كيف ترى جماعات الإسلام السياسي الحرب في غزة؟

بالرغم من الجذور المشتركة لجماعات الإسلام السياسي من حيث النشأة والاتجاه، إلا أنّ مواقفها من الهجمات التي نفذتها الفصائل الفلسطينية في غلاف غزة، جاءت متباينة بين التأييد والمعارضة، وعليه تسعى هذه الورقة إلى تشخيص اتجاهات مواقف هذه الجماعات من الحرب في غزة.

الكاتب ستراتيجيكس
  • تاريخ النشر – ٣١‏/١٢‏/٢٠٢٣

شكّلت الحرب في قطاع غزة، نقطة تحوّل في التاريخ الحركي والخطابي لجماعات الإسلام السياسي، وسيكون لها تداعيات طويلة الأمد عليها، من منطلق أنّ حركة حماس المنفذ الرئيسي للهجمات ضد غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، تعتبر امتداداً فكرياً وتنظيمياً لجماعة الإخوان المسلمين، وسيكون للحرب ونتائجها تأثيراً مصيرياً في سلوك الجماعة، والذي بدأ بالظهور لدى فروعها في البلدان العربية، ومن المتوقع تفاعلها أكثر على المدى البعيد، من جهة أن هجمات حماس أضعفت النظرة القائمة للإخوان المسلمين بأنهم جماعة يمارسون سياسات براغماتية ويبتعدون عن الخوض في الرهانات العسكرية الكبيرة.

لكن الفرق الذي صنعته كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، وما تلاه من ممارسات الجيش الإسرائيلي وارتكابه جرائم حرب يومية بحق أهالي غزة، هو مسألة سيتم توظيفها بشكل عالي الاحتراف في خطاب الجماعات الإرهابية والتكفيرية مثل تنظيمي داعش والقاعدة، خاصة أن خطاب حماس الإعلامي حظي بشعبية كبيرة واهتمام عال لدى نسبة كبيرة من الجماهير سواء العربية والغربية، وقد أعادت الحرب تداول الأمريكيين من اليسار الديمقراطي لرسالة كان أسامة بن لادن قد خصصها للأمريكيين أجاب فيها عن الأسباب التي دفعت تنظيمه لمهاجمة المصالح الأمريكية، وتلك البوادر وغيرها من المؤشرات تدفع لتوقع أن المنطقة ما بعد الحرب مُقبلة على موجة واسعة من التطرف.

اتجاهات الخطاب ومؤثراته

بالرغم من الجذور المشتركة لجماعات الإسلام السياسي من حيث النشأة والاتجاه، إلا أنّ مواقفها من الهجمات التي نفذتها الفصائل الفلسطينية في غلاف غزة، جاءت متباينة وتُمثل طيفاً واسعاً من أقصى اليمين حتى وأقصى اليسار، بين مؤيد ومعارض، منخرط ومساند، ويُمكن تشخيص اتجاهات مواقف جماعات الإسلام السياسي كما يلي:

 

أولاً: الاتجاهات المعارضة

 

قدّمت العديد من جماعات الإسلام السياسي خطاباً مضاداً لحركة حماس، ومعارضاً لعملية "طوفان الأقصى"، وقد جسدت الحركة الإسلامية في إسرائيل هذا الخطاب، بجناحيها الجنوبي والشمالي. وبالرغم من أن خطابها هذا مدفوعاً بتفادي رد الفعل الإسرائيلي تجاه العرب في إسرائيل، إلا أنه ناتج عن تحولات سابقة مرت بها الحركة الإسلامية في إسرائيل، كما يلي:

الحركة الإسلامية \ الجناح الجنوبي: انخرط الجناح الجنوبي في العملية السياسية الإسرائيلية، وشارك في انتخابات الكنيست، وحصلت القائمة العربية الموحدة بزعامة منصور عباس على خمسة مقاعد من أصل 120 مقعداً في الانتخابات الأخيرة التي أجريت عام 2021، وبالتالي فقد انسجم موقفها من الحرب مع الرواية الرسمية الإسرائيلية، فقد حمّل زعيمها، حركة حماس المسؤولية عن "المذبحة المروعة" في غلاف غزة، وعندما أنكرت العضو في الكنيست عن الحركة الإسلامية، إيمان خطيب، روايات استهداف الأطفال والنساء الإسرائيليين في غلاف غزة، طالبتها الحركة بالاستقالة، قبل أن تعود للاعتذار.

الحركة الإسلامية \ الجناح الشمالي: سعى الجناح الذي يتزعمه رائد صلاح، والمحظور في القانون الإسرائيلي، منذ الأيام الأولى للحرب لإنكار أي صلة له بحركة حماس، بل إن نائب رئيس الحركة كمال الخطيب، وصف حماس بـ "الجماعة الإرهابية". مع ذلك كان خطاب الجناح الشمالي أكثر توازناً مقارنة بالجنوبي، واعتمد صيغة المطالبة بوقف الحرب وإفشاء السلام.

 

ثانياً: الاتجاهات المحايدة

 

اكتفت تيارات من جماعات الإسلام السياسي باتخاذ موقف معارض من الحرب في قطاع غزة، لكن دون إبداء الدعم لحركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، وقد مثّل موقف "السلفية" في مصر ذلك الاتجاه، ويبدو أنه منسجم مع الموقف الرسمي المصري، الذي يضغط لوقف إطلاق النار، لكنه في المقابل يُصنف الإخوان المسلمين كحركة إرهابية، وقد طالت حركة حماس تُهم قضائية بالانخراط في موجات العنف التي شهدتها البلاد ما بعد العام 2011، وعلى ذات المنوال جاءت أغلب مواقف السلفية التقليدية من الحرب كالآتي:

الجماعة السلفية التقليدية: اعتبرت الجماعات السلفية التقليدية في موقفها الشرعي، الحرب جزءاً من "الجهاد الشرعي"، كما في بيان الدعوة السلفية في مصر في 8 أكتوبر، وبيان حزب النور الذي ساند الموقف الفلسطيني في "مواجهة قوات الاحتلال الصهيوني"، ولدى تيار السلفية في محافظة إب اليمنية الذي اعتبر عملية "طوفان الأقصى" بأنها "جهاد دفع، وواجبٌ ديني وحقٌ مشروع".

 جماعات-الإسلام-السياسي-والحرب-على-غزة-مواقف-وتداعيات-in2.jpg 

أتباع الدعوة السلفية: شكك العديد من شيوخ ورموز الدعوة السلفية في العالم العربي بنوايا حركة حماس، وتعددت الأوصاف لها ما بين كونها "مأجورة ومخترقة ومضللة" في وصف سعيد هليل العمر أحد شيوخ الدعوة السلفية في السعودية، أو بالمقارنة ما بين هجمات السابع من أكتوبر وهجمات الحادي عشر من سبتمبر، بوصفهما مؤامرة لدى محمد رسلان، والدكتور محمود الرضواني وكلاهما من أتباع الدعوة السلفية في مصر، ووصف حماس بالحركة "الانفصالية الإرهابية الإخوانية الشيعية" من قبل عمر أبو العصماء وهو أحد شيوخ السلفية في المغرب.

 

ثالثاً: الاتجاهات المؤيدة

 

تبنى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ومعظم فروعه في الدول العربية، موقفاً مؤيداً من هجمات الفصائل الفلسطينية في غلاف غزة، ومسانداً لها في مراحل الحرب الجارية، وتتعدد دوافع ذلك التأييد والانخراط، كاعتبارات كون حركة حماس أحد فروع الجماعة، وبحكم الدفعة التي منحتها حماس للجماعة بعد سنوات عديدة من الإخفاقات السياسية والأزمات الداخلية التي مرت بها. وقد أعلن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين تماهيه مع حماس، رغم حالة الانقسام بين جناحي لندن وأنقرة، وبعد مرحلة من التمايز ما بين الجماعة وحركة حماس، خاصة تجاه الموقف من سوريا وإيران.

فرع الإخوان المسلمين في لبنان "الجماعة الإسلامية": انخرط الفرع في العمل العسكري ضد إسرائيل، ودخل بشكل مباشر في المواجهة من خلال الجناح العسكري للجماعة "قوات الفجر" بإطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل مرات عديدة، ومن خلال التنسيق مع كتائب القسام في لبنان وتقديم الدعم والتسهيلات اللوجستية لها، وهذه هي المرة الأولى التي تنخرط فيها الجماعة في المواجهة العسكرية مع إسرائيل منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 حين كان جناحها العسكري منضوياً تحت إطار "المقاومة الإسلامية" التي يقودها حزب الله.

التنظيم الدولي للإخوان المسلمين (لندن): أصدر صلاح عبد الحق القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في لندن بياناً نشره موقع الجماعة الرسمي في 7 أكتوبر، بارك فيه عملية "طوفان الأقصى" ودعا إلى التفاعل الشعبي والتظاهرات لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

جماعات-الإسلام-السياسي-والحرب-على-غزة-مواقف-وتداعيات-in1.jpg

فرع الإخوان المسلمين في الأردن: نشطت الجماعة في الأردن بشكل بارز من أيام الحرب الأولى على المستويات الإعلامية والشعبية، ويبدو أنّ موقفها من الحرب جاء في محاولة لتعزيز موقعها الشعبي في ظل أزماتها الداخلية، وإشكاليات علاقاتها مع الحكومة، فقد وظفت الحرب في التصعيد ضد الموقف الرسمي، حيث أصدر مجلس شورى الجماعة بياناً في 24 أكتوبر عبّر فيه عن "استيائه الشديد من الموقف العربي الرسمي، وضعفه الشديد"، و "ضرورة أن يرتقي الموقف الأردني، بخطوات ضرورية عاجلة، لحشد الموقف العربي، لوقف فوري للعدوان على المدنيين"، كما أصدر المكتب الإعلامي للجماعة بياناً في 25 أكتوبر دعا فيه الحكومة الأردنية لاستخدام كل ما لديها من أوراق ضغط، وهي بالنسبة للجماعة تتمثل في قطع العلاقات مع إسرائيل، وطرد سفيرها من عمان، وإلغاء اتفاقية وادي عربة، وكافة الاتفاقيات الاقتصادية المتعلقة بملفات الغاز والماء الكهرباء. في نفس السياق وظّفت الجماعة قناتها الفضائية "اليرموك" لتغطية الحرب في غزة ضمن خطها المنسجم مع خطاب حماس.

فرع الإخوان المسلمين في سوريا: لم يكن التنظيم في سوريا بعيداً عن المشهد، حيث أصدر المكتب السياسي للجماعة في سوريا بياناً في 8 أكتوبر أشاد بعملية "طوفان الأقصى"، وبالفصائل الفلسطينية التي قلبت الموازين وفرضت معادلات جديدة للصراع في المنطقة، علماً أنّ الجماعة في سوريا كانت من بين الأكثر معارضة لعودة علاقات حماس بالحكومة السورية.

وعلى ذات المنوال يمكن مقاربة باقي مواقف حركات الإسلام السياسي المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين أو القريبة بشكل مباشر، لا سيما حركة العدل والإحسان في العراق، والحزب الإسلامي العراقي، والحركة الدستورية الإسلامية في الكويت، وحركة النهضة التونسية، وجماعة العدل والإحسان المغربية، وحركة مجتمع السلم الجزائرية، والتجمع اليمني للإصلاح، والإخوان المسلمين في ليبيا، والحركة الإسلامية في السودان، والجماعة الإسلامية في باكستان، والجماعات الإسلامية في إندونيسيا وماليزيا، وغيرها.

 

رابعاً: الاتجاهات المتأثرة

 

شهدت خطابات تنظيمات السلفية الجهادية وحزب التحرير تأثراً نسبياً بأحداث السابع من أكتوبر، مع تفاوت في الإشادة بالحركة على وجه التحديد، ففي حالة تنظيم القاعدة، جاءت الحرب لتزيد من فرصة تجديد خطابها الموجه إلى العالم العربي، وتنشيط لاستراتيجية عولمة الجهاد ضد الغرب وإسرائيل، أما في حالة حزب التحرير وبالرغم من موقفه المعارض لجماعة الإخوان المسلمين، واتهامه إياها بالارتباط بالسياسات البريطانية، فقد اشتبك مع الأحداث من منطلق حجم الحدث وضرورة الانخراط به لتعزيز مصداقيته وخطابه الإسلامي.

تنظيم "القاعدة: أصدر تنظيم "القاعدة في شبه القارة الهندية" في 8 أكتوبر، بيانًا أشاد فيه بـكتائب القسام دون ذكر حركة حماس، مؤكداً أنّ عملية "طوفان الأقصى" هي الرد المناسب للعدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيًّا، وذات هذه الصيغة تكررت في بيانات تنظيم "القاعدة في اليمن"، وتنظيم "حراس الدين" السوري وحركة "الشباب الصومالية" وفي البيان المشترك لتنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي" وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وبيان القيادة العامة لتنظيم "القاعدة" الذي أشاد بدور "المجاهدين في فلسطين" في المعركة. ويظهر تأثّر خطاب تنظيم القاعدة تجاه الحرب، بحكم حضور القضية الفلسطينية كمكون رئيسي في خطاب التنظيم، لكنه أيضاً استثنى الإشارة إلى حركة حماس بحكم الخلافات العقدية المذهبية والسياسية ما بين التنظيمين، على العكس من تنظيم داعش، الذي لم تصدر عنه بيانات صريحة حول الحرب.

حزب التحرير: بقي الحزب يراوح مكانه، من حيث حفاظه على مقولاته التقليدية في دعوته "للتدخل الفوري لنصرة المجاهدين الأبطال وتحرير المسجد الأقصى المبارك"، ودعوة التنظيمات اللبنانية والفلسطينية والإسلامية المسلحة في لبنان للتحرك العسكري بعيداً عن القرارات الإقليمية والدولية، وهو خطاب محكوم بفكر الحزب الذي لا يؤمن بممارسة "الأعمال المادية" طريقاً للتغيير، ويكتفي بالصراع الفكري والكفاح السياسي البعيد عن العنف أو التورط في الأعمال المسلحة.

اتجاهات الخطاب المستقبلية وتداعياتها

إن تداعيات الحرب على خطاب حركات الإسلام السياسي ليست معزولة عن مجريات الحرب ومآلاتها، خاصة في المديين القريب والمتوسط، فإذا أسفرت نتائج الحرب عن تحقيق "إنجازات" سياسية جدّية على الأرض لصالح حماس فستكون التداعيات لصالح تعزيز خطاب "الممانعة" ذو الطابع الإسلامي لدى تلك الحركات، ما يؤهلها لتحقيق مكاسب سياسية في أي محطات تسمح لها بذلك، كالمحطات الانتخابية، بحكم التعاطف الشعبي الكبير الذي تكوّن لصالح ذلك الخطاب، وبما يسمح لها بتوسيع هوامش دورها الإقليمي وحضورها الدولي.

أما على المدى البعيد، يتوقع أن يتطور خطاب جماعات الإسلام السياسي إلى اتجاهات أكثر تطرفاً وتشدداً، وتحديداً في خطاب فروع جماعة الإخوان المسلمين والجماعات القريبة منها، وهو تطرف سينعكس على اتجاهات المجتمعات العربية والإسلامية، بغض النظر عن نتائج الحرب في غزة، لأنّ عوامل تطور تلك الاتجاهات مرتبطة بشكل مباشر بهجمات السابع من أكتوبر في حد ذاتها، ثُم في الحرب الإسرائيلية التي أدت إلى معاناة إنسانية غير مسبوقة لأهالي القطاع، وسط تواطئ من المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

وتكمن خطورة التطرف الناتج عن الحرب في إمكانيات تحوّله أو توظيفه على شكل ممارسات إرهابية عنيفة ودموية موجهة نحو الداخل والخارج، فمن جهة الداخل قد تستهدف المجتمعات والحكومات، أو قد تنمي من الاضطرابات المسلحة في الدول التي تعاني من عدم الاستقرار والهشاشة الأمنية، أما من جهة الخارج فقد يتم استهداف المصالح الغربية والإسرائيلية، خاصة في المحيطين العربي والإسلامي، والتوظيف في هذه الحالة متعدد الطبقات، سواءً من محاور إقليمية كإيران، أو من محاور دولية ترغب بتغذية الحروب بالوكالة، وهي مرحلة قد تنذر بنتائج مقلقة بحكم استنادها على مخزون كبير من التطرف.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات