هل تؤسس الحكومة الفلسطينية لأدوار جديدة للسلطة في الضفة وغزة؟

تقدير موقف يتناول تكليف محمد مصطفى بتشكيل الحكومة الفلسطينية، والتحديات التي تواجهها في تحقيق أهدافها في كل ساحة من ساحات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفي الساحتين الإقليمية والدولية، ويتطرق إلى متطلبات تحقيق الحكومة لأهدافها.

الكاتب ستراتيجيكس
  • تاريخ النشر – ٢٨‏/٠٣‏/٢٠٢٤

كلف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 14 مارس 2024، محمد مصطفى بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، والذي أعلن عن حُزمة من الإصلاحات التي تبدأ بتشكيل "حكومة تكنوقراط" وتنتهي بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. ولكن الواقع يبدو أكثر صعوبة وتعقيداً؛  حيث يواجه رئيس الوزراء المكلف منذ يومه الأول مجموعة واسعة من التحديات في مقدمتها، رفض فصائل فلسطينية (حركة حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والمبادرة الوطنية) لموضوع التكليف بتشكيل الحكومة، بالإضافة إلى وجود شكوك بعدم تمتعها بالاستقلالية وقدرتها على إصلاح السلطة الفلسطينية، عوضاً عن استطاعتها إدارة قطاع غزة، وثُم نيلها ثقة المجتمع الدولي والإقليمي لتمكينها من الإشراف على إعادة إعمار القطاع بعد الحرب.

ويأتي قرار تشكيل حكومة "تكنوقراط" جديدة في فلسطين، في سياق الاستجابة لجملة من المتغيرات المتسارعة التي أنتجتها الحرب في قطاع غزة، ومنها:

1- الاستجابة للضغوط الأمريكية الداعية لإصلاح السلطة الفلسطينية وتمكينها من إدارة قطاع غزة بعد الحرب، والتي تعتبر جزءاً من خطة أمريكية لتحقيق حل الدولتين كما هو معلن.

2- البناء على مخرجات اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو مطلع مارس 2024، وإصدار الفصائل المشاركة بياناً وافقت عليه جميعها، يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.

3- محاولة لكبح التحركات الفردية داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينية، لا سيما بين المتنافسين والمتخاصمين السياسيين، والساعين لاستعادة الحضور على المسرح الفلسطيني بحثاً عن أدوار في المرحلة القادمة.

4- مواجهة سياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تجاه السلطة الفلسطينية وحل الدولتين، كما ظهرت في "وثيقة المبادئ" التي طرحها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في 22 فبراير 2024، وتصويت الكنيست بأغلبية كبيرة على رفض الاعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية.

ساحات التفاعل أمام الحكومة

ستواجه الحكومة الفلسطينية العديد من الصعوبات والتحديات المركبة في كل ساحة من ساحات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفي الساحتين الإقليمية والدولية، والتي يُمكن تفصيلها كالآتي:

أولاً: الضفة الغربية

تعتبر الضفة الغربية الساحة الحاضنة للحكومة والمحيطة بها، وهي ساحة مُرشحة للتصعيد في أي لحظة مع استمرار الحرب في قطاع غزة، خاصة في ظل الأزمات التي تعاني منها السلطة الفلسطينية كالأزمة المالية والتي تفاقمت مع احتجاز إسرائيل أموال المقاصة، ومنع العمالة الفلسطينية مع العمل في الداخل الإسرائيلي. بالإضافة إلى الحالة الأمنية الحرجة وتحديداً في بعض مناطق ومخيمات شمال الضفة الغربية، واستمرار الجيش الإسرائيلي في اقتحام الضفة الغربية بشكل شبه يومي، وبما يُنذر باندلاع موجة عنف مرتفعة خاصة خلال شهر رمضان.

ثانياً: قطاع غزة

كان قطاع غزة يخضع لإدارة السلطة الفلسطينية قبل سيطرة حركة حماس عليه في 2007، وهناك سعي لاستعادة تلك الإدارة بعد انتهاء الحرب الحالية في القطاع، بالرغم من التعقيدات المواكبة لذلك، لا سيما مع غموض الدور المستقبلي لحركة حماس، أو جناحها العسكري، وكذلك ضبابية الوضع الأمني والإنساني في القطاع، خاصة مع حجم الدمار الهائل في البنى التحتية، والعدد الكبير من الضحايا والأسرى والمفقودين بين سكان القطاع، وتعقيدات إعادة الإعمار الذي قد يستغرق سنوات وعقود، ناهيك عن الواقع الجديد الذي تحاول إسرائيل فرضه، كالشريط الأمني العازل، والشوارع الفاصلة، ومناطق التمركز العسكري، ومعبر رفح، وغيرها من القضايا الشائكة.

وثيقة-نتنياهو-لما-بعد-الحرب-التوقيت-والدلالات-in-2.jpg

ثالثاً: الساحة الإسرائيلية

تعد الساحة الإسرائيلية الأكثر تعقيداً وتحدياً أمام الحكومة القادمة، خاصة في ظل سيطرة اليمين المتطرف والذي يرفض أي شكل سيادي غير يهودي على أراضي غرب النهر، ويتخذ سياسات وإجراءات تعزز من السيطرة الإسرائيلية وتهويد الضفة والقدس الشرقية ويسعى لتقويض السلطة الفلسطينية، ويرفض أي دور لها في قطاع غزة بعد الحرب.

رابعاً: الساحة الإقليمية

تمتلئ هذه الساحة بالتناقضات بين محاور ودول ذات أولويات ومصالح متباينة، بعضها تجمعه علاقات وثيقة مع السلطة الفلسطينية، كالأردن ومصر والسعودية، وبعضها أقرب لحركة لحماس، كقطر وتركيا وإيران.

خامساً: الساحة الدولية

وهي ساحة الفواعل الرئيسيين، والتوازنات الدقيقة في مواجهة إسرائيل، وساحة اكتساب الشرعية والدعم السياسي والمالي، خاصة من جهة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى المؤسسات الدولية السياسية والاقتصادية، وهي ذات اشتراطات صارمة لم يعد بإمكان أي حكومة فلسطينية تجاهلها.

متطلبات تحقيق الحكومة لأهدافها

في ضوء التحديات؛ فإن الحكومة الفلسطينية القادمة أمام ثلاثة متطلبات من أجل تحقيق أهدافها الرئيسية المتمثلة في (إدارة قطاع غزة ما بعد الحرب، والإشراف على أموال إعادة الإعمار، وتأهيل السلطة لتتناسب ومعطيات حل الدولتين) وتلك المتطلبات:

أولاً: التوافق الوطني

إن التوافق الوطني عامل رئيسي في تعزيز قدرة الحكومة على إصلاح السلطة الفلسطينية، وإعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك تسهيل انخراط حماس والجهاد الإسلامي في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. إلا أن ذلك التوافق بالغ الصعوبة في ظل مواقف الفصائل من السلطة والعكس، والتي فاقمتها الحرب في قطاع غزة، خاصة بعد أن أبدت السلطة الفلسطينية موافقتها على إدارة القطاع منذ الأيام الأولى للحرب، حينما ذكر رئيس السلطة محمود عباس في 11 نوفمبر 2023، أن السلطة يمكن أن تلعب دورا في إدارة قطاع غزة بشرط أن يكون هناك حل سياسي شامل يشمل أيضا الضفة الغربية المحتلة، ومن جهة أخرى يرى قادة في السلطة وفتح، أن خروج حركة حماس من المعادلة الفلسطينية يُعزز ويقوي من دور السلطة ونهجها.

مع ذلك؛ أبدى رئيس الوزراء المكلف عزمه على تحقيق التوافق الوطني، لكن مما يُشير إلى صعوبة ذلك، أن الفصائل الفلسطينية رفضت من حيث المبدأ طريقة الرئيس الفلسطيني في تكليف الحكومة، واتهمت السلطة الفلسطينية "بالإصرار على مواصلة سياسة التفرد، والانشغال بخطوات شكلية وفارغة من المضمون دون توافق وطني"، حيث تطمح تلك الفصائل إلى حكومة فلسطينية تكن مشاركة بها.

هل-تؤسس-الحكومة-الجديدة-لإدوار-جديدة-في-السلطة-الفلسطينية-in-1.jpg

ثانياً: نيل الثقة الدولية والإقليمية

إن ثقة المجتمع الدولي والإقليمي يعتبر محورياً في تمكين الحكومة الفلسطينية، خاصة في مواجهة السياسات الإسرائيلية المتطرفة من جهة، وقدرتها على إدارة قطاع غزة وإعادة إعماره، إلى جانب الدعم السياسي والاقتصادي للحكومة، ورغم حالة الترحيب الدولية اللافتة بتشكيل الحكومة الفلسطينية (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، وهولندا، والنرويج، وغيرها)، فسوف يتعين على رئيس الحكومة المكلف إقناع المجتمع الدولي والجهات المانحة، أن حكومته تختلف عن سابقاتها، وأنها تحظى بالاستقلالية بعيداً عن مراكز النفوذ في السلطة الفلسطينية وحركة فتح، ومن جهة أخرى؛ فإن الرئيس المكلف لم يشغل سابقاً مناصباً ذات صلة بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وسيجد أن أمامه الكثير في سياق بناء سياسة خارجية فلسطينية توازن ما بين مجموعة من الفرقاء ومعظهم من المانحين سواء الدوليين أو الإقليميين.

 ثالثاً: الإصلاح السياسي

إن الإصلاح السياسي الذي تنتظره الدول العربية والغربية، هو مطلب أساسي للحصول على أموال الدول المانحة لإعادة إعمار قطاع غزة من جهة، وتأهيل هياكل السلطة ومؤسساتها لمتطلبات حل الدولتين من جهة أخرى، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل للقبول بحل الدولتين، بل وتجاه بعض الدول للاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية، وذلك يتطلب مؤسسات وهياكل فلسطينية قادرة على توظيف اللحظة الدولية والإقليمية وبناء سياسة خارجية ومحلية تتناسب مع دولة وليس حركة، كما أن الإصلاح شرط أمريكي إذ ذكرت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون أن "الولايات المتحدة تتطلع لأن تتمكن هذه الحكومة الجديدة من تنفيذ السياسات وإجراء إصلاحات ذات مصداقية وفي العمق وهو ما يضع تلك الحكومة في مواجهة مباشرة مع شروط الإصلاح الدولية ومعايير الدعم السياسي والمالي المرتبطة بها".

وعليه تواجه الحكومة سؤالاً حول ضمانات تنفيذ برنامجها الإصلاحي الجذري -إن وجد- وآليات استعادة الثقة في ضوء عدم توفر أي معطيات حول صلاحيات الحكومة الفلسطينية الجديدة، وفي ظل بقاء مراكز القوى داخل حركة فتح وأجهزة الأمن الفلسطينية ومفاصل السلطة على حالها.

وأخيراً؛ لا يبدو أن الحكومة الجديدة تمتلك مساحة واسعة للمناورة بالتزامن مع محدودية الخيارات، في ظل معطيات الواقع الفلسطيني والإسرائيلي والإقليمي والدولي، وهي المعطيات التي ترفع من احتمالات بقاء تلك الحكومة في حدود سابقتها. إذ أن المتوقع؛ هو حكومة في الضفة الغربية، مع اختلافات شكلية وتسهيلات مالية جزئية، بانتظار حدوث تغيرات جذرية تطال بنية السلطة الفلسطينية ومواقف حماس والحكومة الإسرائيلية بالحد الأدنى، لتكون نتيجتها حكومة جديدة قادرة على إدارة المرحلة.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات