الوعي السياسي السوري في طور الانتقال: البنية والرهانات

يشهد العقل السياسي السوري تحولاً جذرياً بعد تغيير نظام البعث عام 2024، عقب عقود من الحكم الأمني والهيمنة الشمولية. وقد مثّل حراك 2011 تحولاً في الوعي الجمعي، عبّر عن رغبة في التحرر والمواطنة، لكنه اصطدم بردود سلطوية أعادت إنتاج منطق القمع. وفي ظل غياب إطار وطني جامع، تتباين المسارات بين تيارات القطيعة والمصالحة والمشاريع الدينية، بينما يبقى مستقبل سوريا مرهوناً بقدرة المجتمع على تجاوز الانقسام وبناء عقد اجتماعي جديد.

الكاتب ستراتيجيكس
  • تاريخ النشر – ٢٦‏/٠٨‏/٢٠٢٥

يمثل تغيّر النظام لحظة فارقة في الوعي السياسي السوري على مستوى الفرد والمجتمع، من حيث إعادة تعريف العقد الاجتماعي الناظم للعلاقة بين المجتمع والدولة، وعلاقة الفرد بالسياسة والدولة، وقيمته ضمن هذه المنظومة. يأتي ذلك بعد أن اختبر الفرد السوري مراحل حكم "حزب البعث"، التي اتسمت بالسلطوية، والمركزية، والهيمنة الأمنية، وتوظيف سوريا كجزء من الصراعات الإقليمية. وإن عملية قياس الانتقال في الوعي السياسي والوقوف عند تحدياتها وآفاقها تتطلب قراءة مظاهرها المتعددة، وازدواجية الخوف في ظل المرحلة الانتقالية ما بين عودة القمع والتطبيع معه، وبين مخاوف انهيار الدولة وانقسامها.

عقلنة الاستبداد (1970 - 2024)

امتدت حقبة حكم "حزب البعث" لقرابة 60 عاماً، وشهدت فترتين: الأولى خلال حكم الرئيس حافظ الأسد (1970-2000)، والثانية خلال حكم بشار الأسد الذي بدأ عام 2000 وانتهى بمغادرته البلاد بعد دخول المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق في 8 ديسمبر 2024، في مشهد سريالي ترك آثاراً عميقة في وعي الفرد والمجتمع، وخلف انقساماً داخله بين مؤيد ومعارض، وتبعته مجموعة معقدة ومركبة من التحديات التي تواجه الدولة والمواطن على حد سواء. فمنذ سبعينات القرن الماضي، أسس حافظ الأسد نظاماً سلطوياً قائماً على الهيمنة الشاملة للأجهزة الأمنية والعسكرية (المخابرات والجيش)، أدت إلى تغليب العقلية الأمنية الشمولية على الحقل السياسي الذي انحصر في حزب البعث. واستند خلالها النظام إلى ثلاث ركائز تمثلت في الاعتماد على ولاء الأجهزة الأمنية (خاصة في المناصب الحساسة)، والتحالفات مع نخب اقتصادية وطائفية منتقاة، وتوظيف الخطاب الأيديولوجي-الاشتراكي كغطاء شرعي للهيمنة، إذ رفع شعار المقاومة والتصدي لإسرائيل والغرب، وتبنى خطاباً قومياً عربياً اشتراكياً شكلياً بمساندة الاتحاد السوفييتي ثم روسيا لاحقاً. ومضى بعيداً في قمع أي معارضة، وقد ظلت أحداث بعينها جزءاً من الذاكرة السورية مثل مجزرة حماة 1982. أما من الناحية الاقتصادية، فبُني النظام على ريع الدولة الأمنية، حيث أُطلقت يد الأجهزة في السيطرة على الموارد والأنشطة الاقتصادية، مع سياسات اشتراكية شكلية تخللتها في التسعينات محاولات تحول نحو الليبرالية، لكنها بقيت شكلية وغير مؤسَّسة.

واستمر نظام الحكم على المرتكزات ذاتها بعد انتقال السلطة إلى بشار الأسد، بالرغم من محاولاته تقديم إصلاحات والسماح بانفتاح محدود الأفق والمُدة. فقد جاء حراك "ربيع دمشق" خلال العام 2001 بنتائج ثقافية، حيث تم اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008، لكنه ظل محدوداً على المستوى السياسي، دون تغيير في المقاربة الأمنية لإدارة الشأن السياسي. لكن التغير الحقيقي جاء اقتصادياً، حيث بات التحول نحو الرأسمالية أكثر وضوحاً، بعد صعود نخبة من رجال الأعمال المقربين من النظام، وفتح الباب أمام تطور القطاع الخاص القريب من السلطة، فيما ظل القطاع العام يعاني من الإنهاك ومظاهر تفشي الفساد والرشاوى. لكن شهد ذلك تحولاً هائلاً بعد عام 2011، ومواجهة النظام خطراً وجودياً، وحرباً استمرت لقرابة 14 عاماً، حولت الاقتصاد إلى ما يشبه اقتصاد الحرب، يقوده أمراء حرب، وتوسع خلالها الاقتصاد الأسود بشكل مفرط، خاصة تجارة المخدرات والكبتاغون، التي كانت تُدار من قبل النظام والفصائل الموالية لإيران، من بينهم حزب الله اللبناني. وامتدت تداعيات تلك الفترة على المستويين السياسي والاجتماعي، إذ هددت بجر البلاد إلى حرب أهلية وطائفية.

وبالمجمل؛ جاءت حقبة الستين عاماً السابقة بسمات مشتركة بين فترتي حكم حافظ وبشار الأسد، تمثلت في: أولاً، الهيمنة الأمنية المؤسسة، وذلك بالاعتماد على الولاء الشخصي على حساب الكفاءة، وتوريط النخب السياسية والاقتصادية في شبكات الفساد لضمان ولائها. وثانياً، الخطاب الطائفي المبطن، فبالرغم من الشعارات القومية، اعتمد النظام على توازنات مناطقية (مدن/أرياف) لتفكيك أي معارضة متماسكة. وثالثاً، المركزية المطلقة، التي حصرت اتخاذ القرارات الكبرى في الدائرة الضيقة حول الأسد، مع إضعاف ممنهج لمؤسسات الدولة لصالح شبكات المصالح الموازية. ورابعاً، تسييس الصراع الإقليمي، باستخدام الصراع مع إسرائيل والغرب كأداة لتعزيز الشرعية الداخلية وتبرير القمع الداخلي.

الوعي-السياسي-السوري-في-طور-الانتقال-البنية-والرهانات-in-1.jpg

 الوعي السياسي السوري في ظل النظام السابق

تشكل الوعي السياسي العام في سوريا، على المستوى الجمعي، في ظل بيئة امتازت بالهيمنة الأمنية والقمع. فقد مثّلت الأجهزة الأمنية، وعددها (18 فرعاً)، أداة للحكم وضبط الفضاء العام، بما ولّد لدى كثير من السوريين آليات نفسية وسلوكية اجتماعية معقدة للتعامل مع الواقع السياسي، تراوحت بين عقلية الضحية أو اعتماد الصمت كخيار لحفظ البقاء، أو الانكفاء إلى الحيز الشخصي والخاص (العمل، الأسرة) كملاذ من السياسة.

كما تبلور ذلك الوعي ضمن العقلية المحاصرة والثقافة السياسية السائدة، فقد عاش المواطنون تحت وطأة الخوف والقمع والاعتقال والتصفية الجسدية، في ظل ثقافة سياسية قائمة على الإكراه. إذ فُرضت الهوية السورية ضمن قالب بعثي موحد؛ ما أدى إلى فرض حالة الازدواجية في الخطاب السياسي (تعايش خطاب الولاء العلني مع الرفض السري)، وإلى غياب الثقة بالمؤسسات في ظل اقتصاد الريع الأمني (ولاءات عبر الامتيازات)، الذي أحال إلى تفشي نمط "الرعايا" الممتثلين لسردية النظام الواحدة المفروضة عبر التلقين الإعلامي والتعليمي، على حساب نموذج "المواطنين"، حيث تُختزل علاقة المجتمع بالدولة في الطاعة والولاء وليس في الحقوق. الأمر الذي حد من التنوع الفكري.

أما على المستوى الفردي، فقد سادت حالة من العزلة السياسية والانفصال عن السياسة عامة، باعتبارها مجالاً خطراً يجب تفاديه طالما لم يكن الفرد جزءاً من مؤسسات النظام وشبكة السلطة. وتراوحت المواقف الفردية بين أشكال من الولاء والمشاركة السياسية الشكلية عبر استفتاءات وانتخابات شكلية دون منافسة حقيقية، أو التعايش مع الوضع القائم باعتباره "الشر الأقل" قياساً على خطاب التهديد بالفوضى الذي روّج له النظام كبديل عنه، بينما لجأ أفراد وفئات محددة إلى ادعاء الولاء وممارسة الانتهازية السياسية والانخراط في شبكات الفساد كوسيلة للعيش.

ومن جهة أخرى، أسهمت فكرة الهوية الوطنية المفروضة من السلطة، والتي لم تكن ناتجة عن تعاقد اجتماعي ومواطنة متساوية، في دفع الأفراد إلى التمركز حول الهوية الجزئية أو الفردية الفرعية؛ كالطائفية والعشائرية؛ باعتبارها مصدر أمان في ظل غياب الحماية المؤسسية العادلة. وهكذا تحولت الانتماءات الضيقة إلى بدائل عن الانتماء الوطني؛ ما عمّق التفكك الهوياتي وأفقد الفرد فاعليته السياسية.

عام 2011: من الاستنزاف إلى تغيير النظام

مثّل العام 2011 لحظة فارقة في تشكّل الوعي السوري، حيث شكّل اللجوء إلى الشارع كسراً لجدار الرعب الذي ظل مهيمنًا على الحياة العامة لعقود. فلم يكن الحراك مجرد حركة احتجاج سياسي، وإنما عبّر عن تحول بنيوي في الوعي الجمعي؛ إذ برز بوصفه تمردًا نفسيًا واجتماعيًا على ثقافة الخوف ومنطق الخوف الذي رسخته الدولة الأمنية. وقد عبّرت شعاراته حول الحرية والكرامة والعدالة، مثلًا، عن قطيعة واضحة مع مفردات الهيمنة البعثية، وعكست خطابًا سياسيًا يتجاوز الاصطفاف الطائفي والهويات الضيقة، ويؤسس لتصوّر جماعي قائم على التضامن الوطني العابر للطوائف والمناطقية.

غير أن بوادر هذا التحول في الوعي الجمعي ما لبث أن اصطدمت برد سلطوي أعاد إنتاج منطق القمع الأمني، من خلال تأطير النظام للحراك الشعبي ضمن سردية الطائفية والفوضى، مستخدمًا خطابه "إما نحن أو الإرهاب والفوضى"، مما ساهم في تحويل الصراع من ثورة سياسية ذات مطالب جامعة إلى مشهد اقتتال أهلي متعدد الأبعاد. ومع هذا التصعيد، تحول الحقل السياسي إلى ساحة استقطاب قسري، اصطف خلالها السوريون ضمن ثلاثية: مؤيدين للنظام إما بدافع الخوف أو الانتماء الطائفي؛ ثوار رفعوا مطلب التغيير الجذري وإسقاط النظام؛ وغالبية صامتة تبنت موقفًا محايدًا أو رافضًا للعنف من الجميع.

لكن أحدث تغيير النظام بعد عقود من الحكم الأمني انتقالًا غير مألوف في المشهد السياسي السوري، وضع المجتمع أمام واقع جديد لم يكن مطابقًا للصورة التي طالما رسمها النظام حول مصير البلاد في حال سقوطه. ورغم أن هذا التحول لم يُنتج بعد بنية سياسية بديلة واضحة، إلّا أنه فتح المجال أمام طور انتقالي مغاير لا تزال ملامحه قيد التشكّل. وفي هذا السياق، يمرّ العقل السياسي السوري، على المستويين الفردي والجمعي، بمرحلة تختلف فيها السرديات وتثير معها تساؤلات متجددة حول السلطة والمواطنة، دون الاستقرار على رؤية جامعة، في واقع انتقالي تتكثف فيه عدة رهانات وتحديات.

على المستوى الجمعي، شكّل انهيار الدولة الأمنية بما تمثله من رموز وبُنى قمعية صدمة غير متوقعة لدى أغلبية السوريين، فمن جهة، برزت موجات من التفاؤل المبالغ فيه، خصوصًا لدى الفئات التي رأت في لحظة السقوط بداية لعهد ديمقراطي جديد تتجسد فيه قيم المواطنة والعدالة والحريات العامة، مقابل حالة من القلق والارتياب سادت في أوساط أخرى، إما بسبب الخوف من عمليات الانتقام الجماعي، أو نتيجة الهواجس من صعود الإسلام السياسي، أو نتيجة الاعتياد الطويل على الخوف والامتثال.

ونتيجة لذلك التباين، يُعاد تشكيل العقل السياسي الجمعي تحت وطأة ثقافة سياسية مشوّهة، لا تزال تهيمن عليها التفسيرات التآمرية كآلية دفاع نفسي لدى البعض، بينما يتجاذبها صراع غير معلن بين ذاكرة القمع ورغبة التماهي مع خطاب المصالحة والتغيير. وضمن هذا الفضاء، ينشغل السوريون في إعادة تعريف الهوية الوطنية على أسس جامعة وسردية توحيدية، تتجاوز الحزبية والطائفية، وسط تجاذب ثلاثة تيارات رئيسية، وهي: تيار ثوري يؤمن بضرورة القطيعة الجذرية مع النظام القديم، وتيار تصالحي يدعو إلى دمج الجميع دون إقصاء، وتيار إسلامي يسعى لبناء هوية سياسية دينية الطابع. وفي ظل هذا الانقسام الرمزي-السياسي، يشهد العقل الجمعي حالة توتر بين خطاب يرى في المحاسبة والعدالة الانتقالية شرطًا لتحقيق التماسك، وآخر يتماشى مع خطاب الانتقام. وهو توتر يتغذى من واقع غياب إطار وطني حقيقي جامع.

كما أن العلاقة مع الخارج تمثل تحديًا إضافيًا للعقل السياسي في طوره الانتقالي؛ إذ يتباين الوعي العام بين اعتبار الدعم الإقليمي والدولي ضرورة مرحلية لضمان الاستقرار والشرعية، وبين مخاوف من التبعية والوصاية السياسية، وهو ما يعكس تعقيد معادلة السيادة الوطنية في السياق ما بعد السلطوي وتبعاته.

الوعي-السياسي-السوري-في-طور-الانتقال..-البنية-والرهانات-in2.jpg

أما على المستوى الفردي، فيبدو أن التحولات أكثر توترًا ودقة، إذ يمر الوعي السياسي الفردي بمرحلة انتقالية تتراوح بين شعور نسبي بالتحرر، وبين بقايا الخوف المترسّخ من القبضة الأمنية لعقود. فقد أصبح من الممكن - نظريًا - التعبير عن الرأي والانخراط في النقاش السياسي العام، إلا أن رواسب القمع التربوي والنفسي لا تزال حاضرة، وتظهر في أشكال متعددة من التردد والرقابة الذاتية. حيث يعيش الفرد السوري اليوم حالة من "الأمل الحذر"، تتجلى في محاولات أولية لإعادة تعريف علاقته بالسياسة لا كخطر وجودي، بل كأداة للتغيير السلمي. وتبرز محاولات ملموسة في الانتقال في فهم المواطنة من اعتبارها الرعية الخاضعة للسلطة، إلى الجماعات المشاركة في بنائها ومساءلتها، مع إعادة تعريف مفهوم الولاء للنظام السياسي، لينتقل من الاصطفاف الطائفي إلى ولاء نقدي مشروط بقدرة السلطة الانتقالية على محاربة الفساد وتحقيق العدالة وتعزيز الحريات.

وعلى الرغم من قصر فترة المرحلة الانتقالية مقارنة بطول فترة حكم النظام السابق، يمكن التوقع أن ملامح التحول في العقل السياسي السوري ستتبلور في ثلاث موجهات رئيسية:

أولًا، مدى قدرة السوريين، أفرادًا وجماعات، على تجاوز ميراث القمع والطائفية وتأسيس إطار جامع لا يكتفي بالتسامح، وإنما يؤسس لمصالحة قائمة على المساءلة.

ثانيًا، أداء السلطة الانتقالية، بما يشمله من قدرة على تحقيق العدالة الانتقالية دون انتقام، وتفعيل إصلاح اقتصادي يخلق فرصًا حقيقية للعمل وإعادة الإعمار.

ثالثُا، إدارة العلاقة المعقدة مع الخارج بشكل متوازن للحفاظ على السيادة الوطنية، بحيث لا تتحول الحاجة إلى الدعم إلى ارتهان وقيود. 

آفاق التحول وحدود الممكن السياسي

استنادًا إلى ما سبق، يمكن القول إن التحولات التي يشهدها العقل السياسي السوري بعد تغيير النظام تنفتح على عدة احتمالات، ولا يمكن اختزالها بمسار واحد في ظل اختلاف المآلات الممكنة والتي لا تزال قيد التشكّل. هذه الاحتمالات تتفاوت بين الأمل بولادة مشروع سياسي جامع، وبين خطر الانقسام أو إعادة إنتاج أشكال جديدة من الهيمنة؛ وهو ما يجعل من المستقبل السياسي السوري مشهدًا مفتوحًا أمام رهانات مختلفة ومتضاربة، تتوقف على طبيعة الخيارات التي سيتخذها الفاعلون المحليون، والداعمون الخارجيون.

في أحد هذه المسارات، قد تنجح سوريا في تحقيق انتقال سياسي تدريجي نحو نظام ديمقراطي تعددي، يعيد تأسيس العقد الاجتماعي على أسس مدنية جامعة وعابرة للمكونات الطائفية والعرقية والمناطقية، وتحقق إصلاحات اقتصادية عبر شراكات إقليمية ودولية متوازنة. وفي هذا الإطار، يمكن للوعي السياسي السوري أن يعيد بناء نفسه من موقع يتجاوز ثقافة الخوف نحو أفق المواطنة والمشاركة.

في المقابل، يبقى احتمال التعثر قائمًا ومحتملاً، إذا ما دخلت البلاد في حالة من الاستقطاب داخل الائتلاف الحالي الحاكم، خاصة في حال تصاعد الصراع بين الإسلاميين المتشددين والمعتدلين، والأقليات التي تشعر بالخوف والتهميش، وهو سيناريو من شأنه إعادة إنتاج الهشاشة السياسية.

وفي حال غياب التوافق الوطني وافتقاد فرصة المشروع السياسي الجامع، ستبقى سوريا معرضة لاحتمال تشكل نظام محاصصة طائفية أو أحد أوجه الحكم اللامركزي مثل الكونفدرالية أو الفيدرالية.

ومن هنا، فإن تجاوز هذه المآلات لا يمكن أن يتم دون توافر ثلاثة شروط أساسية:

أولًا، وجود قيادة انتقالية تملك الحكمة السياسية وتوازن بين مطالب الثورة وضرورات الاستقرار لتجنيب المجتمع حالات الانتقام والانتقام المضاد.

ثانيًا، دعم خارجي فعّال يركز على بناء الدولة دون فرض وصاية أو تمرير أجندات.

ثالثًا، ضمان مشاركة حقيقية لكل مكونات المجتمع في العملية السياسية، دون إقصاء أو إعادة إنتاج لمنطق الهيمنة.

وأخيراً، في هذه المعادلة، إن تحققت، يمكن للعقل السياسي السوري أن يتجاوز تاريخًا طويلًا من التهميش والامتثال، ويبدأ ببناء هوية سياسية على مستوى الجمع، تعيد تعريف التعددية من منطق الأهمية والقبول، وتؤسس لفرد قادر على المشاركة والمساءلة، والانخراط في المجال العام بعد عقود من الصمت والإقصاء.

 

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات