العقبة وشرم الشيخ: بحث عن إنجازات محدودة لتأثيرات مستقبلية
تقدير موقف | يتناول التقدير قمتي العقبة وشرم الشيخ في سياق متكامل من حيث التوقيت والمعطيات الميدانية والأهداف المطروحة، حيث تسعى أطراف القمتين إلى تحقيق اختراقات محدودة في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية تنعكس بشكل إيجابي في المدى القريب والمتوسط على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية في الضفة الغربية.
الكاتب حازم سالم الضمور
- تاريخ النشر – ٢٨/٠٣/٢٠٢٣
استكمالاً لـ"قمة العقبة الأمنية" التي انعقدت في 26 فبراير 2023، التقى ممثلين عن الأردن وفلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة ومصر، بمدينة شرم الشيخ المصرية في 19 مارس 2023، في ظل استمرار ذات الظروف التي عُقدت لأجلها القمة الأولى، من تصاعد للعنف في الضفة الغربية مع تشديد الإجراءات الإسرائيلية العسكرية، وتمسك أطراف في الحكومة الإسرائيلية بمواقفهم اليمينية، والتي تدعم ممارسات المستوطنين في القدس الشرقية والضفة الغربية ضد الفلسطينيين.
وقد جاء البيان الختامي لقمة شرم الشيخ، ليؤكد متابعة طرفيها الرئيسيين الفلسطيني والإسرائيلي إجراءات بناء الثقة المتبادلة، حيث القمتين وبالرغم من عدم وجود تأثير ملحوظ لهما على الأرض، يُمكن اعتبارهما ممارسة لتأهيل الطرفين للخوض في محادثات سلام أوسع، ويأتي ذلك عبر:
أولاً: تكرار عقد تلك اللقاءات، حيث تم الاتفاق على عقد لقاء ثالث خلال شهر رمضان.
ثانياً: ضمان التزام الطرفين بتفاهمات قمة العقبة، والمتمثلة في وقف الإجراءات الأحادية الجانب لمدة 3-6 أشهر، لا سيما الالتزام الإسرائيلي بوقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة أربعة أشهر، ووقف ترخيص أي بؤر استيطانية لمدة ستة أشهر.
ثالثاً: إرساء آليات للحوار المباشر من أجل الحد من العنف والتحريض، ومعالجة القضايا العالقة.
رابعاً: إنشاء آلية لاتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني، والالتزام بالحفاظ على الوضع التاريخي الراهن في الأماكن المقدسة في القدس.
تحديات ما بين القمتين
شهدت الأسابيع الثلاث ما بين القمتين، ارتفاعاً في مستوى التصعيد الإسرائيلي على الأرض، سواء من جانب الحكومة الإسرائيلية ذاتها، أو من جانب المستوطنين في الضفة الغربية، وهو تصعيد أدى إلى سقوط عشرات الضحايا من الفلسطينيين، بالإضافة إلى ارتفاع الأصوات الرافضة لبيان قمة العقبة من جانب أقطاب مهمة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي. كل ذلك يستدعي الوقوف عند بعض الملاحظات:
أولاً: سببت التصريحات والمواقف الإسرائيلية التي أعقبت قمة العقبة مباشرة، حرجاً سياسياً لإسرائيل، أمام الولايات المتحدة الأمريكية والأردن ومصر. وتلك المواقف كادت أن تتسبب بضرر في السياسات الإسرائيلية، وفي علاقاتها الخارجية، فصحيح أنها استجابت لضغوط واشنطن بحضور اللقاء، لكنها استمرت في سياستها ودون تغيير في خطابها، ومن شأن ذلك أن يزيد من حجم الضغوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية، والتي كان آخرها دعوة الاتحاد الأوروبي إلى العدول عن إلغاء قانون "فك الارتباط"، والذي يفتح الطريق لعودة المستوطنين إلى 4 مستوطنات كانت قد أخليت من الضفة الغربية عام 2005، بالإضافة إلى إعلان هيئة البث الإسرائيلي، استدعاء الولايات المتحدة للسفير الإسرائيلي في واشنطن مايك هرتسوغ، حيث عبرت ويندي شيرمان نائب وزير الخارجية، عن قلق واشنطن العميق جراء إلغاء القانون، وهي خطوة "غير معتادة" وفقاً للهيئة.
ثانياً: التفاهمات الضمنية بين "حماس" وإسرائيل والتي كشفت عنها حياد الحركة عن التصعيد العسكري ما بين إسرائيل وحركة "الجهاد الإسلامي" في ديسمبر 2022، وثُم بعدم ترجمة خطابها المتصاعد من الاستفزازات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى أي إجراء، ويندرج ذلك ضمن ما يوصف بأنه "مرحلة جديدة في مشروع حماس السياسي"، جنباً إلى جنب مع اتباع إسرائيل لسياسة "الاقتصاد مقابل الأمن"، من خلال تخفيف وطأة الحصار المفروض على قطاع غزة، والسماح بدخول المواد الخام والأجهزة الطبية وزيادة عدد تصاريح العمل في إسرائيل.
وهُناك مباحثات ترعاها مصر، من أجل الحفاظ على التهدئة والحيلولة دون انتقال التصعيد في الضفة الغربية إلى قطاع غزة، واقتصار التصعيد بين الحركة وإسرائيل على "رد الفعل"، وإن نجاح المساعي المصرية يعني أن "حماس" تعتبر "شريكاً صامتاً" أو خفياً في لقاءات العقبة وشرم الشيخ وما يتبعهما من لقاءات قادمة.
وبالرغم من أن تلك التفاهمات قد تُحيد "حماس" عن أي تصعيد عسكري مع إسرائيل في قطاع غزة، لكنها لا تُعمم على الجيوب المسلحة الأخرى في القطاع إذا ما تفاقمت الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، أو استمرت الاستفزازات الإسرائيلية. إذ قد لا تتمكن "حماس" من احتواء حركة "الجهاد الإسلامي"، أو ضبط كافة أعضائها وقياداتها العسكرية في الميدان. مع ذلك فإن أي تصعيد يشهده القطاع دون مشاركة "حماس" فيه يبقى محدود النطاق، وهذا ما حدث في ديسمبر 2022، بعدما اغتالت إسرائيل قادة عسكريين في حركة "الجهاد الإسلامي".
كل ذلك يزيد من الضغوط المفروضة على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ويزعزع من سيطرتها الأمنية هناك، بحكم استمرار حركة "حماس" في نشاطاتها العسكرية الجزئية والمحدودة في الضفة، ودعواتها المتواصلة لإشعال انتفاضة ثالثة فيها، وهو ما يزيد من دافعية السلطة الفلسطينية لإثبات قدرتها على ضبط الأوضاع وحرصها على عدم التفاقم.
ثالثاً: يشكل "الخطر المشترك" الذي تمثله حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية تحدياً للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، خاصة وأن حركة "الجهاد" لها ارتباطات بإيران وحلفائها في المنطقة، وهذا ما يفسر الهجمات الإسرائيلية المتواصلة ضد الحركة، وآخرها عملية اغتيال القيادي في سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، المهندس علي الأسود، في العاصمة السورية دمشق في 19 مارس 2023.
رابعاً: باتت الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية جراء اقتطاع مبالغ كبيرة من "المقاصة" ضمن عقوبات إسرائيلية على السلطة؛ تهدد مستقبل السلطة بشكل جدي، بسبب عدم قدرتها على دفع رواتب موظفيها كاملة للسنة الثانية على التوالي، وهو ما أدى إلى تصاعد الإضرابات والحركات الاحتجاجية من قبل الاتحادات والنقابات المهنية، خاصة في قطاع المعلمين.
إن كل تلك الملاحظات تعطي تفسيراً "منطقياً" إلى حد معين وراء استجابة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للضغوط الأمريكية والأردنية والمصرية الهادفة إلى تهدئة الأوضاع ومنع تصاعدها خلال شهر رمضان، إلا أن تلك المساعي لا تزال تصطدم بسلوكيات وخطابات بعض أطراف الصهيونية الدينية التي تقوض التهدئة على الأرض.
سموتريش: الجانب الآخر للرؤية الإسرائيلية
تكشف تصريحات بتسلئيل سموتريش زعيم حزب الصهيونية الدينية، وزير المالية والمسؤول عن ملف الضفة الغربية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، خلال فعالية لتكريم ناشط صهيوني يميني في فرنسا، الجانب الآخر في المواقف الإسرائيلية، ليس من السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني فحسب، بل من الأردن كذلك.
أثناء الفعالية، ألقى سموتريش بكلمة وتظهر من أمامه خريطة لـ"إسرائيل الكبرى" كما تراها تيارات اليمين الصهيوني، حيث يظهر في الخريطة الأردن وكامل الأراضي في فلسطين التاريخية، وهي ذات الخريطة التي رسمها مؤسسو اليمين الصهيوني قبل إقامة إسرائيل وبعدها، من أمثال (زئيف جابوتنسكي ومناحيم بيغن واسحق شامير) وغيرهم، وقد جاء في كلمة سموتريش، الدعوة إلى "محو بلدة حوارة" من الوجود، ذلك أنه وفقاً له "لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، فهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره 100 سنة".
ما صدر في الفعالية من سلوكيات وتصريحات، يعقد المشهد ويزيد من صعوبة تهدئة الأوضاع على الأرض، ويُزعزع ثقة الدول المنخرطة بالتهدئة في امتثال الحكومة الإسرائيلية إليها، إلى جانب ما يلحقه بالعلاقات الإسرائيلية الخارجية من أضرار، حيث أثارت تصريحات سموتريش رد فعل دولي كبير من الانتقاد لا سيما من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما قوبلت ببيان شديد اللهجة صدر عن وزارة الخارجية الأردنية، واستدعت الحكومة الأردنية على إثرها السفير الإسرائيلي في عمّان، ولا يبدو أن تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي حول تمسك إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة مع الأردن، سيُهدئ من رد الفعل الأردني الرسمي والشعبي، إذ صوت مجلس النواب بالإجماع على مقترح لطرد السفير الإسرائيلي في عمّان، وهناك تقارير تُفيد بأن حراكاً سياسياً يدفع لتطبيق ذلك المقترح، وبالرغم من أنه لا يلزم السلطة التنفيذية التي تُعد صاحبة الولاية العامة، إلا أنه مؤشر يدلل على تصاعد المطالب الشعبية تجاه العلاقة مع إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، يتضامن مع الموقف الأردني مجموعة مواقف دولية وعربية، فقد أدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تصريحات سموتريش، كما وصفت فرنسا -التي أقيمت على أرضها الفعالية- عبر وزارة الخارجية تلك التصريحات بـ"غير المسؤولة"، بالإضافة للعديد من الدول العربية، حيث أدانتها كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين وسوريا، ووصفت وزارة الخارجية السعودية تلك التصريحات بـ"العنصرية والمسيئة"، وبأنها " تسهم في نشر خطاب الكراهية والعنف وتقوض جهود الحوار والسلام الدولي".
الفجوة ما بين مواقف الأطراف الخمس
إن الفجوة ما بين مواقف الأطراف المشاركة في قمة العقبة ثم في لقاء شرم الشيخ، أكبر من قدرة تلك اللقاءات على تجسيرها في ظل نقاش محصور بقضايا معينة.
حيث شارك الجانب الفلسطيني، في القمتين مدفوعاً بأزمات معقدة ومركبة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي يطال تهديدها مستقبل الاستقرار السياسي في الضفة الغربية. إذ يحاول بمشاركته في هذه القمم الرهان على إمكانية تحقيق تنازلات إسرائيلية أمام العديد من مطالبه، إلا أن تل أبيب وبمقاربة واقعية قد لا تستجيب لأغلبها، فبينما قدمت إسرائيل وعوداً في قمة العقبة بتحويل عائدات السلطة من الضرائب المجمدة في إسرائيل، إلا أن الأخيرة تتوسع في حجب الأموال عن السلطة.
أما الجانب الإسرائيلي، الذي شارك استجابة للضغوط الأمريكية، يُدرك أن تلك الضغوط لن تتعدى إبرام تفاهمات محدودة وتقديم تنازلات ضئيلة، ومن جهة أخرى فإنه يمضي بإجراءاته في الضفة الغربية بشكل متسارع مع ضمان نفاذ التفاهمات مع حركة "حماس" والتي تضمن الهدوء على جبهة قطاع غزة.
فيما الجانب المصري معني باستمرار التهدئة على جبهة قطاع غزة، واستمرار الدور المصري في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لكن دون كُلف عالية، في ظل وجود تحديات أهم بكثير تشغل اهتمام القيادة المصرية، خاصة الأزمة التي تواجه اقتصاد البلاد.
يبقى الجانب الأردني، وهو الأكثر تماساً مع الحالة الفلسطينية، والأكثر سعياً لإرساء الاستقرار في الضفة الغربية، والحيلولة دون تفاقم التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية، وتطورها إلى لحظة من اللا استقرار، إلا أنه غير قادر على العمل بمفرده لمنع اندلاع انتفاضة ثالثة، أو فقدان السلطة السيطرة الأمنية على الضفة. باستثناء قدرته على ممارسة الضغط السياسي والدبلوماسي، والعمل على صعيد دولي لجلب موقف موحد يُدين الإجراءات الإسرائيلية على الأرض، والضغط باتجاه حل الدولتين.
وأخيراً؛ فإن أمام قمة العقبة، ومن بعدها شرم الشيخ، وغيرهما من اللقاءات القادمة، الكثير من الخطوات لاختراق القضايا الكُبرى، مع ذلك فإن القمتين يُمكنهما إنجاز العديد من القضايا الصغيرة ذات التأثيرات الكبيرة، كتقديم إسرائيل المزيد من التنازلات والتسهيلات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، وتمديد الاتفاق على وقف الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب ومنع التعديات على المقدسات في القدس وتجميد الاستيطان وتخفيف التصعيد المتواصل على الأرض، وهو ما قد يُقلل من الضغوط المفروضة على الضفة الغربية، ويمنع انهيارها في المدى القريب والمتوسط على الأقل.
من جهة أخرى، تنعكس مآلات الأزمة الداخلية في إسرائيل على مخرجات قمتي العقبة وشرم الشيخ، وعلى أي لقاءات أخرى قادمة، حيث أدى الاستقطاب السياسي بين قوى يمينية ويسارية وأخرى ليبرالية إلى تعميق التصدع المجتمعي، وتعزيز الشكوك حول قدرة الحكومة الإسرائيلية على التعامل مع التداعيات المستقبلية للأزمة.
حازم سالم الضمور
مدير عام المركز/ باحث متخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية