الإخوان المسلمين: تفكيك إشكاليات الموقف من التطرف والإرهاب

يتضمن مقال الرأي هذا العديد من الأدلة التاريخية والمعاصرة التي توثق الارتباط البنيوي والأيديولوجي بين جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات الإرهابية، من خلال تفكيك عناصر العلاقة بين الطرفين على مستوياتها المتعددة في النشأة والخطاب والنهج والاستراتيجيات.

الكاتب عمر الرداد
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ١٧‏/٠١‏/٢٠٢٢

مقال رأي ضمن سلسلة: الإسلام السياسي تحت المجهر 

تمهيد

تعد العلاقة ما بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، إحدى الإشكاليات المطروحة اليوم، والتي تثير طيفا واسعا من التساؤلات، خاصة بعد التطورات التي شهدتها "الظاهرة الإسلاموية" عبر محطات تاريخية مفصلية، بدأت بسيطرة الإسلام السياسي الشيعي على الجمهورية الإيرانية بعد إسقاط الشاه عام 1979، وبالتزامن انطلقت الحرب الأفغانية بين المقاتلين الأفغان ومعهم ما عرف بـ"الأفغان العرب" ضد "الاتحاد السوفيتي"، وتلك الحرب التي اتخذت عناوين "الجهاد الإسلامي" في مواجهة "الشيوعية والإلحاد"، ومن ثم ظهور تنظيم القاعدة، وتنفيذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001، ثم صعود تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وتمدده في أوروبا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، وشمال وغرب وشرق أفريقيا؛ بمستويات متباينة.

وقد أدى صعود التنظيمات الإرهابية مثل تنظيمي داعش والقاعدة، وقدرتها على توظيف الجوانب التكنولوجية وخدمات الإنترنت، أن نفذت استراتيجيات عززت من قدراتها على الاستقطاب والتجنيد والتدريب والدعم اللوجستي، لتسيطر في نهاية المطاف على المشهد الإسلاموي على حساب جماعات الإسلام السياسي، وهذه الأخيرة تعاملت مع المد "السلفي الجهادي" عبر محطتين:

أولاً: استثمار حاجة الغرب للبحث عن بديل "إسلاموي" للتنظيمات الإرهابية يمكن التفاعل معه، حيث قدم الإخوان المسلمين أنفسهم بوصفهم التنظيم الأقدر على ضمان مصالح الغرب، والبديل الموضوعي للتنظيمات الإرهابية.

ثانياً: تمثلت بـاختطاف ما يُعرف بـ"الربيع العربي" في ظل حالة الفوضى وتصاعد الإرهاب، وعودة مرجعيات "المسجد والقبيلة" التي كانت قائمة في مقاومة الاستعمار، رغم أن المرحلة لم تكن تطرح شعار "الإسلام هو الحل".

وعليه؛ ما لبثت جماعات الإسلام السياسي أن وصلت إلى السلطة في بعض الدول العربية، حتى سقطت نظراً لعدم قدرتها على التجديد بما في ذلك الفصل بين "الدعوي والسياسي"، وعجزها عن تقديم حلول واقعية على جملة من القضايا والأزمات الاقتصادية، واللبس في نظرتها حول الديمقراطية والموقف من الآخر.

وفي ظل فشل التجربة الإسلاموية، مع انحسار الإرهاب المتمثل في تنظيمي القاعدة وداعش، وسقوط الإخوان المسلمين منذ عام 2013 بعد الثورة الشعبية ضدهم في مصر، والرفض اللاحق لهم عبر صناديق الاقتراع في المغرب وتونس والأردن؛ وُضعت الجماعة في دائرة المراجعات الأمنية والسياسية، والتي تمحورت حول سؤال العلاقة بين الإخوان المسلمين مع التطرف والإرهاب؛ خاصة أن العلاقة لم تعد مجرد اتهامات توجهها جهات عربية أو إسلامية للإخوان المسلمين، بل إن تحقيقات وعمليات أمنية واسعة فردية كانت أو مشتركة بين أجهزة الاستخبارات الغربية قدمت أدلة دامغة حول وجود علاقة للإخوان المسلمين على مستويين؛ فكري: من خلال ممارسة خطاب الكراهية والتطرف، وعملياتي: عبر ما تقدمه مؤسسات "خيرية" تتبع للإخوان المسلمين من تمويل للتنظيمات الإرهابية ورفدها بالعناصر، وتقديم غطاءات لها.

in-2-(4).jpg-تفكيك-الارهاب.jpg

وإن المحطات التي توثّق علاقة التنظيمات الإرهابية مع الإخوان المسلمين متعددة، يعود بعضها لتاريخ نشأة الجماعة وانطلاقتها في مصر عام 1928، مرورا بتعزيز ومأسسة التنظيمات الإرهابية من داخل الجسم الإخواني، ووصولا لظهور الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي تشكلت بمرجعيات تنظيمية وفكرية إخوانية.

الإخوان والجذور الفكرية للإرهاب

يتردد في أوساط الباحثين بشؤون الجماعات الإسلامية وفي إطار التأصيل لثنائية (التطرف والإرهاب)، أن هناك روابط عدة بين الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية، استنادا إلى مقاربات الإخوان وأفكارهم، وخطاب الجماعة ذو الملامح المتطرفة – دون عتبة العمل الإرهابي – كالذي تمارسه الجماعات المتطرفة الإرهابية.

وللوهلة الأولى كان الاعتقاد أن الروابط بين الطرفين تقتصر على الفكر والخطاب، إلا أن شواهد ودلالات عديدة، أصبحت تؤكد على تورط الإخوان المسلمين في الإرهاب بشكل مباشر، لا سيما وأن مستوى التطابق المنهجي بينهم وبين الجماعات الإرهابية تصل حد التماثل والتناغم، وعلى وجه التحديد في كيفية التغيير والإصلاح؛ التي تستند على أن "الأمة لن تتحرر وتحكم بالشريعة الإسلامية إلا من خلال تغيير الأنظمة الوضعية الحاكمة التي تحكم بغير ما أنزل الله".

وهذا النهج يُعبر عنه في رسائل مؤسس الجماعة حسن البنا بمقولات؛ "الوصول إلى السلطة ركن من أركان الإسلام مثل الصلاة والزكاة"، وكذلك "حق الإخوان بشن حرب لا هوادة فيها على كل زعيم لا يحكم بما أمر الله"، وهي الفكرة التي وجدت تجلياتها عند التنظيمات الإرهابية، بما فيها مقاربة مقاتلة العدو البعيد والقريب التي كانت أحد أسباب انشقاق تنظيم داعش عن القاعدة.

وبالتزامن مع أفكار حسن البنا، تبدو مقاربات سيد قطب هي الأكثر تأثيرا في التأسيس للتطرف والإرهاب، وخاصة ما ورد في كتابه "معالم في الطريق" الذي أكد فيه على أن: "كل أرض تحارب المسلم في عقيدته وتصده عن دينه وتعطل عمل شريعته فهي دار حرب، ولو كان فيها أهله وعشيرته وقومه وماله"، ومقولاته حول "الحاكمية لله وجاهلية المجتمع".

وهذه الأفكار أصبحت من الروافد الرئيسية المؤسسة للتكفير، والمرجعية الأولى لخطاب رموز التيارات الجهادية من أمثال أبو محمد المقدسي، أبو قتادة الفلسطيني، وأبو مصعب السوري، بالإضافة لخطابات أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبي بكر البغدادي، والتي ركزت جميعها على مقاربة: "فسطاطين؛ فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر"، ومقاتلة المشركين، وإعلان الولاء والبراءة، وغيرها.

الإخوان ومقاربة تأسيس تنظيمات سرية

إن مرجعيات تأسيس تنظيمات إرهابية سرية تمارس التدريبات العسكرية بما فيها التدريب على الأسلحة وصناعة المتفجرات، ترتبط ارتباطا وثيقا بالإخوان المسلمين، منذ أن بدأت على يد مؤسس الجماعة "حسن البنا" حينما أسس ما يعرف بـ "التنظيم الخاص" عام 1937، برئاسة عضو التنظيم عبد الرحمن السندي، وهو تنظيم عسكري سري نفذ العديد من عمليات الاغتيال، من بينها العملية التي استهدفت رئيس الوزراء المصري، محمود النقراشي، والقاضي أحمد الخازندار، بعد حملة تحريض ضدهما من قبل حسن البنا نفسه.

وعليه؛ فإن مقولة أن جماعة الإخوان تقف وراء تشكيل الجماعات الإرهابية قديماً وحديثاً تسندها أدلة تؤكد ذلك، وعنوانها أن غالبية مؤسسي التنظيمات الإرهابية بما فيها القاعدة وداعش، وفروعها المنتشرة حول العالم، كانوا أعضاء وبمراتب قيادية في جماعة الإخوان المسلمين، لا سيما القيادات التي أسست لفكرة "الجهاد العالمي"، وعلى رأسهم عبدالله عزام الذي كان أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وكذلك الحال في قيادات تنظيم القاعدة مثل أسامة بن لادن، الذي تؤكد معلومات موثقة انتمائه سابقاً لتنظيم الإخوان، وكذلك أيمن الظواهري الذي لا ينكر انتماءه وانطلاقته مع تنظيم الإخوان في مصر، وإعجابه وقناعته بفكر سيد قطب، وعلى المنوال نفسه كان أبو بكر البغدادي عضوا في جماعة الإخوان المسلمين بالعراق.

الإخوان والإرهاب بعد العام 2011

تعامل الإخوان مع نتائج ما يُعرف بـ "الربيع العربي" وفق استراتيجية تتضمن تحقيق هدف الوصول إلى السلطة، انطلاقاً من فكرة أن كل الاتجاهات تم تجريبها في الحكم وأن الفرصة مواتية لوصول الإخوان إلى الحكم، وقد عززها تقديرات غربية - أمريكية وبريطانية-  قدمت دعما للإخوان المسلمين بوصفهم التنظيم الذي يشكل بديلاً موضوعياً للأنظمة السياسية والتنظيمات الإرهابية، ويحول دون تحقق سيناريوهات الفوضى والاضطراب.

وبناء على ذلك؛ انتهج الإخوان المسلمين مقاربة جديدة تتضمن توفير المتطلبات اللازمة للصعود إلى السلطة، مع الحفاظ على موقع الجماعة ومكاسبها بين أنصار الإسلام السياسي في ظل الانتشار السريع لخطابات التنظيمات الإرهابية، ما دفعها إلى مواصلة خطابها المتطرف.

لقد شكل وصول الإخوان إلى السلطة في مصر عام 2012، محطة فاصلة للعمل العسكري لتنظيمات الإخوان المسلمين في الدول العربية، خاصة التي شهدت أحداث عنف واضطرابات بعد العام 2011، ففي مصر كان تشكيل تنظيمات إرهابية تمارس العمل المسلح عنوانا للإخوان المسلمين بعد الثورة الشعبية التي أطاحت الرئيس السابق محمد مرسي، ففي العام 2015 أعلنت خمس جماعات تحالفها وتشكيلها ما عُرِف بــ "تحالف حركة المقاومة الشعبية". ويضم: حركة المقاومة الشعبية، حركة حسم، حركة العقاب الثوري، حركة ثوار بني سويف، وكتيبة الإعدام؛ وجميعها تتبع للإخوان المسلمين.

وفي الوقت التي تؤكد فيه محاضر تحقيقات أمنية علاقة الإخوان المسلمين في تونس باغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وتقديم تسهيلات بسفر أكثر من ثلاثة آلاف عنصر للقتال مع تنظيم داعش في العراق وسوريا، وشارك إخوان ليبيا في تشكيل جماعات عسكرية في مناطق غرب ليبيا، وتربطها علاقات تحالفية وأخرى تتسم بالصراع مع تنظيمات سلفية جهادية، كما انخرط الإخوان المسلمون بالعمل المسلح في سوريا عبر تشكيل كتائب مسلحة من بينها هيئة دروع الثورة، وكتائب الفاروق في حمص، والتوحيد في حلب، إضافة لتشكيلات عسكرية في إدلب مثل درع الجبل، وبالتزامن تبدو علاقات إخوان اليمن متشابكة ومعقدة بين تعاون عسكري مع الحوثيين وآخر مع تنظيمات إرهابية من بينها القاعدة.

الإخوان وتناقض خطابهم الإعلامي تجاه الإرهاب

تستند استراتيجية الإخوان المسلمين الإعلامية، على مستوى التنظيم الدولي والتنظيمات الفرعية، على تبني خطابين:

خارجي: الذي يتم التعبير عنه خلال اللقاءات الرسمية مع الدوائر الغربية والسفارات ومع مراكز الدراسات، ويحمل أفكاراً تتوافق مع متطلبات الغرب، من بينها أن الإخوان يدينون التطرف والإرهاب، ويؤمنون بالديمقراطية وصناديق الاقتراع واحترام حقوق الأقليات وحقوق المرأة.

داخلي: يركز على القواعد الشعبية في بلدانهم ويصب في إطار عناوين التطرف والإرهاب وتعزيز الكراهية، وهناك الكثير من الخطابات الإخوانية في ساحات مختلفة تتطابق مع خطابات قادة المنظمات الإرهابية، وعلاوة على ذلك أسهم خطاب الإخوان المسلمين في شرعنة السلوكيات الإرهابية، من خلال تبرير العنف، وربط أسبابه بالنظم السياسية، وخلو منصاتها الإعلامية وتصريحاتهم من أي إدانة للعمليات الإرهابية، ولعل المثال الأبرز على ذلك؛ قيام أربع نواب من حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، بتقديم العزاء في مقتل أبو مصعب الزرقاوي على يد القوات الأمريكية في العراق، حيث وصفه النائب السابق محمد أبو فارس بأنه "مجاهد وشهيد".

in-1-تعديل.jpg-تفكيك-الارهاب.jpg

ويمكن القول إن هذا التناقض في الخطاب الإعلامي للإخوان المسلمين، أصبح قيد التحقيق في العديد من الدوائر الأمنية للعواصم الأوروبية، وهو ما يفسر الحملات الأمنية والتحقيقات التي تجري مع قيادات الجماعة في عواصم أوروبية متعددة، بتهم تتراوح بين الاشتراك في عمليات إرهابية، أو تقديم دعم لوجستي متعدد المستويات للتنظيمات الإرهابية، من خلال مؤسسات الإغاثة ومراكز إسلامية ثبت دور الإخوان في رعايتها واستثمارها لصالح تقديم خدمات للإرهاب.

الإخوان المسلمون وسيناريوهات المستقبل

يواجه الإخوان المسلمون جملة من التحديات الجدية، التي من أبرزها علاقاتهم مع التطرف والإرهاب، إلى جانب ملفات أخرى مرتبطة بـ أيديولوجية الإخوان، وما تعنيه من فقدان القدرة على توفير مقاربات تفكك إشكاليات تاريخية مرتبطة بالتفريق بين "الدعوي والسياسي"، وهي الإشكالية ذاتها التي تجلت معالمها في انشقاقات إخوانية على مستوى التنظيم الدولي والتنظيمات الفرعية، وتزايد الأجنحة المتنافسة داخل الجماعة في بعض الدول.

يشكل وصول الإخوان للسلطة في بعض الدول عبر صناديق الاقتراع، ثم سقوطهم عبر ذات الصناديق، محطة مهمة من محطات تطور الإخوان المسلمين وتحولاتهم، ولعل أهم مخرجاتها كانت في إسقاط مقولاتهم حول المؤامرة وإقصائهم، بعدما اتضح عدم قدرتهم على تحقيق نجاحات تستجيب لمطالب "الكتل الناخبة" لا سيما ما يتعلق بالملفات الاقتصادية، ووعودهم بـ" المدينة الفاضلة".

ومن المرجح أن تذهب التنظيمات الفرعية للإخوان نحو مزيد من الانشقاقات، على خلفية احتدام النقاشات حول الفصل بين "الدعوي والسياسي"، وربما تساهم الإجراءات الأوروبية الخاصة بالتضييق وفرض القيود على استثمارات الإخوان التي تقدر بمليارات الدولارات، في تراجعهم. 

 

 

 

 

*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.

 

 

عمر الرداد

خبير أمن استراتيجي