مستقبل موارد الطاقة في العالم

موارد الطاقة المتجددة وغير المتجددة

في أعقاب انتشار مفهوم نفاذ موارد الطاقة التقليدية، والذي أدى إلى ظهور التغير المناخي ومشكلة الاحتباس الحراري؛ تتجه أنظار العالم إلى البحث عن موارد طاقة بديلة عن الموارد التقليدية التي عرفتها البشرية فيما سبق، لاستخدمها بشكل كامل في التنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي وسباق التسلح. وضمن هذا السياق؛ تستعرض هذه المادة بعضا من موارد الطاقة المتجددة وغير المتجددة ونسبة الطلب العالمي عليهما، كما وتشير إلى مصادر الطاقة التي سيتوجه إليها العالم مستقبلا.

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGEICS
  • تاريخ النشر – ٢٢‏/٠٢‏/٢٠١٩

تتجه أنظارُ العالم إلى البحثِ عن مواردَ طاقةٍ بديلة عن الموارد التقليدية التي عرفها العالم فيما سبق، لاستخدمها بشكلٍ كامل في التنمية الاقتصادية والتقدّم التكنولوجي وسباق التسلّح.

جاء هذا البحث نتيجةً لسببين اثنين؛ أولهما، انتشار مفهوم أو مصطلح نفاذ موارد الطاقة التقليدية، أمّا السبب الثاني فقد كان نتيجةً للأول وهو التغيّر المناخي ومشكلة الاحتباس الحراري. وقد اعتمد العالم فيما سبق على موارد الطاقة الدفينة أو ما تُعرف بالوقود الأحفوري، والتي تتكوّن من النفط والغاز الطبيعي والفحم. ونظراً لأهميتها في تحديد القوة وفرض السيطرة تسابقت دول العالم فيما بينها من أجل السيطرة على موارد الطاقة للاستفادة منها في مختلف جوانب الحياة. يشير التقرير السنوي الصادر عن وكالة الطاقة الدولية لسنة 2017 بأنّ الطلب العالمي على موارد الطاقة قد نما بنسبة 2,1% لعام 2017 وهو أكثر من ضِعف معدّل النموّ في عام 2016. أمّا فيما يتعلق بالطلب العالمي على الطاقة فقد بلغ 14,050 مليون طن في 2017 بالمقارنة مع 10,035 مليون طن في عام 2016.

أولاً: موارد الطاقة غير المتجددة (الوقود الأحفوري)

تتكوّن موارد الطاقة غير المتجددة من النفط والغاز الطبيعي والفحم والتي تُعرف بالوقود الأحفوري، وبسبب زيادة النموّ المتسارع في أعداد سكان العالم، وما لازمه من زيادةٍ في استهلاك موارد الطاقة بالتصنيع وتشغيل المصانع، ووسائل النقل، وتدفئة المنازل، وإنتاج طاقة الكهرباء، وبسبب ارتفاع حِدّة التنافس بين دول العالم وخاصّة الدول الصناعية الكبرى كالصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وألمانيا وفرنسا في مجال التصنيع والمصانع،  أدّى ذلك كلّه إلى ارتفاع الطلب العالمي على كلٍّ من؛ النفط  بنسبة 1,6% أي ما يعادل 1,5 مليون برميل في اليوم، والغاز الطبيعي بنسبة 3% والفحم الحجري بنسبة 1% في عام 2017.

131.jpg

ثانياً: موارد الطاقة المتجددة: (الطاقة الشمسية، طاقة الرياح)

تمتاز موراد الطاقة المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية بأنّها غير قابلة للنفاد، وغير محصورة في بلدانٍ معيّنة، بالإضافة إلى أنّها صديقة للبيئة ولا ينتج عنها انبعاثاتٌ سامّة كانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، على غِرار مصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز الطبيعي والفحم.

ففي ظلّ ارتفاع أعداد سكّان العالم وزيادة التنافس بين دول العالم مع بقاء مخزون الوقود الأحفوري ثابتاً أو منخفضاً عن العقود الماضية، فقد تحوّل العالم للبحث عن موارد طاقةٍ بديلة، غير قابلة للنفاد، من أجلِ الاعتماد عليها واستخدامها في شتّى المجالات، مما دعى دول العالم إلى الاستثمار وضخّ الأموال في مجالات الطاقة المتجددة.

إذ يستثمر العالم ما يقارب 11,5 ترليون دولار في الطاقة المتجددة وفي التكنولوجيا الخاصة بها من  أجل الاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحتى الطاقة الحيوية في الإنتاج والتصنيع وفي وقود المركبات وفي إنتاج الطاقة الكهربائية. فمع حلول عام 2050 يُقدّر إنتاج طاقة الكهرباء بالاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحوالي 50% من كهرباء العالم، بينما 29% من كهرباء العالم فقط يتم إنتاجه بالاعتماد على الوقود الأحفوري .

new-01.jpg

يوضّح الرسم البياني السابق معدّل الطلب على الطاقة المتجددة من عام 2000 ولغاية 2017، نلاحظ من الشكل السابق بأنّ مصادر الطاقة المتجددة شهدت أعلى معدّل نموّ لأيّ مصدرٍ للطاقة في 2017. حيث نما الطلب على الطاقة الشمسية بمقدار 1,2% في عام 2017، أمّا فيما يتعلّق بطاقة الرياح فقد نما الطلب العالمي عليها بنسبة 0,75% من عام 2000 ولغاية 2017، كما نما الطلب الكُلّي على الطاقة الهيدروجينية بنسبة 0,12%.

إنّ النموّ غير المسبوق في الطلب على موارد الطاقة المتجددة جاء بسبب اعتماد الصين والولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ كبيرٍ على موارد الطاقة المتجدة في شتّى المجالات، خاصّة في عملية توليد الكهرباء الذي يشكّل ما نسبته 50% من الزيادة في توليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.

وعند الحديث عن الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، تتصدّر الصين قائمة أكثرِ دولِ العالم استثماراً في هذا القطاع، بحوالي 5,5 ترليون دولار، تليها كلٌّ مِن أمريكا والاتحاد الأوروبي بما يقارب 1,9 ترليون دولار، ثم الشرق الأوسط وتركيا بـ1,6 ترليون دولار، أمّا باقي دول العالم فقد خصّصـت ما يقارب 0,5 ترليون دولار في الطاقة المتجددة. تعتمدُ مصادر الطاقة المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية على التطوّر التكنولوجي في صناعة البطاريات، والتي تُعتبر العمود الفقري لمصادر الطاقة المتجددة التي يمكن أن يتمّ تخزين الطاقة من خلالها، إذ من الممكن أن يصلَ حجم تخزين البطاريات إلى 1,291 Gw مع حلول عام 2050؛ من أجل توظيفها في قطاع التصنيع والإنتاج، وحتى في مجال المركبات التي تعمل على الطاقة الكهربائية بشكلٍ كامل.

بسبب هذا التطوّر التكنولوجي في زيادة قدرة البطاريات على تخزين الكهرباء، فإنّه من المُقدّر أن تنمو مبيعات المركبات التي تعمل على الطاقة الكهربائية بشكلٍ كامل من 1,8% إلى 40% من المبيعات بحلول عام 2050. وهذا يتطلب 2,000 تيرا واط في حوالي 2040 و3,414 تيرا واط بحلول 2050 وهذا يساوي ما يقارب 9% من الطلب الكلي.

موارد الطاقة في المستقبل

نتيجةً لارتفاع معدّلات نموّ سكّان العالم والمُقدّر أن يتجاوز 9 مليار نسمة في عام 2040، وبسبب نموّ الاقتصادات وازدهار المجتمعات من جهة، واحتدام وتيرة الصّراعات ما بين الدول العُظمى من جهةٍ أُخرى؛ كالصراعات الاقتصادية والتجارية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين التي تُعتبر من أكثر دول العالم استهلاكاً للطاقة، والمُقدّر أن تبلغَ قيمة استهلاك كلٍّ منهما عام 2040 من الطاقة 4319 مليون طن نفط مكافئ للصين، و2299 مليون طن نفط مكافئ للولايات المتحدة الأمريكية.

مما دفع كلتيهما إلى التسابق والتنافس على امتلاك مصادر الطاقة التي تمكّنها من زيادة قوّتها الاقتصادية كقوّة أولى على العالم. أمّا في الجهة المقابلة وعلى الصّعيد السّياسي والعسكري تتنافس كلٌّ مِن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من أجل إحكام سيطرتها على باقي دول العالم، وخاصّة التي تتمتع بمخزونٍ احتياطي من النفط والغاز الطبيعي، كالبلدان العربية التي تتمتع بــ55% من احتياطي النفط  العالمي.

يشيرُ ذلك كلّه إلى استمرار اعتماد العالم على مصادر الطاقة التقليدية (النفط، الغاز الطبيعي، الفحم الحجري) حتى عام 2040. فمن المتوقّع أن ينمو الطلب العالمي على النفط في عام 2040 إلى 106 مليون برميل في اليوم، أي أكثر بـ 11 مليون برميل في اليوم عن عام 2017.

وعلى الرغم من الزيادة في الطلب؛ إلّا أنّ حصّة النفط من استهلاك مصادر الطاقة سوف تتراجع بنسبة 27% في سنة 2040، ويُعزى ذلك لعدّة أسبابٍ؛ منها أسباب سياسية تتمثّل في خفض إنتاج الدول التي تمتلك احتياطي نفطي بسبب بدء انخفاض مستوى المخزون  النفطي الاستراتيجي كالدول العربية وخاصّة دول الخليج العربي، ومنها أسباب التقدّم والتطوّر التكنولوجي في الآلات والمّعدّات الصناعية المرشدة للطاقة والوقود.

أمّا فيما يتعلق بالغاز الطبيعي سوف ينمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي في عام 2040 ليبلغ 100 مليار متر مكعب بالمقارنة مع عام 2017، أي ما يعادل نسبة نمو 147%، ويعود ذلك إلى توجّه دول العالم للاعتماد على الغاز الطبيعي في إنتاج الطاقة الكهربائية والمستخدمة في المصانع والتصنيع بدلاً من النفط والفحم الحجري الذي من المتوقع أن ينخفض الطلب العالمي عليه بنسبة 3%، لينحصر استخدامه فقط في المصانع.

يتجه العالم للاعتماد على الغاز الطبيعي في المقام الأول من بين مصادر الطاقة التقليدية؛ بسبب انخفاض تكلفة إنتاجه، وانخفاض نسبةِ التلوّث البيئي وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، التي تُعتبر المُسبّب لمشكلة الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي؛ الذي دفع دول العالم إلى اللجوء لموارد طاقةٍ بديلة صديقةٍ للبيئة كالطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، الطاقة النووية، الطاقة الهيدروجينية وحتى الطاقة الحيوية).

يتجه العالم إلى مصادر الطاقة المتجددة في المستقبل من أجل الاستغناء أو حتى تخفيض اعتمادها على مصادر الطاقة التقليدية؛ كالنفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري، إذ من المتوقّع أن ينمو إنتاج الطاقة الكهربائية بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة إلى ثلاثة أضعاف، أي ما يُعادل 1100 طن نفط مكافئ في عام 2040، أي ما يقارب 40%.

ويمكن أن يتم توظيفها في قطاع النقل والتطبيقات الإلكترونية، إذ تُعتبر الصين من أكثر دول العالم استخداماً للطاقة الشمسية، تليها زيادة الطلب على الطاقة الحيوية لتبلغ 7طن مكافئ طاقة، ثم تليها طاقة الرياح والطاقة المائية .

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات