منظمات دولية موازية: "+G7"

هذا التقرير هو المادة الافتتاحية لملف "أوراق على طاولة الـ G7" الذي سينشر فيه تباعًا قسم البحث والتحليل عدة عناوين تناقش قضايا استراتيجية ملحة على الصعيدين: الدولي والإقليمي. ويبحث هذا التقرير في قدرة المنظمات الدولية الحالية - مثل مجموعة السبع - على الاستجابة للأزمات الكبرى مثل تفشي فيروس "كورونا" المستجد، ويحاول تقييم مدى متانة مجموعة السبع بشكلها الحالي في تجاوز التحديات المتعددة.

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ٢٧‏/٠٧‏/٢٠٢٠

أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن تأجيل انعقاد قمة مجموعة السبع إلى سبتمبر 2020، بعد تعذر عقدها في موعدها المحدد في يونيو 2020؛ ويعود ذلك إلى الإجراءات الوقائية المتبعة للحد من تفشي فيروس "كورونا" المستجد. إلا أن هذا التأجيل ليس هو التغيير الوحيد الذي طرأ على عقد القمة التي تستضيفها واشنطن لهذه الدورة، فقد اقترح ترامب توسيع قائمة الدول المدعوة للمشاركة فيها؛ وتتضمن كل من: روسيا، والهند، وكوريا الجنوبية، وأستراليا.

وفي حال عُقدت القمة بضيوفها الجدد، فسيكون هذا التوسع "المؤقت" هو الأكبر على الإطلاق منذ تأسيس المجموعة في عام 1975 بعضوية 6 دول؛ وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا الاتحادية "الغربية"، وإيطاليا، واليابان، بالإضافة إلى كندا التي انضمت إلى التجمع الدولي في العام التالي. وكان هدف مجموعة السبع "G7" هو تبادل الأفكار والحلول الممكنة للأزمات الاقتصادية العالمية بين أكبر الاقتصادات الصناعية والديمقراطية على مستوى العالم، في مرحلة شهدت انقسام النظام الدولي إلى قطبين متصارعين أيديولوجياً: رأسمالي غربي، وشيوعي شرقي.

ومعظم المنظمات العالمية الحالية، هي نتاج مرحلة "ما بعد الحرب العالمية الثانية"؛ أي استُحدثت لمواجهة تحديات تختلف عن التحديات السائدة في الظروف الراهنة، لذا لا يُفترض من هذه الكيانات التغلب على التحديات المعاصرة ما لم تقم بتطوير منطق عملها وهيكلها الإداري. وإذا ما فشلت في هذه المهمة وعجزت عن التكيف مع المستجدات، فإن منظمات جديدة ستقوم بملء الفراغ وتتقدم إلى الواجهة؛ وكما يقول المثل: "إن لم تتقدم، تتقادم".

وفي دراسة قديمة نسبياً صدرت في سبتمبر 2005 عن "جمعية العلوم السياسية الأمريكية" بعنوان (لماذا تستمر المنظمات الدولية في الفشل بتحقيق أهداف التنمية؟) تم استعراض ضعف فعالية بعض المؤسسات (مثل: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي) في خفض نسب ومعدلات الفقر عالمياً. وتشير الدراسة في هذا الصدد إلى أن تزايد عدد الدول الأعضاء واختلاف الأهداف؛ يقوضان من القدرة على صياغة استراتيجية متفق عليها وقابلة للتطبيق على أرض الواقع. كما تؤكد الدراسة على أن القادة السياسيين في بعض الدول لا يكترثون بمعايير الحوكمة الرشيدة التي تتطلب سياسة عامة منضبطة يتم ممارستها بشفافية أمام جمهور الناخبين.

وتعرض هذه‎ الدراسة الصادرة قبل 15 عاماً سيناريو متشائماً تفترض فيه انخفاض نجاعة المنظمات الدولية القائمة في تحقيق التطلعات المرجوة، ما لم تقم بإصلاحات جذرية في أسلوب عملها "Modus Operandi"؛ وذلك من خلال خفض عدد العمليات التي تديرها، وإعطاء الزخم للجهد النوعي؛ إذ انتقدت الدراسة التركيز على مدخلات العمليات على حساب مخرجاتها؛ مثل: التركيز على القروض، على حساب خفض وطأة الفقر.

وفيما يتعلق بمجموعة الدول الصناعية السبع "G7" يُلاحظ أن ما تصورته هذه الدراسة قد تحقق، فالتناقضات السياسية بين الدول الأعضاء قوضت من إمكانية التوصل إلى توافق مبدئي عام على الرؤى والأهداف المتعلقة بالنظام الاقتصادي الدولي. وغني عن القول بأن الهوية السياسية لهذه المنظمة تعاني من الغموض، ويصعُب تحديد توجه سياسي عام بين أعضائها.

فبعد أن جُمدت عضوية روسيا من مجموعة الثماني إثر ضمها لشبه جزيرة القرم في مارس 2014، وبدل أن تتفق مجموعة السبع على مواجهة التهديد السياسي الصيني والروسي؛ أخذت الهوة تتسع ليصبح الخلاف يتمحور حول الخطوط العامة المسيّرة للنظام الاقتصادي الدولي؛ أي أن الخلاف لم يعد يقتصر فقط على التفاصيل.

وعليه؛ فيمكن القول إن هذه الهوة تعكس خلافاً حول أيديولوجية الرأسمالية بين تيار يطالب بتدفق سلس وفعال للبضائع ورأس المال عبر العالم دون وجود حواجز جمركية مبالغ فيها، وبين من يلجأ إلى السياسات الحمائية لتعزيز مصالحه القومية والشعبية. كما يتفاعل في العمق، خلاف حول الحريات والقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعرقل مثل هذه‎ الانقسامات الفكرية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، من إمكانية تحقيق أهداف المجموعة. لذا يمكن وصف مجموعة الـ G7 على أنها تعاني من فشل في النظام "Systemic Failure".

ويحمل رد المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، على سؤال صحفي حول مقترح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعقد لقاء حقيقي وليس لقاء عن بعد لقِمة السبع، دلالة عميقة على هذا الفشل. إذ قالت في مايو 2020 أنه: "بغض النظر عن الشكل الذي سيتم به هذا اللقاء، سواء عبر الفيديو أو بشكل آخر، فإنني سأظل أكافح من أجل التعددية على أية حال، وهذا واضح تماماً سواء في مجموعة السبع أو في مجموعة العشرين أيضاً".

وفي ظل تنامي الإدراك بحالة الفشل في النظام التي تعتري منظمات دولية مهمة، تتعالى الأصوات المطالبة بإصلاح جذري في هذه المنظمات، ويتسارع الانضمام إلى منظمات جديدة "موازية" في أهدافها للمنظمات القائمة. فمثلاً، لا يمكن لدول "أوبك" أن تنجح في تطبيق خفض الإنتاج العالمي من النفط دون التنسيق في إطار صيغة "أوبك +". وهذه الأخيرة تجمع الدول المصدرة للنفط، وبرزت في خريف عام 2016، كرد فعل على تغيّر قواعد العرض والطلب التقليدية الناظمة لأسواق الطاقة. وبالمثل يمكن افتراض أن يتم توسع مجموعة "G7" لتصبح "+ G7"؛ وذلك لرفع كفاءة المنظمة الحالية.

mnzmat-dwlyt-mwazyt.jpg

وتسعى دول "بريكس" – وهي اختصار يتضمن الأحرف الأولى من الدول الأعضاء المتمثلة في: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا – إلى ممارسة التأثير على القرار الاقتصادي العالمي، لا سيما وأن البيانات المنشورة على موقع قمة بريكس لعام 2019 أظهرت أن ناتج دول المنظمة الأعضاء يشكل 23٪ من الناتج الإجمالي المحلي العالمي و18٪ من حجم التجارة العالمية. وفي الوقت الذي تنمو فيه المساهمة النسبية لدول هذه‎ المنظمة في الاقتصاد العالمي، تتضاءل هذه المساهمة لدول الـ "G7". فوفقاً لأرقام نشرها مجلس العلاقات الخارجية في أغسطس 2019، أصبحت دول مجموعة السبع تساهم بنحو 50٪ من الناتج الإجمالي المحلي العالمي مقارنةً بمساهمتها بـ 70٪ من هذا الناتج قبل 3 عقود.

ولا تخفى النزعة السياسية لهذا التكتل، فقد اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مقال نشر في نوفمبر 2019 تزامناً مع القمة الـ 11 للمنظمة، أن بريكس هي إحدى ركائز تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب.

وما يعزز الانزياح نحو عالم متعدد الأقطاب، هو توجه دول عديدة إلى عقد تحالفات إقليمية محددة الأعضاء والأهداف، وهذا التوجه نحو الإقليمية التي يمكن السيطرة عليها، يأتي بديلاً عن العولمة شديدة التعقيد والاتساع. كما غاب في الأونة الأخيرة، الإجماع على آلية موحدة لمواجهة القضايا الملحة، مثل التهديدات الأمنية المتمثلة في الإرهاب؛ فالولايات المتحدة الأمريكية تتبنى مقاربة تختلف عن تلك التي تتبناها كل من: روسيا أو الصين.

كما شهدت قاعات مجلس الأمن تبادل الاتهامات بين الدول الخمس دائمة العضوية حول المسؤولية المباشرة/غير المباشرة عن بعض الأحداث الخطيرة، مثل الاعتداءات على ناقلات النفط في مياه الخليج العربي. كما لم ينجح المجلس في تسوية بعض النزاعات الراهنة، مما خلق فراغاً يجري ملؤه عبر فاعلين طامحين لتعزيز حضورهم في المشهد الدولي.

وليس غريباً أن تحل بعض المؤسسات الدولية الجديدة محل المؤسسات القائمة التي عجزت عن حماية مبادئها الأساسية. فالأمم المتحدة مثلاً أُنشئت نهايةَ الحرب العالمية الثانية بعد أن ثبت عدم قدرة عصبة الأمم على حفظ الأمن الجماعي، ولعدم نجاعتها في التنبؤ بالحرب العالمية الثانية.

إلا أن هذا الإحلال (أي أن تحل منظمات جديدة مكان القديمة) ليس حتمياً، وليس بالضرورة أن يحمل في طياته الحلول لما يستجد من أزمات. ولربما يُسبب هذا الإحلال فوضى مؤقتة تزيد من الاضطراب، وتضع مزيداً من الملح على الجرح. لذا تقترح النخبة العالمية إدخال تعديلات جذرية على المؤسسات والمنظمات الكبرى بحيث تستطيع التأقلم مع الظروف الجديدة الضاغطة.

وفي هذا الصدد، تقيّم منظمة الصحة العالمية حالياً تجربتها في التعامل مع أزمة "كورونا" والتي تعتبر أخطر ما واجه البشرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فعلى وقع تقييمات صدرت من حكومات وخبراء محايدين، طالبت منظمة الصحة العالمية في مايو 2020 دولَ العالم بالاستعداد لـ "الوباء المقبل" عبر الاستثمار في الصحة الوقائية. وهو ما يبدو اعترافاً ضمنياً من المنظمة بضرورة إجراء مراجعة شاملة للجهود المبذولة في احتواء الفيروس، وتقييم أوجه القصور التي رافقت الاستجابة الدولية له، والتي كان يُفترض بها – أي الاستجابة – أن تكون متسقة عبر منظمة دولية فاعلة تتولى التنسيق وتبادل المعلومات في وقت مبكر؛ وذلك بالتعاون بين الدول الأعضاء، وحتى غير الأعضاء.

ويأتي طرح عقد قمة موسعة لمجموعة السبع التي أطلقنا عليها آنفاً اسم "+ G7" في وقتٍ تبذل فيه كل الاقتصادات العالمية الجهود لمواجهة تداعيات أزمة "كورونا" المترتبة على الحياة العامة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. وقد ارتأى مركز أبحاث ستراتيجيكس تسليط الضوء على أهم القضايا الاستراتيجية التي تُطرح على مائدة الاجتماعات الدولية المهمة، إيماناً منه بضرورة رفد القارئ العربي بتحليلات موضوعية تتناول الملفات الجدلية المستجدة في ميدان العلاقات الدولية.

وسواء عُقدت القمة بنسختها الموسعة أم لم تعقد، ستظل هذه القضايا مطروحة على طاولة الحوارات العالمية طيلة العقد الثالث من القرن الـ 21، الذي استُهل بأحداث ضخمة؛ كمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وما تلاه من توتر، والإعلان عن صفقة القرن، وتحول فيروس "كورونا" المستجد إلى جائحة عالمية، بالإضافة إلى التوتر الأمريكي الصيني الآخذ في التفاقم حول عدة ملفات؛ منها: تحديد المسؤول عن تفشي الفيروس، وما يتعلق بالتجارة الدولية، وقانون "حماية الأمن القومي في منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة".

وإلى مطلع سبتمبر 2020، الشهر الذي قد تُعقد فيه القمة تزامناً مع اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، سيقوم قسم البحث في مركز ستراتيجيكس بنشر سلسلة مواد حول أهم القضايا الدولية الشائكة؛ وذلك في ملف خاص بعنوان "أوراق على طاولة الـ G7"، والهدف من هذه ‎المواد المُراد نشرها، ليس فقط استشراف القرارات التي قد تتمخض عن قمة مجموعة السبع القادمة، وإنما هي محاولة لفهم طبيعة العلاقة الجامعة لدول مجموعة السبع، وآليات تعاطيها المتباينة مع القضايا العالمية المختلفة، والتركيز على أسباب هذا التباين؛ أي مرده السياسي والاقتصادي.

 

*لتصلكم تقارير ملف "أوراق على طاولة الـ G7" أولاً بأول، بإمكانكم الاشتراك في نشرتنا البريدية عبر موقعنا، أو من خلال متابعة صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات