إطلاق تقرير التوقعات الاستشرافي نصف السنوي لعام 2019
1 سبتمبر 2019
عمان - الأردن
"سيواجه العالم سباقاً محموماً نحو التسلح بالتكنولوجيا وتطويعها لأغراض دفاعية أو هجومية، وستحتد المنافسة بين الدول القيادية على امتلاك المعرفة التقنية، وعلى تصنيع الأسلحة الثقيلة. وسيصبح الفضاء السيبراني مسرحاً للعمليات العسكرية لا يقل خطورة وأهمية عن مسرح العمليات التقليدية".
أكد تقرير التوقعات نصف السنوي لعام 2019؛ والذي أطلقه مركز STRATEGIECS Think Tank، مؤخراً؛ أن نوعا من الضبابية ستنعكس على الأحداث في الساحتين العالمية والإقليمية؛ محدثة تغييرات استراتيجية فيهما؛ وهو بالفعل ما شهدناه خلال النصف الأول من العام؛ وهذا لن يكون في أطر واسعة؛ بل في أطر محدودة التأثير، مع ازدياد وتيرة التصعيد في عدد من الملفات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية، وهو ما يعكس امتداداً للحالة التي يعيشها العالم منذ عامين؛ فقد لوحظ بشكلٍ واضحٍ، التذبذب في مواقف القوى والأطراف الفاعلة في هذه الملفات، وكانت تحركاتها تندرج تحت مفهوم "الردع الاستراتيجي".
يخلص STRATEGIECS Think Tank إلى هذه النتيجة التحليلية؛ من خلال تناوله للعديد من القضايا الأكثر تداولاً وجدلاً على الصعيد العالمي، ويعزي؛ حالة التردد في اتخاذ القرارات الاستراتيجية الحاسمة؛ إلى وعي القوى العالمية بالتكلفة الباهظة للحرب، وهو ما تدل عليه الأزمة الأمريكية الإيرانية على سبيل المثال؛ ففي هذا الصدد خصص المركز تغطيةً شاملة عبر تقريره نصف السنوي، لمسار الأحداث التي أدت إلى تطور الملف النووي الإيراني، منذ عام 1957 وحتى وصوله لشكله الحالي في يوليو 2019، ووجد التقرير أنه مع دخول منطقة الشرق الأوسط في مرحلة جديدة من المواجهة ومن تسارع في الأحداث؛ فلا تزال كل من: الولايات المتحدة وحلفائها وإيران، ينتهجون سياسة ضبط النفس وترشيد القرارات؛ التي من شأنها أن تمنع الانفجار.
وفي سياق متّصل؛ يرى التقرير في مقال تحليلي آخر بعنوان: "أثر القوة النووية على مفهوم الاستراتيجية" أن إيران تتجه إلى إضفاء بُعْدٍ نووي أكثر وضوحاً في تصعيدها مع الولايات المتحدة؛ موحيةً بقوة موقفها بالرغم من تشديد العقوبات الأمريكية عليها لحدود قصوى. ويفسر المقال أن سباق التسلّح الجاري بين القوى العظمى في العالم؛ والذي يتضمن التسلح النووي أيضاً، هو جزء غير منفصل من مبدأ "الردع المتبادل"؛ بحيث تسعى الدول المتنافسة إلى تقليص الفجوة النووية؛ من خلال امتلاك سلاح يحول دون تفّوق دولةٍ بعينها في ميزان القوى، كما أن مبدأ "التظاهر بعدم التعقل" الذي تُظهِر فيه دولة ما؛ سلوك "الدولة المجنونة" واستعدادها شن حرب نووية لردع الطرف المقابل؛ قد يحفز للتوصل إلى تسويات مختلفة للقضايا الشائكة؛ تجنباً لدمار حتمي؛ في حالة تدرّج التصعيد نحو حرب نووية.
وعدا عن خطورة سباق التسلح النووي الذي يحتمل كل الافتراضات (العقلانية وغير العقلانية)؛ فقد باتت الأطراف الفاعلة تتجه إلى استخدام الفضاء الإلكتروني كمجال للصراعات المختلفة. ومع تحول هذا الفضاء إلى ساحةٍ للتفاعلات الدولية؛ تطورت العديد من الأنماط المختلفة للهجمات الإلكترونية، وباتت توظَّف في حقول الاستخدامات ذات الطبيعة المدنية أو العسكرية؛ لكسب أكبر قدر من النفوذ والتأثير السيبراني؛ مما يؤدي إلى تنامي القدرات والتهديدات المتصاعدة لأمن البنية التحتية الكونية للمعلومات، وهو ما ناقشه التقرير عبر تحليل بعنوان: "الهجمات الإلكترونية وأثرها على اقتصاديات الشرق الأوسط"، وقد نوّه إلى خطورة استهداف مصالح الدول الاقتصادية عبر مهاجمة قواعد بياناتها الحساسة؛ تحديداً في قطاع الطاقة، نظرًا للتوسعات الفعلية للبنية التحتية الإلكترونية في هذا القطاع، ويقول التحليل: "إن الخطر الناجم عن التهديدات الكبيرة المحتملة لهذا القطاع لا يمكن التهاون معه، فعلى سبيل المثال؛ قد يكون؛ لتداعيات هجمة إلكترونية ناجحة على شركة عاملة بقطاع النفط والغاز في الشرق الأوسط؛ انعكاسات خطيرة على الأمن الوطني والاقتصادي؛ حيث أن معظم دول المنطقة المنتجة للنفط تعتمد على هذه الموارد كمصدر رئيسي للدخل"، ويوصي التقرير بأنه لا بد أن تكون هناك تحركات موازية رسمية وشبه رسمية؛ تحديداً في الشرق الأوسط؛ لتوفير بيئة أكثر أمناً للتعاملات الإلكترونية، وعلى مؤسسات الدولة المختلفة الإسراع في اعتماد أحدث الآليات والحلول لضمان أمن الشبكات في قواعدها المتكاملة، كما أنه من الضروري العمل على تحسين الجهود الأمنية الفاعلة للتصدي للجرائم الإلكترونية، مع الأخذ بأسباب التطور والتحديث المستمر لقدراتها وإمكاناتها المادية والتقنية، والحرص على مواكبة مختلف التطورات التقنية والإلكترونية العالمية في مجال علم الأدلة الجنائية الإلكترونية؛ بهدف إيجاد خبرات في مجال أمن المعلومات؛ تكون قادرة على مواجهة مختلف أشكال الهجمات الإلكترونية، وعلى تتبع مرتكبيها، ورصدهم على وجه السرعة.
ونظراً لتركيز STRATEGIECS Think Tank على دراسة قضايا الشرق الأوسط؛ فقد ناقش التقرير في مساحة متعمقة "أهمية عودة العراق للساحة العربية والإقليمية"، والمعوقات التي تواجه هذه العودة؛ فقد كان العراق على الدوام عنصراً أساسياً في معادلة التوازن السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وهنالك مؤشرات عديدة تدل على تقدم دور العراق في الشأن الإقليمي، وعلى التفات القوى الفاعلة نحو بغداد؛ التي بإمكانها أن تخلق جسراً بين الأطراف المتناقضة تحديداً في الشرق الأوسط.
وسلّط تقرير التوقعات نصف السنوي لعام 2019 الضوء على مسألة استقرار دولة أخرى في المنطقة؛ وهي الجزائر؛ إذ عمل على وضع عدد من السيناريوهات المتعلقة بمستقبل الوضع السياسي فيها، وتأثيره على الاستقرار في منطقة شمال إفريقيا. وفيما يتعلق بمواضيع العلاقات الدولية، ومسارات التحول في موازين القوى في الشرق الأوسط؛ فقد طرح باحثو المركز نقاشاً حول الفرص والتحديات التي تواجه العلاقات الصينية العربية، إضافة لمستقبل تنافس القوى العالمية والإقليمية على منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، كما تم تناول سيناريوهات تأثر منطقة الشرق الأوسط بالأزمة الإيرانية، مع استعراض لتاريخ العلاقات الإيرانية العربية ومستقبلها، وصولاً إلى تشريح الاقتصاد الإيراني الذي يواجه العقوبات الأمريكية بِبُنية معقدة، وإلى تحليلات متعلقة بأزمة انخفاض الليرة التركية.
وفيما يتعلق بالتساؤل حول المستقبل الأمني تحديداً في منطقة الشرق الأوسط؛ فقد أكد تقريرSTRATEGIECS Think Tank عبر تحليله بعنوان "الوجه القادم للإرهاب" أن الإرهاب القادم سيكون أكثر تعقيداً وتطوراً؛ مستفيداً من كسر الحالة الحدودية للدول، ومشروطاً بعدم التفات الدول لمعالجة مواطن القصور الأمنية والأيدولوجية في الحاضر. وفي هذا الصدد أيضاً؛ تناول المركز موضوعاً بغاية الأهمية والتعقيد؛ وهو "الأقليات كورقة ضغط سياسي"، وهو تحليل متعلق بالتدخلات الخارجية لاستخدام ملف الأقليات لممارسة الضغط أو الابتزاز أو التهديد أو التخريب داخل الدول التي تعاني من عدم التجانس المجتمعي؛ بصرف النظر عن سبب عدم التجانس وعن مصدره. ويوصي التقرير حكومات المنطقة بالعمل على زيادة الوعي لقضية المواطنة والاندماج الوطني؛ فهذا يكبح من خطر استغلال ملف الأقليات، ويفتح المجال لنهج مستدام لإدارة التعددية المجتمعية وفق أسس سليمة.
أما على مستوى الاقتصاد الدولي؛ فقد خصص التقرير مساحة لتوقعات أسعار النفط خلال النصف الثاني من عام 2019؛ انتقالاً لتحليل أداء صندوق النقد الدولي في أوروبا؛ والذي يطرح تساؤلاً عمّا إذا كانت سياسات الصندوق في أوروبا تُعدّ إعادة هيكلة لاقتصاديات القارة، أم أنها اتساع لدائرة العالم النامي في العالم؟ وتم تناول الحالة اليونانية كأنموذجٍ لتبيان فعالية هذه السياسات على تلك المنطقة.
كما أشار تقرير STRATEGIECS Think Tank إلى الحرب الأمريكية الصينية التي أخذت منحى تكنولوجياً تحت عنوان: "هواوي: تكنولوجيا محايدة أم رأس حربة للاقتصاد الصيني"؛ فما يجري بين الصين والولايات المتحدة لن ينتج عنه خاسر واحد؛ حيث توجد بينهما علاقة اعتمادية وارتباط اقتصادي كبير؛ مما يجعل من الصعب البدء بتغيير صيغة هذه العلاقة؛ لكن المُلاحظ هنا؛ أن الإدارة الأمريكية تسعى في اتجاه تغيير هذه العلاقة لصالحها؛ وهذا يتضمن محاصرة الشركات الصينية في الأسواق العالمية، والحد من تنافسية السلع التي تقدمها، كما أن الحرب التجارية القائمة حالياً -والتي من المرجح أن تطول- هي القاعدة والإطار لجميع التنافرات السياسية على الساحة الدولية؛ ابتداء بالعلاقة الصينية الروسية ومروراً بمعارضة الصين لخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وليس انتهاءً بالتوترات المستمرة في بحر الصين الجنوبي؛ وتأتي شركة "هواوي" ضمن هذا الإطار دون إغفال خصوصية تفاعلات قضيتها.
ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة تسعى من خلال إيجاد اتفاق تجاري "هش" مع الصين؛ إلى شراء المزيد من الوقت لشركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأمريكية للتطوير من تقنياتها من خلال الاستمرار في وضع العقبات أمام شركة "هواوي" وتقنية الجيل الخامس التي أعلنت "هواوي" عن إطلاقها في عام 2020، وذلك تحت شعار الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية الأمريكية. ويرى المركز بأن الصين تمتلك أفضلية التفوق بفارق ضئيل عن الولايات المتحدة؛ في إطار الحرب التجارية وأزمة "هواوي"؛ إلا أنه يصعب التنبؤ إلى ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حالة انتهاج الولايات المتحدة سياسة اللعب على تناقضات الصين مع دول جنوب شرق آسيا وإفريقيا وحتى الاتحاد الأوروبي؛ لكن هذا من المستبعد أن يحدث؛ لأن العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول والصين كبيرة إلى حد يستحيل به أن يتم الاستغناء عنها.
وفي هذا الصدد علّق رئيس مجلس أمناء المركز، حسن اسميك بأن :"الجيوبوليتيك لا تزال من أهم العوامل الحاسمة في إدارة العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية، وهي من الأدوات المساندة في فهم التحولات العالمية"، مضيفاً: "شهدنا ظهوراً ودوراً حيوياً للتكنولوجيا في تأزيم المواقف الدولية أو في انفراجها؛ إذ بات التنازع على المعرفة التكنولوجية لا يقل أهميةً عن السعي للهيمنة على إقليمٍ ما أو ممرٍ مائي حيوي، كما هو جارٍ الآن بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حيال تكنولوجيا الجيل الخامس، وما زالت تداعياته تتفاعل حتى اللحظة".
يُعدّ STRATEGIECS Think Tank مؤسسة بحثية متخصصة؛ مهمتها تطوير أبحاث ودراسات حول السياسة الخارجية والأمنية في الشرق الأوسط، وتقديم منظور شامل واستشراف مستقبلي عن التحديات المستمرة؛ ساعياً إلى تحويل الأفكار والمقترحات السياسية إلى مشاريع عملية تعود بالنفع على جميع الأطراف ذات العلاقة، إضافة إلى مساعدة صناع القرار في اتخاذ المسارات الصحيحة لتحقيق الأهداف التنموية والسياسية والاقتصادية المرجوة.