تداعيات تطبيق قانون الأمن القومي على هونغ كونغ
ما هي التداعيات المترتبة بعد إقدام بكين على تفعيل قانون الأمن القومي في مقاطعة هونغ كونغ؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية؟ وما انعكاسات فقدان هونغ كونغ لاستقلاها النسبي على منطقة بحر الصين الجنوبي؛ التي هي بالأساس منطقة متنازع عليها بين الصين ودول أخرى؟
الكاتب ستراتيجيكس
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ١٦/٠٧/٢٠٢٠
تشهد العلاقات الأمريكية الصينية في هذه الأيام توتراً جديداً، إلى جانب العلاقة المأزومة أصلاً بينهما كأعظم قوتين عالميتين، ويتمثل هذا التوتر بإقدام بكين على تفعيل قانون الأمن القومي في مقاطعة هونغ كونغ، والذي من شأنه أن يتصدى لما يصفه المسؤولون الصينيون بالنزعات الانفصالية والإرهاب والتدخل الخارجي.
يأتي القانون بعد انقضاء نحو العام على مظاهرات نظمتها مجموعات شبابية وشعبية من سكان هونغ كونغ ضد ما يعتبرونه نفوذ بكين المتزايد في المدينة التي - أي هونغ كونغ - تتمتع باستقلالية جزئية عن الحكومة المركزية من الناحية الاقتصادية والتشريعية والقضائية. وتُرجم هذا القانون في مارس 2019 بعد أن اقترحت حكومة هونغ كونغ مشروع قانون يقضي بتسليم المجرمين والخارجين عن العدالة إلى بكين للمحاكمة.
قوبل القانون الذي وقع عليه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بعد إقراره من قبل البرلمان في 30 يونيو 2020، بحالة من السخط الدولي من قبل العديد من المنظمات الحقوقية والدول الغربية واليابان، حيث أنهم ينظرون إلى هذا القانون على أنه تهديد لحرية التعبير ولنمط الحياة السائد في المقاطعة، واعتداء صارخ على مبدأ "دولة واحدة ونظامين"؛ الذي كان من المفترض أن يسود لمدة 50 عاماً بعد عودة المدينة إلى السيادة الصينية من السيطرة البريطانية عام 1997.
أعلن البيت الأبيض - حتى قبل إقرار القانون المذكور - عن أنه يعتبر بأن هونغ كونغ لم تعد تتمتع بحكم ذاتي؛ مما يستدعي إعادة النظر بالموقع التجاري للمقاطعة، هذا الإعلان جرى دفعه بتوافق نادر بين الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي الذي صوت لتمرير مشروع قانون يعاقب البنوك التي تتعامل مع مسؤولين صينيين كانوا وراء صياغة قانون الأمن القومي وتمريره، إلى جانب فرض عقوبات على قيادات أمنية كانت وراء قمع الاحتجاجات في هونغ كونغ التي أيدتها واشنطن بشكل واسع، كما وعملت السلطات الأمريكية قبل خطوة مجلس النواب على فرض قيود على الصادرات الدفاعية والتكنولوجية إلى المقاطعة.
لكن وفي نفس الوقت، يرى مراقبون أنه سيكون من الصعب على إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التعامل بشكل فعال وقطعي مع قضية تطبيق قانون الأمن القومي، وذلك لوجود تشابك كبير في المصالح الاقتصادية مع المقاطعة التي تعد رابع أكبر بورصة في العالم، فهناك ما يقارب من الـ 300 شركة أمريكية تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، ناهيك عن أن التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والمقاطعة كان قد بلغ 36 مليار دولار عام 2019، وهنا لا بد من الإشارة إلى رغبة الإدارة الأمريكية في المحافظة على الاتفاق التجاري المبدئي الذي جرى الاتفاق عليه مع الصين في مطلع عام 2020 كهدنة لتخفيف وطأة الحرب التجارية التي بدأت في مارس 2018؛ فعلى الرغم من الأثر السلبي الكبير الذي لحق بالاتفاق وتطبيقه بسبب جائحة "كورونا"، إلا أنه يبقى يتسم بهذا القدر أو ذاك من الأهمية بالنسبة لترامب المقبل على انتخابات رئاسية صعبة في نوفمبر المقبل.
وعليه، ستفكر قاعدة صنع القرار في البيت الأبيض أكثر من مرة بالرد الصيني على أي إجراء أمريكي، بالأخص بعد التهديدات التي أطلقتها بكين تجاه الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص في 25 مايو 2020، بأنها لن تسمح لأية تدابير خارجية محتجة على فرض قانون الأمن القومي بأن تمر دون الرد عليها بشكل مناسب من قبل السلطات الصينية؛ فعلى سبيل المثال، أعلنت الحكومة البريطانية بعد إقرار القانون المذكور عن أنها ستسهل بعض الإجراءات التي تسمح بمنح 3 ملايين شخص من سكان هونغ كونغ الجنسية البريطانية، لترد السفارة الصينية في لندن بعد ذلك مباشرة، بأن بكين ستتخذ الإجراءات المناسبة التي ستحول دون التوسع في هجرة سكان المقاطعة إلى بريطانيا.
هذا ويتضمن القانون تشكيل هيئة أمن قومي تكون تابعة بشكل مباشر لبكين، التي ترى في التصريحات الخارجية المنددة بفحوى القانون وبأبعاده التطبيقية، تدخلاً صارخاً في الشؤون الداخلية للبلاد، وستكون هذه الهيئة بمثابة خلية للإشراف على أي حالة الطوارئ التي يتضمنها القانون.
بؤرة توتر جديدة في بحر الصين الجنوبي
إلى جانب المكانة العالمية التي تحتلها هونغ كونغ من الناحية الاقتصادية، التي تضررت بفعل التوتر الأمريكي الصيني المتصاعد، يشكل الموقع الجغرافي للمقاطعة بؤرة توتر جديدة تضاف إلى منطقة بحر الصين الجنوبي التي تعاني من عدم استقرار كبير مرده إلى عدم الاتفاق بين الصين من جهة، وبين كل من: تايوان، وماليزيا، وفيتنام، والفلبين، وبروناي من جهة أخرى، فيما يتعلق بتقسيم الحدود البحرية، حيث تطالب الصين بالسيطرة على 90% من مساحة البحر المذكور بحجة الدفاع عن حقوقها البحرية وسيادتها الوطنية، وارتفعت حدة التوتر إلى حدود قصوى في عام 2015 بعد أن رصدت القوات الصينية طائرة تجسس أمريكية كانت تحلق فوق إحدى الجزر الاصطناعية الصينية التي كانت قيد الإنشاء هناك.
وازداد منسوب التوتر من جديد في 5 يوليو 2020 عندما أعلن الأميرال، جورج إم. ويكوف، عن إرسال حاملتي الطائرات "رونالد ريغان" و"نيمتز" لإجراء تدريبات عسكرية هناك، والتي فُهم منها أنها رد على مناورات عسكرية تقوم بها القوات البحرية الصينية، حيث أطلقت الصين في اليوم التالي مناورة عسكرية في خليج عدن رداً على الاستفزاز الأمريكي.
جاءت التدريبات العسكرية الأمريكية كرسالة لحلفائها بأنها تتعهد بالحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة الواصلة بين المحيطين الهادئ والهندي - على حد تعبير ويكوف - إلا أنها قد تكون رسالة موجهة إلى بكين حتى لا تستغل قانون الأمن القومي المفروض على هونغ كونغ، من خلال تكثيف الأنشطة العسكرية باستخدام سواحل المقاطعة المطلة بالكامل على بحر الصين الجنوبي.
لقد تضاءلت الأهمية الاقتصادية لهونغ كونغ بالنسبة لمنطقة بر الصين الرئيسي، إلا أن هذا لا يعني عدم انتفائها، بل تحسينها لكي تصبح ملحقاً للاقتصاد الصيني ككل. بعبارة أخرى، تسعى الحكومة المركزية الصينية إلى نزع الخصوصية عن المقاطعة للفت الأنظار إلى تنوع الخيارات التنموية والاستثمارية في البر الصيني، والجزء المهم الآخر هو سعي بكين إلى القضاء على أية محاولة منادية باستقلال هونغ كونغ لما يحمل ذلك من تهديد هائل لمجالها الحيوي ولمصالحها في بحر الصين الجنوبي الغني بالموارد؛ والذي يمر به ما يقارب من الـ 5 تريليون دولار من السلع التجارية سنوياً.
من الممكن القول في الختام، أن قانون الأمن القومي أتى في مرحلة من الصعب أن يتم الاعتراض عليه، وذلك لتجنب تأزيم الوضع الاقتصادي على الصعيد العالمي الذي يعاني بشدة بسبب تفشي فيروس "كورونا" المستجد، وهذا لا يعني أن حدة التوتر السياسي والدبلوماسي سوف تشتد فقط بل وستستعر بين الشرق والغرب، إلا أن أطراف هذا التوتر سيسعون إلى تجنيب العلاقات الاقتصادية من أية تداعيات سلبية قد تصيبها.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات