السباق نحو اللقاح المنتظر
تستعرض هذه المادة الجهود العالمية الرامية إلى ابتكار لقاح آمن وموثوق به للسيطرة على تفشي فيروس "كورونا" المستجد، وتناقش الأبعاد الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تكتنف عملية تطوير اللقاح في ظل استمرار وتيرة الارتفاع في عدد الإصابات حول العالم وإرهاق المنظومة الصحية والاقتصاد بفعل تداعيات الجائحة.
الكاتب ستراتيجيكس
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٠٧/١٠/٢٠٢٠
هذه المادة التاسعة من سلسلة المواد التي يجري نشرها تباعاً ضمن ملف "أوراق على طاولة الـ G7"
ألقت جائحة "كورونا" بثقلها على معظم نواحي الحياة لمليارات البشر حول العالم، مخيرةً الحكومات والشعوب بين الانفتاح والتعايش مع تزايد عدد حالات الإصابة، أو الانغلاق وتحمل كلف اقتصادية ومجتمعية باهظة. ولذلك كان لزاماً السعي نحو علاج جذري يعيد الحياة إلى طبيعتها، أو على الأقل يضمن الموازنة بين الاعتبارات الصحية وبين الضرورات الاقتصادية.
ويؤكد خبراء المناعة على عدم نجاعة الإجراءات الأحادية التي تتخذها الدولة في التغلب على تفشي الأمراض المعدية، ما لم تكن الجهود متسقة إقليمياً ودولياً؛ ففي نظام دولي معولم لا يمكن لدولة الانغلاق والتقوقع خلف حدودها بمعزل عن الدول المحيطة.
وقد تسبب التفاوت في معدل انتشار الوباء بين الدول المتجاورة بانتكاسة كبرى لبعض الدول، كالأردن التي بعد تسجيلها "صفر حالة محلية" في عدة جولات؛ تفجّرَ المنحنى الوبائي فيها إلى أرقام تفوق بأضعاف تلك الأرقام التي تم تسجيلها في بدايات الموجة الأولى. وعزت الجهات المختصة السبب إلى المعابر الحدودية، حيث حافظ الأردن على تدفق الصادرات والواردات مع الدول المحيطة، لكن بإجراءات وقائية مشدّدة، إلا أنها لم تُفلح في عدم تسلل الفيروس؛ فيما بات يُطلق عليه "ثغرة حدود جابر".
وتدرك الحكومات واللجان الطبية المختصة، ضرورة بناء مناعة مجتمعية "عالمية" لكسر سلسلة العدوى الكبرى التي يطوف بها الفيروس العالمَ. ولذلك انهمكت كبرى شركات الأدوية في تطوير لقاح لهذا الفيروس المستجد وسط مطالبات عديدة بضرورة اتباع معايير عادلة في توزيعه وعدم "احتكاره" لصالح الدول المصنّعة أو الدول الغنية القادرة على شرائه بأعلى سعر.
فقد دعا مدير عام منظمة الصحة العالمية، أدهانوم غيبريسوس، في مؤتمر صحفي في أغسطس 2020، دولَ العالم إلى الامتناع عما أطلق عليه "قومية اللقاحات" ذلك أن الاستجابة الفعالة لهذه الجائحة تستدعي تأطيرها عالمياً وبما يضمن إيصال اللقاحات في المرحلة الأولى للفئات الأكثر عرضة للخطر، وليس عبر إيصالها لجميع السكان في دول بعينها، حيث تؤكد المنظمة على ضرورة منح الأولوية للكوادر الصحية والعاملين في أماكن الرعاية الاجتماعية ومراكز تقديم الخدمات للجمهور.
وفي سبيل هذه الغاية، تم تفعيل مبادرة "COVAX" العالمية كقاعدة بيانات كبرى للقاحات المحتملة، وأصبحت هذه المبادرة بمثابة "غرفة عمليات متقدمة" لتنسيق وتنظيم الجهود ذات الصلة، والأهم توفير الأموال والخبرات اللازمة لهذه الغاية، حيث تعمل المبادرة كحلقة وصل موثوق بها بين مطوّري اللقاح والدول الأعضاء فيها الذين وصل عددهم حتى أغسطس 2020 إلى 172 دولة؛ بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية التي تشترك في إدارة "COVAX" مع الائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة "CEPI" والتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع "GAVI".
وقد اكتسبت هذه الآلية زخماً إضافياً بعد التزام الحكومات الراغبة بالحصول على جرعات من اللقاح الموعود بتسديد دفعة أولى من قيمته قبل 9 أكتوبر 2020. وحددت المبادرة هدفاً رئيسياً لها يتمثل في توفير ملياري جرعة آمنة من لقاح فيروس "كورونا" المستجد قبل نهاية 2021، وتتعهد بتوزيع اللقاح بصورة عادلة تتناسب وعدد السكان في المرحلة الأولى، على أن تتوسع في التوزيع - في مراحل لاحقة - وفقاً لاعتبارات الوضع الوبائي في الدول الأشد تضرراً من الجائحة.
وكحال أغلب القضايا التي لها صلة بفيروس "كورونا" المستجد، لا يزال الغموض والترقب يسيطر على الموعد الفعلي الذي سيُطرح فيه اللقاح الموعود ليتم توزيعه. وإن نجحت الشركات المطوّرة في هذه المهمة في غضون الأشهر القادمة، فإنها ستكون حققت رقماً قياسياً في ابتكار لقاح جديد، ذلك أن مثل هكذا ابتكار يتطلب تقريباً ما بين 3-5 سنوات؛ حيث يمر المطعوم خلال هذه الفترة بمراحل متدرجة من التجارب السريرية على البشر، وهي التجارب التي تُجريها شركات الأدوية الآن، ولكن بصورة مكثفة.
ولذلك يتخوف بعض المختصين من "حرق المراحل" في خضمّ السباق نحو ابتكار المطعوم، فقد نشرت مجلة "The New England Journal of Medicine" في مايو 2020 مقالاً علمياً بعنوان "تطوير لقاحات كوفيد-19 بسرعة انتشار الوباء"، واستعرضت فيه التحديات الرئيسية التي تواجه تصنيع لقاحات جديدة، وهي: أولاً، أن هنالك نقاشات طبية حول "التكنيك" الأمثل لتوليد مناعة ضد الفيروس، والتي تتم عبر تحفيز الجهاز المناعي عند الحقن لتكوين رد فعل مناعي مماثل لما يحصل عند الإصابة بالفيروس، حيث يحوي المطعوم في تركيبته إما على السلسلة البروتينية لفيروس ضعيف، أو على الجزء النشط من الفيروس الذي يرتبط بخلايا الجسم ويخترقها، وتخضع هذه التركيبة المحتملة لنقاش طبي مستمر.
أما ثانياً، فمن الممكن لرد الفعل المناعي عند حقن اللقاح، أن يتسبب بأضرار جسيمة تفوق الإصابة بالفيروس نفسه، حيث إن المضادات المناعية المكتسبة قد تُحدث مضاعفات في أجزاء أخرى من الجسم، لذلك وقبل اعتماد أي لقاح من قبل منظمة الصحة العالمية، فلا بد من إخضاع آلاف المشاركين لتجارب سريرية على اللقاح المحتمل.
وثالثاً، فلا يزال من المبكر التنبؤ بقدرة لقاح بعينه على توفير مناعة مطوّلة، كما أنه لا يمكن الجزم بتوفير المناعة اللازمة بجرعة واحدة من تركيبة محددة.
ومما قد يُطيح بالآمال في تأمين لقاح فعال في وقت قريب، هو حدوث طفرة في التسلسل الجيني للفيروس حيث إن أي لقاح يكون مصمَّماً للتعامل مع سلالة معروفة التركيب، وإذا ما حدث أي تغيير نوعي في هذا التركيب، فإن اللقاح "القديم" لن يعمل بكفاءة. وفي هذا الصدد كشف المدير الطبي في المؤسسة الوطنية للأمراض المعدية، الدكتور ويليام شافتر، في تقرير نشره موقع CNBC الإخباري في أكتوبر 2015 عن أن موسم الأنفلونزا عام 2014 كان غير طبيعي، لأن سلالة واحدة سبّبت تقريباً كل حالات الأنفلونزا المسجّلة، وهذه السلالة كانت متحورة، أي أنها تختلف مقارنةً بالسلالة التي بناءً على تركيبتها تم تطوير اللقاح.
وعليه، تبدو عملية التوصل إلى الترياق الشافي معقدة وتتطلب توازناً حساساً بين الدقة والسرعة، وهو ما تؤكد عليه الجهات المنخرطة في ابتكار اللقاح الذي سيتم حقن مئات الملايين حول العالم به، لذا فلا يمكن المجازفة بمعايير الأمان والسلامة الخاصة. وما يُدلّل على هذا الحرص هو التعليقُ المؤقت للتجارب السريرية على لقاح أسترازينيكا-أكسفورد بعد ظهور أعراض خطيرة على أحد المشاركين.
اقتصاديات الأوبئة "Flu-Conomics"
نقلت وكالة رويترز للأنباء في تقرير نشرته في يناير 2013 حقائق وأرقام حول انعكاسات الأوبئة على الاقتصاد العالمي، فمثلاً تسبب التفشي المحدود نسبياً لفيروس السارس التاجي في إحداث خسائر قُدّرت بـ 47.8 مليار دولار في كل من: الصين وأمريكا وأوروبا، رغم أن الأزمة الصحية لم تكن خطرة، حيث تسبب الفيروس بوفاة 916 شخصاً فقط ولم تستمر موجته الرئيسية سوى أقل من عام. وليس فقط الأوبئة المستجدة ما تتسبب بخسائر، فموسم الأنفلونزا يتسبب في ضياع 111 مليون يوم عمل في أمريكا سنوياً، وفقاً لتقديرات وزارة الصحة والخدمات البشرية الأمريكية.
وقدّم تقرير صادر عن البنك الدولي في عام 2008، توقعات أولية لحجم الخسارة في الناتج الإجمالي المحلي العالمي في حال حدوث تفشي وبائي على نطاق واسع، إذ توقع انخفاض القيمة الكلية العالمية للناتج المحلي بنسبة 0.7% إذا تعرض العالم لما يشبه أنفلونزا هونغ كونغ 1968-1969، وانخفاضه بنسبة 2% إذا ما كان التفشي يشابه الأنفلونزا الآسيوية 1957. أما ما كان يجب اعتباره ناقوس خطر مبكر فهو تحذير التقرير من فقدان 4.8% من الاقتصاد العالمي بخسائر تفوق 3 تريليون دولار، وحدوث ركود عالمي غير مسبوق، إذا ما حصل تفشي مشابه للأنفلونزا الإسبانية 1918-1919.
تُظهر هذه الأرقام والنسب أن معظم التوقعات تؤكد على ضخامة الأضرار الاقتصادية لأي تفشي وبائي، إلا أن ما كان يلزم للحد من هذه الأضرار هو الاستعداد الفعلي لمثل هكذا سيناريو الذي دائماً ما كان يتم استبعاده من قائمة التهديدات الكونية الأبرز، نظراً لما يعتبره علماء السيكولوجيا نوعاً من أنواع "التحيز للحالة الطبيعية"، وفيه يرفض كل من: الفرد، والجماعات كالحكومات، التعاطي بجدية مع احتمالية حدوث تغير مفاجئ؛ لأن لا شيء مما يعيشونه يُنبئ بأي أمر وشيك يدل على حدوث مثل هكذا تغير.
ولربما لم تحظى "اقتصاديات الأوبئة" باهتمام جدي ما قبل جائحة "كورونا"، لأن البشرية لم تُعاصر منذ حدوث الأنفلونزا الإسبانية أي جائحة عالمية، وسرعان ما أدّت اللقاحات المطوَّرة إلى احتواء وتطويق أي ظهور للبؤر الوبائية حول العالم.
وبالطبع، تُعد هذه اللقاحات ركيزة أساسية في تفاعل الوباء مع الاقتصاد، ليس فقط لأنها تُسرّع من عودة الحياة إلى طبيعتها ولكن لأنها ترسم أيضاً خارطة لكبرى المراكز الدوائية حول العالم والتي تُحرّك سوقاً دوائية قُدّرت قيمتها عام 2018 بـ 952.5 مليار دولار وفقاً لشركة "Global Data" لتحليل البيانات وتقديم الحلول والاستشارات.
ويُتوقع أن تعود مبيعات اللقاح المنتظر بأرباح ضخمة على الشركات المطورّة له؛ تُقدّر بـ 30 مليار دولار بعد اقتطاع الضرائب، وفقاً لمؤسسة "Fierce Pharma" المختصة في تقديم تقارير الصناعات الدوائية، وتوقعت في تقريرها المنشور في أغسطس 2020 تزويد 40% من احتياجات السوق عبر شركة "Moderna" الرائدة في تطوير العلاجات باستخدام أسلوب التكنولوجيا الحيوية، على أن تقوم شركة "Novavax" المختصة أيضاً في مجال التكنولوجيا الحيوية، بتزويد السوق بـ 20% من احتياجاته، وسوف تستحوذ باقي الشركات التي ستنجح في تطوير لقاح مثل شركات: "Pfizer"، و"Johnson & Johnson"، و"AstraZeneca"، على الـ 40% المتبقية.
وإن حققت شركات الأدوية نتائج مالية مقاربة لتوقعات المؤسسة، فإنها تكون بذلك حققت أرباحاً قياسية مقارنةً مع اللقاحات السابقة، فمثلاً بلغت مبيعات لقاح أنفلونزا الخنازير "H1N1" عام 2009 قرابة 3.3 مليار دولار، وفقاً لبيانات شركة "Kolorama Information" المختصة في أبحاث سوق الرعاية الصحية.
وقد جاءت أرباح لقاح "H1N1" مُخالفة للتوقعات، لا سيّما وأن كلف تطويره مرتفعة، ناهيك عن الكلف التصنيعية واللوجستية، وما يترتب على ذلك أيضاً من عزوف المستثمرين عن الانخراط في صناعة اللقاحات لأن نسب فشل التجارب فيها عالية ولا يمكن التيقن من العائد الاستثماري لأي مشروع مرتبط بابتكار اللقاحات.
يُضاف إلى ذلك، أن الإنفاق - سواء الحكومي أو الشخصي - على شراء اللقاح، جاء على حساب شراء مطاعيم وأدوية أخرى، كتلك المتعلقة بأمراض الأنفلونزا الموسمية، أي أن مبيعات لقاح أنفلونزا الخنازير لم تشكل إضافة نوعية على مجمل ما كان سائداً من مبيعات الأدوية، بل أخذت نسبة مهمة من الإنفاق العام - الموجود أصلاً - على الأدوية.
وبالتالي قد لا يُحدث لقاح فيروس "كورونا" المستجد طفرةً في أرباح قطاع الصناعات الدوائية ككل، ولكنه قد يؤدي إلى تركيز الأرباح بيد جهة بعينها، وهذا ليس مُستغرَباً فالعالم بكل كياناته يبحث عن علاج جذري لهذا الفيروس المستجد، مما يعني أن تنافساً متعدد الأبعاد يندلع للحصول على مزايا "اللقاح قيد التطوير".
تعاون إيجابي أم تنافس سلبي؟!
دون تقديم دليل علمي دامغ، ووسط تشكيك المراكز الغربية؛ أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أغسطس 2020 عن اعتماد أول لقاح ضد فيروس "كورونا" المستجد مُطلقاً عليه اسم "Sputnik V" تيمناً بالاسم الذي أُطلق على أول قمر روسي تم إرساله إلى الفضاء عام 1957، في إشارة منه إلى كسب السباق نحو اللقاح أسوةً بالسبق الفضائي الذي حققته روسيا في مرحلة سابقة.
وبعد التدقيق في تقدم اللقاح الروسي وكيف تم إقراره، تبين أنه اجتاز المرحلة الثانية ولا يجوز، وفقاً للتعليمات واللوائح الروسية، الشروع في المرحلة الثالثة التي يتم فيها تجريب اللقاح على عشرات الآلاف من المتطوعين دون اعتماده رسمياً، أي أن اللغط المثار قد يكون مردُّه إلى اختلاف "نظري" وشكلي حول مراحل اعتماد اللقاحات، حيث إن منظمة الصحة العالمية ومعظم دول العالم لا تُصادق على لقاح إلا بعد انتهاء المرحلة الثالثة من التجارب.
وأدّت "البروباغندا-البروباغندا المضادة" التي صاحبت اعتماد الإقرار الروسي، إلى دخول لقاحات "كورونا" بوضوح في مرحلةً سياسية تدفع إلى الاعتقاد بأن اللقاح سيكون سياسياً بقدر ما هو طبي واقتصادي. وفي هذا الصدد نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" في تقريرٍ لها نُشر في أغسطس 2020 عن أستاذ قانون الصحة العالمية في جامعة جورج تاون الأمريكية، لورنس غوستين، قوله: "لم أرَ قطّ رهانات سياسية بهذه الحدّة على منتج طبي؛ إن السبب وراء الرمزية السياسية التي أُعطيت للقاح كوفيد-19 هو أن القوى العظمى تعتبره انعكاساً لبطولتها العلمية واعترافاً بتفوق نظامها السياسي".
وليس فقط الاعتبارات الدولية هي ما تدفع إلى تسييس اللقاح المنتظر، وإنما أيضاً الاضطرابات المحلية التي أحدثتها الجائحة لا سيّما في الجانب الاقتصادي. وتُعد الولايات المتحدة المثالَ الأبرز لهذه الحالة، حيث إنها لا تزال تتربع على قائمة الدول الأكثر تسجيلاً للإصابات، وتَعرَّض اقتصادُها لهزة عنيفة نسفت تقريباً ما تحقق من مكاسب اقتصادية في عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ممّا دفع بالبعض إلى الجزم بتحميل فيروس "كورونا" المستجد مسؤوليةَ خسارة ترامب للانتخابات إذا ما فاز فيها المرشح الديمقراطي، جو بايدن.
وقبيل موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر 2020، طالبت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها "CDC" سلطات الولايات المختلفة بالاستعداد لوجستياً وتهيئة مراكز توزيع اللقاح؛ والذي قد يُمنح تصريحاً أولياً ليتم استخدامه في حالات الطوارئ قبل أن يتم اعتماده رسمياً والتوسع في توزيعه.
وألقت حالة الاستقطاب السياسي بظلالها على بروتوكول إقرار اللقاح في الولايات المتحدة، حيث يتخوف المجتمع الطبي من ممارسة ضغوط للعبث في موعد إنتاج اللقاح، سواء عبر تسريعه أو حتى الضغط نحو تأخيره إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، حتى لا يؤثر "اللقاح" على القرارات التصويتية للناخب الأمريكي.
ولم يتردد ترامب في انتقاد إدراة الغذاء والدواء "FDA" واتهامها بالسعي نحو تأخير نتائج اختبارات اللقاح إلى ما بعد الثالث من نوفمبر، واصفاً في تغريدةٍ نشرها على حسابه على تويتر في أغسطس 2020 ما يجري حول هذا الأمر بأنه تدخل متعمَّد من "الدولة العميقة" في اتجاه مضاد لإدارته، أي أن اللقاح الموعود ليس بمنأى عن السجال التقليدي الذي سيطر في السنوات الماضية على السياسة الأمريكية بين البيت الأبيض و"الدولة العميقة"، إلا أن المؤسسة الطبية الأمريكية تؤكد دوماً على النأي بالنفس حيال الخلافات السياسية، وعلى أن الموافقة على اللقاح ستكون "قراراً يتعلق بالعلم والطب والبيانات" كما صرَّح بذلك رئيس إدارة الغذاء والدواء، ستيفين هان، في مقابلة له مع صحيفة "The Financial Times" في أغسطس 2020.
وبالإضافة إلى الأبعاد السياسية، فقد اكتسبت عملية تطوير اللقاح بُعداً أمنياً يتصل بالأمن السيبراني، حيث تم الإعلان عن رصد عدّة عمليات تجسس استهدفت جهات غربية تعمل على تطوير لقاحات "كورونا". وقد وصفت صحيفة "The New York Times" ما يدور في الفضاء السيبراني حول اللقاح بأنه "حرب ضروس" تعيد التذكير بأجواء السباق نحو الفضاء الخارجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وأضافت الصحيفة أن "قراصنة تابعين لأجهزة استخبارات صينية" استهدفوا ما يُفترض أنها أهداف سهلة للحصول على بيانات اللقاح، مثل الجامعات، فاختراق مثل هكذا جهات أسهل من اختراق الشركات المطوّرة للقاح.
وبعيداً عن التنافس الاقتصادي والاضطراب السياسي والخصوصية الأمنية؛ فعلى دول مجموعة السبع التضامن بشكل أعمق للوقوف في وجه الجائحة، وتنسيق الجهود نحو التوصل إلى ترياق شافٍ تنتظره الإنسانية جمعاء، والتوسع في الاستثمار في "مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة فيروس كورونا - ACT"، فإلى الآن لم يتم استثمار سوى 3 مليارات دولار فقط من أصل 35 مليار تلزم لإحداث ذلك التأثير واسع النطاق.
وحتى فيما يتعلق بمبادرة "Covax" سابقة الذكر، تتحفظ بعض الدول مثل أمريكا على الانضمام إليها؛ لأن المعيار الرئيسي الذي تقوم عليه المبادرة والمتمثل في "ضمان تلقيح بعض الأشخاص في جميع البلدان، وليس جميع الأشخاص في بعض البلدان" يتعارض مع هدف تلقيح القاطنين في أمريكا أولاً.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات