احتوائِه من خلال اتباعِ إجراءاتٍ صارمة فاقت ما هو معمولٌ به في بعض دول العالم الأخرى التي أصيبت بنفس الوباء؛ إذ أُعْجِبَ العالم بسياسية الإغلاقِ الكامل التي تبنتها الصين، واتضح أن لها فوائدَ إيجابية قللت من نسبة انتشار الفيروس بنسبةٍ كبيرة، وبدأت الدولُ بتطبيق نفس السياسة الصينية المتمثلة في الإغلاق التام والحظر الصحي المنزلي رغمَ كل ما قيلَ عنها من اتهامات؛ مثل: أنها (أي الصين) هي من نشرت الفيروس حول العالم؛ لتثبتَ بأنها قادرةٌ على رد أي عدوانٍ مستقبلي، أو بأنها قوةٌ لا يُستهانُ بها في العالم وأن زمنَها قادمٌ لا محالة.
ولقد خلقَ "الفيروس التاجي" عاصفةً مثالية من الأحداث لإقامة تحالفٍ فوضوي بينَ كلٍ من: أوروبا والصين وإيران والديمقراطيين؛ بهدفِ إسقاط عدوهِم المشترك، الرئيس ترامب. وتمكنوا من التهويل حول مدى تفشي الفيروس؛ وذلك من خلالِ تنسيقِ استجاباتِهم السياسية الصارمة، ومن خلال نشرِ معلوماتٍ غيرَ دقيقة حولَ تفشي المرض، متناسينَ أن فيروس الإنفلونزا الشتوي يقتلُ عدداً أكبرَ من تلك الأعداد الناتجة عن الإصابة بفيروس "كورونا" المستجد، بل إنَ معدلَ الوفيات ليس أعلى مما هو طبيعي في مثل هذا الوقت من السنة، وسنلاحظ ذلك عندما نرى انخفاضاً مفاجئاً في عدد الإصاباتِ والوفيات كلما اقتربنا من أشهرِ الصيف.
أعتقدُ بأننا سنشهدُ على مدى السنوات الأربع المقبلة معاركَ سياسية واقتصادية وربما عسكرية تكنولوجية طاحنة بعد أن يكتشفَ العالمُ الدوافعَ من وراء "كوفيد– 19"؛ وخاصةً في حالِ نجحَ ترامب في الوصولِ إلى البيتِ الأبيض من جديد. وسوف تؤدي التداعياتُ الاقتصادية والسياسية للفيروس إلى انكماشِ الاقتصاد الصيني والأمريكي؛ ستبحثُ وقتها الشركاتُ عن أماكنَ أخرى، وستهتزُ منطقةُ اليورو؛ مما قد يؤدي لاحقاً إلى تفكك الاتحاد الأوروبي بسبب الخلافات التي تفجرت على أثر تفشّي الفيروس في القارة العجوز.
وسيتمُ الضغطُ على إيران لتتخلى تماما عن برنامجِها النووي. وقد يستفيد العربُ من انشغالِ الكبار ليبدأوا في تطويرِ بلدانهم.
وخلالَ كتابتي لهذه المادة، قرأتُ تقريراً صادراً عن مركزِ أبحاثٍ بريطاني يطالبُ الصينَ بتعويضاتٍ عن الخسائرَ التي لحقت بالعالم نتاجَ هذا الفيروس الذي خرجَ من عندها، وهذه أيضاً معركةٌ قانونية واقتصادية كبيرة ربما تريد من خلالها بعض دول الغرب ــــ إن كانت جادة ــــ مصادرةَ الاستثمارات والأموال الصينية في كلٍ من: أوروبا وأمريكا.
وأختمُ مقالي هذا بأمر ٍمهم يتمثل في أن كُلَ ما يُكتب حول هذا الموضوع ما هو إلا تحليلاتٌ وفرضيات، بينما ستتكشفُ الحقيقةُ لنا بشكلٍ أوضح خلالَ الأشهرِ أو السنواتِ القادمة.
والمهمُ عندي هو أنهُ سواءٌ أكانَ فيروس "كورونا" حقيقياً أم مُصنّعاً؛ فإنه قد أشاعَ الرعبَ في كافة أنحاءِ المعمورة؛ لذلكَ فعلى البشر أن يدركوا أن ساسةَ العالمِ الكبار هم – الآن– في تخبطٍ كبير؛ لأنهم ساهموا في تحويل أزمةِ تفشي الوباء إلى لعبةٍ سياسية خطرة قد تهدد العالم أجمع، وتزج به في أتون صراعاتٍ تهددُ الوجودَ البشري برمّته.
حسن إسميك
رئيس مجلس أمناء STRATEGIECS