القمة العربية الإسلامية ودلالات التوقيت والسياق
أعادت القمة العربية الإسلامية التأكيد على الدعوة لوقف الحرب في قطاع غزة ولبنان، وإنهاء تداعياتها على المدنيين، ومواصلة التحرك بالتنسيق مع المجتمع الدولي لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والتحذير من خطورة توسع التصعيد على المنطقة وتبعاته الإقليمية والدولية.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ١٧/١١/٢٠٢٤
انعقدت قمة مشتركة بين الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في العاصمة السعودية الرياض في 11 نوفمبر 2024، وهي الثانية من نوعها بعد مرور عام من انعقاد نسختها الأولى في التاريخ نفسه. وأعادت في بيانها التأكيد على قرارات النسخة السابقة بالدعوة لوقف الحرب في قطاع غزة ولبنان، وإنهاء تداعياتها على المدنيين، ومواصلة التحرك بالتنسيق مع المجتمع الدولي لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والتحذير؛ من خطورة توسع التصعيد على المنطقة وتبعاته الإقليمية والدولية، خاصة تجاه توسع رقعة العدوان الذي امتد ليشمل لبنان دون تدابير حاسمة من الأمم المتحدة. كما دعا بيان القمة إلى توحيد الأراضي الفلسطينية بما يشمل غزة والضفة والقدس، والتشديد على السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية.
القمة العربية الإسلامية بين نسختين
بقي موضوع القمتين ذاته، مع اختلاف في الدرجة، خاصة مع وصول الحرب في قطاع غزة إلى مرحلة مفصلية، وانطلاق أخرى في لبنان، والمخاطر المحيطة بمستقبل القضية الفلسطينية وحل الدولتين، خاصة في ضوء التغيرات التي تشهدها الولايات المتحدة مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.
فمن جهة؛ تشتد وتيرة العمليات العسكرية في قطاع غزة مُقارنة بما كانت عليه أثناء انعقاد القمة الأولى، وقد تزايدت أعداد ضحاياها من الفلسطينيين، ووصلت الحالة الإنسانية لسكان القطاع إلى أزمة غير مسبوقة، مع العرقلة الإسرائيلية لدخول المساعدات، والتدمير الذي لحق بالبنى التحتية الحيوية فيه، واحتلال إسرائيل ما يزيد عن 90% من أراضي القطاع.
وفي هذه المرحلة من الحرب، دخلت القضية الفلسطينية برمتها مرحلة أكثر ضبابية، إذ أصبحت المواقف الإسرائيلية أكثر تشدداً حيال حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، بل وتسعى أطراف الحكومة خاصة من اليمين المتطرف لتقويض الوجود السياسي للسلطة، وفرض السيادة على الضفة الغربية.
من جهة أخرى؛ بدأت إسرائيل بجبهة أخرى من العمليات العسكرية في لبنان، بعد سلسلة من الضربات الاستباقية التي طالت قادة حزب الله الرئيسيين وشملت الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وقد عقدت الجبهة الثانية من تركيز الجهود على الحرب في قطاع غزة، وضاعفت من مخاطر الانجرار إلى حرب أوسع بعد الضربات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة.
كل ذلك؛ يتزامن مع التغيير الأكثر أهمية منذ اندلاع الحرب، والذي يطال الإدارة الأمريكية مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات، وانتظار توليه منصبه رسمياً في يناير 2025، وهو الأمر الذي سينعكس على الحربين في قطاع غزة ولبنان، وعلى الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية وتحديداً تجاه حل الدولتين الذي استمرت إدارة الرئيس جو بايدن بالدعوة له دون نتائج تُذكر.
إدارة ترامب والتغيرات المحتملة القادمة
إن توقع التغيرات القادمة واستشرافها مع إدارة ترامب تجاه القضية الفلسطينية تحديداً، تنطلق أولاً من تجاربه ومواقفه خلال فترة إدارة الأولى (2017-2021)، والتي ارتبطت حينها بصفقة القرن والاعتراف بشرعية الضم الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية المحتلة ونقل السفارة الأمريكية الى القدس بعد الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية عليها بوصفها عاصمة إسرائيل. وثانياً من المرشحين لشغل المناصب في إدارته الثانية من بينها المرشح لوزارة الدفاع بيت هيجسيث وتعيين مايك هاكابي سفيرا لدى إسرائيل، وغيرهم من الشخصيات المقربة من إسرائيل والمنسجمة مع مواقف حكومتها اليمينية.
وذلك في الواقع ما يمنح القمة العربية الإسلامية الثانية أهميتها، خاصة من جهة اتجاه المواقف الأمريكية والإسرائيلية نحو فرض مسار الأمر الواقع فيما يتعلق القضية الفلسطينية، إذ وأثناء حملته الانتخابية تماهى خطاب ترامب مع سرديات اليمين المتطرف الإسرائيلي، من جهة شرعية الاحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة، في وقت الذي تمضي فيه الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ مخططاتها في قطاع غزة عبر فصل شمال قطاع غزة عن بقية مناطق القطاع والسيطرة الدائمة على المحاور الثلاثة (نتساريم وفيلادلفيا وميفلاسيم)، وتوجهاتها بإعلان سيادتها على الضفة الغربية بحسب تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش حول إصداره تعليمات للتحضير لبسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وإعداد البنية التحتية اللازمة لفرض تلك السيادة في العام القادم 2025، ومن ثم تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد جدعون ساعر خلال انعقاد القمة حول أنّ إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة لم يعد أمراً واقعياً اليوم.
وبذلك، هناك قناعة عربية وإسلامية بجدية التحديات والمخاطر المرافقة للحرب والتغيرات في البيت الأبيض، وقد يُفسر ذلك التصاعد في خطابات القادة تجاه الحرب، إذ أكد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على أنّ استمرار إسرائيل في جرائمها بحق الأبرياء والإمعان في انتهاك قدسية المسجد الأقصى من شأنه تقويض الجهود الهادفة لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، والتأكيد على وقوف المملكة العربية السعودية مع لبنان وفلسطين، وإلزام إسرائيل باحترام سيادة إيران وعدم الاعتداء على أراضيها. وكذلك في خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين الذي دعا إلى تكثيف الجهود لـكسر الحصار المفروض على غزة، ووقف التصعيد في الضفة الغربية والاعتداءات على الأماكن المقدسة، قائلاً: "كيف لنا أن نخاطب الأجيال في بلادنا؟ كيف لنا أن نبرر لهم الفشل العالمي في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان؟ وكيف يمكن إقناعهم أن القانون الدولي موجود ليحمي كل الشعوب وحقها في الحياة، من دون تمييز بين شعب وآخر، أو دولة وأخرى؟"، وقد جاءت خطابات بقية القادة كالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وغيرهم على المستوى ذاته من التصعيد.
ملفات وتساؤلات ما بعد القمة
يفرض استمرار الحرب العديد من التساؤلات المتعلقة بملفات المنطقة المعقدة، وبمدى قدرة الدول العربية والإسلامية على الاستجابة المكافئة لتحدياتها، خاصة في حالة غزة والضفة الغربية ومستقبل السلطة الفلسطينية، والحالة اللبنانية ومستقبل العملية السياسية فيها.
ولعل أبرز هذه التساؤلات؛ يتعلق باليوم التالي من الحرب، من جهة توقيت وقف إطلاق النار، والظروف المطلوبة لتحقيقه، والشروط الإسرائيلية والأمريكية لإنجازه، وما بعد ذلك من ملفات سيكون للدول العربية والإسلامية دور محوري فيها، كالحفاظ على الموقف العربي والإسلامي الصريح في رفضه لأي تغيير ديمغرافي أو جغرافي في الأراضي الفلسطينية، ومسائل إعادة الإعمار والتعافي المجتمعي في قطاع غزة، والتحرك دولياً لفرض حل الدولتين وضمان بقائه كحل وحيد وأمثل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة في ضوء الإجراءات الإسرائيلية الساعية لتقويض السلطة الفلسطينية وحل الدولتين، والتي كان آخرها حظر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
أما في الحالة اللبنانية فتطرح تساؤلات حول مدة وعمق العملية العسكرية في لبنان، ومصير حزب الله (السياسي والعسكري) وحدود دوره المستقبلي في النظام السياسي اللبناني، كما مستقبل النفوذ الإيراني، ومدى الجاهزية السعودية للعودة إلى لبنان واستئناف دعمه السياسي والاقتصادي.
وفي الواقع؛ فإن تلك التساؤلات لا تُحدد فحسب مستقبل وشكل العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية ما بعد الحرب، بل أيضاَ العلاقات العربية الإسرائيلية، سواء من الدول التي تجمعها معها معاهدات سلام أو تلك المنخرطة في مفاوضات، إذ أكدت قمة الرياض والتصريحات السعودية أن الدولة الفلسطينية أساس لأي اتفاق سلام سعودي إسرائيلي، وتكمن أهمية ذلك في وقت أثبتت فيه أن مسارات المصالحات التي شهدتها المنطقة منذ عام 2021 والتي قادت إلى استئناف العلاقات ما بين السعودية وإيران، هي مسارات راسخة واستراتيجية، ما يعني قُدرة الدول العربية والإسلامية مجتمعة على فرض تصوراتها ومطالبها ليس على إسرائيل فحسب، بل وفي عموم المجتمع الدولي.
وأخيراً؛ كل ما سبق يزيد من أهمية القمة العربية الإسلامية ويرفع الحاجة لتكرارها من أجل تنسيق المواقف وتعزيز قدرة الدول على الاستجابة للتحديات القائمة وتلك الناشئة عنها، مع ضرورة انتقال قرارات القمة من الجوانب النظرية إلى التنفيذية، خاصة في وقت تنسجم فيه أراء ومواقف غالبية المجتمع الدولي مع ما جاء في بيان القمة الختامي وهو ما يزيد من فرص تطبيقها وترجمتها عملياً، وتحديداً من جهة تفعيل الدعوة السعودية لدول العالم إلى الانضمام للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين الذي أطلقته اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية برئاسة السعودية وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والنرويج، وتفعيل "وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين" بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى توظيف علاقات بعض دول الخليج العربي المتقدمة مع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد لصالح قرارات القمة على قاعدة أنّ مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة تقتضي ذلك، خاصة في ظل ما يرشح من أولوية "الملف الصيني" لتلك الإدارة على غيره من الملفات في الشرق الأوسط وأوكرانيا وغيرها.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات