مستقبل مسار التحولات في إيران
إيران والشرق الأوسط
من الممكن أن تساهم عقوبات 4 نوفمبر أو ما يليها، في خلق حالة من التحفز الإقليمي للوصول إلى التسويات المرغوبة من جهة، وفي رفع الكلفة الاستراتيجية للنفوذ الإيراني في المنطقة من جهة أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن واشنطن تعطي لإيران مساحة من المناورة، لسببين: الأول هو اللجوء إلى التفاوض بشكل سري. والثاني هو موازنة الضغط على إيران، بحيث تتجنب دفعها إلى المبادرة في حرب تعجز المنطقة عن تحمل تكلفتها. "فلا توجد ضمانات أن الاستراتيجية الأمريكية ستؤدي أهدافها في جلب إيران للتفاوض حول اتفاق شامل"، إلا أن بعض المراقبين يتوقعون أن تصاعد أدوات الضغط الأمريكي يمكن أن ينجح هذه الاستراتيجية. جاء ذلك في استشراف استراتيجي نشره ستراتيجيكس في فبراير 2019، فإلى أي مدى تستطيع طهران تحمل كلف "الضغط الأقصى"؟ وإلى أي مدى ستستمر الإدارة الأمريكية في سعيها الحثيث إلى تغيير السلوك الإقليمي الإيراني؟
الكاتب بلال العضايلة
- الناشر – STRATEGEICS
- تاريخ النشر – ١٠/٠٢/٢٠١٩
شكّل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، مدعوماً بالعقوبات التي دخلت حيّز التنفيذ في الرابع من نوفمبر للعام الحالي، خطوةً باتجاه رفع مستويات التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يضعنا أمام مستقبلٍ أكثرَ حِدّة بالنسبة للإيرانيين على المستوى الحكومي والشعبي. علماً أنّ الولايات المتحدة لم تستخدم كامل قوّتها مع إيران لغاية الآن. وهذا ما يتفق عليه كثيرٌ من المراقبين، بدلالة تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، الذي أشار في 13 نوفمبر 2018، إلى إمكانية تطبيق حزمةٍ جديدة من العقوبات على إيران والشركات المتعاملة معها؛ ما يعني أنّ هنالك حالة من عدم اليقين حول مستقبل العقوبات من جهة، ومن جهة أُخرى حول مدى قدرة طهران على التكيف مع هذا الواقع الحرج.
فهل تسعى هذه العقوبات لدفع إيران نحو التفاوض على اتفاقٍ شاملٍ جديد، أم هي محاولة لفرض معادلةٍ جديدة لميزان القوى في المنطقة؟
التحليل
تُشير القراءات الحالية إلى أنّ الاقتصاد الإيراني استطاع امتصاصَ الصدمة الأولى لعقوبات 4 نوفمبر، ما يعكس مقدرةً نسبية على التأقلم على المدى القصير.
تدرك القوى المشاركة في عملية الضغط على إيران، أن هنالك كثيرٌ من المحفّزات في الداخل الإيراني، يمكنُ لها أن تكون ضمن الاستراتيجيات المتقدّمة للنَيل من نفوذ إيران، حيث أنّ هنالك ما نسبته 40% من الشعب الإيراني يعيش تحت خطّ الفقر حسب التقرير الأخير للبنك الدولي، والذي أشار إلى صعوباتٍ في الوصول للرقم بدقة. ويُقدّر معدل البطالة بـ12,1% من السُّكان القادرين على العمل حسب معهد الإحصاء الإيراني. عوضاً عن أنّ هناك شريحة واسعة من الشعب الإيراني تريد التحرر من حُكم الدولة الدينية؛ بحسب الدراسات الاجتماعية.
وفي هذا الصدد تعمل الدول المخالفة لسياسات إيران، على توجيه عددٍ من الفضائيات والمواقع الناطقة باللغة الفارسية، بهدف التأثير على سلوك المجتمع الإيراني وقلبه بالضدّ من نظام المرشد. إضافةً إلى ضَعْف المشاركة السياسية الفعلية لشرائح بعينها في إيران لاعتباراتٍ إثنية. لذلك علينا أن نعتبرَ أنّ العقوبات المفروضة والمستقبلية هي جزءٌ من استراتيجية نقل المعركة إلى العمق الإيراني، وعدم الاكتفاء فقط بمحاربة أدوات النفوذ الإيراني الإقليمية.
إلّا أنّ هنالك شكوكاً متزايدة بمدى القدرة على تنفيذ هذه الخطط في ظِلّ السيطرة الأمنية المطلقة للدولة العميقة. ناهيك عن التسويق الأيديولوجي للصراع مع الآخر، مما يجعل من الصعوبة بمكان إحداث اختراقٍ متقدمٍ في عمق الساحة الإيرانية. فضلاً عن أنّ هنالك عدداً من الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والأمنية التي استعدتْ لها إيران للتعامل مع التصعيد الحالي. لكنّ الشكّ يبقى حول مدى قدرة طهران على استدامة هذه الاستراتيجيات الاقتصادية المُتّبعة من قِبل الحكومة الإيرانية؛ حيث رأينا كيف تضررت العملة الإيرانية، إذ كسرَت حاجز الـ105 ألف ريال للدولار، وتعافت بعدها، لتستقر عند مستوى 11500 ريال للدولار، بحسب بيانات البنك المركزي الإيراني.
إنّ هذا الفارق يضعنا أمام عِدّة أسئلة؛ هل فعلاً نجحت الحكومة في الحدّ من تضرر عُملتها بفعلِ استراتيجيةٍ مسبقةِ الإعداد؟ وهل تعلم مدى استمراريتها؟ أم أنّها استراتيجية ردّ فعلٍ مباشِرة بحقن السوق بكمية كبيرة من الدولار لإعادة التوازن؟
لكن من المتوقع أنّ البنك المركزي وضع استراتيجيةً مدتها عامٌ واحد، تمكّنه من التدخّل في سوق النقد الأجنبي في الوقت المناسب، وأنّ الحكومة ستخفف القيود على مكاتب الصِرافة وأنظمة جلب النقد الأجنبي والذهب.
ثمّة مَن يرى أنّ موجة العقوبات الأخيرة والتهديدات الأمريكية لجميع المتعاملين مع إيران، سيجعل الدول الرافضة للعقوبات أُحادية الجانب تفكّر في إطلاق نظامٍ ماليٍ موازٍ لنظام سويفت البنكي، لتجاوز العقوبات الأمريكية. وهذا الأمر شديد التعقيد من حيث الإنشاء والتنفيذ والقبول به عالمياً. وستحاربه الولايات المتحدة الأمريكية بكل قوة، لأنه سيشكل أول خطوةٍ في انتزاع هيمنتها الاقتصادية.
تقييم العقوبات الأمريكية وآثارها
ستعمل واشنطن على تقييم نتائج العقوبات التي فرضتها على طهران بعد ثلاثة أشهر على أقلّ تقدير، لترى مدى تأثّر طهران بها، وستقرر وقتها إذا كانت بحاجة لطرحِ حزمةٍ جديدة من العقوبات أم الاكتفاء بالعقوبات الحالية، في حين أنّه من المتوقع أنّ حزمة العقوبات القادمة لن تكون قبل ستة أشهر إلى عام، ليتم توظيفها في التحضير للانتخابات الأمريكية القادمة عام 2020.
في المقابل ستعمل طهران على استخدام مجموعةٍ من الأوراق التفاوضية الإقليمية التي تمتلكها، بهدف تحسين موقعها التفاوضي مع الولايات المتحدة الأمريكية. خصوصاً أنّ انسحاب الولايات المتحدة الأُحادي من الاتفاق النووي لم يؤثر على البُعد القانوني للاتفاقية، ولا على شرعية النظام الإيراني.
على العكس من ذلك فقد استغلت الدبلوماسية الإيرانية هذه الإجراءات الأميركية بذكاء لتبدو بمظهر المتضرر من التعسّف الأمريكي، خصوصاً مع عدم قبول المجتمع الدولي بهذه العقوبات غير المبررة، والتي لا تتوافق وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تفيد بالتزام طهران الكامل ببنود الاتفاقية. تدرك طهران أنّه لا يمكن لها أن تعيش في عزلةٍ دوليةٍ وإقليمية، كما تعلم أنّ واشنطن تحاول دفعها لهذه العزلة، ولكنها عمدت إلى تنويع وتعزيز علاقاتها وخياراتها الإقليمية. فمثلاً عملت على تطوير علاقتها مع قطر ودول الإقليم التي تربطها مصالح مشتركة. وثمّة مَن يتوقع أن تكون الأزمة الإيرانية سبباً في إنشاء حِلفٍ دوليٍ جديد يجمع المتخالفين مع أمريكا وحلفائها.
كما أنّ طهران تفاءلت بنتائج الانتخابات النصفية الأمريكية التي جرت مؤخراً، واستحوذ فيها الديمقراطيون على أغلبية مجلس النواب الأمريكي. لكن تحليل الخلفيات العملية للشخصيات لقادمة للمجلس تفيد بأنهم في معظمهم من خلفيةٍ عسكرية حاربت في أفغانستان والعراق، ويدركون مخاطر تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة؛ وعليه لا نتوقع أن يضيّق مجلس النواب الحالي الخناق كثيراً على إدارة الرئيس دونالد ترامب، في سياسته تجاه إيران، انطلاقاً من تقييمات الخطورة والتهديد للأمن القومي الأمريكي، خصوصاً عند الحديث عن القدرات النووية، ومدى استعداد إيران للعودة إلى مستويات تخصيبٍ مقلقة.
من الممكن أن تساهمَ عقوبات 4 نوفمبر أو ما يليها، في خلق حالةٍ من التحفّز الإقليمي للوصول إلى التسويات المرغوبة، ومن جهةٍ أُخرى رفع الكلفة الاستراتيجية للنفوذ الإيراني في المنطقة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ واشنطن تعطي لإيران مساحةً من المناورة، لسببين؛ الأول هو اللجوء إلى التفاوض بشكل سِرّي. والثاني موازنة الضغط على إيران، بحيث تتجنب دفعها للمبادرة في حربٍ تعجز المنطقة عن تحمّل تكلفتها. فلا توجد ضمانات أن الاستراتيجية الأمريكية ستؤدي أهدافها بجلب إيران للتفاوض حول اتفاقٍ شامل، إلّا أنّ بعض المراقبين يتوقعون أنّ تصاعد أدوات الضغط الأمريكي يمكن أن يُنجِح هذه الاستراتيجية.
احتمال البجعة السوداء
عند ازدياد الضغط على الدولة الإيرانية، ستلجأ الى افتعال حربٍ بهدف المبادرة في الضربة الأولى.
بلال العضايلة
مساعد باحث مهتم في قضايا السلم الدولي وفض النزاعات