الضربات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين: نهاية حرب أم بداية أخرى
جاءت الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في ضوء المستجدات التي تشهدها الحرب في قطاع غزة، ودور الحوثيين غير المباشر فيها، وتتزامن هذه الضربات مع عودة سياسة "الضغوط القصوى" التي انتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال إدارته الأولى ضد إيران، حيث تسعى هذه الضربات لفصل الحوثيين عن إيران، وليس فقط فصلهم عن الساحة الرئيسة للحرب في قطاع غزة.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ٢٧/٠٣/٢٠٢٥

تدخل الساحة اليمنية فصلاً جديداً من الصراع، بعد أن وجهت الولايات المتحدة سلسلة من الضربات العسكرية التي بدأتها في 15 مارس 2025 وتستمر حتى اللحظة، ونفذت خلالها عشرات الغارات الجوية على مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن واستهدفت بعض قادة الحركة. وتُشير تلك الضربات إلى تحول جوهري في المقاربة والاستجابة الأمريكية تجاه الحوثيين، بعد أن اتبعت إدارة بايدن السابقة مُقاربة ترتكز على الدفاع، فيما يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتبنى مُقاربة هجومية، في وقت تستأنف فيه إسرائيل الحرب في قطاع غزة بعد أن تعثرت المفاوضات في الانتقال إلى المرحلة الثانية، وتزايد المؤشرات عن تصعيد محتمل بين الولايات المتحدة وإيران بعد أن منح ترامب طهران مُدة شهرين للتوصل إلى اتفاق نووي جديد. وهو ما يطرح تساؤل رئيس حول الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن باعتبارها تحركاً أمريكياً لوضع نهاية للحرب التي اندلعت في قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، أم رغبة في تحرك عسكري أمريكي أوسع يستهدف إيران ومن تبقى من وكلائها حول المنطقة؟
نمط المشاركة الأمريكية المُتغير
جاءت الضربات الأمريكية في ضوء المستجدات التي تشهدها الحرب في قطاع غزة، ودور الحوثيين غير المباشر فيها، والذين استأنفوا هجماتهم ضد السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن في 11 مارس 2025، وفي 18 من الشهر نفسه، أطلق الحوثيون للمرة الأولى منذ دخول المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة في 19 يناير، هجوماً بصاروخ ضد جنوب إسرائيل في 18 مارس 2025، تلاه اعتراض إسرائيل خمسة صواريخ خلال الفترة 20-25 مارس 2025.
مع ذلك تأتي الضربات لتشير إلى تغير المُقاربة الأمريكية بين رئيسين، ففي حين ركّز الرئيس السابق جو بايدن على الاستجابة الدفاعية بتوجيه هجمات ضد مواقع تخزين الصواريخ والرادارات وما يتصل بالبنية العسكرية الحوثية المستخدمة في الهجمات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، فقد أبقى أيضاً الباب مفتوحاً أمام الخيارات السياسية أو الدبلوماسية، والتعامل مع الحرب في جبهتها الرئيسة في قطاع غزة باعتبارها مدخلاً لتوقّف هجمات الحوثيين، لكن الرئيس دونالد ترامب قد نقل المواجهة مع الحوثيين إلى المبادرة والهجوم، ففي البداية أصدر ترامب أمراً تنفيذياً بإعادة تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية" في 22 يناير 2025، بعد أن كانت إدارة بايدن قد اكتفت في يناير 2024 بإدراجهم في قوائم الإرهاب العالمية، والتي تستهدف فقط الجوانب الاقتصادية، فيما يُلغي الأول أي تعامل اقتصادي أو سياسي ويُزيل عن المنظمة صفة الشرعية في مناطق سيطرتها في اليمن.
من جهة أخرى؛ وسّعت إدارة الرئيس دونالد ترامب من قائمة الهجمات ونطاقاتها لتطال البنى التحتية والقادة الحوثيين، وبشكل عام تُشير الضربات الأمريكية إلى الدروس المُستفادة من الحرب الإسرائيلية مع حزب الله، والتي أوضحت الكيفية التي يُمكن بها القضاء أو تحجيم المنظمات والفصائل المسلحة غير النظامية، عبر الاستهداف الكثيف لسلسلة القيادة، ومناطق تخزين السلاح، لا سيما أن الجيش الأمريكي استهدف قائد الأمن الخاص لعبد الملك الحوثي، وقائد البحرية في المنظمة منصور السعدي، إضافة إلى كبير خبراء الصواريخ في الجماعة، وعدد من القادة العسكريين البارزين. إلى جانب أن الهجوم الأمريكي جاء مدعوماً بنشاط استخباراتي واسع تُشارك به طائرات تجسس أمريكية وبريطانية وأنظمة استطلاع ومُراقبة جوية متقدمة، ويبدو أن ذلك التصور هو ما دفع دونالد ترامب في 19 يناير إلى التوعد بالقضاء على الحوثيين بشكل تام، وقد يُشير ذلك إلى أن الضربات الأمريكية قد تستهدف قادة حوثيين ومسؤولين كبار في هيكل قيادة المنظمة.
الضربات الأمريكية في سياق التصعيد مع إيران
تتزامن الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن، مع عودة سياسة "الضغوط القصوى" التي انتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال إدارته الأولى (2016-2021) ضد إيران، في واحد من أهم المتغيرات والمداخل لقراءة وتفسير الضربات الأمريكية، خاصة وأنها تأتي مع مستجدات عدة في التوتر المُتصاعد بين واشنطن وطهران، من بينها فرض عقوبات على صناعة النفط الإيرانية وشخصيات مرتبطة بها في 6 فبراير 2025، وفي أعقاب الرسالة التي بعثها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي في 7 مارس 2025، والتي حذّر فيها طهران من ضرورة التوصل إلى اتفاق نووي جديد خلال شهرين، عبر إجراء محادثات مباشرة مع واشنطن.
في الواقع؛ إنّ الضربات التي يشنها الجيش الأمريكي ضد الحوثيين، تأتي لفصل الحوثيين عن إيران، وليس فقط فصل الحوثيين عن الساحة الرئيسة للحرب في قطاع غزة، خاصة وأنّ ترامب يربط بشكل وثيق بين تصرفات الحوثيين وإيران، ويُحمل الأخيرة المسؤولية المباشرة عنهم وعن هجماتهم، كما اعتمد على تهديدات عسكرية مباشرة ضد إيران، وشدّد على أنّ أي تصعيد من الحوثيين هو نتيجة مباشرة للتدخل الإيراني. ففي 15 مارس 2025، وجه ترامب إلى إيران تحذيرًا مباشرًا، قائلاً: "يجب أن يتوقف دعمكم للإرهابيين الحوثيين فورًا... إذا فعلتم ذلك، فاحذروا، لأنّ الولايات المتحدة ستحمّلكم المسؤولية الكاملة، وهذه المرة لن نكون متسامحين"، وقال في 17 مارس 2025: "من الآن فصاعدًا، سيُنظر إلى كل طلقة يُطلقها الحوثيون على أنها خرجت من أسلحة وقيادة إيران، وستُحمّل إيران المسؤولية وستواجه عواقب وخيمة".
علاوة على ذلك؛ ترتبط دوافع الضربات الأمريكية بدعم سياسات واشنطن ضد إيران، فمن جهة واجهت إيران "الضغوط القصوى" بما أطلقت عليه حينها "المقاومة القصوى"، وشارك فيها الحوثيون بشكل مُباشر وغير مباشر، من خلال محاولاتهم استهداف المنشآت الصناعية والمطارات والمرافق الحيوية للطاقة في دول الخليج، كان من أبرزها استهداف منشآت النفط في بقيق وخريص السعودية عام 2019. ومع عودة سياسات "الضغوط القصوى" فمن المؤكد أنّ واشنطن تسعى لتقويض أي عودة لما يعرف بـ "المقاومة القصوى".
لكن؛ في إقليم ما بعد 7 أكتوبر 2023، فإنّ ممارسة إيران للمقاومة القصوى تقع في حدودها الدُنيا، بل تزداد احتمالات أن تؤدي الضغوط عليها وعلى وكلائها إلى قبولها تقديم تنازلات جوهرية في سياستها الخارجية والنووية، خاصة وأنّ ضرب الحوثيين يأتي بعد تحجيم قُوة حزب الله اللبناني، وتقليص دوره في الساحة السياسية اللبنانية، وفصله عن مُعادلة "وحدة الساحات" الإيرانية، ورُبما تُدرك إيران أنّ استهداف قادة الحوثيين وبنيتهم التحتية، لن ينعكس فحسب في فصلهم عن "وحدة الساحات" بل أيضاً في قوتهم في الساحة اليمنية، خاصة وأنّ استمرار الضربات وتعميق تأثيرها يضع اليمن في سيناريو مُشابه لما حدث في سوريا، مع استعداد الجيش اليمني والحكومة الشرعية للتحرك لاستعادة سيادتها على مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن، وفي ضوء ذلك؛ فإنّ احتمال جلوس إيران على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة بمتطلبات محدودة وشروط أقل يبدو وارداً.
نهاية حرب أم بداية أخرى؟
تُشير مؤشرات عدة أنّ الولايات المتحدة قد لا تكتفي بالعقوبات ضد إيران، وأنّ العمل العسكري أصبح خياراً جيداً، خاصة في ظل تراجع المخاوف التي كانت تواجه سابقاً أحاديث الهجوم على إيران، وفي مقدمتها التداعيات على المضائق الاستراتيجية في باب المندب وهرمز، لا سيما وأنّ الضربات الأمريكية تضع ضمن أهدافها حرمان الحوثيين من القدرة على إغلاق باب المندب أو إحداث اضراب واسع فيه، وفي ضوء التداعيات اللاحقة للحرب في قطاع غزة، فقد أصبح من الممكن تفادي تلك المخاوف جدياً إذا ما قررت واشنطن مهاجمة البنية التحتية النووية والصاروخية الإيرانية.
ومن بين تلك المؤشرات؛ إعلان وزارة الدفاع الأمريكية في 22 مارس عن إرسال حاملة طائرات ثانية إلى المنطقة وهي "يو إس إس كارل فينسون" (CVN-70) إلى منطقة الشرق الأوسط مع تمديد وجود حاملة الطائرات "يو إس إس هاري ترومان" (CVN-75) إلى جانب حاملة الطائرات التي تقود الهجمات ضد الحوثيين، وهي "يو إس إس أيزينهاور" (CVN-69)، وفي حين أنّ المنطقة خلال مراحل الحرب المختلفة في قطاع غزة شهدت تواجداً لحاملتي طائرات معاً في المنطقة، عندما تواجدت "جيرالد فورد" (CVN-78) في البحر الأبيض المتوسط بالتزامن مع تواجد ترومان في البحر الأحمر، ومن ثم تواجد ترومان و أيزنهاور في وقت واحد في البحر الأبيض المتوسط، لكن المختلف هذه المرة، أن التواجدات السابقة كانت لأغراض الردع والدفاع، في حين أنّ إرسال حاملة طائرات ثانية في وقت تضطلع فيه الأولى بمهام قتالية هجومية، يُشير إلى تركيز الولايات المتحدة لأصول عسكرية قتالية وقوة ضاربة هجومية استعداداً رُبما لهجوم محتمل أو وشيك.
وأخيراً؛ تبدو الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن، هادفة لوضع حد لمشاركتهم في الحرب في قطاع غزة، والمستمرة منذ نوفمبر 2023، ولكنها في الوقت تندرج مع هدف واشنطن تعظيم المخاطر حول إيران، وتقليل المخاطر المرتبطة بالتحرك الأمريكي لتقويضها، سواء من خلال العقوبات الاقتصادية أو الضربات العسكرية. وبشكل عام؛ يُشير ذلك التحرك إلى دخول الحلول العسكرية على طاولة الخيارات بعدما كان مجرد تهديداً وتلويحاً، ما يعني أنّ الضربات الأمريكية ضد إيران باتت واردة ورُبما وشيكة.

ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات