طهران وحلم ازدهار قطاع الطاقة

تأمل الأوساط السياسية في طهران بقيام الإدارة الأمريكية الجديدة بتخفيف القيود المفروضة على قطاع الطاقة الإيراني في سياق ترقُّب لرفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي، في خطوة من شأنها أن تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية التي فاقم من وطأتها تفشي فيروس كورونا.

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ٠١‏/٠٢‏/٢٠٢١

يمثل قطاع الطاقة في إيران أحد المداخل المهمة لفهم التركيبة الاقتصادية لهذا البلد الشرق أوسطي الذي تدور حوله العديد من القضايا السياسية المعقدة والإشكاليات الدبلوماسية، التي جعلت من المنطقة إقليماً متوتراً بل وغير مستقر خلال العقود الماضية، فكيف ترى طهران خياراتها فيما يخص الطاقة كمورد أساسي لاقتصادها في خضّم حملة العقوبات القصوى التي شنتها الإدارة الأمريكية السابقة؟

وصف وزير النفط الإيراني، بيجان نامدار زنغنه، في أواخر عام 2019، وضع قطاع النفط الإيراني بأنه أسوأ مما كان عليه خلال حرب السنوات الثماني مع العراق، وهذا بسبب إلغاء الولايات المتحدة للاستثناءات من العقوبات الأمريكية التي كانت ممنوحة لعدد من الدول لاستيراد النفط الإيراني، ما أدى إلى تراجع الإنتاج النفطي إلى أقل من مليون برميل يومياً خلال عام 2019، وهذا ما تؤكده تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، في أغسطس 2019 بأن الولايات المتحدة نجحت بمنع وصول 2.7 مليون برميل نفط إيراني إلى السوق العالمية.

وانخفضت عائدات إيران من النفط في الأشهر التسعة الأولى من عام 2020 لتبلغ 11 مليار دولار فقط مقابل 30 مليار دولار لنفس الفترة من عام 2019 و67 مليار دولار من عام 2018؛ بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وهذا ما أدخل البلاد في أزمة اقتصادية خانقة نظراً للاعتماد الكبير على عائدات تصدير النفط الخام.

استدارة نحو الغاز؟

تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، لكن فعالية الاستخراج لطالما كانت محدودة بسبب الافتقار إلى التكنولوجيا اللازمة لتكثيف الإنتاج الناجم عن العقوبات الأمريكية وقبلها الأممية بحسب الخطاب الرسمي الإيراني، وبالتالي يذهب أغلب إنتاج الغاز لصالح الاستهلاك الداخلي، فعلى سبيل المثال استهلكت السوق الداخلية في إيران ما يقارب 92%  من مجمل إنتاج الغاز في 2018، كما أنها صُنّفت كثالث أكبر مستهلك محلي للغاز الطبيعي على المستوى العالمي عام 2013، ما يدفع المؤسسات المعنية أحياناً إلى استيراد ما تبقى من حاجتها من الدول المجاورة مثل تركمانستان، وأذربيجان.

أما بالنسبة للتصدير، فتقوم إيران بتصدير الغاز الطبيعي عبر الأنابيب لبعض الدول المجاورة لها وهي أرمينيا وتركيا وأذربيجان، بنسب متواضعة لا تشكل رافداً مهماً للخزينة مقارنة مع النفط، وعلى ما يبدو أنها لا تتوقع أي مغانم من تصدير الغاز لجيرانها، فعلى سبيل المثال تقوم بتصديره لأرمينيا مقابل استيراد الكهرباء من هناك. إلا أن الأمر مختلف مع العراق الذي يستورد 10% من احتياجاته لتشغيل محطات توليد الكهرباء من إيران بعد قيام الأخيرة برفع حجم صادراتها من الغاز إلى العراق لتبلغ 5 ملايين متر مكعب يومياً في مطلع العام الجاري، إلا أن هذا الحجم لا يزال ضئيلاً بالنسبة للعراق وبالنسبة لمستويات التصدير حول العالم بشكل عام.

هذا الأمر - أي الحالة المتواضعة لصناعة الغاز الإيرانية – دفع المسؤولين في طهران إلى التوجه نحو تطوير عملية استخراج الغاز الطبيعي من خلال رفع السوية التقنية للعمل في عشرات الآبار الممتدة على طول الخريطة الإيرانية، لذلك كثّفت إيران جهودها للتعاون مع كل من روسيا وقطر في مجال الطاقة من ضمن عدة مجالات اقتصادية أخرى، وذلك لتوفير التكنولوجيا اللازمة لتحقيق استفادة أكبر من هذا المورد الهام.

وبحسب تصريحات المدير التنفيذي للشركة الوطنية الإيرانية للنفط، حسين منتظر تربتي، يبلغ إنتاج الشركة من الغاز 250 مليار متر مكعب سنوياً أي بما يعادل إنتاج أربعة ملايين برميل يومياً، وترافق ذلك مع تصريح وزير النفط زنغنه بأن إنتاج حقل بارس الجنوبي (أكبر حقل غاز طبيعي في العالم بسعة 50 تريليون متر مكعب) سيرتفع إلى 750 مليار متر مكعب مع بداية السنة بحسب التقويم الفارسي في 21 مارس 2021، بعد أن كان 250 مليار متر مكعب في 2012، وهذا يعني بشكل أو بآخر أن إيران لا تتوجه إلى إشباع السوق المحلية فقط وإنما التوجه أيضاً نحو زيادة صادراتها من الغاز.

وفي تاريخ 21 يناير 2021، أعلن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عن افتتاح أكبر مصفاة لاستخراج الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط بتكلفة بلغت 3.4 مليار دولار في محافظة خوزستان، وجاء هذا الإعلان بعد يوم واحد فقط من مغادرة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، للبيت الأبيض، في رمزية واضحة إلى أن الاقتصاد الإيراني ما زال قادراً على النمو وتطوير مجالات معينة على الرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة.

يعوّل المسؤولون في إيران على قيام إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، بتخفيف القيود المفروضة على قطاع الطاقة الإيراني من أجل العودة إلى السوق، والتي ستكون بحسب تصريحات زنغنه بـ "نَفَس قوي"، حيث من المفترض أن يبلغ الإنتاج الإيراني من براميل النفط والغاز المكثف 4.5 مليون برميل يومياً في مارس 2021، لكن لو افترضنا أن هذا سوف يحصل بسرعة، سيكون على طهران أن تدخل في عملية تنسيقية مع منظمي سياسة خفض الإنتاج في تحالف "أوبك+"، إلى جانب التفاهم  مع أصدقائها في مجال تصدير الغاز مثل روسيا وقطر وذلك من أجل الوصول إلى صيغة توافقية حول الحصص السوقية.

بشكل عام، وفي مواجهة العقوبات الأمريكية التي تشمل قطاع الطاقة الإيراني بطبيعة الحال، تعزَّز التوجه الرسمي لتطوير القطاعات غير النفطية في إطار سياسة "الاقتصاد المقاوم" التي أطلقها المرشد الأعلى، علي خامنئي، في 2012، وهذا ما تُرجم بـ 1.3٪ كنمو من أبريل وحتى سبتمبر 2020 مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقه، إلى جانب توقع صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي بانكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 5% مع نهاية عام 2020 في مقابل انكماش بلغ 6.5% عام 2019، وهذا ما يعني بأن التوجه إلى التصنيع والزراعة قد ساعد الاقتصاد الإيراني على الصمود ولو قليلاً تحت ضغط العقوبات وتداعيات تفشي فيروس كورونا، لكن هذا لا يعني أبداً بأنه لا يرزح تحت وطأة مجموعة من مشكلات هائلة من تضخم وبطالة وارتفاع مستويات الفقر إلى حدود كبيرة، وهذا ما يبين أنه وعلى الرغم من تنوع قاعدة القطاعات الإنتاجية غير النفطية، إلا أن جزءاً مهماً من الواردات ما زال يأتي من النفط وربما من الغاز في وقت لاحق.

 

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات