السياسة الخارجية الأمريكية
البعد الاستراتيجي في السياسة الخارجية الأمريكية
هل تستند الولايات المتحدة الأمريكية، ممثلة بقرارات ترامب، إلى استراتيجية واقعية من شأنها أن تبين المسار الأمريكي والفرص المتاحة ونقاط القوة والتهديد؟ قد يكون هذا هو السؤال الأبرز بعد تسلم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مهامه في يناير 2017، وبداية الإعلان عن قراراته وتوجهاته. لذا تناقش المادة هذا التساؤل باستعراض تبريرات وتحليلات عديدة لوجهات النظر المطروحة حول إذا ما كان هناك استراتيجية أمريكية واضحة أو إذا كانت غير موجودة من الأساس.
الكاتب حازم سالم الضمور
- الناشر – STRATEGEICS
- تاريخ النشر – ٢٨/٠٢/٢٠١٩
بعد تسلّم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مهامّه في يناير 2017، وبداية الإعلان عن قراراته وتوجّهاته، وتحديداً بعد مرور النصف الأول من العام الماضي؛ بدأ سؤالٌ مهمّ يدور على كل المستويات السياسية في واشنطن، وفي عواصم القرار العالمي، وعواصم الدول الشريكة أو الأُخرى المعادية وهو؛ هل تستند الولايات المتحدة الأمريكية، ممثّلةً بقرارات ترامب، إلى استراتيجيةٍ واقعية، تبيّن المسار الأمريكي والفُرص المتاحة ونقاط القوّة والتهديد؟ أم أنّ الإدارة الأمريكية تتعامل مع كل ملف بشكلٍ منفصل، دون وجود ما يُعرف بـ "Grand strategy"؟
هناك كثيرٌ من المؤشّرات على هذا التقلّب وعدم الوضوح، وقد شهدت الفترة الماضية عدم استقرار في المناصبَ المقرّبة من الرئيس ترامب، كان آخرها مغادرة وزير الدفاع جون ماتيس، وبريت ماكغورك، من منصبيهما بسبب الخلاف حول الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا.
ثمّة وجهات نظر في واشنطن حول الاستراتيجية الأمريكية للسياسة الخارجية؛ الأولى: هناك من يرى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، تتصرفُ حيال القضايا الرئيسية مثل عملية السلام في الشرق الأوسط، والتواجد العسكري لإيران في كلٍّ من سوريا والعراق، وكوريا الشمالية، وعلاقتها بروسيا والصين وأوروبا، بسياسة ردود الفعل والتقلّب، ولا يوجد في الواقع استراتيجية واضحة المعالم، يمكن البناء عليها مستقبلاً. والأهم من ذلك هو ضبابية سياسة الأمن القومي الأمريكي تجاه قضايا الشرق الأوسط المعقّدة الآنيّة والمستقبلية.
والدليل على ذلك أنّ دوائر صنع القرار في واشنطن تُسرّب بين فترةٍ وأُخرى -بخصوص موضوع إيران- عدم توقّع مواجهة عسكرية مع إيران في المدى القريب. لكنّ الأحداث تتسارع، ولا يوجد ضماناتٌ على عدم الاقتراب أو على أنّ المسافة الآمنة ستبقى كبيرة، بحيث أنّ الطرفين يقفان في النقطة الأقرب للمواجهة، مقارنةً بالفترة الماضـية.
أمّا وجهة النّظر الثانية؛ هناك من يرى أنّ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد ورث عبئاً ثقيلاً بفعل سياسات الرئيس السابق، باراك أوباما، لذلك تحتاج الاستراتيجية الأمريكية للتعديل أو لإيجاد واحدة جديدة الكثيرَ من الوقت والجهد والاختلاف في وجهات النظر، والتريّث حتى تظهر النتائج المتوقّعة. فيما تُرجّح وجهة النّظر الثالثة أنّ الاستراتيجية الأمريكية للأمن العالمي تركّز حالياً على التوسّع الصيني والرّوسي، والمصالح في بحر الصين، وهناك اعتقادٌ أنّ الشرق الأوسط لم يعُد يشكّل مشكلةً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
هناك عدّة تبريراتٍ وتحليلات لوجهات النّظر المطروحة للنقاش حول وجود استراتيجية أمريكية واضحة أو عدم وجودها أصلاً:
1. لا يمكنُ القول بأنّه لا يوجد سياسة أمريكية تجاه القضايا الخارجية، بل يمكن أن نستشعرَ وجود عددٍ من السياسيات المختلفة. فالجميع يتوقع أنّ الرئيس دونالد ترامب، يريد أن يتبنّى سياسةً متعددة المستويات وفقاً للمصالح والاهتمامات.
2. منذ إطلاق الرئيس دونالد ترامب، لحملته الانتخابية، أكّد على أنّه سيركز على الاهتمام بالشأن الداخلي الأمريكي، والانسحاب من بؤر الصّراع في العالم، والدفع نحو بناء الاقتصاد الأمريكي، وإعادة إحياء فكرة "أمريكا أولاً". حيث تعتقد الإدارة الأمريكية الحالية أنّه قد تمّ صرف كثيرٍ من الموارد المادية على حروب الشرق الأوسط، ومن الضروري وقف هذا الصرف.
3. هناك نجاحٌ كبير في سياسة الرئيس دونالد ترامب، تجاه التصرّف وحلّ عددٍ من القضايا العالقة بسبب استراتيجية أوباما؛ منها التساهل مع إيران والسماح لـ"داعش" بالتضخم.
4. هناك أربعة أمور تهمُّ الرئيس ترامب، في الشرق الأوسط، وهي: استقرار مصادر الطاقة، تحييد الجماعات المتشددة، مواجهة إيران، وحلّ القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل.
يجب أن نقرّ أنَّ وِجهات النّظر الثلاث يمكن الأخذ بها، وإسقاطها على القضايا ذات الصّلة، ولعلّ أبرز ما يميّز الرئيس دونالد ترامب، أنّه شخصٌ غير متوقّع، ولا يمكن توقّع قراراته. بالتالي في الوقت الحالي سيكون من الصعب الحكم على نجاح الآلية التي يعمل بها الرئيس، أو ربما تزداد الأمور تعقيداً، ويلجأ ترامب إلى وضع ما يسمى بـ"Grand strategy". أو سيبقى التعامل مع كلّ حدث وفقاً لمعطياته وتطوراته، الأمر الذي يُربك الحلفاء والأعـداء في آنٍ واحد، ويُبقي الباب مفتوحاً أمام الصراعات المتداخلة، وتحديداً في الشرق الأوسط.
لكننا نتوقّع أنّ نتائج الانتخابات النصفية، وفوز الحزب الديمقراطي بالسيطرة على مجلس النواب الأمريكي، سيجبر الرئيس على تبرير كثيرٍ من السياسات والقرارات، وبالتالي يمكن لنا أن نشاهد استراتيجيةً أكثرَ وضوحاً تجاه مختلف القضايا. أو نرى نمطاً للسلوك السياسي للإدارة الحالية.
حازم سالم الضمور
مدير عام المركز/ باحث متخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية