تصاعد التهديدات الناشئة: مواجهة الأردن لعصابات المخدرات نموذجاً
تناقش هذه الورقة التحليلية تصاعد التهديدات الناشئة المرتبطة بعصابات تجارة المخدرات العابرة للحدود والتي أعلن الجيش الأردني مؤخراً تغير قواعد الاشتباك بما يتلاءم مع الاستجابة لأبعاد هذا التهديد وتأثيراته.
الكاتب محمد برهومة
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٠٧/٠٣/٢٠٢٢
تؤذن معارك الجيش الأردني مع عصابات المخدرات على امتداد الحدود السورية-الأردنية بمرحلة مختلفة من المواجهة والتحديات. فبعد النجاح الأردني، طيلة السنوات الماضية، في مواجهة خطر المجموعات الإرهابية على الحدود مع سوريا والعراق، تنظر عصابات تجارة المخدرات العابرة للدول، إلى الأردن ليس كمنطقة عبور إلى دول أخرى فقط، بل إلى ساحة مستهدفة بهذه التجارة غير المشروعة، كما ذكر نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي.
من جانب آخر، تُظهر التهديدات الناتجة من انتشار الجماعات المُسلحة في المنطقة، تركيزاً على تهديدات ناشئة وغير تقليدية، تنفذها قوى ما دون الدولة، من شأنها أن تترك تأثيراتها الواضحة على خرائط الجغرافيا السياسية الجديدة في المنطقة، وعلى تعريف أجندة التهديدات بشكل مختلف، وسيلقي بظلاله على منظومة الأمن الوطني للدول، وربما على مفردات عقيدتها الدفاعية، وأنظمة التسليح وموارد المواجهة وسُبلها المستجدة، على المستويات الوطنية أو الإقليمية أو الدولية.
وإلى جانب التهديدات التقليدية، مثل الانتشار النووي والأسلحة الكيماوية وغيرها، فإن التهديدات الناشئة (Emerging Threats)؛ مثل الهجمات السيبرانية وأعمال القرصنة الإلكترونية المنظمة وسرقة البيانات، وانتشار الأوبئة ومتحوراتها مثل كوفيد-19، وتوسّع ظاهرة التغير المناخي، والهجمات أو التهديدات المُرتبطة بالمجموعات المسلحة والإرهابية. تقف كمهددات أساسية وجديدة على الأمن الوطني والاستراتيجي للدول، بما يشتمل على مؤسساتها والبُنى التحتية والحيوية فيها، وعلى مواردها ومُقدراتها.
وهذه الورقة التحليلية تناقش التصاعد في التهديدات الناشئة، المرتبطة، على وجه الخصوص، بقوى ما دون الدولة سواء أكانت جماعات مسلحة أو عصابات تجارة المخدرات العابرة للدول والمدعومة من قوى وأطراف أخرى مسلحة وذات نفوذ. وتأخذ هذه القراءة الأردن نموذجاً للإضاءة على هذا التهديد وتحليل جانب من تأثيراته وأبعاده، بالنظر إلى راهنية التهديد المتعلق بعصابات المخدرات.
تغيير قواعد الاشتباك
في 17 فبراير 2022، أعلن الجيش الأردني أن محاولات التهريب عبر الحدود السورية الأردنية، باتت منظمة، يُستخدم فيها أدوات متطورة كالطائرات المُسيرة، وتحظى بغطاء من قبل المجموعات المُسلحة، مع تزايد نشاط شبكات التهريب التي رصد الجيش منها 160 شبكة تعمل في الجنوب السوري، وقد انعكس ذلك في العدد الكبير من محاولات التهريب التي يتعامل معها الجيش الأردني، فوفقاً للسلطات الأردنية أحبط منذ بداية هذا العام دخول أكثر من 16 مليون حبة كبتاغون، أي ما يساوي الكمية التي تم ضبطها طيلة العام 2021.
وقال مدير الإعلام العسكري العقيد مصطفى الحياري إن الجيش قتل 30 مهرباً وأحبط دخول 17348 كف حشيش وأكثر من 16 مليون حبة مخدر (كبتاغون) منذ بداية هذا العام فقط. وخلال عام 2021، أحبط الجيش الأردني 361 محاولة تهريب، وضبط 15,5 مليون حبة كبتاغون طيلة السنة.
وتابع الحياري أن "الأردن يخوض حرباً غير معلنة على الحدود مع تجار المخدرات ومن يقف خلفهم"، موضحاً أن مجموعات المهربين سابقاً كانت تتألف من 3 الى 6 أشخاص، بينما قد تصل الآن إلى 200 شخص "يستخدمون تكتيكات وعمليات خداع وتمويه".
ونظراً لتزايد خطر عصابات تجارة المخدرات العابرة للدول، وضعت القوات المسلحة الأردنية قواعد اشتباك جديدة على الحدود مع سوريا. وقال الجيش الأردني إن "تغيير قواعد الاشتباك المعمول بها في القوات المسلحة، يجعل الجيش يضرب بيد من حديد لقتل كل من تسوّل له نفسه الاقتراب من حدود الأردن".
ومن أجل تأكيد مدى أهمية هذا الموضوع لدى مؤسسة صناعة القرار في الأردن، زار جلالة الملك عبد الله الثاني المنطقة الحدودية مع سوريا في الرابع عشر من فبراير 2022، وطالب أفراد الجيش بـ"العين الحمراء في التعامل مع المهربين"، أي التصدي لهم بقوة وحزم. ووجّه جلالته رسالة عبر اللاسلكي إلى قوات حرس الحدود، مؤكدًا دورهم في التصدي لعمليات تهريب المخدرات، قائلاً "أنا مطمئن وكلي ثقة بقدرة الجيش العربي على حماية حدود بلادنا دائمًا كما فعلتم في أصعب الظروف التي مررنا بها".
وتقتضي قواعد الاشتباك الجديدة، ممارسة أقصى درجات الحزم والرد المباشر والفوري للقضاء على أي هدف متحرك مشتبه به على الحدود الأردنية-السورية، وذلك يعكس مدى تصميم القوات المسلحة الأردنية على التعامل بجدية قصوى لإنهاء خطر التسلل والتهريب، والحد من تنامي هذا التهديد، وإرسال رسائل واضحة بهذا الخصوص.
إلى جانب ذلك، يُسخر التحول في قواعد الاشتباك كافة الإمكانيات المُتاحة للجيش الأردني، ويمنحه المرونة الكافية للتحرك واتخاذ القرار، من أجل التعامل السريع والفعال مع عمليات التهريب. وذلك بهدف إرساء معادلات جديدة لأمن الحدود، في مواجهة البيئة الاستراتيجية الجديدة في الإقليم، التي اختلف فيها اللاعبون وتعقدت أنماط التهديدات، وكل ذلك يترك أثره في إعادة ترتيب أولويات الأمن الوطني والعقيدة الدفاعية.
وقد طُبق ذلك وبشكل واضح عندما قتلت القوات المسلحة الأردنية 27 من مهربي المخدرات على امتداد الحدود السورية المغطاة بالثلوج في ساعة مبكرة من صباح يوم 27 يناير 2022، فيما وصفه مسؤولون بأنه الأكثر دموية حتى الآن في صراع متصاعد مع شبكات إجرامية تعمل انطلاقاً من سوريا.
في هذه الحادثة، قالت السلطات الأردنية إنها استولت على كمية كبيرة من: الكبتاجون - فينيثايلين - وآلاف عبوات الحشيش؛ بعد تبادل لإطلاق النار ومطاردة تضمنت ما وصفه أحد المسؤولين "رتل" من المهربين والمرافقين المسلحين الذين عبروا إلى الأردن تحت غطاء عاصفة ثلجية الشهر الماضي.
كان هذا أخطر حادث في سلسلة الاشتباكات مع المهربين على مدى العامين الماضيين، كما تذكر واشنطن بوست؛ حيث واجهت المملكة موجة تهريب مخدرات غير مشروعة تتسرب عبر الحدود، قادمة من مراكز تصنيع رئيسية في سوريا، بحسب مسؤولين أمريكيين وشرق أوسطيين. وقد صادرت السلطات الأردنية ما قيمته مليارات الدولارات من الكبتاجون على مدار العامين الماضيين في ما يقرب من اثنتي عشر دولة، من الخليج إلى جنوب أوروبا.
"انتقال التهديد من الإرهاب إلى المخدرات"
وفي سياق توضيحه للتحولات في قائمة التهديدات والمخاطر، قال أيمن الصفدي، نائب رئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية، خلال زيارة له لواشنطن الشهر الماضي، إن التهديد البارز الذي يواجهه الأردن عبر حدوده الشمالية قد تحول في الأشهر الأخيرة من الإرهاب إلى المخدرات. وأضاف الصفدي في جلسة حوارية لمعهد بروكينغز في 13 يناير 2022: "حدودنا مع سوريا هي 367 كيلومتراً. في السنوات القليلة الماضية، كان التهديد الأكبر من الوضع هناك هو التنظيمات الإرهابية. الآن لا يكاد يمر أسبوع من دون أن يُجهض جيشنا محاولة أو محاولتين لإدخال المخدرات إلى البلاد. في الماضي، كان يُنظر إلينا على أننا سوق عبور ... ولكن الآن، مع ظهور العقاقير الكيميائية (الأرخص) مثل الكبتاغون، أصبحنا هدفًا، وهذا تحدٍ نحن نواجه".
وخلال السنوات الماضية، تضاربت المعلومات بشأن الجهات الأساسية التي تقف وراء عمليات التهريب من داخل الحدود السورية إلى الأردن، ورغم أن القتلى يتبعون للعشائر المقيمة هناك، بحسب مدير شبكة "السويداء 24" ريان معروف، إلا أنه يؤكد أن "هناك شبكات كبرى وأشخاص من المنطقة ينفذون مهامها لاعتبارات مالية واقتصادية".
وفي الواقع، تُعد سوريا التي تُعاني من أزمة منذ عشرة أعوام، المنتج الرئيسي لمُخدر الكبتاجون في العالم وفقاً لمنشورات مركز COAR، وهي التجارة التي تُقدر بعوائد تصل إلى ثلاث مليارات دولار سنوياً، وتُرجع صحيفة نيويورك تايمز، طفرة تجارة المُخدرات في سوريا، إلى امتلاك العصابات العابرة للحدود المقومات اللازمة لنجاح هذه التجارة، إذ يتوافر خبراء لخلط الأدوية، علاوة على مصانع لتصنيع المنتجات التي تخبىء فيها الأقراص، بالإضافة إلى إمكانية الوصول لممرات الشحن في البحر المتوسط، وطرق التهريب البرية إلى الأردن ولبنان والعراق.
وعلى الأغلب، تتمتع مثل هذه التجارة بدعم من جماعات مسلحة مدعومة من إيران والتي تتواجد في الجنوب السوري، ويقول مسؤولون أردنيون، لرويترز، إن هذه الجماعات والمسلحين الذين يسيطرون على جنوب سوريا يقفون وراء زيادة عمليات التهريب. مؤكدين بأنهم عبّروا عن مخاوفهم للسلطات السورية وكذلك لروسيا، الحليف الرئيسي للرئيس السوري بشار الأسد والتي تحتفظ بقوات من الشرطة العسكرية في جنوب سوريا، وبهذا الصدد، يُذكر أن السلطات السورية أعلنت في الشهور الماضية إحباط محاولات عدة لتهريب المخدرات إلى أسواق الخليج، وتقول إنها تنفذ حملة محلية لمكافحة إنتاج الكبتاجون.
والخشية أن التحولات الديمغرافية التي شهدتها سوريا خلال العشر سنوات الماضية، ومن ذلك جنوب سوريا، إلى جانب تمركز مجموعات وقوى مسلحة هناك، وخصوصاً الجهات الموالية لإيران، إنما يُعيد تعريف اعتبارات ومحددات أمن الحدود الأردنية مع سوريا التي بُنيت على مدى سنوات مضت، على شروط ومعطيات لم تَعُد قائمة أو ذات تأثير، كما كانت في السابق، لا سيما ما يتعلق بمنظومة العلاقات الأردنية مع عشائر وقوى قبلية في الجنوب السوري.
وفي الختام؛ تبدو البيئة المُتغيرة في الجنوب السوري تطرح تحديات وتهديدات جديدة للأمن الوطني الأردني، وعلى الرغم من سيطرة الجيش السوري على مناطق في جنوب البلاد، لا يزال المشهد الأمني هناك غير مُستقر، ويسير في اتجاهات مُقلقة مع الوجود الكبير للجماعات المُسلحة المدعومة من إيران، والتي تبدو فاعلة في عمليات تجارة وتهريب المخدرات، ويتزامن ذلك في ظل تغيرات ديمغرافية وفي توازن القوى تشهدها المناطق الجنوبية تُصعب على الأردن التواصل الفعال مع الداخل السوري لاحتواء المخاطر قبل اقترابها من الحدود.
يعتبر التهديد المُرتبط بتجارة المخدرات، جزء من المشهد المُعقد على الحدود، وهو ما يسعى الأردن لمواجهته من خلال تغيير قواعد الاشتباك إلى جانب الحفاظ على العلاقات الودية مع السلطات السورية.
*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.
محمد برهومة
كاتب وباحث أردني