إيران.. والاستعداء الشامل

وفي الحقيقة فإن سرد هذه الأدوات المذكورة آنفاً ليست مجرد عرض نظري لما يمكن أن يحدث، بل تفصيل وتوضيح دقيق لما قامت وتقوم به إيران وأذرعتها وعملاؤها، ولمخططاتها المستمرة تجاه أوطاننا العربية: نشر الفوضى هنا وهناك، وتأليب الصراعات واستقطاب الانتماءات والولاءات عبر نشر التعصب الديني والتمييز المذهبي.. إلخ، والقائمة تطول.
تدرك إيران جيداً ما يعانيه الشباب العربي من ضياع وبطالة ومن إهمال تمارسه حكوماتهم، ومن المعروف أن الخطوة الأولى للسيطرة على عدوك هي معرفة نقاط ضعفه، ولذلك فقد عملت على خلق بدائل لهؤلاء الشباب إما عن طريق دفعهم إلى التشيّع والانتساب لميليشياتها بمقابل مالي، أو من خلال ربط مصيرهم بها وإلهائهم عن بناء أوطانهم من خلال السيطرة على عقولهم بالمخدرات والمتعة الجنسية غير المشروعة التي تغذيها أجهزة وهيئات تتخفى تحت اسم "الجمهورية الإسلامية" ومن وراء ستارها الديني المزعوم.

إذن فالمخدرات كسلاح إيراني لا تنتظر منه طهران جني الأموال وزيادتها، بل تريد أن يصبح الطريق مفتوحاً أمامها لتوسيع سيطرتها ونفوذها عبر تدمير مجتمعاتنا وشبابنا كما دمرت من قبل المجتمع الأفغاني بالطريقة ذاتها، وهذا ما بدا واضحاً في انهزام جيشها وشرطتها أمام طالبان في ساعات قليلة، وذلك بعدما نخر الفساد جسد الدولة والمجتمع لديهم. والأمر ذاته يحدث في اليمن الذي انتشرت فيها أنواع المخدرات والقات في ظل الحرب وتردي الأوضاع نتيجة التدخلات الإيرانية السافرة. وكذلك في باكستان التي تنشط فيها شبكات تهريب المخدرات بتسهيل ودعم إيراني.

إن استمرار إيران في مخططاتها هذه وغفلة العرب عن التصدي لها سيجعلهم مع مرور بعض الوقت تحت احتلال إيراني فارسي يعيد المآسي التي عانها سابقاً من الاحتلال العثماني خلال عدة قرون. كما ينبغي التنبه من جهة ثانية إلى أن إيران تستهدف من استرتيجيتها هذه (الغزو عبر المخدرات) وبالدرجة الأولى الدول التي تقف جداراً منيعاً أمام سياساتها وأطماعها في المنطقة كالسعودية الأردن والبحرين، إذ تمثل السعودية، والتي لا تتوقف المحاولات الإيرانية لإدخال المخدرات إلى أراضيها عبر العراق، ثقلاً إقليمياً ودولياً مهماً ضد النظام الإيراني، وكذلك الأردن الذي يستهدف عبر الأراضي السورية واللبنانية، والبحرين بوصفها جسراً للعبور باتجاه عمان. وكم حري بهذه الدول، وعلى رأسها السعودية، أن تكون متيقظة جداً لأبعاد هذا المخطط الجهنمي الذي يستهدف الشباب العربي عامة، وشباب هذه الدول خاصة. 

تتطلب مواجهة هذا الحال استعداداً على أعلى المستويات، يبدأ من إعداد المواطن – الإنسان وتهيئته وتعليمه وتوفير فرص الحياة الكريمة له، والانتباه بشكل خاص إلى فئة الشباب وما تمثله من قاعدة أساسية في مستقبل أيّ شعب ودولة، واحتضان هذه الفئة وربطها بوطنها وقيمه من خلال خلق انتماء حقيقي قائم على فهم حاجات الشباب ودعمهم وإتاحة المجال لهم في مختلف شؤون البلاد، مع ضرورة الدفع ببرامج توعوية حكومية وأهلية، وتوفير الدعم الإعلامي الرسمي والاجتماعي لها، للكشف عن هذه الاستراتيجيات والمخططات وإفشالها وقطع الطريق على واضعيها ومنفذيها. وإلا فإن ضريبة إهمال شبابنا وتركهم لقمة سائغة في فكّ إيران وغيرها ستكون كبيرة حاضراً ومستقبلاً.

كما تتطلب هذه المشكلة المتنامية تكثيف الجهود الدولية لردع إيران وميليشياتها، ووضع حد لاستخدامها المخدرات كسلاح في معركتها مع العالم! وفي سبيل استعادة إرث الإمبراطورية الفارسية كما يحلم قادتها.. يجب فرض أقسى العقوبات عليها نتيجة سلوكها الهدّام هذا، والذي يضاعف من كونها تمثلّ خطراً على الجميع وعلى فرص السلام والاستقرار وبناء الأساس الحضاري في المنطقة برمتها، ليس في الوقت الحاضر فقط بل في المستقبل أيضاً.