هل تتخطى الخطة العربية لإعادة الإعمار تحدياتها التنفيذية؟

يجري العمل على خطة إعادة الإعمار لقطاع غزة بالتنسيق بين مصر ومختلف الدول العربية، ومن المفترض أن تُعرض تفاصيلها في القمة العربية في القاهرة، حيث جاء تحرك الدول العربية للاستجابة السريعة ضد طروحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يخص تهجير الفلسطينيين، بتقديم طرح بديل أكثر منطقية وواقعية.

الكاتب ستراتيجيكس
  • تاريخ النشر – ٠٤‏/٠٣‏/٢٠٢٥

أعلنت مصر في بيان لوزارة خارجيتها في 12 فبراير عن إعدادها إلى جانب دول عربية أخرى، لخطة تتضمن إعادة إعمار قطاع غزة، وذلك في إطار الجهود العربية لتقديم خطة بديلة عن تلك التي عرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمتمثلة بتهجير سكان قطاع غزة، باعتباره غير قابل للحياة، وقد جاء ذكر الخطة العربية للمرة الأولى، في تصريح جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين أثناء اجتماعه بترامب في البيت الأبيض في 11 فبراير 2025. وهذه الخطة ستكون محور النقاش في القمة العربية المُقرر انعقادها في القاهرة في 4 مارس 2025، والمُرجح حصولها على توافق عربي كامل، بينما سبقها لقاء عربي مصغر بين كل من قادة دول الخليج والأردن ومصر، عقدت في 21 فبراير 2025 في الرياض، وذلك لمناقشة الخطة العربية قبل طرحها في قمة القاهرة.

في الواقع؛ تنطلق الدول العربية في طرحها للخطة، من حسابات سياسية وأمنية دقيقة، وحساسيات تاريخية منذ التهجير الأول للشعب الفلسطيني في 1948، والذي لا يزال حتى اللحظة قضية سارية الأثر على الدول المستضيفة لهم حينذاك. مع ذلك؛ تواجه مخططات الإعمار في مناطق الصراعات عامة، وفي قطاع غزة خاصة صعوبات وتحديات مُعقدة، خاصة عند النظر إلى عمليات إعادة الإعمار السابقة للقطاع منذ 2007، والتي لا تزال العديد من مشاريعها وبرامجها مُعلقة، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الدمار الحاصل في القطاع بعد الحرب الحالية، وبشكل يُضاعف التحديات والتعقيدات.

الخطة العربية للإعمار: الأطر العامة

يجري العمل على خطة إعادة الإعمار منذ الإعلان عنها؛ بالتنسيق بين مصر ومختلف الدول العربية، حيث من المفترض أن تُعرض تفاصيلها في القمة العربية في القاهرة، وحتى هذه اللحظة؛ لم يُعرف عن تلك التفاصيل سوى أطر عامة، جاءت في سياق تصريحات المسؤولين العرب، والتي أشارت إلى الأطر الحاكمة لها، في قضايا الإدارة ما بعد الحرب، ووسائل حماية الحدود وعمليات الإعمار والمساعدات ومدة تنفيذ الخطة ومراحلها، والشركاء المانحين، ومصادر التمويل، ويُمكن تفصيل تلك النقاط كما يلي:

أولاً: مدة ومراحل التنفيذ وسُبل التمويل

تستغرق عملية إعادة الإعمار ما بين 3 إلى 5 سنوات، وخلال هذه المُدة ستعمل الدول العربية بالتعاون مع الوكالات الأممية والشركات الخاصة على إزالة ما أمكن من الأنقاض والركام، والاستفادة منه بإعادة استخدامه في تأهيل الخدمات الأساسية الطبية والتعليمية والمرافق الحيوية والبنى التحتية من شبكات المياه والكهرباء، بالإضافة إلى إنشاء 20 منطقة سكنية مُؤقتة خلال فترة إعادة الإعمار.

ووفقاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي تُقسم عملية الإعمار إلى ثلاث مراحل: الأولى وهي مرحلة التعافي المبكر وتمتد لستة أشهر، وخلالها تتم عمليات إزالة الأنقاض وبناء مساكن مؤقتة. فيما الثانية وهي المرحلة الرئيسة في إعادة الإعمار، والتي سيتم بها جمع الموارد المالية اللازمة لتوفير ما يُقدر بـ 20 مليار دولار، لتنفيذ مشاريع البُنية التحتية الأساسية. أما الثالثة وتتضمن مسار سياسي لتهيئة الطريق أمام مفاوضات أوسع تُحقق حل الدولتين.

من جهة أخرى؛ يتوقع أن تلعب المساهمات المالية من دول المنطقة لإعادة الإعمار دوراً رئيساً في التمويل، ومن المُتوقع بالنظر إلى عمليات الإعمار بشكل عام، أن نشهد إنشاء صندوق خاص لإعادة الإعمار في قطاع غزة، وكذلك عقد مؤتمر دولي مُخصص لتوفير التمويل اللازم من قبل أطراف دولية واسعة، لا سيما من دول الاتحاد الأوروبي، والدول الإسلامية، ودول شرق آسيا مثل الصين واليابان.

ثانيًا: ملامح التنفيذ وأطر الحماية الأمنية

تُشير التصريحات المتتالية حول الخطة، أن الشركات الخاصة العربية والدولية، ستتولى تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار للمناطق السكنية والبنى التحتية والمرافق الحيوية، بالإضافة إلى دور مُعزز من قبل نقابة المهندسين المصريين ونظيرتها الفلسطينية واتحاد مقاولي غزة، والذين يعملون على دراسات حول آليات إعادة الإعمار. فيما توكل للجنة تتبع للسلطة الوطنية الفلسطينية مسؤولة إدارة الإعمار دون أي ذكر في التصريحات والمصادر المفتوحة لمشاركة من حركة حماس أو الفصائل المسلحة الأخرى في القطاع ضمن هذه اللجنة، ويُرجح أن تقوم قوة أمنية عربية أو دولية بتأمين مشاريع التنفيذ، وضمان سلامة العملية. كما تتضمن الخطة إنشاء منطقة عازلة وحاجز مادي فعلي على الحدود بين قطاع غزة ومصر لمواجهة محاولات حفر الأنفاق التي تستخدمها الفصائل المسلحة، حسب ما نقلته رويترز عن مسؤولين مصريين.

هل-تتخطى-الخطة-العربية-لإعادة-الإعمار-تحدياتها-التنفيذية-in-4.jpg

الخيار العربي: الدوافع والاستراتيجيات

جاء تحرك الدول العربية للاستجابة السريعة ضد طروحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتقديم طرح بديل أكثر منطقية وواقعية، تعمل مصر على بلورته من مجموعة أطر متفق عليها إلى خطة عمل مُفصلة وواضحة المعايير. وهذا التحرك الذي يُمكن اعتباره "طارئاً" ومستعجلاً، يأتي في إطار مُواجهة المخاطر التي تنطوي عن استمرار الرئيس الأمريكي في خطابه الداعي لتهجير أهالي قطاع غزة، والمخاوف من استغلال إسرائيل تلك الدعوات والدفع بها بشكل استباقي إلى خطة عمل قد تعمل على تنفيذها بدعم أمريكي.

وبذلك؛ استجابت الدول العربية للعمل على إعادة إعمار قطاع غزة، بدلاً من التعامل لاحقاً مع التداعيات والمخاطر المرتبطة بالتهجير على مختلف مستوياتها، بدءًا من دول الجوار وتحديداً الأردن ومصر، والمستهدفين بشكل رئيس من خطاب ترامب، ومن المخططات الإسرائيلية الراهنة والتاريخية، حيث يعني استقبال كل منهما لموجات لجوء فلسطينية جديدة، خطراً يُهدد اقتصادهما ونظمهما الاجتماعية، وبشكل قد يتسع ليزعزع استقرار الشرق الأوسط برمته، في وقت تواجه فيه المنطقة قضايا وملفات ضاغطة ومُلحة، من بينها التحول في سوريا بعد سقوط نظام البعث.

من جهة أخرى؛ تبدو الدول العربية مُدركة لمحاولات إسرائيل والولايات المتحدة إعادة تشكيل موازين القًوى في المنطقة، وفرض إسرائيل باعتبارها المهندس الجديد للنظام الإقليمي الناشئ، ومن شأن قبول التهجير أو التراخي في ردعه، أن يرسخ من تلك الفرضية، وأن يضع الدول العربية لا سيما المركزية منها في مواجهة الأطماع والمخططات الإسرائيلية التي لا يبدو أنها تقف عند حدود الأراضي الفلسطينية، فقد توسعت في مناطق من جنوب لبنان، وثُم في الجنوب السوري، وتحاول فرض واقع جديد على الجغرافيا العربية، التي يترتب عنها تداعيات على مختلف الدول العربية.

إضافة إلى ذلك؛ يأتي خطاب التهجير الأمريكي والإسرائيلي، في وقت تتقاطع فيه الملفات العربية والأوروبية، حيث يُهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ببسط السلطة الأمريكية على جزيرة جرينلاند التابعة للدنمارك، وضم كندا إلى الولايات المتحدة دون مراعاة لخصوصية الدولة الكندية باعتبارها جزءاً من دول الكومنولث، التي لا تُهدد كندا فحسب، بل أيضاً المملكة المتحدة كذلك، ومن شأن تراخي أوروبا تجاه خطاب التهجير في قطاع غزة، أن يُعزز من نهج الأمر الواقع وفرض السلطة بالقوة، بالشكل الذي سيكون له انعكاسات على الدول الأوروبية. كما تأتي في وقت تتقاطع فيه المصلحة العربية والأوروبية في واحدة من أكثر الملفات حساسية لدى الدول العربية، وهي استضافة السعودية محادثات روسية-أمريكية، حول الحرب في أوكرانيا، وهذا يجعل من السعودية الشريك الأكثر موثوقية بالنسبة لأوروبا في هذا الملف.

هل-تتخطى-الخطة-العربية-لإعادة-الإعمار-تحدياتها-التنفيذية-in-3.jpg

إعادة الإعمار: التحديات والتعقيدات

تواجه الجهود العربية لإعادة إعمار قطاع غزة تحديات وتعقيدات مُتعددة ومُركبة، وتتعلق بالجوانب الفنية واللوجستية والأمنية والسياسية والاقتصادية، وتزداد تعقيداً بالنظر إلى حجم الدمار في القطاع جراء الحرب، والذي طال مختلف جوانب الحياة فيه السكنية والبنى التحتية والمرافق الحيوية، بالشكل الذي وضع سكانه وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة، وأهم تلك التحديات:

أولاً: تحديات فنية ولوجستية

تعتبر الحالة الميدانية للقطاع، التحدي الأبرز أمام مُباشرة عمليات إعادة الإعمار، حيث نسبة الدمار والركام فيه غير مسبوقة بالمُقارنة مع الحروب السابقة التي شهدها القطاع، فحوالي 60% من المساكن في القطاع مُدمرة وفق تقرير الأمم المتحدة الصادر في 12 فبراير 2025، ويترتب عن ذلك تداعيات وآثار تطال البيئة والإنسان، إذ أفادت تقارير أممية أن الركام المنتشر في القطاع والذي يقدّر بحوالي 50 مليون طن، يحتوي على مئات الآلاف من الأطنان من مادة الأسبستوس وهي مجموعة من الألياف المعدنية، التي تًصنفها منظمة الصحة العالمية ضمن المواد الخطرة التي قد يُسبب التعرض لها الاعتلال والوفاة، وانتشار هذه المادة لا يُهدد فحسب أهالي قطاع غزة، بل كذلك الفرق الإنشائية التي ستعمل ضمن عمليات إعادة الإعمار، بالإضافة إلى تلوث الشواطئ والتربة والمياه نتيجة تعطل أنظمة الصرف الصحي في القطاع وفق تقييم الأونروا.

إلى جانب التحدي المتمثل في الذخائر غير المتفجرة، والتي قدرت حتى ديسمبر 2024 بحوالي (6-9) آلاف قطعة غير مُتفجرة، بحسب معهد واشنطن، ولا يشمل ذلك التقدير قذائف المدفعية أو الصواريخ أو قذائف الهاون، وتعتبر هذه الذخائر خطراً يُهدد حياة المدنيين في القطاع على المدى البعيد، وتشكّل تحدياً لفرق إعادة الإعمار يعيق التنفيذ، وتتطلب دراسات أولية للتقييم بشأن حجمها وأماكن انتشارها ونوعيتها، وكذلك يتطلب الكشف عنها وسط أطنان الركام تقنيات وأدوات مسح متطورة تعمل من الجو وعلى الأرض. ويجب على الجيش الإسرائيلي أن يتحمل مسؤوليته في الكشف عن سجل بيانات ضرباته الجوية والبرية في قطاع غزة، والأسلحة المستخدمة، لتسهيل عمل الفرق المختصة.

من جهة أخرى؛ تواجه عمليات إعادة الإعمار بعائق البُنية التحتية العسكرية لحركة حماس، وخاصة شبكة الأنفاق، والتي تعتبرها الحركة بُنية استراتيجية يُمنع المساس بها، وقد تلعب دوراً سلبياً في تسهيل عمليات إعادة الإعمار من خلال التشكيك بالدوافع الأمنية لفرق العمل الميداني، أو المشاريع أو الشركات المنخرطة بالعملية، ومثل ذلك؛ قد يدفع بعض الفئات في قطاع غزة للنظر بسلبية تجاه العاملين والذي يضعهم وسط مخاطر أمنية وبيئة عمليات معقدة.  

ثانياً: تحديات فلسطينية-إسرائيلية سياسية

تُواجه خطط إعادة إعمار قطاع غزة، بتحديات سياسية أساسية تُعنى بالعلاقة بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من جهة، وفي العُلاقة الفلسطينية-الإسرائيلية من جهة أخرى. حيث يسبق الحديث عن إعادة الإعمار مسائل لا تقل أهمية، من بينها نظام الحُكم في القطاع ما بعد الحرب، إذ ترفض إسرائيل وجود أي دور للسلطة الفلسطينية في حكم وإدارة قطاع غزّة، وقد تعارض تدخل السلطة الفلسطينية في مشاريع إعادة الإعمار، وهو ما يخلق فجوة بين متطلبات الخطة وواقع الأوضاع السياسية على الأرض، خاصة مع عدم وجود بديل فلسطيني جاهز ومؤهل ومتفق عليه فلسطينياً ودولياً. كما أن إدارة ترامب قد تدعم إسرائيل في هذا الاشتراط بخلاف إدارة بايدن التي طرحت استلام السلطة الفلسطينية للحكم بعد القيام بإصلاحات فيها، ويتضح ذلك من قيام ترامب في 19 فبراير بوقف تمويل الأجهزة الأمنية في السلطة. وهذه المعضلة سوف تكون ماثلة أمام الدول العربية، حيث الذهاب إلى إعادة الإعمار دون دور رئيس للسلطة الفلسطينية سوف يُرسخ الفصل الجغرافي بين الضفة والقطاع، ويفاقم من التحديات التي تواجه "حل الدولتين". وبشكل عام يتصل ذلك بمسائل أكثر تعقيداً، في ضوء حاجة الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة تحديداً إلى سُلطة شرعية لا تُشرف فحسب على إعادة الإعمار، وإنما تقوم بإدارة مختلف شؤون الحياة اليومية، في مُقدمتها إنفاذ القانون وحفظ الأمن، فمن دون ذلك ستواجه مشاريع إعادة الإعمار بيئة أمنية هشة وصعبة، وسوف تتردد الدول والمنظمات المانحة خوفاً من استغلال تلك المشاريع أو وضعها رهينة بقرار من الفصائل الفلسطينية المسلحة.

ثالثاً: تحديات أمنية وعسكرية

تعتمد عملية إعادة الإعمار على تنفيذ وقف الحرب بشكل كُلي ومستدام، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من مختلف مناطق القطاع، مع ذلك فإن هذا الشرط يواجه بتحد بدأ يظهر مع الانتقال إلى مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، والصعوبات التي واجهت المرحلة الأولى من تنفيذه، حيث عاد خطاب استئناف الحرب الإسرائيلي للتصاعد من جديد، إذ أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 18 فبراير على مواصلة الجيش الإسرائيلي للعمليات العسكرية الميدانية "طالما استدعت الضرورة".

مع ذلك؛ فإن استئناف الحرب لا يعتبر التحدي الأمني الوحيد أمام إعادة الإعمار، فقد اختبرت الدول العربية والأوروبية من قبل دورات مختلفة من عمليات إعادة الإعمار في قطاع غزة، وبينما تعتبر هذه المرة الأكبر حجماً والأكثر حاجة للتمويل، فإن مختلف الدول سوف تبحث عن كيفية تحقيقها بشكل أكثر استدامة ولتأكيد على أن استثماراتها في إعادة الإعمار لن تُفشل بسبب أي تصعيد عسكري أو أمني  مستقبلي متوقع، خاصة بالنظر إلى موجات التصعيد  المتكررة والمتقاربة منذ حرب عام 2008 وحتى 2021  والتي بلغت  أربعة حروب، تطلبت عمليات الاعمار إثرها ما يقدّر بحوالي 10 مليار دولار، وقد دمرت الحرب الحالية ما تم تنفيذه من مشاريع اقتصادية وحيوية وإسكانية خلال مشاريع الإعمار السابقة. بالتالي يعتبر ضمان عدم استدامة الإعمار عاملاُ حيوياً في تنفيذه وتمويله وتحديد مشاريعه.

هل-تتخطى-الخطة-العربية-لإعادة-الإعمار-تحدياتها-التنفيذية-in-2.jpg

لكن؛ في ضوء عدم تقديم إسرائيل لضمانات بعدم استئناف الحرب أو البدء بحرب جديدة بعد سنوات، وفي ظل السلاح المنتشر بيد الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، واحتمالات استخدامه في مواجهة جديدة مع إسرائيل، أو في داخل القطاع بين الفصائل أنفسها، أو في مواجهة أي قُوة أمنية وسياسية قد تُدير القطاع مستقبلاً (كما حدث عام 2006)، فإن الدول والمانحين سوف يحجمون عن دعم عملية إعادة الإعمار باستثناء دعم التعافي المبكر.

رابعاً: تحديات ما بعد التعافي 

تعمل الخطة العربية على نطاق محدود من إعادة الإعمار، حيث تدعم القطاع ليبقى قابلاً للحياة وتمنع أفكار ومخططات التهجير التي تتخذ من الحالة الميدانية للقطاع ذريعة لها، وبذلك فإن التمويل المخصص للخطة والمقدر بحوالي 20 مليار دولار، لا يمثل سوى جزء من التمويل الكُلي المطلوب لجعل قطاع غزة بيئة آمنة وصحية لسكانه وتدعم سُبل عيشهم، والمقدر وفقاً للأمم المتحدة بأكثر من 53 مليار دولار.

إلى جانب ذلك؛ لا تُوضح الخطة أموراً أساسية، لها دور محوري في تحديد مُستقبل القطاع، من قبيل التخطيط العُمراني قبل الحرب، والذي لم يكن يدعم تحوّل قطاع غزة إلى بيئة حضرية متطورة، وكذلك من جهة هيكل الاقتصاد؛ والذي كان سابقاً معتمداً على المساعدات، وإمكانيات دعم عمليات إعادة الإعمار لهيكل اقتصادي قريب إلى السوق يُحول الخطة من تعافي قريب المدى، إلى تنمية اقتصادية بعيدة المدى.

من جهة أخرى؛ فإن بقاء قطاع غزة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار، كما كان من قبل السابع من أكتوبر، لن يُحقق سوى القليل من النتائج على مستوى المجتمع والاقتصاد والحُكم، وسيبقى قابلاً لدعم سيطرة الفصائل على السلطة فيه مستقبلاً، وهذا بحد ذاته يقوض عملية إعادة الإعمار، ويمنع القطاع من توظيف القدرات والامكانيات المتاحة في القطاع، سواء في قطاعات مثل السياحة أو الطاقة، أو إنشاء بنى تحتية متطورة واستراتيجية مثل الموانئ والمطارات، لحل هذه المعضلة؛ يجب أن تترافق عملية إعادة الإعمار مع مفاوضات جادة تضمن رفع الحصار والتوصل إلى حل يضمن للفلسطينيين تحقيق مصيرهم، ومثل هذه المشاريع الاستراتيجية المستقبلية، يُمكن أن تُقدم إلى الإدارة المستقبلية على شكل منح أو قروض من أجل دمج الاقتصاد الغزي في الاقتصاد المالي العالمي، باعتبارها ضمانات على الإدارة القادمة بالحفاظ على مكتسبات إعادة الإعمار.

وأخيراً؛ من الواضح أن الدول العربية جادة في التوافق حول خطة لإعادة إعمار قطاع غزة، هدفها الرئيس تحقيق التعافي لأهالي القطاع، ونقض ذرائع الرئيس دونالد ترامب بتهجير مواطنيه، وإحباط المخططات الإسرائيلية بشأن ذلك، لكن يبدو ذلك التوافق حول الخطة هو الجزء الأكثر سهولة منها بمقابل التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والإجرائية التي ستواجه تنفيذها.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات