مسارات الوجود السياسي لحركة حماس في قطر

إن خيارات قادة حماس للانتقال من قطر لا تزال غامضة وتنحصر في وجهات بعينها، فإما تركيا أو إيران أو لبنان أو الجزائر. فأيها الأكثر ترجيحًا؟

الكاتب ستراتيجيكس
  • تاريخ النشر – ٢٨‏/٠٤‏/٢٠٢٤

تصاعد الجدل مؤخراً حول مستقبل الوجود السياسي لقادة حركة حماس في قطر، وبشكل يُتيح الاعتقاد بأن انتقالهم إلى دول أخرى بات أمراً وارداً، خاصة بعد رسالة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في 5 مارس 2024 لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تطالبه بتهديد قادة حماس بمغادرة الدوحة أو المضي باتجاه التوصل لاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ووصول العلاقات الدبلوماسية بين قطر وكل من إسرائيل والولايات المتحدة إلى "نقطة حرجة"، دفعت الدوحة للتلويح بإعادة تقييم دورها في الوساطة بين الحركة وإسرائيل. ومنذ هجمات الفصائل الفلسطينية في 7 أكتوبر، تصاعد الحديث حول قُدرة الدوحة على احتواء حماس مع الحفاظ على وضعها الدبلوماسي مع الدولتين، وفي ظل المؤشرات المتزايدة على احتمال إعادة الدوحة النظر في علاقاتها مع حركة حماس، فقد تصاعدت التساؤلات حول مستقبل وجود قادة الحركة على أراضيها والخيارات المتوفرة أمامهم للانتقال إليها.

قطر وحماس: تاريخ العلاقة والوساطة

بدأت العلاقة بين قطر وحماس بعد نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، والتي حصدت فيها الحركة أغلبية المقاعد، وما إن سيطرت الحركة على قطاع غزة عام 2007، حتى بدأت العلاقات تأخذ طابعاً رسمياً، من خلال دور قطر في سياقات إعادة الإعمار ودفع رواتب الموظفين، وشهدت العلاقات ذروتها عام 2012 بعد زيارة أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، لقطاع غزة تحت حكم حماس، واستضافة الدوحة للمكتب السياسي للحركة في العام نفسه، والذي يضم عدداً من قادة الحركة، من بينهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، ورئيس الحركة في الخارج خالد مشعل.

في ذلك الوقت كانت العديد من دول الشرق الأوسط فاعلة في دور الوساطة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من بينها مصر والأردن، إلا أن قطر راكمت رصيداً في عمليات التوسط في صراعات معقدة من بينها الوساطة في اليمن 2008، ولبنان 2008، والسودان في الأعوام 2011 و2013 و2017، والمصالحة بين جيبوتي وإرتيريا عام 2011، والمفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، ومفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران.

وعلى هذا النسق استفادت الدوحة من علاقاتها واستضافتها لمكتب حركة حماس السياسي، في الدخول على خط الوساطة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة مع حفاظها على مستوى منخفض من العلاقات مع إسرائيل، وقُدرة مالية أتاحت لها دوراً هاماً في عمليات إعادة الإعمار لقطاع غزة في مراحل ما بعد الحروب والمعارك، لا سيما في الأعوام 2014 و2021 وقد أنشأت في العام 2012 هيئة خاصة لهذا الغرض وهي اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة.

من هذا المنطلق، توسع دور قطر في الوساطات التي كانت حركة حماس طرفاً فيها، من بينها المصالحة بين حركتي حماس وفتح بعدما وقع الطرفان على "اتفاق الدوحة" في فبراير 2012، وفي أغسطس 2020 قادت الدوحة وساطة بين حماس وإسرائيل لخفض التصعيد في أعقاب الاحتجاجات قرب السياج الحدودي مع إسرائيل، وفي مايو 2021 عملت قطر مع مصر والأردن والأمم المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الحركة وإسرائيل.

لكنّ هجمات الفصائل الفلسطينية في 7 أكتوبر على مناطق غلاف غزة، شكلت تحدياً بالنسبة لقطر وعرضّت دورها ومكانتها كوسيط محايد في الصراعات الإقليمية إلى الخطر، بالرغم من نجاح الوساطة القطرية والمصرية والأمريكية في 22 نوفمبر 2023 بالتوصل إلى هدنة مؤقتة، إلا أنها واجهت اتهامات إسرائيلية وأمريكية بالتواطؤ في دعمها المالي والسياسي لحركة حماس، من بينها اتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 24 يناير 2024 لقطر بتمويل حماس، وأنّ لدى الدوحة القدرة على الضغط على الحركة من أجل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة. فيما تطالب الولايات المتحدة من الدوحة بتكثيف ضغوطها على حركة حماس للتقدم نحو الوصول إلى اتفاق وقف مؤقت لإطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين، فمن وجهة النظر الأمريكية يتعين أن توضح الدوحة لحماس عواقب عدم تقديم تنازلات على علاقات الطرفين والدعم القطري المقدم للحركة، ومن هذا المنطلق جاءت مطالبة بلينكن لوزير الخارجية القطري بتهديد حماس بالطرد، فيما طالب النائب الأمريكي ستيني هوير في بيانه المنشور في 15 أبريل، الولايات المتحدة  بإعادة "تقييم علاقاتها مع قطر" إذا فشلت الضغوط القطرية على حماس في تحقيق اختراق في المفاوضات الجارية.

اتجاهات-الحرب-الإسرائيلية-على-قطاع-غزة-ما-بعد-الهدنة-in-2.jpg

وتلك العوامل هي ما دفعت الدوحة للتلويح بمراجعة دورها في الوساطة، والتي تعبر عن مراجعة كامنة تُعيد فيها تحديد طبيعة انخراطها بالقضية الفلسطينية، وترسم بها خطوط مرنة في علاقاتها مع حركة حماس قابلة للتراجع أو التقدم حسب ما تفتضيه مصلحتها الوطنية، وتحافظ بها في الوقت نفسه على مستوى علاقاتها مع حلفائها الإقليميين والدوليين.

حماس في قطر: مسارات المستقبل

في ضوء التكهنات بانتقال جديد لقادة حركة حماس من قطر إلى دولة أخرى، بعد أن استضافتهم الدوحة إثر مغادرة المكتب السياسي للحركة، دمشق عام 2012 نتيجة للأزمة السورية حينذاك، فإن الحاجة تدعو إلى تقييم المسارات المستقبلية لتواجد قادة حماس والتي تتمثل في ثلاثة مسارات رئيسة وهي؛ البقاء في قطر، أو المغادرة الجزئية، أو المغادرة الكلية، وكل خيار من هذه الخيارات الثلاثة مرتبط بجملة من المحددات.

المسار الأول: البقاء في قطر

يرتبط بقاء قادة المكتب السياسي لحركة حماس في قطر، ومحافظة الحركة على مستوى علاقاتها الحالية معها، بتقديم الحركة مرونة في شروط مباحثات التهدئة وإطلاق سراح المحتجزين والموافقة على وقف إطلاق النار، والذي قد ينعكس على تخفيف الضغوط الدبلوماسية على الدوحة وتقوية موقفها بعد جولة سابقة ناجحة من الوساطة في 22 نوفمبر 2023 إلى جانب مصر والولايات المتحدة.

من جهة أخرى؛ يرتبط هذا المسار بخيارات اليوم التالي بعد الحرب، ودور حركة حماس في مستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام، ويتعزز هذا المسار في حالة الوصول إلى تفاهمات إقليمية ودولية تبقي على دور لحماس في إدارة قطاع غزة، أو في النظام السياسي الفلسطيني.

ويعتبر هذا المسار وارداً بشدة، في ظل عدم الإعلان القطري المباشر عن نيتها إبعاد قادة حماس أو تلميحها بذلك، وبسبب بقاء الأسباب الموجبة لاستضافة قطر لحماس، للقيام بدور الوساطة ما بين حماس وإسرائيل والولايات المتحدة، كما أن التلويح الأمريكي بإبعاد حماس من الدوحة جاء بوصفه أداة للضغط على حماس وليس قراراً مطلقاً، وهو ما يمكن أن تحمله تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري في 24 مارس 2024 بقوله "إنه لا يوجد مبرر لإنهاء وجود مكتب حركة حماس في الدوحة بينما تستمر جهود الوساطة في حرب غزة، وأنّ قطر لا تزال ملتزمة بالوساطة، لكنها تعيد تقييم دورها".

المسار الثاني: المغادرة الجزئية

يتمثل في المحافظة على الحد الأدنى من العلاقات الرسمية بين حركة حماس والدوحة، وذلك من خلال الإبقاء على عدد من القادة غير الفاعلين أو من غير المتهمين بشكل مباشر في التخطيط لهجمات 7 أكتوبر، وهذا الخيار مرتبط بتعثر ضغوط الوسطاء على حماس لتقديم تنازلات تسهم في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ويرتبط أيضاً بقدرة الحركة على "المناورة" ونقل جزء من قادتها إلى عواصم أخرى، عربية وغير عربية.

وهذا الخيار ينسجم أصلاً مع سياسات الحركة الخارجية من حيث توزيع قيادتها ومكاتبها على أكثر من عاصمة، وعدم الارتهان لدولة واحدة مهما كانت درجة القرب منها، حيث تحتفظ حماس بمكاتب تمثيلية رسمية يتواجد فيها عدد من قادتها في تركيا، ولبنان، والجزائر، وإيران، وماليزيا، وكان لها مكاتب سابقة في السودان، واليمن، وسوريا، وهو خيار ممكن التحقق، لكن بدرجة أقل من الخيار الأول.

المسار الثالث: المغادرة الكلية

ويشمل إغلاق مكاتب حركة حماس في قطر ومغادرة كافة قادتها منها لجهة ثانية، وهذا الخيار مرتبط بوصول مباحثات التهدئة ومستقبل دور حماس السياسي إلى طريق مسدود تصبح معه الحركة عبء على الدوحة، وتهدد علاقاتها مع حلفائها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وبشكل يدفع الدوحة لخيار قطع علاقاتها مع حماس، بالإضافة إلى استعداد عواصم محددة لاستقبال قادتها، خاصة الرئيسيين منهم، كإسماعيل هنية، وخالد مشعل، وموسى أبو مرزوق، وحتى اللحظة يبدو هذا المسار أقل احتمالاً من سابقيه.

اختبار-العلاقات-بين-قطر-وحماس-ومساراتها-in-2.jpg

ويستلزم هذا المسار في حالة تحققه، البحث في الوجهات المتوفرة أمام الحركة للانتقال إليها، والتي تبدو محدودة في عدد من الدول، كالآتي:

1- الجزائر: تعتبر الجزائر وجهة محتملة لقادة حركة حماس، إذ تحتفظ حماس بعلاقات جيدة مع الرئاسة الجزائرية، تعود إلى العام 2016، ويوجد لها مكتب تمثيل رسمي يتولى مسؤوليته القيادي في حماس محمد عثمان، بالإضافة إلى إقامة القيادي سامي أبو زهري في الجزائر العاصمة، واحتفاظ حماس بعلاقات وثيقة مع حركة مجتمع السلم الجزائرية، وهي أحد فروع جماعة الاخوان المسلمين.

2- تركيا: ترتبط حماس بعلاقات وثيقة مع حزب العدالة والتنمية، وتضم حتى اللحظة تمثيلا رسميا لحماس، حيث يقيم فيها عدد من قادة حماس المهمين على رأسهم وزير داخلية حماس السابق وعضو مكتبها السياسي فتحي حماد، وبالرغم من تخفيف أنقرة دعمها لجماعات الإسلام السياسي وتشديدها على الشخصيات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين والتضييق على قنواتهم الإعلامية، إلى جانب تفضيلها السياسة البراغماتية في الحرب في قطاع غزة، إلا أن خسارة حزب العدالة والتنمية الانتخابات المحلية الأخيرة لأسباب منها موقف الرئاسة التركية تجاه الحرب، قد يُسهم ذلك في محاولاتها مراجعة موقفها والموافقة على خطوات لاستعادة شعبية الحزب محلياً.

3- لبنان: يتواجد في لبنان تمثيل رسمي لحماس، ويقيم فيها عدد من قادتها المهمين، منهم أسامة حمدان، وخليل الحية، ونائب رئيس مكتبها السابق صالح العاروري الذي قتل في غارة إسرائيلية مع 6 آخرين من قادة كتائب القسام في 2 يناير 2024، بالإضافة إلى تواجد قيادات عسكرية وقواعد تنظيمية للحركة في المخيمات الفلسطينية، كما ترتبط حماس بعلاقات وثيقة مع الجماعة الإسلامية، الفرع اللبناني لجماعة الاخوان المسلمين، ولديها شبكة علاقاتها واسعة مع حزب الله، وهو ما يجعل من لبنان خياراً مقبولاً.

4- إيران: يعود التواجد والتمثيل الرسمي لحركة حماس في إيران إلى تسعينيات القرن الماضي، وكان على رأسه القيادي السابق عماد العلمي، إلا أن الإقامة في طهران لا تعد خياراً مفضلاً لأسباب جغرافية وسياسية، حيث أن إيران بعيدة جغرافياً، وذات مصالح ونفوذ قد تؤثر سلباً على سياسات الحركة مستقبلاً، وذلك بالرغم من العلاقات السياسية والعسكرية والمالية بين الطرفين.

وفي هذا السياق، فإن انتقال قادة حماس إلى وجهات ودول أخرى مسألة بالغة الصعوبة، لتعثر محاولات الحركة إعادة صياغة علاقاتها مع عدد من الدول العربية، ورفض بعضها الآخر استضافة مكاتب الحركة حتى في مرحلة ما قبل الحرب، وبينما تداولت الأنباء محادثات مع العراق لاستقبال المكتب السياسي لحماس، إلا أن مصادر عراقية سياسية رفيعة المستوى نفت ذلك بشكل خاص لمعهد ستراتيجيكس.

ختاماً، كل ما سبق من خيارات وبدائل ممكنة أو مستبعدة يحكمه تسارع الأحداث، ومرونة حماس في التعاطي مع المستجدات، خاصة في ظل تزايد احتمالات التوصل إلى اتفاق تهدئة بفضل الجهود المصرية، وزيارة رئيس المخابرات العامة المصرية لإسرائيل في 26 أبريل 2024، وهي الزيارة التي جاءت بعد تصريحات لافتة لعضو المكتب السياسي للحركة، ونائب رئيسها في غزة خليل الحية في 25 أبريل، والتي أشار فيها إلى أنّ حركته مستعدة لعقد هدنة مع إسرائيل لخمس سنوات أو أكثر، ويمكن أن تلقي سلاحها، وتتحول إلى حزب سياسي في حال تم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في حدود عام 67.

تصريحات الحية ستمنح حماس المزيد من الوقت إذا كانت من باب "التورية" والمناورة السياسية، لكنها ستؤسس لمرحلة جديدة إذا كانت تعبيراً عن استجابة حماس للضغوط الميدانية والإقليمية والدولية، في ظل ما يرشح من أخبار عن حوار بين حركتي فتح وحماس، وهو ما يعني أنّ بدائل حماس ستتحول باتجاه الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بوصفها شريكاً في النظام السياسي الفلسطيني القادم على المدى البعيد، في حين ستكون العديد من العواصم أكثر استعداداً لاستقبال قادتها على المدى القريب.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات