عودة "داعش" إلى العراق: المحفزات والعقبات
تقيم هذه القراءة أهم عناصر القوة والضعف ذات الصلة بقدرات "داعش" في العراق، كما تستشرف سلوك هذا التنظيم الإرهابي وما إذا كان قادراً وراغباً في التمدد من جديد على غرار تمدده السابق في منتصف 2014.
الكاتب ستراتيجيكس
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٢٢/٠٢/٢٠٢١
بعد فترةٍ من الهدوء النسبي، تمكنت مؤخراً خلايا تكتيكية تتبع لـ "داعش" من تنفيذ عدة عمليات في ساحته الرئيسية: العراق-سوريا. ففي العراق تكثفت التحركات الإرهابية في المنطقة المعروفة باسم "مثلث الموت" الواقعة بين محافظات كركوك ونينوى (الموصل) وصلاح الدين، ناهيك عن تمكن انغماسيَيْن اثنيْن من التسلل إلى منطقة تجارية وسط العاصمة بغداد؛ حيث أوقعا قرابة 35 قتيلاً وأكثر من 110 جرحى.
أما في سوريا، فقد باغتت شبكات منظمة من الإرهابيين نقاطاً ثابتة ومتحركة للجيش السوري في نطاق دير الزور – تدمر، متخذة من الصحراء قاعدة لعملياتها الخاطفة بعيداً عن الرصد الأمني والعسكري.
وهذه الموجة الجديدة من تفشي الإرهاب لم تفاجئ المحللين الأمنيين، لا بل تتوقع بعض مراكز الدراسات - مثل مركز دراسات الحرب في تقريرٍ نشره في يوليو 2019 - أن استعادة "داعش" لعافيته ستكون أسرع وأخطر من استعادته لعافيته التي أعقبت انهيار "الدولة الإسلامية في العراق" بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. ففي عام 2011، تراوحت أعداد ما تبقى من هذه الجماعة الإرهابية ما بين 700-1000 مقاتل، في حين يصل عددهم في هذه المرحلة - وفق تقديرات وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية - إلى قرابة 30 ألف إرهابي مدججين بخبرات عسكرية وأمنية وإدارية اكتسبوها من "خلافتهم" السابقة.
ورغم تهاوي قدرات الكيان الإرهابي عام 2011، إلا أنه استطاع النهوض من جديد؛ حيث امتدت سيطرته السكانية إلى مساحات واسعة من العراق وسوريا في منتصف عام 2014.
تستعرض هذه الورقة عناصر القوة والضعف التي يمتلكها "داعش" في محاولة للإجابة على التساؤل التالي:
هل ستتمكن هذه الجماعة الإرهابية من التمدد مرة أخرى على طول الحواضن الهشة في العراق؟
تقييم "حقيقي"
لربما بالغت الإعلانات الرسمية الدولية التي احتفت بسقوط "داعش" بعد تجريده من كل الأراضي المأهولة بالسكان التي كانت ترزح تحت وطأة سلطته، ولذلك تقتضي الدقة الموضوعية والعملية الإعلانَ عن انتهاء المرحلة الأولى من دحر الإرهاب، وهي المرحلة التي تتم بالوسائل العسكرية؛ ما يجعل منها المرحلة الأسرع والأكثر وضوحاً من المرحلتين التاليتين.
أما في المرحلة الثانية، تبدأ عملية تتبع الجيوب الإرهابية بالوسائل الأمنية التي تتطلب كشف مكامن التهديد الإرهابي، كما تتطلب هذه المرحلة البدء بعملية إعادة إعمار شاملة في الأبعاد الاقتصادية والسياسية والمجتمعية دون إقصاء طرف أو تهميشه، وهذه المرحلة متداخلة مع المرحلة الثالثة التي تُعتبر أطول وأعقد مراحل المواجهة، وفيها يتم هزيمة الإرهاب فكرياً وسلبه من عوامل الجذب المرتكزة على فهم قاصر لنصوص دينية جرى تأويلها من قبل منظري التطرف لخدمة مآرب تدميرية.
ويُظهر التقييم الميداني لواقع "داعش" في العراق وسوريا أنه لم ينهزم إلا في المرحلة الأولى فقط، فأمام الحكومات المعنية والمجتمع الدولي برمّته مسار طويل لمعالجة الخطر الإرهابي من جذوره بشكل تتظافر فيه كافة الأدوات الأمنية والتنموية والفكرية اللازمة، فما يجري الآن لا يعكس جهداً لاستئصال "الإرهاب" وإنما فقط عملية لاحتوائه وتقليص مكامن الخطر والإبقاء عليه تحت السيطرة.
وقد زادت جائحة كوفيد-19 من الأعباء التي تواجهها بغداد، إذ تم تركيز الجهود على مواجهة التبعات الصحية والاقتصادية لتفشي الفيروس، وتراجعت أولوية مواجهة الإرهاب. كما أن التدابير الوقائية المتخذة من قبل أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية أسهمت في تخفيف القبضة الأمنية مما خلق ثغرات استغلتها الخلايا "اليقظة" "للتنظيم" الباحث عن إعادة تنظيم صفوفه.
وللتدليل على هذه الملاحظة المتمثلة في "محاصرة الإرهاب لا القضاء عليه" يمكن الإشارة هنا إلى العوامل التالية التي تزيد من مخاطر وقوع موجة ثانية من الإرهاب "الاحتلالي" في العراق:
1. فشل سياسات الإدماج – التي يُفترض أن تنتهجها بغداد بكثافة – في بلورة هوية وطنية جامعة تتجاوز الهويات الفرعية الطائفية والمناطقية، ناهيك عن شعور قاطني المناطق السنية الشمالية بالتهميش المتعمد والإقصاء التنموي بصورة تشابه ما كان سائداً في المرحلة التي تلت انهيار "الدولة الإسلامية في العراق" في أواخر العقد الأول من هذا القرن.
2. النزاعات السياسية المحلية بين النخب العراقية، وتضارب توجهاتها حيال قضايا داخلية وإقليمية، وهو ما ينعكس بدوره على حالة عدم الاستقرار السياسي التي تجلت بوضوح في عامي 2019-2020 باستقالة حكومة عادل عبد المهدي وسط احتجاجات شعبية واسعة في بغداد والجنوب العراقي، وتعذّر التوافق وقتها على تكليف شخصية لرئاسة الوزراء لفترة زادت عن أربعة أشهر - تم فيها ترشيح شخصيتين - إلى أن نال الكاظمي ثقة البرلمان العراقي.
وبالطبع، تظل مسألة رفع التمثيل السياسي الشعبي في البنية الرسمية متطلباً سابقاً لعدم انضمام فئات مجتمعية إلى بنى غير رسمية التي عادةً ما تكون توجهاتها وأهدافها صدامية مع الدولة، والتي يمكن أن يتسلل من خلالها الإرهاب مرة أخرى، مما يضع النخبة العراقية أمام مسؤوليات جسام لردم فجوة الثقة مع أطياف متعددة من الشعب، فالمواطن في دولة القانون والمؤسسات يشعر بالدرجة الأولى بأنه جزء من دولة توفر له متطلبات الحياة، ولذلك لا يلجأ إلى كيانات بديلة تُروّج للقيام بوظيفة "الدولة".
3. حيازة "داعش" لاحتياطات مالية ضخمة، سواء كسيولة نقدية أو احتياطات من الذهب كان قد استولى عليها من البنوك في العراق. كما تقوم هذه الجماعة الإرهابية بتغذية إيراداتها من عمليات "خطف-فدية" والحصول على تبرعات خارجية.
وقد أسهمت الاستراتيجية الدولية في تجفيف منابع الإرهاب المالية، ولكن لا يزال "داعش" يمتلك الوسائل للتحايل والالتفاف على الرقابة الدولية، فمثلاً يتردد أن العملات الرقمية تُعتبر ملاذاً آمناً للعمليات الخارجة عن القانون، بما فيها الإرهاب.
4. معضلة السلاح المنفلت وسهولة الحصول على أسلحة متوسطة في الأسواق المحلية السوداء، ولا يقتصر هذا الأمر على السلاح الذي لا يزال بحوزة التنظيمات المصنفة عراقياً على أنها إرهابية بل يمتد أيضاً ليصل إلى بعض تشكيلات الحشد الشعبي التي ترفض الخضوعَ لتعليمات حصر وضبط السلاح ضمن هياكل الجيش والأمن.
فمثل هذه التشكيلات تزيد من ضبابية المشهد الأمني إذا ما واصلت نهجها في التحرك خارج إرادة بغداد الرسمية. في المقابل قد تتولد من جديد النزعة المجتمعية - لدى القبائل السنية - في الانخراط في وحدات عسكرية غير رسمية أسوةً بالحشد الشعبي، مما قد يخلق الحاجة "السنية" لإعادة بناء "داعش" آخر للدفاع عن النفس من تهديدات متصورة.
5. تكيف "داعش" مع الوضع الجديد تكتيكياً وإدارياً؛ فعلى المستوى التكتيكي كشف عن استعداده المسبق لاستخدامه أسلوبَ حرب العصابات والعمليات الخاطفة الهادفة إلى استنزاف قوات "العدو" والحفاظ على سمعته الجهادية رغم حالة الكمون التي يمر بها.
وأثبت براعته النسبية في هذه الوضعية الهجومية التي تتيح له ميزة تفضيلية في تحديد ساعة الصفر، وهو بذلك يمتلك عنصر المفاجأة والمباغتة على امتداد رقعة جغرافية واسعة تجعل من الصعب على الأجهزة الأمنية رصد العملية القادمة وإحباطها.
ويُجمع الخبراء العسكريون على أن التنظيمات الإرهابية تستطيع الصمود في حروب العصابات أكثر بكثير من الصمود في الحرب التقليدية القائمة على الدفاع عن أراضي مأهولة بالسكان، لما تتطلبه هذه الحرب من إمدادات لوجستية مستدامة وتوظيف لأركان عسكرية متكاملة، براً وجواً وبحراً وسيبرانياً.
أما على المستوى الإداري، فقد انتقل "داعش" إلى النمط اللامركزي في الحكم، بتفويض القيادات الميدانية من الصف الثاني لاتخاذ ما يلزم من قرارات، فبتخلص هذه الجماعة الإرهابية من عبء الإدارة السكانية؛ تمكنت من التحرر من بعض القيود في بنيتها الداخلية، كما تخلصت نسبياً من عبء إدارة ولاياتها الخارجية بصورة مركزية، فلم تعد "القيادة" مسؤولة عن الأمور المالية والتجنيدية في هذه الولايات.
وهذا التكيف على المستويين التكتيكي والإداري يمنح "داعش" المرونة في الاستجابة لمتطلبات بقائه كتهديد مزمن في انتظار "اللحظة المناسبة" لتمدده أو تعميق مكاسبة المادية والأيديولوجية.
6. هشاشة الأمن على الحدود؛ إذ كشف مسؤولون في الحشد الشعبي أن الموجة الحالية من العمليات الإرهابية قامت بها عناصر قدِمت من سوريا ولم يتسبب بها إرهابيون متواجدون في العراق قرروا استئناف نشاطهم من جديد. وتُظهر خريطة الانتشار العسكري في أقصى الشرق السوري المحاذي للحدود العراقية تعدُّدَ الجهات التي تفرض سيطرتها على هذه المناطق الحدودية، فشمالاً تسيطر قوات كردية مدعومة أمريكياً، أما جنوباً فتمتلك الولايات المتحدة عبر قاعدة التنف العسكرية نفوذاً أمنياً واسعاً، في حين تتنازع عدة أطراف للسيطرة في المناطق الوسطى الصحراوية لا سيما في تدمر ودير الزور والبوكمال.
يرجع هذا التداخل إلى الأهمية الحيوية للحدود السورية العراقية، فهي حلقة وصل ما يُطلق عليه "الهلال الشيعي" الممتد من إيران مروراً بالعراق وسوريا ووصولاً إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط في لبنان. ولذلك سيظل هذا النطاق الحدودي خاصرة رخوة وقاعدة خلفية للنشاط الإرهابي إلى أن يتم بلورة حل سياسي لأزمات المنطقة المتعددة.
7. غياب برامج عملية تهدف إلى "توعية" الأطفال الذين تلقوا تعليماً متطرفاً في مرحلة عمرية مبكرة إبان سيطرة "داعش" على محافظات عراقية، فلا يخفى على المطّلعين على الأنشطة الإعلامية "الداعشية" إبرازها لدور "أشبال الخلافة" كمخزن بشري مستقبلي يدعم التمرد القادم.
وحتى الآن، لا يزال بعض من هولاء الأطفال في مراكز إيواء تضم نساءً ورجالاً تشبعوا الفكر المتطرف، فُيقال أن مخيم "الهول" المقام في مناطق السيطرة الكردية تحوّل إلى بلدة "داعشية" من حيث خضوع المقيمين فيه لأسلوب حكم يفرضه إرهابيون، أو من حيث تمويل "نساء داعش" اللواتي يواصلن أعمالهن بصورة خفية في خدمة أهداف ومصالح هذه الجماعة الإرهابية.
وتضم مراكز الإيواء والسجون أفراداً من جنسيات أجنبية ترفض دولهم عودتهم لأسباب أمنية وقانونية، فمثلاً شرعت بعض الحكومات في إسقاط الجنسيات من مواطنيها الذين انخرطوا في أنشطة عملياتية إرهابية، وهؤلاء الفاقدين لجنسياتهم والممنوعين من العودة لدولهم الأصلية ليس أمامهم سوى السجن أو الهرب نحو الإرهاب من جديد.
كمون مؤقت أم اندثار؟
إن ما سبق لا يعني عودة حتمية لتمدد الإرهاب في العراق، فكثير من العوامل تُضعف من قدراته وتحول دون تمكنه من تحقيق غاياته القصوى، ومن أبرز هذه العوامل:
1. عوامل مجتمعية: قد يكون البند السابق سلّط الضوء على عناصر القوة المحلية التي لا يزال يمتلكها "داعش"، ولكن في عمق هذه العناصر يكمن عامل يهشم من إمكانية تقبُّل السكان الخضوعَ للحكم الدموي بعد أن أثبتت التجربةُ الحقيقةَ العمليةَ المزيفةَ التي تستتر خلف الأيديولوجيات البربرية، فقد صُدم المتعاطفون والمؤيدون للرواية "الداعشية" بعد بضعة أسابيع من الوقوع تحت سيطرتهم، فلم تكن "الدولة" عادلة ولم "تحقن دماء المسلمين"، كما ادعت أدبياتها.
إلا أن هذه السردية العقائدية المتمثلة في أسطورة الخلافة لم تنهار بعد في أذهان المتطرفين، فوفقاً للتفكير الاستراتيجي الكلاسيكي؛ إن الهزيمة الحقيقية ليست على الأرض وإنما في إدراك الخصم بأنه قد هُزم وليس بمقدوره الانتصار، مما يجعله غير راغب في التفكير بمسألة القتال في جولة أخرى. ومن الصعب التكهن بتحقيق مثل هكذا نصر على المتطرفين ذوي المراس الصعب.
2. عوامل تكتيكية: تعاني الجماعات الإرهابية من غياب قياداتها الميدانية والأيديولوجية بسبب قتلهم أو سجنهم؛ مما خلق فراغاً في القيادة لم يتم شغره كما في السابق، وهو ما يُلقي بظلاله على مدى تماسك "داعش" وقدرته على لم شمل أعضائه تحت قيادته اللامركزية.
في المقابل، اكتسبت القوات العراقية خبرات عملية متراكمة في خضم جهودها لدحر الإرهاب تجعلها أكثر يقظة واستعداداً للاستجابة لمختلف التهديدات الطارئة، فما جرى من انهيار متسلسل لأجهزة الدولة في منتصف 2014 أمام غزو الإرهابيين؛ تحوَّل إلى درس صعب كشف عن أوجه قصور - تم معالجة ما أمكن منها.
3. عوامل دولية: بالغت بعض التقارير في ربطها بين تغير الإدارة الأمريكية وبين الموجة الأخيرة من الإرهاب، ملمحةً - وأحياناً مصرّحةً - بوجود تزامن وليس تصادف بين الحدثين. وينطوي هذا الرأي على مغالطات عدة تتبنى نظرية "المؤامرة" لتفسير الظاهرة "الداعشية".
بكل تأكيد، ثمة مسببات إقليمية ودولية أسهمت في تمدد "داعش" عام 2014، ولكن هذه المسببات لم تكن مباشرة في معظمها، وإنما أدى الاقتتال الإقليمي إلى حالة من الانهيار الأمني الذي استغلته القوى الإرهابية، ولم تكن تتوقع معظم الجهات الدولية أن تسفر عملية دعمها لهذا الطرف أو ذاك عن تشكيل "الفرصة المثالية" لقيام "حكم دموي همجي" يحاكي ما كان سائداً في القرون الوسطى.
وعليه، يمكن افتراض أن الدول المؤثرة ستسعى إلى تجنب تهيئة الظروف الملائمة لعودة الإرهاب الاحتلالي من جديد، وذلك بسبب العواقب الوخيمة التي أحدثها "داعش" على السلم الإقليمي والدولي، فالتوجهات الخارجية حيال الشرق الأوسط في هذه المرحلة تتفق على عدم إمداد أي تشكيل غير رسمي بالسلاح، حتى لا تتسرب هذه الأسلحة إلى "الأيادي الخطأ" كما حصل في فترة سابقة.
يضاف إلى ذلك أن ولادة "داعش" جاءت في لحظة قصوى من الاضطراب على أكثر من صعيد، فالعراق وسوريا كانتا منهكتين بالتوترات المجتمعية، وكانت الحرب "الباردة" على أوجها بين قوى الإقليم الرئيسية. أما الآن فالمشهد أقل ضبابيةً وأكثر وضوحاً، كما أن معظم الدول ترغب في تسخير إمكانياتها للأولويات الداخلية المتصلة بالتعافي من تداعيات تفشي فيروس كوفيد-19، وهي بذلك لم تعد تملك رفاهية الدعم المالي والأمني لجهات خارج حدودها.
وفي هذا السياق، يتعين على إدارة بايدن معالجة القضية النووية الإيرانية بصورة لا تثير غضب دول إقليمية منافسة لإيران، لأن ذلك قد يتسبب بردّات فعل ذات طابع سياسي تُعمّق من "تضاد" المواقف وتقضي على إمكانية بلورة توافق إقليمي على الخطوط العريضة، وهو ما قد يزيد من الثغرات التي يمكن أن تتسلل من خلالها القوى الإرهابية مرة أخرى.
وخلاصة القول؛ لا تزال الساحة العراقية خصبة لترعرع الإرهاب، مما يستدعي مزيداً من الخطوات الرسمية لتمتين الجبهة الداخلية لا سيّما وأن البلاد مقبلة على انتخابات تسعى القوى المعتدلة من خلالها إلى أن تكون ممثلة عن الطيف السياسي العراقي.
فمن شأن تحقيق مزيد من الاستقرار السياسي والأمني أن يدفع قدماً مخرجات الحوار الاستراتيجي الذي شرعت به حكومة الكاظمي مع واشنطن، بما يقود إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من خفض للقوات الأمريكية، وتنظيم السلاح غير المنضبط الذي تحوزه بعض الجماعات المقربة من إيران؛ فأي انسحاب للقوات الأجنبية وأي تقييد لهذه الجماعات يرتهن بتقدير الحكومة في "أن الأمن مستتب ولا حاجة لدعم من خارج هياكل الدولة".
وبعد هذا الاستعراض لمجمل الظروف المتصلة بالملف الأمني العراقي، لا يُتوقع أن يسعى العقل المركزي للإرهاب إلى سيطرة سكانية احتلالية جديدة، بسبب الصعوبات التكتيكية التي تعتري هذه السيطرة، ولأنه بذلك يحشّد قوى دولية وإقليمية لمحاربته.
ولكن يُتوقع أن يستمر الإرهاب ممثلاً بـ "داعش" في الظهور بين الفينة والأخرى مستغلاً التوترات المحلية - التي ستتكثف بحكم الانتخابات القادمة – والإقليمية التي أيضاً ستزداد بفعل التقلبات المحتملة على الملف النووي الإيراني. وهذه العودة لموجات من الإرهاب قد تتم بوسائل غير تقليدية كالمفخخات المسيرة أو بوسائل سيبرانية وأخرى بيولوجية؛ مستلهِمةً من تفشي فيروس كورونا سيناريو لمشهد قادم.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات