أبعاد التوظيف التركي للقوة العسكرية في السياسة الإقليمية
وسّعت تركيا مؤخراً من بصمتها العسكرية في ساحات القتال المختلفة، في سوريا وليبيا وأذربيجان، بشكل أثار التساؤلات حول وجود سياسة عسكرية ودفاعية جديدة. تبحث هذه المادة في أبعاد التوظيف التركي للقوة العسكرية في السياسة الإقليمية.
الكاتب ستراتيجيكس
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٠٢/٠٥/٢٠٢١
منذ العام 2016، شنّت تركيا ثلاث عمليات عسكرية كبرى في عمق الأراضي السورية (درع الفرات/2016)، (غصن الزيتون/2018)، (نبع السلام/2019)، وخلالها عَبَرَ الآلاف من جنود القوات التركية الحدودَ التركية-السورية لمواجهة "داعش"، وللسيطرة على القرى والمدن الخاضعة للحكم الذاتي لوحدات حماية الشعب الكردي، وطرد قوات سوريا الديمقراطية في مسعى إلى إنشاء منطقة عازلة بعمق ثلاثين كيلو متراً من الحدود.
وبمعزل عن الجوانب "القانونية والشرعية"، قد تبدو العمليات العسكرية التركية في سوريا بالنسبة لبعض المحللين والمراقبين مفهومة، فأولاً لتركيا سابقة تاريخية في عملياتها العسكرية ضد العناصر الكردية المسلحة وعلى وجه التحديد حزب العمال الكردستاني في العراق مثل (عملية الفولاذ/1995)، (عملية المطرقة/1997)، (عملية الفجر/1997)، (عملية الشمس/2008).
وثانياً، فقد أفرز ما يُعرف بـ "الربيع العربي" مشهداً أمنياً معقداً على الحدود التركية مع كل من سوريا والعراق، حيث غلبت الصراعات، وتراجعت سيادة الدول، والتحدي الأبرز بالنسبة لتركيا تمثل في انتشار الجماعات المسلحة المشككة في الحدود القومية للدول مثل "داعش"، وتنامي الرغبة الكردية في الاستقلال (الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان/2017)، والحكم الذاتي لوحدات الحماية الكردية على الحدود الجنوبية والشرقية لتركيا.
في الواقع، ومنذ تسعينيات القرن المنصرم، تعاملت تركيا مع الجماعات المسلحة وعلى وجه الخصوص حزب العمال الكردستاني، وفقاً للاستراتيجية العسكرية المعروفة باسم "الردع النشط"، التي تقوم على مواجهة التهديدات الأمنية في وقت مبكر، ومع ذلك فلا يبدو أن الغرض الذي استُخدمت فيه القوة العسكرية مؤخراً تقع ضمن خانة التهديدات الأمنية، وعلى سبيل المثال، في العام 2020 اشتبك الجيش التركي بشكل مباشر مع القوات الحكومية في إدلب، وفي العام ذاته قدَّمت تركيا دعماً للقوات الأذربيجانية في صراع إقليم ناغورني كاراباخ، ناهيك عن انتشار وكلائها في بعض الأجزاء من سوريا وليبيا.
وقد تزامن هذا الانتشار مع مؤشرات عديدة، إذ بلغت نسبة الإنفاق العسكري عام 2019 (2.7%) من الناتج المحلي التركي مقارنة بـ (1.8%) عام 2015، وبذلك تتجاوز تركيا متوسط إنفاق دول حلف الناتو البالغ (1.8%) عام 2019، وفقاً للمعهد الأسترالي للشؤون الدولية. فضلاً عن الدعم المتزايد لصناعاتها العسكرية المحلية، إذ انخفض استيراد البلاد من الأسلحة من 70% إلى 30% عام 2020 وفقاً لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وأصبح لديها 7 شركات في قائمة أفضل 100 شركة دفاعية في العام 2020. وتشير الخطة الاستراتيجية 2019-2023 التي نشرتها رئاسة الصناعات الدفاعية التركية إلى زيادة توطين المنتجات الدفاعية لتصل إلى 75% بحلول عام 2023.
وفي غضون ذلك، كثُرت التحليلات حول البصمة العسكرية التركية الموسعة، إذ يقول البعض إنها نتجت عن استراتيجية دفاع متقدمة انتهجتها تركيا في مواجهة التهديدات الخارجية، بينما يرى آخرون أن لجوء أنقرة إلى اتباع سياسة خارجية أكثر صرامة هو مرتبط بالموقف الدولي والإقليمي الذي يطغى عليه اللجوء إلى استخدام أدوات القوة الصلبة، في حين يزعُم البعض الآخر أن الاعتماد على القوة العسكرية ناتج عن تفضيلات الرئيس التركي، رجب أردوغان، ويخدم تطلعاته التوسعية في سعيه إلى إعادة الإرث التركي القديم. وفي ظل هذه التحليلات التي لا تخلو من الصحة والخطأ قد تكون حسابات التدخلات الخارجية بحاجة إلى رؤية أكثر توسعاً وشمولاً وتخضع لاعتبارات حساسة ودقيقة.
وعليه، يمكن تتبع الاستخدام التركي للقوة العسكرية عبر ثلاثة أبعاد رئيسية؛ وهي:
الأول: البعد الجيوسياسي، ويستند على حسابات جيوسياسية تُوازن علاقات تركيا مع دول العالم.
والثاني: البعد الداخلي، ويستند على تأثير الدعوات القومية التي تسعى إلى استعادة المكانة الإقليمية لتركيا.
والثالث: البعد الاقتصادي، ويتمثل في العامل الاقتصادي والجيو-اقتصادي لتدخلات تركيا العسكرية.
أولاً: البعد الجيوسياسي
تقوم تركيا بنشر وحداتها العسكرية في مناطق مختلفة من العالم، كما في قاعدتها العسكرية في الصومال، والقاعدة العسكرية المشتركة في قطر، والوجود العسكري التركي في قبرص منذ العام 1974، وقوات حفظ السلام التركية في أفغانستان، وقد كانت مهمة هذا الوجود العسكري تقتصر على التدريب وتقديم الاستشارات فقط.
لكن أصبح الجيش التركي مؤخراً يضطلع بمهام جيوسياسية تخدم الأطر المصلحية التركية، ودعوات الرئيس رجب طيب أردوغان في اكتساب مكانة إقليمية، ونتج عن اتباع هذه الاستراتيجية العسكرية بالنسبة لصناع القرار التركي أن حققت تركيا حضوراً في ساحات الصراع المختلفة بدءاً من سوريا وليبيا ووصولاً إلى أذربيجان.
ففي سوريا، تدخل الجيش التركي عام 2020 - كما ذكرنا أعلاه - لمواجهة تقدم القوات الحكومية السورية في إدلب. وفي ليبيا، عُقدت اتفاقية أمنية عام 2019 بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق الوطني في طرابلس؛ تمكّنت بموجبه تركيا من التدخل مباشرة ووقف الهجوم الذي كان يشنُّه الجنرال الليبي، خليفة حفتر، للسيطرة على طرابلس، لينسحب فيما بعد إلى سرت. أما بالنسبة للصراع الأذري الأرميني، فقط تمكَّن الجيش الأذربيجاني من السيطرة على العديد من المدن والقرى في إقليم ناغورني كاراباخ بعد أن قامت تركيا بدعمه، وتتضح أهمية هذا الدعم من خلال تصريحات الرئيس الأذري، إلهام علييف، التي أشاد خلالها بالأسلحة التركية، وبدور الطائرات دون طيار في تقليل الخسائر البشرية وزيادة قوة الجيش الأذربيجاني.
وبناء على ذلك، كان لهذا الدعم دور في إعادة رسم الحقائق الجيوسياسية في منطقة القوقاز، إذ أشارت صحيفة موسكوفسكي كومسوموليتس الروسية، إلى أن تركيا حققت "اختراقاً غير مسبوق في الفضاء السياسي الذي تعتبره موسكو دائماً ملكاً لها".
وفي الحالات الثلاث السابقة، ساهم توظيف القوة العسكرية التركية في خلق حالة من التوازن مع قوى كبرى مثل روسيا والاتحاد الأوروبي، ووضع المشهد في محيط تركيا الحيوي أمام حالة من الردع المتبادل والحسابات الدقيقة، بحيث أصبحت طرفاً فاعلاً لا يمكن استبعاده في المحادثات الدولية والثنائية، فعلى سبيل المثال؛ تعد تركيا طرفاً في المحادثات ذات الصلة بالملف السوري كما في أستانا وسوتشي، وأدّت أيضاً دوراً فاعلاً في اتفاق وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان، وتنخرط في محادثات مع المسؤولين اليونانيين لوقف التصعيد في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وقد قال الرئيس أردوغان بعد اجتماعٍ مع مجلس الوزراء التركي في أوائل أكتوبر 2020: "لقد اكتسبت تركيا القوة اللازمة لتنفيذ سياساتها السياسية والاقتصادية على الأرض بدعم عسكري نشط" ... "أولئك الذين اعتادوا على التحدث إلينا بنبرة متسلطة، يتفاوضون معنا الآن على قدم المساواة...".
ثانياً: البعد الداخلي
يواجه حزب العدالة والتنمية واقعاً محلياً متغيراً، إذ أدت الأزمات الاقتصادية المتتالية وسعر صرف العملة إلى تراجع شعبيته في الداخل التركي؛ ففي العام 2018 وبالرغم من حصوله على 44.32% من الأصوات في الانتخابات البلدية، إلا أنه خسر مقاعد في بعض المدن الكبرى بما في ذلك العاصمة أنقرة وإسطنبول، كما أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز التقدم الأمريكي في نفس العام، أن 50% من المستطلعة آراؤهم لديهم نظرة سلبية عن حزب العدالة والتنمية.
ناهيك عن ظهور تشكيلات سياسية جديدة، تَغيَّر معها المشهد الانتخابي الذي كان يسيطر عليه الحزب منذ عقود؛ ففي العام 2015 وتزامناً مع بدء تركيا لعقيدتها العسكرية الجديدة، صعد حزب الشعوب الديمقراطي للبرلمان التركي وأدى ذلك إلى فقدان الحزب الحاكم أغلبيته المطلقة للمرة الأولى، مما اضطره إلى التحالف مع حزب الحركة القومية لاستعادة أغلبيته.
وقد أدى ذلك إلى السير بالاتجاهات السياسية والاجتماعية بمزيج من الأسلمة والقومية، والتي أصبحت فيما بعد سمة بارزة للسياسة الخارجية التركية، وفي هذا الصدد، أشار تقرير حديث للكونغرس الأمريكي في عام 2020، إلى تبعات هذا التحالف، حيث إن النظرة المحلية للشراكة بين حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الدينية وبين حزب الحركة القومية، دفعت بمزيد من الجهود لإضفاء الطابع القومي على السياسة التركية لضمان طيف أوسع من التصويت الشعبي في الانتخابات، وأشار التقرير أيضاً إلى نقطة مهمة وهي مدى تأثير هذا التحالف على السياسة الخارجية بشكل لم يُشهد له سابقة منذ الفترة التي سبقت التحالفات التركية مع الغرب في الحرب الباردة، حيث أعاد إلى الأذهان السرد "العثماني الجديد" لاستعادة مكانة تركيا الإقليمية.
في الواقع، يؤدي النشاط العسكري التركي في الخارج دوراً في تغذية القومية التركية في الداخل، وهو يعود بالنفع وبشكل غير مباشر على حزب العدالة والتنمية لتعويض الفاقد من الاقتصاد المتعثر للبلاد، حتى أن العديد من منتقديه في الداخل دعموا نهج بلادهم في السياسة الخارجية بشكل عام، فوفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز التقدم الأمريكي، يُظهر أن (33%) من حزب الشعوب الديمقراطي، و(39%) من حزب الشعب الجمهوري يؤيدون هذه الأفكار، علماً بأنها أحزاب معارضة. ويطالب (43%) من مؤيدي حزب الشعب الجمهوري باتخاذ القرارات الخارجية باستقلالية عن التعاون مع الدول الأخرى، ووفقاً للاستطلاع ذاته؛ فقد أيدت جميع الأحزاب بشكل عام فكرة أن تركيا يجب أن تعتمد على ذاتها في صناعاتها الدفاعية والعسكرية.
ومن جهة أخرى، فإن استعادة المكانة الإقليمية للبلاد تُعد جزءاً من تصورات وأهداف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وقد أتاحت التعديلات الدستورية في جوهر الحكم وفي الهيكل السياسي - من نظام برلماني إلى نظام رئاسي عام 2017 - بأن يصبح الرئيس في تركيا يؤدي دوراً كبيراً مدعوماً بسلطات عدة لإدارة العلاقات المدنية العسكرية، وفاعلاً قوياً في البنية العسكرية والدفاعية، وقد بدأت هذه التحولات في بنية الدولة والمجتمع بالظهور بعد محاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو 2015، حيث أصبحت السياسة العسكرية تخضع لتفضيلات الرئاسة وتوجهاتها.
ولا يقتصر الأمر على الرئيس أردوغان، بل هناك سياق عالمي يشارك فيه القادة القوميون يتمثل في اتباع سياسة إقليمية نشطة وجريئة، فالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أصبح يمارس نشاطات مختلفة في السياسة الخارجية الروسية، كما في التدخل الروسي في جورجيا وشمال أوكرانيا، وضم جزيرة القرم، وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس الصيني، تشي جين بينغ، الذي قدم رؤيته للصين باعتبارها قوة عالمية، ويلاحظ المراقبون زيادة في أدوات القوة الصلبة التي تستخدمها الصين في بحر الصين الجنوبي وإقليم شرق آسيا بشكل عام.
ثالثاً: البعد الاقتصادي والجيو-اقتصادي
تنظر تركيا إلى البصمة العسكرية الواسعة لها باعتبارها جزءاً من خططها للتحول الاقتصادي ضمن تقديرات وحسابات الربح والخسارة، خاصة في وقت تتطلع فيه إلى تحقيق إنجازات اقتصادية وتحولات في الاقتصاد التركي بدءاً من الصناعات التقليدية والزراعة والسياحة ووصولاً إلى التركيز على الصناعات العسكرية والدفاعية ومشاريع خطوط أنابيب النفط والغاز.
1. بالنسبة للصناعات العسكرية والدفاعية، فقد ارتفعت صادرات تركيا من الأسلحة في العام 2019 بنسبة 34.6% مقارنة بالعام 2018، وبلغت قيمتها 3 مليار دولار أمريكي وفقاً لجمعية صناعة الدفاع والطيران. وبحسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام للأعوام 2015-2019، فقد احتلت تركيا المرتبة 14 في قائمة الـ 25 دولة المصدرة للسلاح في العالم.
2. يُشكل الطلب على الطاقة أحد الأعباء الرئيسية على الاقتصاد التركي، ففي العام 2019 بلغت تكلفة الطاقة في تركيا حوالي 41.7 مليار دولار، ما يمثل 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي؛ وفقاً لموقع "ING" المختص في التحليلات الاقتصادية والمالية. ولذلك فإن التنقيب التركي في شرق البحر المتوسط والبحر الأسود سيُساهم في التقليل من اعتمادها على الطاقة من الخارج بشكل كبير ناهيك عن العوائد الاقتصادية المتوقعة.
في الواقع، يؤدي التنافس على الطاقة، والترويج للصناعات الدفاعية إلى مزيد من الإنفاق والانتشار، وقد أبرزت تركيا التكنولوجيا العسكرية الخاصة بها من خلال استخدامها بشكل ملفت في العديد من أماكن الصراع، حيث استُخدمت - كما ذكرنا أعلاه - ضد "داعش"، ووحدات الحماية الكردية في سوريا، وحزب العمال الكردستاني في العراق، وضد الجيش الأرميني في ناغورني كاراباخ؛ ويربط الكثير من الباحثين والخبراء توظيفَ تركيا لقوتها العسكرية بالزيادة التدريجية في وتيرة صناعاتها الدفاعية والعسكرية، حيث تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من معداتها وأدواتها العسكرية، بما يشمل إنتاج الطائرات دون طيار، والمركبات المدرّعة، والصواريخ ذاتية الدفع، والأسلحة محلية الصنع.
وعلى صعيد آخر، برزت تركيا كمنافس نشط على جيوسياسية الطاقة في البحر الأبيض المتوسط تزامناً مع عودة مفهوم "الوطن الأزرق"، وهو مفهوم جيواستراتيجي ابتكره الجنرال المتقاعد الأدميرال، جيم غوردينيز، عام 2006، وأعادت استخدامه البحرية التركية في تقرير خاص عام 2019، ويتضمن توسيع البصمة العسكرية التركية في المياه المحيطة بها وفي أعالي البحار حول شبه جزيرة الأناضول، ووفقاً لتصنيف جلوبال فاير باور لعام 2021 تمتلك تركيا ما يقارب من 16 فرقاطة و10 طرادات و35 سفينة دورية، و12 غواصة؛ وهذا يدل على تفوقها من منظور القوة في منطقة الشرق الأبيض المتوسط.
الخاتمة
تعاطت هذه الدراسة مع توظيف القوة العسكرية التركية من خلال البحث في الأبعاد الرئيسية لهذا التوظيف وهذه الأبعاد هي الجيوسياسية والمحلية والاقتصادية، وهي تشكل في جُلّها أهداف السياسة الخارجية لأي دولة، ووفقاً لذلك توصلت الدراسة إلى أن توظيف القوة العسكرية يمكن النظر إليه باعتباره جزءاً من توجه جديد للسياسة الخارجية التركية، حيث يحقق الهدف الذي كان مرغوباً فيه من اتباع سياسة "صفر مشاكل" التي ابتكرها وزير الخارجية السابق، أحمد داوود أوغلو، بعد أن شهد الإقليم تغيرات لم تعد معها أدوات القوة الناعمة تحقق النفوذ والمكانة.
وبهذا الصدد، يمكن القول إن تركيا بوصفها دولة ذات إمكانيات اقتصادية وعسكرية وبشرية، تسعى من خلال سياستها الخارجية إلى تعزيز مكانتها، ويعد استخدامها للقوة العسكرية في مناطق الصراع في كل من: ليبيا وسوريا وأذربيجان جزءاً من هذه السياسة، ومن خلالها حققت توازناً جيوسياسياً مع دول عالمية كبرى وأهمها روسيا والاتحاد الأوروبي.
علاوة على ذلك، بينت الدراسة الرابط بين أهداف السياسة الخارجية التركية، لا سيما لجوءها إلى استخدام القوة الصلبة والعائد منه على الشأن المحلي، إذ ينتهج الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مثله مثل غيره من القادة القوميين سياسة خارجية تعزز من مكاسبه في الداخل، حيث تغذي التدخلات التركية في الخارج الدعوات القومية في الشارع المحلي، خاصة وأن نتائج هذا التدخل لا تزال توحي باعتبارها تدخلات موزونة وتحقق الغرض منها، فعلى سبيل المثال يمكن اعتبار الاحتفال الذي أقامته أذربيجان لاستعادة مناطق في إقليم ناغورني كاراباخ وبحضور الرئيس التركي أردوغان جزءاً من "بروباغندا" يُراد منها تحقيق مكاسب شعبية.
من جهة أخرى، بينت الدراسة أهمية البعد الاقتصادي لتوظيف القوة العسكرية التركية، في وقت تسعى فيه إلى تحقيق تحولات اقتصادية تقوم على زيادة بيع أسلحتها محلية الصنع، وتحقيق الاستقلال وإن كان جزئياً في مجال الطاقة، فشأنها شأن أي دولة أخرى لديها ذات الأهداف، على سبيل المثال: ارتفعت مبيعات تركيا من طائراتها دون طيار "بيرقدار" بعد أن أثبتت قوتها في معارك إدلب وضد أرمينيا، في حين أن توسيعها لأسطولها البحري يُعتبر بمثابة فرض قوة للحصول على العوائد المادية من اكتشافات الغاز في شرقي المتوسط.
ومع ذلك، يواجه توظيف القوة العسكرية في تركيا تحديات عدة، أهمها:
1. باتت تركيا هدفاً للعقوبات الدولية المفروضة عليها، وكان آخرها عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عام 2020، وسيكون لذلك تأثير على الشأن الاقتصادي التركي وصناعاتها الدفاعية.
2. يشكل الإنفاق العسكري التركي عبئاً على الموازنة والاقتصاد، وتُمثل الموائمة بين النفقات العسكرية وبرامج التنمية تحدياً اقتصادياً للحكومة التركية.
3. على تركيا الموازنة بين تدخلاتها العسكرية في الخارج وبين قياس قوة وحجم الخصم والتبعات المترتبة عليها في كل ساحة من ساحات الصراع.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات