قرار حظر الجماعة: يد القانون ضد الأفكار العابرة للوطنية

تتناول الورقة، قراءة في قرار حظر الحكومة الأردنية للجماعة في 23 أبريل 2025، استجابة لمخاوف أمنية متزايدة بعد اكتشاف خلايا مرتبطة بها تخطط لتهديد الأمن القومي الأردني. وتطرح الورقة ثلاثة مسارات محتملة لما بعد قرار الحظر: فإما استمرار الحظر على الجماعة فقط، أو توسيعه ليشمل حزب جبهة العمل الإسلامي، أو اجتثاث الكيانين بالكامل، مع تسليط الضوء على التحديات القانونية والأمنية المرتبطة بكل خيار.

الكاتب حازم سالم الضمور وعبد الملك عامر
  • تاريخ النشر – ٢٨‏/٠٤‏/٢٠٢٥

دخلت العلاقة بين الدولة والجماعة المحظورة منعطفًا جديدًا، بعدما أعلنت الحكومة الأردنية عن حظر الجماعة في 23 أبريل 2025، ومنع كافة أنشطتها أو الانتساب إليها أو الترويج لأفكارها، ما تبعته إجراءات لتطويق مقراتها ومصادرة وثائقها، وتفعيل لجنة مصادرة ممتلكاتها. وجاء ذلك في تطبيق عملي لقرار سابق اعتبر الجماعة مُنحلة وغير شرعية في يوليو 2020. وتأتي هذه الإجراءات بعدما كشفت دائرة المخابرات العامة في 15 أبريل 2025 عن خلايا مرتبطة فكريًا وتنظيميًا بالجماعة، كانت تُخطط وتستعد لاستهداف الأمن القومي الأردني. وهي حادثة جددت المخاوف حول أنشطة الجماعة المنحلة وتوجهاتها وأجندتها، خاصة في ضوء الاضطراب الذي يُحيط بالأردن وتشهده المنطقة. وفي الواقع، جاءت إجراءات الحكومة استجابة لتطورات أمنية، إلا أنها أغلقت مسارًا ممتدًا من تحركات الجماعة الداخلية وشبكة من التعاملات والعلاقات الخارجية، التي كانت تسعى من خلالها للعبث في المعادلة المحلية، واستغلال موقع الأردن الجغرافي في المنطقة.

قراءة في قرار الحظر

يعتبر قرار الحظر تفعيلاً لقرار قضائي صدر عن محكمة التمييز عام 2020، بعدما تبين أن الجماعة لا تتماشى مع شروط ترخيص الجمعيات الخيرية المنصوص عليها في قانون الجمعيات الأردني المعدل عام 2014. وفي عام 2021، تم تشكيل لجنة مكلفة بحل الجماعة وحصر موجوداتها ومصادرة ممتلكاتها، وهي اللجنة التي وجهت الحكومة مؤخرًا بتسريع عملها. وخلال تلك الفترة، منحت الدولة الجماعة المحظورة فرصة لتصويب أوضاعها القانونية، والعودة إلى الجانبين الخيري والدعوي من عملها. وجاء تفعيل هذا القرار الأخير نتيجة لمقاربة أمنية وليست سياسية.

وقد جاء الحظر بعد أيام من إعلان قوات إنفاذ القانون القبض على "خلايا الفوضى" التي كانت تعمل على تصنيع السلاح واستخدامه للإضرار بالأمن القومي الأردني، وتحويل الضالعين فيها، والبالغ عددهم 16 شخصًا، إلى محكمة أمن الدولة. وبالرغم من أن الأردن شهد عبر تاريخه محاولات سابقة لاستهداف أمنه واستقراره، إلا أن تلك المحاولات أبرزت جانبًا من التهديدات الناشئة، والنطاق الأوسع من المخاطر المرتبطة بالجماعة المحظورة، بما تضمنته من تطورات غير مسبوقة، من بينها: عدم ارتباطها في مجريات الحرب في قطاع غزة، حيث تتابع قوات إنفاذ القانون أنشطة الخلايا منذ عام 2021، وهو العام الذي أكدت الحكومة على أهميته. إلى جانب انخراط الضالعين ضمن مجموعات كانت تقوم بمهام منفصلة عن بعضها، متمثلة في أربع قضايا رئيسة شملت محاولة تصنيع الأسلحة داخل الأردن، وحيازة أسلحة أوتوماتيكية ومتفجرات شديدة الانفجار تم تهريبها من الخارج، مع إخفاء صاروخ مجهز للاستخدام، إلى جانب وجود مشروع لتصنيع الطائرات المسيرة بالاستعانة بأطراف خارجية. إضافة إلى قضية تجنيد وتدريب عناصر داخل وخارج المملكة، وتحديدًا في لبنان.

وفي الواقع، جاءت حادثة "خلايا الفوضى"، كما أطلق عليها إعلاميًا، لتكشف عن ازدواجية عمل الجماعة بين النشاط العلني والعمل الخفي، سواء على الصعيدين الفكري أو التنظيمي. خاصة أن حوادث سابقة أكدت تلك الازدواجية، من بينها إحباط الأجهزة الأمنية محاولة تهريب أسلحة إيرانية عبر سوريا، أعلن عنها في مايو 2024، أُرسلت إلى خلية تتبع للجماعة المحظورة، ولها صلات مع حركة "حماس" بهدف تنفيذ أعمال تخريبية. بالإضافة إلى عملية إطلاق النار التي نفذها اثنان من أفرادها في جنوب البحر الميت في 18 أكتوبر 2024، وهي الحادثة التي تطلب تنفيذها دعمًا لوجستيًا، فاقم شكوك المراقبين حول دور تنظيمي أوسع وراءها. إذ اتبع المنفذان ممارسة معهودة لدى منتسبي التنظيمات الإسلامية المسلحة أو الإرهابية، فقد استخدم كلاهما كُنى وقاما بتلاوة الوصايا في مقطع مصور، بالإضافة إلى قدرتهما على تجاوز الحدود المحمية بشدة، وحيازة السلاح وإتقان استخدامه وإصابة جنديين إسرائيليين. وقد تزامن كل ذلك في ظل تعامل الأجهزة الأمنية مع حوادث أخرى مشابهة، منها قضية متفجرات "ماركا الجنوبية" التي ضبطت في 19 يونيو 2024، تبعها الكشف عن موقع آخر لتخزين المتفجرات في منطقة أبو علندا في 24 يونيو. وفي حادثة منفصلة، نفذ أحد سائقي الشاحنات الأردنية في 8 سبتمبر 2024 عملية إطلاق نار في معبر اللنبي، والذي يبدو أن له ارتباطات بأيدولوجية "السلفية الجهادية". وقد لاقت عمليته تلك مباركة من قبل الجماعة المحظورة حينها.

قرار الحظر: سياق الجماعة العابر للوطنية

جاء القرار بعد يوم من مطالبة حركة حماس بالإفراج عن عناصر "خلايا الفوضى"، في بيان نُظر له على نطاق واسع باعتباره تدخلاً في الشؤون الداخلية والأمنية الأردنية. وأعاد إلى الواجهة قضية العلاقة بين الجماعة المحظورة وحركة حماس، التي أُغلقت مكاتبها في الأردن عام 1999 نتيجة أنشطة وممارسات تُخالف القانون، من بينها محاولتها إنشاء تنظيم غير شرعي وضبط أسلحة بحوزة أفراد مرتبطين بها. ومن الواضح أن تلك العلاقة قد عادت لتُشكل تهديدًا أمنيًا على الأردن، كما تبين من مواقف الجماعة المحظورة خلال الحرب، وخطابها التعبوي الذي دفع في عدة مرات لمواجهات مباشرة بين أفرادها وأجهزة الأمن العام، بالإضافة إلى التنسيق المشترك بينهما للحراك والاحتجاجات في الشارع الأردني.

وبشكل عام، بات ملحوظًا خطاب حركة "حماس" الموجه للأردن، سواء بمحاولات قادتها كمحمد الضيف وخالد مشعل وأبو عبيدة، التأثير على الشارع الأردني، ودعواتهم التحريضية للمواطنين الأردنيين للانخراط في "طوفان الأقصى" كما تطلق حماس على الحرب. ففي 29 مارس 2024، وجه رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل خطابًا عبر الفيديو أثناء فعالية أقامتها الجماعة المحظورة، دعا فيه الأردنيين للنزول إلى الشوارع بالملايين. وتوجيه الناطق العسكري لحماس أبو عبيدة رسائل سياسية وعسكرية إلى الشارع الأردني، من بينها وصفه للبلاد بـ"الجبهة الأردنية" في عدة خطابات، واعتباره الساحة الجماهيرية الأردنية "أهم الساحات". وقد راهنت الحركة على الجماعة المحظورة في ترجمة خطابها ميدانيًا، والتي استطاعت توجيه الاحتجاجات من "العفوية" إلى "التحريضية". فقد سيطر خطاب "حماس" على هتافات المحتجين، قبل أن تتجاوز "الخطوط الحمراء" في الإساءة إلى قيادة الدولة والمؤسسات الأمنية، وتخريب الممتلكات العامة والاحتكاك مع رجال الأمن العام. وقد وصلت حداً غير مسبوق مع توافر معلومات عن "اتصالات خارجية" -مصدرها إيران على ما يبدو- تدفع الشارع الأردني للتصعيد ضد الدولة والنظام السياسي في أعقاب الاحتجاجات في منطقة الرابية في مارس 2024، وتزايد نشاط الحسابات الخارجية على منصات التواصل الاجتماعي، الداعية للمشاركة في تلك الاحتجاجات. وهو ما دفع الأمن العام لإصدار بيان في 31 مارس 2024، أكد وقوع تجاوزات وإساءات، ومحاولات للاعتداء على رجال الأمن العام في بعض الوقفات والتجمعات.

قراءة-في-قرار-الحظر-يد-القانون-ضد-الأفكار-العابرة-للوطنية-in-2.jpg

وبشكل عام، حاولت الجماعة المحظورة إظهار مساحة عمل مستقلة لها خارج إطار الدولة وحدود مراقبتها. فمن جهة، استمرت في دعواتها للعامة للتوجه إلى الحدود الغربية ومناطق الأغوار، والتي كان آخرها في 11 أبريل 2025، بالرغم من تأكيد وزارة الداخلية عدم السماح بذلك منذ 13 أكتوبر 2023. وفي الساعات الأولى من حادثة إطلاق النار جنوب البحر الميت، سارعت إلى إعلان انتساب منفذيها للجماعة، قبل أن تنفي صلتها، ثم مباركتها، دون انتظار لمعلومات أو بيان الجهات المختصة التي فضلت متابعة تلك التطورات قبل إصدار بيانها.

وبشكل أوسع، أصبح ملحوظًا أن الجماعة المحظورة لا تؤمن بفكر الوطن، مقابل فكرها العابر للوطنية والجغرافيا، خاصة مع التقاطع والتداخل بين تحركاتها واستراتيجية "وحدة الساحات" الإيرانية، التي حاولت منذ اليوم الأول للحرب جر الجغرافيا الأردنية إلى الصراع. وتفاقمت التهديدات المحيطة بالبلاد، إذ ارتفعت وتيرة محاولات تهريب المخدرات والأسلحة والمتفجرات من جنوب سوريا إلى الأردن، بالإضافة إلى التهديد الذي شكلته الأجسام الطائرة (صواريخ باليستية وطائرات مسيرة) التي يطلقها الحوثيون من مواقع سيطرتهم في اليمن، أو الفصائل المسلحة العراقية، فوق الأجواء الأردنية، والتي سقط عدد منها في الأراضي الأردنية. إلى جانب التهديد الذي لا يقل أهمية، المتمثل في الخطاب المناهض الموجه مباشرة نحو الأردن، حيث اتهمت بفتح أراضيها لتزويد الولايات المتحدة الجيش الإسرائيلي بالأسلحة والطائرات الإسرائيلية للتزود من الوقود جواً، ثم اتهمت بالمشاركة في جسر بري ينقل البضائع من الموانئ الإماراتية إلى الأردن وصولاً لإسرائيل. بالإضافة إلى اتهام جهات من ما يسمى بمحور المقاومة الأردن بالتصدي لمحاولات تهريب السلاح إلى الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية، ثم اتهمت بالتصدي للضربة الإيرانية التي انتهكت بها طهران سيادة سماء المملكة لحماية إسرائيل. وقد حاولت إيران دعم خطابها ذلك بإجراءات ميدانية، من بينها احتشاد المئات من أفراد الحشد الشعبي وسرايا السلام عند معبر طريبيل الحدودي بين الأردن والعراق، للدعوة إلى فتح طريق نحو الحدود الأردنية الإسرائيلية. وفي الأول من أبريل 2024، أصدر المسؤول الأمني لكتائب حزب الله العراقية، أبو علي العسكري، بيانًا ذكر فيه أن "المقاومة الإسلامية في العراق أعدت عدتها لتجهيز الأشقاء من مجاهدي المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسد حاجة 12,000 مقاتل"، وتهديدات إيران في أبريل 2024 بأن "الأردن سيكون الهدف التالي" في حال مشاركته بأعمال صد الضربات الإيرانية.

وفيما يبدو فإن الجماعة المحظورة قد تفاعلت مع تلك التحركات، بالرغم من أن تفاعلها ذلك لم يصل إلى درجة الانخراط المباشر في الحرب كما في حالة "الجماعة الإسلامية" في لبنان، إلا أنه لم يقل أهمية عنها، سواء من خلال انخراطها في عمليات تهريب المال والسلاح وحيازته وتخزينه داخل الأردن، أو تقديم الدعم السياسي والإعلامي وتحشيد الشارع ضد الدولة، ثم تنفيذ "عمليات فردية" في 18 أكتوبر 2024، وصولاً إلى "خلايا الفوضى" التي شاركت أطراف في لبنان ربما من حركة حماس أو الجماعة الإسلامية في تدريبهم وتمويلهم.

ماذا بعد قرار الحظر؟

إن رسم مسارات الخطوة أو المرحلة القادمة يعتمد بشكل أساس على التحقيقات الأمنية وما ينكشف لدى الأجهزة الأمنية من أنشطة مشبوهة للجماعة المحظورة، ومدى ارتباط حزب جبهة العمل الإسلامي بها. لا سيما أن الجماعة المحظورة سارعت إلى إتلاف كميات كبيرة من الوثائق في مقارها في ليلة الإعلان عن "خلايا الفوضى". مع ذلك، تكاد مسارات المرحلة القادمة تنحصر في ثلاثة، هي: توقف الحظر في إطار الجماعة المحظورة، أو امتداد الحظر نحو ذراعها السياسي  "الحزب" إذا ما ثبت تورطه، أو أن تتسع الحلقة نحو اجتثاث كليهما كليًا. ويطرح تطور تلك المسارات سلسلة من الإشكاليات والتحديات. 

فمن شأن توقف الحظر عند حد الجماعة، وبقاء حزب جبهة العمل مُرخصًا وفاعلاً، أن يخلق ديناميكيات جديدة في شكل العلاقة بينهما. إذ يُدرك الحزب أن الجماعة المحظورة تُشكل ظهيرًا أساساً له، ولها دور رئيس في حملاته الانتخابية واختيار مرشحيه، وهو الانعكاس لحجم الجماعة المحظورة في الشارع، خاصة وأن عدد أعضاء الحزب لا يتعدى 1230 عضوًا. وبذلك، يجد الحزب نفسه أمام خيارات محدودة، أولها النأي بنفسه عن التطورات الجارية، وفصل ارتباطه بشكل حقيقي وكلي عن الجماعة المحظورة، ويعتبر هذا الخيار إجراءً قانونيًا سليمًا وتقويمًا لمسار الحزب وسمعته، ولكن يترتب عن ذلك إضعاف حجم الحزب وقوته، إذ سيفقد القواعد الانتخابية التقليدية للجماعة المحظورة، وقدرته على التعبئة والتحشيد، وحتى تمويل حملاته الانتخابية، وغير ذلك من الأدوار التي كانت الجماعة المحظورة تقوم بها.

لكن هناك احتمال أن يلجأ الحزب إلى الالتفاف حول قرار الحظر، بأن يعمل بشكل صامت على استيعاب المتعاطفين والمؤيدين وأفراد الجماعة المحظورة غير الضالعين في قضايا أمنية بين صفوفه، سواء كان ذلك بالانتساب رسميًا إلى الحزب، أو من خلال فتح قنوات تواصل بديلة معهم عن الجماعة المحظورة. وفي الحالتين، يمكن رصد ذلك من خلال متابعة مستوى تضخم عدد الأعضاء في الحزب مع مرور الوقت، أو التغيرات التي سوف يجريها على هيكله القيادي، ليضم شخصيات لها ارتباطات شعبية خاصة بين الفئات الشبابية. مع ذلك، يترتب على ذهاب الحزب نحو هذا الخيار تحديات وتداعيات، في مقدمتها أن الحزب سوف يتحول إلى الحاضنة الفكرية التي أنتجت الحوادث الأمنية السابقة، ويحافظ على شبكة العلاقات الخارجية للجماعة المحظورة، وربما يحدث إحلال للجماعة المحظورة في الحزب المرخص. وهذا سيورط الحزب ويدفعه لمواجهة قوة القانون. 

أما المسار الثاني، المتمثل في امتداد الحظر ليشمل الحزب إذا ما ثبت تورطه -وهو احتمال قائم مع تورط ثلاثة من منتسبيه في "خلايا الفوضى"-، فذلك يعني أن الساحة السياسية الأردنية أمام تحول جذري، ليس فحسب من جهة مصير مجلس النواب ومستقبل الحكومة، بل أيضًا في مسار الإصلاح السياسي برمته، وهو التحذير الذي سبق الإشارة له في قراءتنا للمشهد النيابي العشرين وآفاق التحديث السياسي. فإلى جانب التأثير السلبي المستمر للظروف الأمنية الإقليمية على مسارات التحديث والإصلاح تاريخيًا، فإن تمثيل الحزب ومشاركته في مسار التحديث، يطرح تساؤلات حول جدوى استكمال ذلك المسار، أو الذهاب نحو خيارات بديلة لإدارة الساحة السياسية مستقبلاً.

قراءة-في-قرار-الحظر-يد-القانون-ضد-الأفكار-العابرة-للوطنية-in-1.jpg

من جهة أخرى، تغيب الخطوط الفاصلة بين اتجاهات التيارات الإسلامية عامة، وتحديدًا ما يُعتبر محافظًا أو وسطيًا أو معتدلًا أو يميل نحو الليبرالية، وقد تشكلت العديد من الأحزاب الإسلامية الفاعلة في الساحة الأردنية عبر سلسلة من الانشقاقات التاريخية عن الجماعة المحظورة، وتكمن مخاوف تلك المقاربة في مسألتين: الأولى بذهاب أفراد من الجماعة المحظورة والحزب لتأسيس أحزاب سياسية مرخصة، أو جمعيات أو مؤسسات مجتمع مدني، والثاني بمحاولة أفرادها الانتساب إلى الأحزاب السياسية الإسلامية المرخصة، وذلك الانتساب قد يكون بهدف المشاركة السياسية وتصويب الأوضاع أو بهدف اختراق تلك الأحزاب بصمت.

أما المسار الثالث المتعلق باتساع الحلقة نحو اجتثاث كليهما كليًا، فيبدو الأكثر تعقيدًا، ففي حين يُعتبر هذا المسار، هو أقصى خيار لحسم قضية الجماعة المحظورة ووجودها في الشارع، بحيث يمتد ليشمل مختلف المستويات الفكرية والثقافية والتربوية والتعليمية والاجتماعية والإعلامية والسياسية، إلا أن الاجتثاث يُحاط بعدة إشكاليات؛ من بينها الحاجة إلى أرضية قانونية واضحة، خاصة وأن الجماعة المحظورة توغلت عبر 80 عامًا من عمرها في النسيج الاجتماعي الأردني. ولذلك فإن إصدار قانون خاص بشأن الاجتثاث من شأنه تنظيم تلك المسألة، بالتوازي مع تفادي التجاوزات وبالحفاظ على الساحة السياسية نشطة وفاعلة. لكن ذلك لا يعني أن المقاربة القانونية كافية في هذا المسار، إذ اتضح أن التيارات المتشددة في الجماعة المحظورة قد اتجهت بالفعل إلى العمل في الظل، وحيازة السلاح والتخطيط لاستخدامه ضد الدولة. وذلك في الواقع ما أشارت له بيانات الجماعة في الخارج، كما جاء بدعوة تيار التغيير -التابع لفرع الجماعة في مصر- الجماعة المحظورة في الأردن للمواجهة وحمل السلاح في وجه الدولة، وذلك يعني أن خيار التزام جميع أعضاء الجماعة المحظورة وأفرادها بالقانون والتعليمات الصادرة من الدولة مشكوك فيه، ومن المحتمل أن يتجهوا إلى تكثيف العمل السري الذي مارسته فروع الجماعة في الخارج، لا سيما في مصر في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ثم بعد ثورة 30 يوليو عام 2013، وكذلك الحال في سوريا في ثمانينات القرن الماضي والجزائر في تسعينات القرن الماضي. وذلك يعني أن المقاربة الأمنية والاستخباراتية ستبقى نشطة وفاعلة ضد فلول الجماعة المحظورة المتشددين ومستوى تواصلهم وارتهانهم لأجندة فروع التنظيم الدولي والدول الإقليمية المعنية ببقائهم ودوام نشاطهم.

وأخيرًا؛ جاءت إجراءات الدولة ضد الجماعة المحظورة بعدما استنفذت الدولة كل الحلول السلمية وتصرفت وفقًا للقانون، بعد سلسلة من المواقف والتحركات التصعيدية لـ "الجماعة المحظورة" التي وضعتها في إطار التهديدات المباشرة ضد الأمن الوطني الأردني، والذي يُعتبر خطًا أحمر لا يمكن التساهل معه أو السماح بتجاوزه. خاصة أن تحركاتها تلك جاءت متسقة مع المواقف المناهضة والمعادية للبلاد، التي تمثل إيران مصدرها الرئيس.

 

حازم سالم الضمور / مدير عام ستراتيجيكس وباحث متخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية‎

عبد الملك حسين عامر / باحث في شؤون الشرق الأوسط

حازم سالم الضمور وعبد الملك عامر

باحثين متخصصين