زيارة بايدن للسعودية بين الربح والخسارة

يتناول المقال موضوع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى المملكة العربية السعودية، والمواضيع التي ستطرح للنقاش، وعلى رأسها؛ الملف النووي الإيراني، وأسعار النفط بعد الأزمة الأوكرانية، وكذلك عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، والقضية الفلسطينية

الكاتب حسن إسميك
  • الناشر – النهار العربي
  • تاريخ النشر – ١١‏/٠٧‏/٢٠٢٢

كُتب الكثير حول ما يسعى الرئيس جو بايدن إلى كسبه من زيارته المزمعة إلى المملكة العربية السعودية في 15 تموز (يوليو)، مقابل ندرة الحديث عمّا تسعى السعودية إلى كسبه. وهنا تكمن المشكلة: عدم الاعتراف بأن العلاقات العربية - الغربية لم تعد طريقاً ذا اتجاه واحد. وهذا ما أكدته الزيارتان السابقتان لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عندما طلبا مساعدة السعودية من دون أن يقدما شيئاً في المقابل، فباءت الزيارتان بالفشل. وإذا لم يتعلم بايدن من الأخطاء السابقة، فسيعود كما عاد بلينكن وجونسون... بخفّي حُنَيِن.

ما يمكن أن يخسره بايدن

ببساطة، تحتاج أميركا إلى مساعدة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بقدر حاجة البلدين إلى دعمها. ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي فإن خفض مستويات التضخم وأسعار الغاز يعدان على رأس أولويات. وفي حال فشل زيارة بايدن في تحقيق ذلك فهذا يعني سيطرة الجمهوريين على الكونغرس في انتخابات التجديد، يليها خروج الديمقراطيين من البيت الأبيض في 2024.

ومع أن بايدن بدأ مؤخراً بمهاجمة شركات الطاقة الأميركية بسبب عدم استخدام أرباحها القياسية للتنقيب عن المزيد من النفط، إلا أن بناء المزيد من منصات البترول لن يكون كافياً. وما يحتاجه الغرب حقاً هو أن تزيد كل من السعودية والإمارات إنتاجهما النفطي بملايين البراميل يومياً، للمساعدة في خفض الأسعار وتقليل اعتماد أوروبا على النفط الروسي.

كما يمكن أن يلعب كلا البلدين العربيين دوراً استراتيجياً في التخفيف من حدة الصراعات الحالية التي تشمل أميركا وأوروبا وروسيا والصين. بخاصة أن كلاً من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد يتمتعان بعلاقات جيدة ومؤثرة مع كل من روسيا عبر عضويتها في "أوبك بلس"، والصين من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي من أجلها تعمل بكين على الحفاظ على علاقات ممتازة مع شركائها في الشرق الأوسط. غير أن الزعيمين العربيين سيفضلان البقاء على الحياد إذا لم يلمسا التزاماً أميركياً جاداً بأمنهما ومصالحهما.

ما تأمل المملكة العربية السعودية أن تكسبه

أطلقت المملكة العربية السعودية تحت قيادة ولي العهد رؤية 2030، كإطار استراتيجي للحد من اعتماد المملكة على النفط، وتنويع اقتصادها، وتطوير قطاعات الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والترفيه والسياحة. ومثلما تدرك المملكة مدى أهمية الدعم الأميركي لنجاح رؤية 2030، فإنه من الأهمية بمكان أن تدرك الولايات المتحدة الفرص التي توفرها هذه المبادرة لعلاقة طويلة ومستقرة مع المملكة.

الصراع العربي - الإسرائيلي

إقليمياً... لا شك في أن الصراع العربي - الإسرائيلي هو أبرز ما سيناقش في اجتماع تموز (يوليو)، ومن المتوقع أن يحمّل الإسرائيليون بايدن، الذي سيتجه مباشرة من إسرائيل إلى السعودية، أفكاراً ومقترحات صريحة لفتح قناة تفاوض بين الرياض وتل أبيب.

تريد إسرائيل انضمام المزيد من الدول العربية إلى "نادي" اتفاقيات إبراهام الذي يضم بالفعل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. وقد صرح مؤخراً وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، الذي يشغل الآن منصب رئيس الوزراء في الحكومة الإسرائيلية الموقتة، بأن "هناك قائمة بالدول المستهدفة (في الاتفاق): السعودية هي الأولى بينها".

ومع أن المملكة لم تعلن رفضها لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لكنها أوضحت أيضاً أنها لن تخطو باتجاه ذلك ما لم يكن هناك تقدم جاد في عملية السلام بين الإسرائيليين من جهة، وبين الفلسطينيين والعرب من جهة أخرى. فالمملكة تريد حل الدولتين العادل الذي يؤسس لدولة فلسطينية بحدود عام 1967 المعترف بها دولياً، لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين؛ وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة.

وعلى الرغم من أن اتفاقاً سعودياً - إسرائيلياً على أساس هذه الشروط غير مرجح اليوم، إلا أن جهود الوساطة الأولية يمكن أن تؤدي إلى الخطوات الأولى بين الرياض وتل أبيب نحو شراكة اقتصادية مبدئية، أو نحو السماح بتحليق طائرات إسرائيلية فوق أجواء المملكة من دون قيود، بالإضافة إلى رحلات جوية مباشرة للحجاج المسلمين من إسرائيل ومن الأراضي الفلسطينية إلى مكة، والأهم من ذلك كله قيام حلف عسكري إقليمي بقيادة الولايات المتحدة وعضوية إسرائيل والمملكة ودول عربية أخرى لكبح العدوان الإيراني.

إيران

وحول هذه النقطة الأخيرة، ستتم أيضاً مناقشة "الناتو الشرق الأوسطي"، بخاصة أن التشريع الذي قدمه الحزبان في الكونغرس في 9 حزيران (يونيو) يدعم تكامل قدرات الدفاع الجوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي والعراق والأردن ومصر، لمواجهة الصواريخ الباليستية والتهديدات الأخرى من إيران وشبكتها من الوكلاء الإقليميين.

كما سيؤدي التعاون في بناء نظام احتواء وردع جديد ضد إيران لإقرار نهج جديد في التعامل مع منظمات مثل "حماس"، وتعزيز مستويات متجددة من التعاون قد تمتد إلى المجالات الثقافية والتجارية وغيرها... مما يمكن أن يساعد على رفع مستويات المعيشة في المنطقة، ومن ثم صرف الشباب المحرومين عن الانضمام إلى المنظمات المتطرفة؛ بالإضافة لخلق بيئة مثمرة للمحادثات الدبلوماسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والتي يمكن أن تحظى بدعم قوي من جميع دول الخليج بالإضافة إلى مصر والأردن وتركيا والمغرب.

اليمن

منذ أن استولى "الحوثيون"، وهم جماعة متمردة تمولها وتدربها إيران، على العاصمة اليمنية صنعاء ومناطق واسعة من البلاد في عام 2014، لقي 400 ألف يمني مصرعهم بسبب الحرب أو سوء التغذية أو المرض. وعانى ملايين آخرون ويلات المجاعة والتهجير نتيجة ما وصفته الأمم المتحدة بأنه "أكبر أزمة إنسانية في العالم". وفي عام 2015 قادت السعودية عملية عسكرية لهزيمة "الحوثيين" بمساعدة الرئيس باراك أوباما، الذي سرع في بيع الأسلحة الأميركية للمملكة وتبادل المعلومات الاستخباراتية معها. ومع ذلك... كان موقف الولايات المتحدة تجاه المملكة متجاهلاً ومتعالياً، وهذا ما لم تقبله السعودية حينها ولن تقبله اليوم.

على سبيل المثال، قبل شهرين من قيام بايدن بتعيين مبعوث خاص في إيران عام 2021، نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالاً كتبه روبرت مالي، يلخص فيه موقف الإدارة تجاه التحالف الأميركي - السعودي في اليمن، تضمن المقال اقتباساً لمسؤول كبير في إدارة أوباما لم يذكر اسمه: "كنّا نعلم أنّنا ربّما نركب في سيارة مع سائق مخمور، ومع ذلك، ركبت الولايات المتحدة".

لم تتغير الأمور كثيراً بين بايدن وأوباما، فبعد أن وصف الأول أقوى حليف لأميركا في الشرق الأوسط بالـ "منبوذة" خلال حملته الانتخابية، تعهد بايدن بعد أسبوعين من توليه الرئاسة بإنهاء الدعم الأميركي للمملكة، بما في ذلك مبيعات الأسلحة، على الرغم من أنه أوضح أن "السعودية تواجه هجمات صاروخية، وضربات طائرات من دون طيار، وتهديدات أخرى من المجموعات المسلحة التي تدعمها إيران في عدة دول"!

ثم بعد أن ألغى بايدن تصنيف "الحوثيين" كجماعة إرهابية، شجعهم ذلك على رفض اقتراح الهدنة المدعوم من الأمم المتحدة، والذي قبلته السعودية والإمارات ورحبتا به، بينما استغلت الجماعة الحوثية قرار بايدن لتزيد من جرأة هجماتها على كلا البلدين.

لاحقاً... وفي سياق عزمه على دفع عملية السلام إلى الأمام، أقنع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالاستقالة في نيسان (أبريل) ليتم استبداله بمجلس من ثمانية ممثلين عن الجماعات اليمنية المختلفة، وليوقع المجلس في الشهر ذاته على اتفاق هدنة برعاية الأمم المتحدة مع الحوثيين. حينها أشاد بايدن، الذي يبدو أنه تعلم درساً مهماً، بـ "القيادة الشجاعة" للمملكة العربية السعودية.

سوريا

ليس من أجل السياسة ولا من أجل الحكومة، وإنما من أجل الشعب السوري الذي يموت من انعدام الماء النظيف والدواء والغذاء والكهرباء، ينبغي على المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة أن يقبل بإقامة علاقات مع الرئيس بشار الأسد، لمعالجة هذه الأزمة الإنسانية.

علاوة على ذلك، فإن في دعم الولايات المتحدة لعودة سوريا إلى الصف العربي مقدمة ضرورية لإحلال السلام في المنطقة. إذ لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم من دون دمشق. وبما أن القيادة السورية ما زالت تعطي الأولوية لعلاقاتها العربية - بخاصة دول الخليج والأردن ومصر - على أي تحالف آخر، بما في ذلك روسيا وإيران. لذلك، ينبغي على الغرب دعم جهود القادة العرب لإعادة قنوات الاتصال مع دمشق والوثوق بالسعودية والإمارات والأردن ومصر لبدء المفاوضات معها. بخاصة أنه لم يبقَ ما يمكن تجريبه في التعاطي مع الأزمة السورية سوى التفاوض المباشر، ودمشق مستعدة اليوم لذلك أكثر من أي وقت مضى.

أرضية مشتركة

رغم ما يبدو من تباين في وجهات النظر بين الطرفين، فإن نقاط الاتفاق بين واشنطن والرياض تفوق القضايا الخلافية بينهما. فالطرفان متفقان على ضرورة بناء السلام في الشرق الأوسط، وإقرار حل الدولتين للقضية الفلسطينية، وإنهاء تطوير طهران للأسلحة النووية، وكف يدها عن تمويل وتسليح الميليشيات المتطرفة التي تهدف إلى إضعاف الدول العربية وتدمير دولة إسرائيل.

إذن تحتاج الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية كلتاهما إلى دعم بعضهما بعضاً بالقدر نفسه. وإذا تعامل الطرفان في هذه الزيارة باحترام متبادل لمصالحهما فسيؤدي ذلك إلى وضع أساس جديد للعمل العربي الهادف لحل القضايا المعقدة، والمتعددة الأوجه، في الشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي أيضاً. وحين يتحقق ذلك، فسيسجل التاريخ أن الشراكة المتجددة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ساعدت العالم على تجنب ويلات حرب عالمية جديدة، وحفظت أرواح ملايين البشر.

حسن إسميك

رئيس مجلس أمناء STRATEGIECS