جولة انتخابية أمريكية في غاية الاستثنائية

بعد خمسة أيام من الترقب العالمي لنتائج الانتخابات الأمريكية، أعلن، جو بايدن، نفسه الرئيس الـ46 للولايات المتحدة مقابل رفض، دونالد ترامب، الاعتراف بذلك. كيف يبدو المشهد الآن في الولايات المتحدة وهل يستمر النزاع حول أقوى وأرفع منصب تنفيذي في واشنطن؟ وما أبرز التحديات الخارجية أمام الإدارة القادمة؟

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ٠٨‏/١١‏/٢٠٢٠

لم يحقق دونالد ترامب غايته في تجديد ولايته كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، لقد بات هذا أمراً واقعاً  بعد الإعلان غير الرسمي عن نتائج الانتخابات الرئاسية عبر كبرى وسائل الإعلام الأمريكية، والذي أصبح رسمياً –إلى حد ما-  بالنظر لتدفق التهاني الدولية لجوزيف بايدن الذي أعلن عن نفسه فائزاً بهذا الحدث الذي وُصف بغير المسبوق في تاريخ البلاد من حيث شدة الاستقطاب الاجتماعي والسياسي الذي احتضنه.

ترامب مع جزء كبير من أعضاء حملته الانتخابية ومناصريه يعيشون حالة من النكران لما حدث ويحدث، فهم يعتزمون الاستمرار بالطعن في سير ونتيجة العملية الانتخابية على مستوى المحاكم الفيدرالية في الولايات، كخطوة لإيصال ما يعتقدون أنه تزوير وتلاعب في الأصوات إلى المحكمة العليا، وكان قد صرح المحامي الخاص بترامب، رودي جولياني، إلى أن الأخير غير مستعد "على الإطلاق" الاعتراف بفوز منافسه بايدن؛ وجهة نظر يدعمها رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، الذي يقول بأنه يجب الانتظار إلى حين صدور النتائج النهائية، كما أنه يؤيد الدعاوى المرفوعة أمام القضاء.

على ما يبدو أن موضوع حسم الانتخابات الأمريكية على المستوى المحلي سيستغرق بعض الوقت، ليس من ناحية الإعلان الرسمي الذي سيتحدد الشهر المقبل كحد أقصى، وإنما على المستوى الشعبي المنقسم بحدة حول آلية إدارة البلاد، ما يتطلب من بايدن احتواء الأصوات المناوئة، من خلال منح الجمهوريين بعض المناصب بكبينته الوزارية التي تصفها وسائل الإعلام الأمريكية بأنها ستكون "الأكثر تنوعاً" بضمها جميع المكونات السياسية والاجتماعية، هذا يمكن أن يوحي للقادة في الحزب الجمهوري بأن يهموا لدفع ترامب ودائرته الضيقة إلى التسليم بالأمر الواقع وتأمين انتقال سلس وسلمي للسلطة.

الكثير يقارب ما يحدث الآن مع ما حدث قبل 20 عاماً في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها، جورج بوش الابن، على حساب المرشح الديمقراطي، ألبرت آل جور، الذي لجأ حزبه للمحكمة العليا في ولاية فلوريدا لإعادة فرز الأصوات فيها بحجة أن الفارق كان أقل من 600 صوت لصالح بوش، ليتوجه الحزب الجمهوري على إثر ذلك إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة التي حكمت بإيقاف إعادة الفرز، الحدث الحالي مختلف إلى درجة كبيرة، فنحن نتكلم عن تفوق لجو بايدن في عدد من الولايات منها من كان محسوب على الجمهوريين مثل جورجيا وأريزونا، أي أن قرار المحكمة العليا في حال صدوره لصالح إعادة الفرز، سيؤدي إلى إدخال البلاد في حالة من اللايقين ستستمر لوقت طويل من شأنه أن يعطل العملية السياسية بسبب اضطراب سيصيب السلطتين التنفيذية والتشريعية.

أما بالنسبة لما ستحدثه سياسة بايدن على الصعيد الداخلي والخارجي، فالتساؤل الأكثر تداولا تجاه ذلك هو إذا ما كان الرجل سيقوم بإعادة إنتاج الأساليب السياسية التي كانت سائدة في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، وتكمن الإجابة على هذا السؤال في استيعاب الأحداث والمتغيرات التي طرأت خلال الأربع سنوات الماضية، مما لا شك فيه –على سبيل المثال- أن بايدن سيتعامل بطريقة مختلفة تجاه الأزمة الصحية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا على المستوى المحلي بالتشديد على الاتخاذ الكامل لإجراءات السلامة العامة، كما أنه من المتوقع أن يتم إرجاع الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية التي انسحب منها ترامب.

سيعمل بايدن على إصلاح العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، والسعي إلى تقريب وجهات النظر بين بروكسيل ولندن فيما يخص ملف البريكست، ناهيك عن النظر بالعلاقة مع حلف شمال الأطلسي ودوره فيما يخص القضايا الأمنية والعسكرية في العالم ككل، وترتبط بهذه الجزئية شكل العلاقة مع روسيا وطريقة إعادة الاشتباك الأمريكي مع قضية بلاروسيا في أوروبا الشرقية، وقيرغيزستان في آسيا الوسطى، والحرب الأرمينية الأذرية، قضايا تشكل في مجموعها جزء من المجال الحيوي الروسي، إلى جانب ضرورة توضيح المصير الضبابي لمعاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية "ستارت 3"  التي سيتوقف سريانها مع مطلع العام القادم إذا ما لم يتم تجديدها.

هل ستكون روسيا في المقام الأول للصدام مع واشنطن بايدن، كما كانت الصين مع واشنطن ترامب؟ هذا السؤال بحاجة إلى بحث مستفيض، لكن يمكن الإجابة عليه بشكل مقتضب بالإشارة إلى أن فريق بايدن سيتعامل ببراغماتية مع الفاعلين الدوليين إلى حين إعادة السياسة الخارجية الأمريكية إلى السكة الصحيحة التي هي من وجهة نظرهم، إظهار الولايات المتحدة على أنها تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، ومن ثم يمكن أن تدخل الولايات المتحدة في مرحلة إعادة ترسيم المحاور على المستوى الدولي، التي ليس بالضرورة أن تُنتج تعامل جديد مع بكين مختلف كثيراً عن تعامل إدارة ترامب.

كما يحمل الشرق الأوسط العديد من الملفات التي يتوجب التعامل معها، مثل عملية السلام المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تطورات الأزمة السورية، الحرب في اليمن، النفوذ التركي في المنطقة بشكل عام وفي حوض المتوسط بشكل خاص، الأزمة الخليجية، وعلى رأس هذه القضايا سيكون الملف الإيراني الذي ما زال يعمل على تصعيد التوتر في المنطقة، وغيرها من القضايا التي بحاجة إلى حلول مستعجلة، ستطرحها إدارة بايدن، بحسب بعض المراقبين، من منظور دفع عمليات الحوار إلى الأمام عوضاً عن إعطاء الحلول النهائية بشكل أحادي.

ختاماً، من الضروري التذكر في كل مرة أن دراسة السياسة الخارجية في ظل الإدارات الأمريكية المختلفة، لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار أن التيارات الاجتماعية وما تمثله من مصالح اقتصادية له دور كبير في تحديد السلوك الخارجي للولايات المتحدة، وعليه سيستمر الإلتفات إلى الشأن الداخلي في عهد بايدن لرأب الصدع الاجتماعي، بالتوازي مع إصلاح حذر للعلاقات على المستوى الخارجي، للوصول للصيغة المركبة الموازية بين الشأن المحلي والأجنبي.

 

*عمل فريق Strategiecs قبل انعقاد الانتخابات الرئاسية الأمريكية على نشر مجموعة من التقارير التي تناولت جوانب اقتصادية وسياسية وثقافية نتجت خلال الفترة التي مكث بها ترامب في البيت الأبيض، بالإشارة إلى أثر هذه الجوانب على العملية الانتخابية بشكل عام. ويستطيع القارئ الوصول إلى هذه التقارير من هنا.

 

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات