"الجهاد الإسلامي".. قنبلة موقوتة في واقع هش
تسعى هذه الورقة إلى تقديم قراءة لأسباب التصعيد الإسرائيلي ضد حركة "الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى تقييم تداعيات ذلك التصعيد.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ١٥/٠٩/٢٠٢٢
مقدمة
شهدت الأراضي الفلسطينية تصعيداً عسكرياً إسرائيلياً كبيراً ضد حركة الجهاد الإسلامي في شهر أغسطس 2022، تركز في مدينة جنين ومخيمها وفي قطاع غزة، حيث تم اعتقال القيادي البارز في الحركة بسام السعدي بعد إصابته، وتم اغتيال مجموعة من القادة العسكريين والنشطاء في سلسلة من عمليات القصف الإسرائيلي التي استهدفت الحركة في قطاع غزة وعمليات الرد بإطلاق القذائف الصاروخية على إسرائيل من قبل سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد قبل إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين.
ولأنّ التصعيد الإسرائيلي كان واضحاً في اقتصاره على حركة الجهاد الإسلامي، فمن المهم تسليط الضوء على أسباب هذا التصعيد وتداعياته
أسباب التصعيد
تتكثف أسباب التصعيد الإسرائيلي ضد حركة الجهاد الإسلامي في مجموعة من السمات الذاتية التي تتميز بها الحركة، والشروط الموضوعية المحيطة بها، وأهم هذه الأسباب:
أولاً: طبيعة النشأة وظروف التأسيس
نشأت فكرة "الجهاد الإسلامي" في سياق مناخات "ثورية" دينية مناهضة لإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكية في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي (الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، اغتيال السادات وبروز اسم تنظيم "الجهاد" و "الجماعة الإسلامية" في مصر عام 1981 وما تلاها، عمليات التفجير العنيفة التي استهدفت القوات الفرنسية والأمريكية في بيروت عامي 1982 و 1983 وتبنتها منظمة "الجهاد الإسلامي" المرتبطة بإيران)، وفي سياق تلك المناخات تطورت فكرة "الجهاد الإسلامي" الفلسطيني التي حملت نفس الاسم، على نقيض سياقات أخرى انخرطت فيها جماعة الإخوان المسلمين بكل طاقتها، وتمثلت في المشاركة في الحرب الأفغانية الروسية بعد عام 1979 وإعلان "الجهاد" ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وتجنيد الشبان العرب لتلك المعركة.
ثانياً: المنهج والاختلاف عن الإخوان المسلمين ومعهم
تميزت أطروحات حركة الجهاد الإسلامي الفكرية بالنقد الحاد لمنهج الإخوان المسلمين "الإصلاحي"، حيث تبنت الحركة منهجاً "ثورياً" في التغيير، وهو منهج انعكس على رؤية الحركة للواقع وعلى مواقفها السياسية وبنيتها التنظيمية، وجعلها أقرب للجماعة "شبه العسكرية" التي تعتمد أساليب العمل السري، على خلاف جماعة الإخوان المسلمين ذات الطابع الدعوي العلني والمؤسساتي.
ثالثاً: الموقف من الثورة الإسلامية والعلاقة مع إيران
تأثر الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، بنجاح الثورة الإسلامية في إيران بشكل كبير وواضح، واعتبرها نموذجاً مثالياً يحتذى به، وأصدر كتيّباً بعنوان "الخميني: الحل الإسلامي والبديل" بعد أربعة أيام من نجاح تلك الثورة، وقد تطور ذلك الموقف لاحقاً ليحكم العلاقة الاستراتيجية بين حركة الجهاد الإسلامي وإيران، وهي علاقة تتجاوز الدعم المالي والعسكري والسياسي لتصل إلى اعتبار حركة الجهاد الذراع الأهم للسياسة الإيرانية في الساحة الفلسطينية بعيداً عن الاعتبارات المذهبية، وهي ميزة مهمة لحركة الجهاد مقابل الطابع المذهبي لأذرع ايران الأخرى في لبنان والعراق واليمن على سبيل المثال.
رابعاً: الموقف من القضية الفلسطينية
على خلاف بقية الجماعات الإسلامية التي سبقتها (الإخوان المسلمون، حزب التحرير، الجماعات السلفية) اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي، القضية الفلسطينية قضيتها المركزية، بل القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية، وبناء على تلك الرؤية كانت الأولوية في ممارسة الحركة للقتال ضد إسرائيل وتحرير فلسطين، وليس لأسلمة المجتمع وإصلاحه كما تنادي جماعة الإخوان المسلمين، ولا لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة كما ينادي حزب التحرير، وقد ظهر موقف حركة الجهاد الإسلامي كموقف متميز في أدبيات الحركة الأولى، وبرز بشكل منهجي واضح في كتاب "المشروع الإسلامي المعاصر ومركزية القضية الفلسطينية: لماذا وكيف؟" الذي أصدره الشقاقي في عام 1988.
خامساً: الموقف من حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية
رغم الموقف النظري النقدي (الفكري والسياسي) من منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح باعتبارهما هيئات علمانية من الناحية الفكرية، وتساوقهما مع مشاريع التسوية من الناحية السياسية، إلا أن خطاب حركة الجهاد الإسلامي لم يكن صدامياً ولا تكفيرياً ولا اتهامياً للمنظمة ولفتح، ولم تطرح ذاتها كبديل سياسي لهما، بل شهدت محطات كثيرة تعاوناً وتنسيقاً ما بين حركة فتح وحركة الجهاد الإسلامي، كما حصل في علاقة حركة الجهاد بتيار "سرايا الجهاد" الفتحاوي وتنفيذ عمليات مشتركة منتصف ثمانينيات القرن الماضي، على عكس موقف بقية الجماعات الإسلامية من المنظمة وفتح، خاصة جماعة الإخوان المسلمين التي اتسمت علاقتها بفتح والمنظمة بالتوتر والصدام حتى قبل تأسيس حركة حماس في العام 1988، وليزداد ذلك بعد تأسيس حماس التي طرحت ذاتها كبديل سياسي من لحظة تأسيسها الأولى، لتخوض الكثير من الصراعات الدموية مع حركة فتح، وصلت ذروتها في أحداث قطاع غزة في العام 2007 وما تبعه من انقسام سياسي فلسطيني مستمر حتى اللحظة.
سادساً: المحافظة على الطابع السني
رغم مواقف حركة الجهاد الإسلامي الإيجابية من الثورة الإسلامية الإيرانية ورموزها، ورغم استراتيجية العلاقات ما بين الحركة وإيران، إلا أن حركة الجهاد حافظت على خطاب لا مذهبي من جانب، وحرصت على إظهار "سُنيتها" من جانب آخر، وهو ما مكنها من الصمود في المجتمع الفلسطيني من ناحية، ومكنها من مواجهة حملات الاتهام بالتشيع من جانب الجماعات الإسلامية الأخرى، خاصة الإخوان المسلمين والسلفيين من ناحية أخرى، مما شكل نقطة قوة لصالح حركة الجهاد وحلفائها الإيرانيين.
دلالات حرص حركة الجهاد الإسلامي على إظهار "سُنيتها" تظهر في تصريحات قادتها المؤكدة على ذلك، كتصريحات عضو المكتب السياسي للحركة محمد الهندي الذي وصف حركة الجهاد الإسلامي بأنها "حركة سنية صرفة فلسطينية مجاهدة"، وخطاب الأمين العام السابق للحركة رمضان شلّح في الذكرى التاسعة والعشرين لتأسيس حركة الجهاد، وهو الخطاب الذي نال إشادة ودعماً واضحاً من الشيخ يوسف القرضاوي الذي يعتبر من أهم المرجعيات الفكرية والفقهية لدى الجماعات الإسلامية السنية.
سابعاً: البنية التنظيمية والخبرات العسكرية
تتسم البنية التنظيمية لحركة الجهاد الإسلامي بطابعها شبه السري، والحركة في الأساس تنظيم صغير نسبياً ولا يرتبط بشبكة مؤسسات نقابية واجتماعية وجماهيرية، على خلاف حركة حماس على سبيل المثال، ويقتصر امتداد الحركة النقابي على إطارها الطلابي المعروف بـ "الجماعة الإسلامية"، كما أن الحركة راكمت الكثير من الخبرات العسكرية، خاصة في قطاع غزة، وأسست ذراعاً عسكرياً مسلحاً هو "سرايا القدس" الذي استفاد من دعم إيران وحلفائها كحزب الله مالياً وعسكرياً.
هذه السمة لدى حركة الجهاد الإسلامي تخفف كثيراً من أعبائها المالية والإدارية، وتحررها من ضغوط التصعيد الإسرائيلي والالتزامات تجاه المواطنين المرتبطين بشبكات المؤسسات الاجتماعية، وبالتالي يجعل "أحمالها" خفيفة ويركّز جهودها في المجال التنظيمي والعسكري إلى حد كبير.
ثامناً: الجاذبية لدى جيل الشباب الجدد
يشكّل الطابع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وما يحمله من مظاهر السلاح جاذبية لدى جيل الشباب الفلسطيني الجديد، في ظل مجتمع يحتفي بالبطولات الفردية، وقد ظهر ذلك إلى حد كبير في تجربة حركة الجهاد الإسلامي في منطقة جنين في الضفة الغربية، سواء من خلال دور حركة الجهاد المركزي في تأسيس "كتيبة جنين"، أو رفع شعار "وحدة الساحات".
جاذبية حركة الجهاد الإسلامي للشباب تشكّل مصدر قلق كبير لإسرائيل من ناحية، وللسلطة الفلسطينية من ناحية أخرى، خاصة أنّ تلك الجاذبية تمتد إلى جمهور شبابي محسوب على حركة فتح، بل وحتى بعض عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويزداد ذلك القلق بازدياد احتمالات انتقال تلك الظاهرة من جنين إلى بقية المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية.
خاتمة
مجموع تلك الأسباب وتفاعلها من سمات ذاتية وشروط موضوعية تفسّر إلى حد كبير حالة التصعيد الإسرائيلي ضد حركة الجهاد الإسلامي، فالحركة في ضوء هذا التحليل عبارة عن "قنبلة موقوتة" في "واقع هش"، وهي التنظيم الفلسطيني الوحيد الذي بقي مغرداً خارج سرب "التفاهمات" السياسية بين عناصر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حتى اللحظة، وهي الذراع المرتبط استراتيجياً بالسياسة الإيرانية القادرة على خلط الأوراق في الساحة الفلسطينية، خاصة وأن تلك الساحة تعيش مرحلة حرجة ومرشحة للانفجار في حالة عدم ضمان مصير قيادة السلطة الفلسطينية في مرحلة ما بعد رئيسها الحالي محمود عباس.
لكن التصعيد الإسرائيلي ضد حركة الجهاد الإسلامي، في ظل صمت السلطة الفلسطينية في الضفة، وحياد حركة حماس في غزة، لن يكون معزولاً عن تداعيات محتملة في حال استمراره، حيث أن استمرار ذلك التصعيد، خاصة من خلال الاغتيالات لرموز الحركة وقادتها الميدانيين، قد يسرّع حالة الانفجار في وضع شديد الاحتقان، ويفتح الباب أمام احتمالات الانهيار الأمني الشامل الذي لن يقف عند حدود المواجهة بين الجيش الإسرائيلي ومسلحي حركة الجهاد الإسلامي.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات