رئيس مجلس أمناء ستراتيجيكس، حسن إسميك: الطريق الثالث هو الحل لوقف حرب "الكل ضد الكل" والانتقال إلى "عهد عربي جديد"
في حوار أجراه الإعلامي، محمود الورواري، على قناة الحدث مع رئيس مجلس أمناء مركز ستراتيجيكس للدراسات والبحوث، السيد حسن إسميك، قام الأخير خلاله بالإجابة على الكثير من الأسئلة المهمة التي قد تدور في الأذهان؛ منها ما يتعلق بدور الشباب في المجتمع، ودور القطاع الخاص والحكومي في حل المشكلات التي يعاني منها الشباب خاصة بعد أزمة "كورونا" وفي تنميتهم وتطويرهم للخروج إلى سوق العمل. بالإضافة إلى حديثه عن "طريق ثالث" من شأنه أن يكون خيارا وحلا أمام الأمة العربية حتى تخرج من مشاكلها وتنهض بنفسها وبشبابها إلى عهد جديد يخلو من النزاعات ومن حروب "الكل ضد الكل"، ويدعم الاستقرار والتنمية الشاملة في المنطقة.
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٢١/٠٦/٢٠٢٠
الورواري: سأناقش معكم هذه المخاطر، وهذه التخوفات، وهذا التشاؤم الذي طرحناه عليكم سابقاً؛ مع ضيفي وهو مدعاة للتفاؤل لأنه واحد من الشباب الذي بطاقته وعمله استطاع أن يكون واحداً من أنجح رجال الأعمال في منطقة الشرق الأوسط. ينضم معي الآن عبر سكايب الأستاذ، حسن إسميك، رئيس مجلس أمناء مركز STRATEGIECS للدراسات والبحوث.
الورواري: السيد حسن، أهلا بك. أنت صورة مشرفة للشباب، وتقدم لهم نوعاً من التفاؤل بأن كل شيء وارد ومن الممكن تحقيقه.
الشباب خائفون من تداعيات أزمة "كورونا" ومما قد يترتب عليها من آثار سلبية كتزايد البطالة وغيرها؛ فما هو تقديرك لهذه المخاطر، أستاذ حسن؟
إسميك: مساء الخير دكتور محمود، ومساء الخير لزملائك الكرام، ولجميع العاملين في قناة الحدث.
في الحقيقة عندما أتحدث عن الشباب؛ فإنني أشير إلى الحيوية والنشاط والتجديد والانبعاث، فالشباب - كفئة عمرية - هم معيار أو مقياس لطاقة أي مجتمع؛ لتحديد ما إذا كان مجتمعاً فتياً أم هرماً. فالاهتمام المستمر بهم هو الذي سيحافظ على الشباب الدائم في المجتمعات، وعندما نقول: إن الشباب هم الحاضر والمستقبل؛ فهذا ليس قولاً شاعرياً أو عاطفياً، بل هو حقيقة تنبهنا إلى أن حماية المستقبل لا تكون إلا برعاية الحاضر؛ والشباب هم هذه الطاقة الكبيرة التي إذا لم يتم توجيهها بالشكل الصحيح فإنها ستتوجه حكماً نحو مسار خاطئ. ولا يمكن لطاقة الشباب أن تبقى طاقة محايدة أو ساكنة؛ فهذه الطاقة الكبيرة والعظيمة موجودة في جميع الدول العربية التي تتصف بأنها فتية وشابة؛ فمثلاً في السعودية، يمثل الشباب - ممن أعمارهم دون الـ 35 عاماً - ثلثي السكان؛ أي ما نسبته 67% من المجتمع. وجميع الدول العربية تتشابه فيما يتعلق بذلك. فإذا لم نحسن الاستفادة من طاقات الشباب وتوظيفها بطريقة فعالة ومنتجة؛ فإن مجتمعاتنا ستعاني من عدم الاستقرار، وجميعنا نلاحظ بأن من يذهب إلى ساحات الاحتجاجات هم من الفئة الشابة؛ لذا فإن الاهتمام بهم مهم جداً.
الورواري: إن هناك 8 مليون شخص عربي مهددين بالفقر والجوع، وهناك 2 مليون شخص مهددين بإمكانية أن يفقدوا وظائفهم.
من هنا؛ وحتى لا يكون هناك بطالة، وحتى لا يُجبر الأفراد على ترك وظائفهم؛ ما هو دور القطاع الخاص الذي تمثله كرجل أعمال شاب ناجح لا يقتصر نجاحه فقط على الدول العربية وإنما ناجح أيضاً في منطقة الشرق الأوسط، وما هو دور القطاع الحكومي، وماذا ينبغي على الحكومات أن تفعل لتجنب مثل هذه التداعيات؟
إسميك: في الحقيقة، أنا أشرت إلى ذلك في عدة مقالات كتبتها حول أزمة "كورونا". نعم إن أزمة "كورونا" هي "محنة" شديدة ولكن ينبغي علينا تحويلها إلى "منحة"، على الأقل يمكن اعتبارها فرصة تنبهنا إلى أخطاء السنوات السابقة مثل الأخطاء المتعلقة بـ: غياب الأمن الوظيفي، وغياب البرامج الاجتماعية الفعالة.
باعتقادي؛ إن هذه الأزمة قد أثرت على منطقتنا كثيراً، ولكن علينا أن نعترف بأن الشباب بالأصل - أي قبل أزمة كورونا - كانوا يعانون بشكل كبير من الإهمال وغياب الرؤية الواضحة والفرص؛ لذا تجد أن جزءاً منهم سلبي ولو قليلاً، وهنا أريد الإشارة إلى ضرورة بث الأمل في نفوسهم حتى يتمكنوا من النجاح والتطلع إلى المستقبل بإيجابية، ويجب أيضاً أن يكون لديهم أهداف واضحة لأن المشكلة في الوطن العربي أن أغلب الشباب ينتظرون الوظائف الحكومية التي أصبحت حقيقة مدمرة للتفكير والطموح، بينما عندما تتحدث مع الشباب في الدول المتقدمة فإنهم يجيبونك بأنهم يريدون أن يكونوا في مستوى معين، ويريدون أن يغيروا العالم في هذا المجال أو ذاك، وينبغي - باعتقادي - التركيز أكثر على التزام القطاع الخاص بالمسؤولية المجتمعية وتحميله المغرم مقابل استفادته من المغرم - كما يقال - فالأعمال لا تنجح إلا في ظل مجتمع آمن ومعافى، والحمد لله مجتمعاتنا فيها أمن، ولكن على القطاع الخاص أن يرد الجميل للمجتمع الذي نجح فيه ومن خلاله طبعاً.
الورواري: في الحقيقة، إن هناك نقطة مهمة تتعلق بمسألة أخبرني بها أحد رجال الأعمال ذات مرة؛ حيث قال: "إنه طرح إعلاناً على وظيفة ما؛ فتقدم له آلاف من طالبي العمل، لكنه في النهاية لم يجد ما يريد؛ لأنه رأى وقتها أن الكفاءة معدومة"؛ فهل فعلاً أنظمتنا ومشاريعنا التعليمية في الجامعات العربية تُخرج موظفين ليسوا على مستوى جيد من الكفاءة؟ وهل يعني ذلك أن هناك فجوة بين التعليم وبين بيئة العمل؟
إسميك: اسمح لي بداية بالقول: بأن هذا السؤال هو على مستوى بالغ من الأهمية. وإن إجابتي هي "نعم" عليه.
إن الخطوة الأولى التي أنصح بها، تبدأ بتحرير الجامعات والمعاهد من حالة الانغلاق والانعزال التي تعيش فيها، وتشجيعها على الانفتاح على عالم السوق المطلوب؛ باختصار أستاذ محمود، أي العمل على هدم تلك الأسوار التي تفصل الجامعة عن السوق والمجتمع. أقصد هنا، التوفيق خلال عملية التعليم بين النظرية والتطبيق.
أما الخطوة الثانية فهي العمل على تشجيع أرباب سوق العمل ورؤوس الأموال على الاستثمار في التعليم من خلال البرامج التي باتت معروفة عالمياً؛ والتي تقوم على تبادل المصالح بين السوق والتعليم. وعلى القطاع الخاص أيضاً أن يقدم المنح التعليمية بسخاء كبير، وأن يرعى المشاريع الأكاديمية، وأن يسخى في تمويل الأبحاث والدراسات التي ترتبط بالعمل أيضاً، بالمقابل فإن على الجامعة أن تقبل مشاركة السوق لها في وضع الأهداف التعليمية التي تتناسب واحتياجات سوق العمل، وتحليل التخصصات التعليمية المطلوبة؛ وهذا يفتح المجال لخلق وظائف أكثر اختصاصية؛ مما يؤدي إلى خفض نسبة البطالة في صفوف الشباب، وعلى الجامعة أيضاً أن تقوم بوضع البرامج والخطط، وتنظيم عوامل التحفيز للمتعلمين والمعلمين؛ كالجوائز والمكافأت والمعارض العلمية وغيرها من الأنشطة.
إذا حضرتك تقول: إن الشباب لا يمتلكون المؤهلات الكافية؛ فإنني أقول لك: "نعم للأسف" فنسبة ليست بقليلة منهم هي غير مؤهلة، ولكن أنا لا أقول: إنه يجب إلقاء اللوم على شباب الوطن العربي فيما يتعلق بذلك، بل على الجامعات التي تخرجوا منها، وعلى المواد التي درسوها والتي أصبحت متأخرة عن التطور العلمي الهائل الذي يحدث في عالمنا اليوم، وبالرغم من كل ذلك أستاذ محمود فإنني أعتقد أن أغلب الشباب العربي مؤهل للانخراط في سوق العمل مثله مثل بقية الشباب في العالم.
الورواري: أنت واحد من هؤلاء الشباب يا أستاذ حسن، من هؤلاء الشباب الذين تخرجوا من الجامعات العربية وعانوا من نفس المشكلات التي يعاني منها الشباب العربي؛ لكن الحمد لله أنت ناجح، وتعد من رجال الأعمال الناجحين، ونرجو من الله أن يوفقك أكثر وأكثر؛ وهنا ماذا تقول؟ وبماذا تنصح الشباب؟ أعطنا جرعة أمل وتفاؤل.
إسميك: أعتقد أستاذ محمود أن أغلب الشباب العربي مؤهل للانخراط والنجاح في سوق العمل مثله مثل بقية الشباب في العالم. إن الشباب دائماً متحمسون ونشطون ومقبلون على الحياة وراغبون بالإنجاز فقط، إذا ما قمنا بتطوير أنظمتنا التعليمية وبالإنفاق عليها أكثر. هذه نقطة حاسمة في التغير نحو مستقبل إيجابي؛ لذا فإنني لا أقول: بأن الشباب غير مؤهلين؛ بل تنقصهم المهارات والخبرات التي تساعدهم على الانخراط في سوق العمل أو في القطاع الخاص، وتنقصهم المهارات الفردية أيضاً والخبرات المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال، إلى جانب ما يمكن تسميته بـ "المهارات التخصصية" التي يحتاج إلى أن يكتسبها الشباب من جميع القطاعات.
الورواري: لفت نظري كلامك حول أنه لا يمكن أن يكون هناك نهوض بأي مشكلة تتعلق بالشباب إلا إذا كان هناك نهوض بالمشكلة الأكبر؛ وهي الأمة العربية. ولفت نظري أيضاً مقالك الأخير الذي تتحدث فيه عن "طريق ثالث" الذي إذا ما انتهجه العالم العربي؛ فربما يكون طريقاً للخروج؛ فما هو "الطريق الثالث" الذي من الممكن أن يكون نهوضاً للأمة العربية وللشباب أيضاً؟
إسميك: إن هذا المصطلح، أورده كاتب سويدي معروف بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؛ أي قبل (20 – 30) عاماً. "الطريق الثالث" بكل بساطة هو طريق الوسط أو الخيار الثالث الذي يجمع دول المنطقة ويكون بديلاً عن تفرقها ونشوب العداوات بينها، وهو مشروع سياسي اجتماعي تنموي يتطلب من جميع الأطراف المشاركة - كل بحسب استطاعته وقدرته – العمل على تحقيق أقصى درجات من تبادل المنفعة وحماية المصالح، ولعله يكون هو طريق تحقيق السلام الدائم في الوطن العربي؛ خاصة بعد موجة العنف والحروب التي نعيشها اليوم في أكثر من منطقة عربية، وهو أيضاً طريق سلام وتفاهم حول الشأن العربي الإسرائيلي الذي يمكن من خلاله إغلاق هذا الملف الذي كلف العرب كثيراً، وحرم منطقة الشرق الأوسط من الاستقرار والتنمية لعقود كثيرة؛ لذا فـ "الطريق الثالث" هو دعوة لإعادة التفكير في مشكلاتنا، ولإيجاد حلول لها بطريقة جديدة تختلف عن الطرق السابقة التي لم يتفق عليها العرب بحيث اختلفت مساراتهم دائماً، واتجهت في طرق متعارضة، وكان سببها أننا خسرنا العراق ولبنان لصالح دول إقليمية، بالإضافة إلى ما يحدث اليوم في ليبيا واليمن؛ ولن نتمكن من استعادة هذه الدول إلا ونحن مجتمعين، ونأمل بأن يكون "الطريق الثالث" هو مشروع لتوحيد طريق العرب، ولتحقيق أحلامهم ورؤاهم في التقدم والسلام والاستقرار، مع التأكيد على أن هذا الطريق لا يستبعد أي مكون من مكونات المنطقة؛ وهذا ما يستوجب - كما قلت - سلاماً حقيقياً يُنهي حقبة الصراع العربي الإسرائيلي، وهنا أدعو الإخوة الفلسطينيين إلى أن يفكروا بطريقة عقلانية وبرغماتية في تعاطيهم مع الحل السياسي للقضية الفلسطينية، وبعيداً عن العاطفة، فإن "الطريق الثالث" يمكن أن يكون هو مفتاح السلام الجديد والحل لوقف استنزاف الثروات، وللتخلص من الفوضى والإرهاب، ومن عهد حرب "الكل ضد الكل"، لننتقل بعدها إلى "عهد عربي" نتطلع من خلاله إلى حالة من الاستقرار لتحقيق تنمية شاملة اقتصادية واجتماعية وعلمية.
الورواري: أتمنى ذلك في الحقيقة، أستاذ حسن. حاولنا معك أن نقدم للشباب رؤية مهمة جدا بأنه لا يوجد مستحيل، وبأن كل إنسان يصنع فرصته بنفسه، وأنت كنت نموذجاً لهؤلاء الشباب. أشكرك أستاذ حسن إسميك، رئيس مجلس أمناء ستراتيجكس للدراسات والبحوث؛ وهو واحد من مراكز الأبحاث المهمة.